الجزائر

أجور زهيدة وتهديدات بالفصل وأستاذات يلتحقن بمناصبهن بعد الولادة مباشرة ''الخبر'' تتوغل في ''ساحة الإدماج ''وتنقل مأساة الأساتذة المتعاقدين



انطلقت، أمس، مرحلة التضييق ولجم الأفواه والتجريد من الشعارات، التي بادر بها رجال الأمن خاصة المدنيين منهم، لمحاولة تثبيط عزيمة الأساتذة المتعاقدين المعتصمين منذ الأحد الماضي أمام قصر الرئاسة بالمرادية، في الوقت الذي أقسم فيه المعتصمون على عدم مغادرتهم للمكان إلا جثثا هامدة ''لأنهم مناضلين ضحوا بالنفس والنفيس من اجل افتكاك تأشيرة الإدماج''.  نحن نتحدث إلى بعض الأساتذة كنا نتفاجأ في كل لحظة بحضور أستاذ جديد من ولاية جديدة.. أدركنا حينها بأن مأساة هذه الشريحة من العمال في قطاع التربية تمس 20 ألف أستاذ، جاء ممثلون عنهم من ولايات الشرق والغرب والجنوب للاعتصام أمام مبنى الرئاسة لمخاطبة بوتفليقة مباشرة ودون بروتوكول ووساطة.. الأساتذة غادروا منازلهم منذ أكثـر من أسبوع، منهم من ودّع أهله ومنهم من حاول أن يجنب أهله العلم بمكان تواجده حتى لا يبقوا منشغلين به، وفي هذا السياق قال أحدهم إن هاتفه لا يتوقف عن الرنين يوميا للاطمئنان على حاله.
لا تأمين ولا أجور      ولا.. محظورات المتعاقد
الجلسة الحميمية معهم كشفت لنا عمق مأساة التعاقد ، التي تبدأ بوثيقة العقد الذي لا يتسلمه عدد كبير منهم، وتكتفي مديريات التربية بتسليمهم محضر تنصيب، وإن حدث وسلم لهم فأكيد سيكون بعد سنة أو أكثـر من تاريخ التنصيب، حيث يحمل هذا الأخير في آخر بنوده أنه يخول للمدير فسخ العقد دون إشعار مسبق، ولكم أن تتصوروا معنى هذا.
الأجور قضية لا تقل أهمية عن الأخرى تعيث فيها المديريات والأكاديميات فسادا.. أجور لا تضاهي ما يتقاضاه نظراؤهم الأساتذة الدائمون رغم أن المتعاقدين يجبرون على التدريس ساعات إضافية، وهنا أشار من تحدثنا إليهم إلى استغلال مدراء المؤسسات لهم وتهديدهم بالفصل في حالة احتجاجهم على زيادة عدد الساعات، كما أن الأجور ليست نفسها عند جميعهم، بل تختلف من أستاذ إلى آخر، وهنا أشار أستاذ من ولاية تيارت أنه في آخر أجرة تلقاها تفاجأ بسحب 7 آلاف دينار من رصيده، ولم يكن له الحق حتى في طلب استفسار لأنه سيفصل لو بادر بهذا، ناهيك عن تأخيرها الدائم، لدرجة أن هناك أساتذة لم يتقاضوا أجورهم منذ سنتين، كما أن الأستاذ -حسبهم- يحرم كذلك من منحتي التأهيل والتوثيق.
في المقابل لا يحق للمتعاقد حتى المرض الذي ليس بإرادته، فأي عطلة مرضية نتيجتها الحتمية الفصل من الوظيفة، والأستاذة المتعاقدة لا تستفيد من عطلة الأمومة، وحدث أن وضعت أستاذات مواليدهن بعد عمليات قيصرية أجبرن على الالتحاق بمنصب العمل بعد يومين من الولادة، وإلا فهناك أخرى ستحل مكانها، فيما أصبح التأمين مأزقا آخر، حيث إن معظمهم غير مؤمن وضحية لوعود تسوية الوضعية في آجال غير محددة.
وفوق هذا وذاك، فالأستاذ المتعاقد أصبح المستنجد به دائما، خاصة في المناطق النائية أين يكون الحارس والمدير والمقتصد ... لكنه يتقاضى أجر الأستاذ فقط، وعن هذه المناطق بالذات تحدث أساتذة من ولايات بسكرة وعين الدفلى وبومرداس عن المخاطر التي يتعرضون لها أثناء تنقلهم، منهم من يمر بالغابة وآخر بالأودية وآخرون شاهدوا كل صور التقتيل خلال عشرية الإرهاب.
بسمة وعبد القادر.. نموذج للصمود
من يتجول بين المعتصمين يقف عند الإرادة القوية لهؤلاء، حيث استوقفتنا بسمة حبيطوش، التي جاءت من برج بوعريريج والتي استطاعت أن تزرع البسمة في صفوف المحتجين، بحرصها الواسع على تتبع كل صغيرة وكبيرة.. تقول إنها علمت لأول مرة وهي تخوض هذه التجربة مدى سحر دعاء الوالدين، فهي لم تنم لمدة 5 أيام كاملة ومع ذلك مازالت تتمتع بطاقة هائلة، يشهد لها زملاؤها أنها كانت الحارس الذي يتفقدهم طيلة الليل، تغطي هذا وتطمئن على هذا وتعالج آخر، وقد حظيت بشعبية واسعة، بعد أن أكدت أن ما جاء بها إلى العاصمة هو الحفرة التي عانتها منذ أن أصبحت أستاذة متعاقدة.
وغير بعيد عن بسمة وجدنا عبد القادر باجيا جاء من تميمون، كله حماس، قال عنه زملاؤه بقي حاملا للافتة كتب عليها متعاقدون يطالبون بالإدماج لمدة 24 ساعة كاملة رغم ترجيهم له لأخذ قسط من الراحة، وعن أسباب هذا القرار أجابنا عبد القادر بأن هدفه كان لتشجيع زملائه على الصمود الحاضرين منهم والغائبين خاصة بعدما بدأت قوات الأمن تنتهج سياسة التضييق عليهم.   
الأمن يردعهم والتلفزيون يتجاهلهم ولسان قولهم صامدون وسامطون
في ظرف أسبوع نزل الغيث بالعاصمة مرتين ليلا، أين كان الأساتذة يفترشون الكرطون الأمر الذي تسبب في إصابة العديد منهم بالحمى بعد تعرضهم للزكام، ولأن التضامن تغلب على المرض وفي وجود من أسموهم بالشرفاء -وهم يقصدون سكان المرادية وأصحاب المحلات- فقد قاموا باقتناء أدوية لكل الأمراض وأسسوا قسما للاستعجالات بساحة الإدماج، يقدم فيها خدمات لكل مريض، خاصة بعد أن وجدوا أن سيارات الإسعاف التي كانت تنقل المرضى منهم إلى المستشفيات لا تتكفل بإعادتهم إلى نفس المكان مجددا، أين يعجز عدد كبير منهم وبحكم عدم معرفة المنطقة من العودة من جديد، وهو ما اعتبره الأساتذة تعمدا من المعنيين لتشتيت صفوفهم، وهو ما لم ينجحوا في تحقيقه.
كما سعت السلطات حسبهم وخلال الأيام الماضية في تسخير آلات الحفر والتنظيف ليلا لإزعاجهم ومنعهم من النوم ليبقوا مرهقين دائما، ليتخلوا بعدها عن اعتصامهم ويعودون أدراجهم، إلا أن أكثـر ما حز في نفوسهم هو تسخير رجال الأمن للتضييق عليهم من كل الجهات، وهنا أشارت الأستاذات إلى أن البعض منهم يستفزهن ليلا بأنه من العار مبيتهن في الشارع حيث رددت إحداهن أنا لن أسمح لأحدهم بإهانتي، والدي هو أول من شجعني ونمت في الشارع وليس في الملهى من أجل قضية عادلة .  


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)