تعريف ببلدية طلمين
فاطمة توكال - طالبة - بلدية تامترت - الجزائر
01/06/2011 - 15430
طلمين ... جنة الله في أرضه
لم نضع في البال حسبانا أننا بعد رحلة إسراء نحو الجنوب طولها أكثر من ١١٠٠ كلم وسط الفيافي المقفرة سنجد أنفسنا وسط مسحة خضراء ومرج فسيح إمتزجت فيه حدائق نخيل أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء بورود تفتحت لتعانق نسيم الصباح في حلة أبهى من شقائق النعمان وأروع من زهور الرمان.
في البداية كادت الرحلة من وهران أن تلغى بعد أن ضيعنا آخر حافلة متجهة لبشار ببضع دقائق، غير أن إصرارنا على قضاء عطلة نهاية الأسبوع بعيدا عن وهران زاد من عزيمتنا فامتطينا سيارة أجرة إنطلقت بنا وقت الأصيل باتجاه مدينة سعيدة التي وصلناها مع غياب الشفق الأحمر، ومن هناك حجزنا في حافلة بشار التي لم تتأخر كثيرا عن موعدها، وقطعنا سهوب الخيتر وبوقطب والمشرية لنغوص رويدا في رمال مغرار ثم بني ونيف قبل أن نصل في الخامسة صباحا لبشار، ولم ننتظر كثيرا لنحجز في الحافلة المتوجهة لأدرار لنصل أخيرا مفترق الطرق المؤدي لبلدية طلمين التي لم يعد يفصلنا عنها سوى ٥٠ كلم، وكان بانتظارنا هناك دليلنا ومضيفنا الشاب محمد دحنان الذي يعمل في السلك التربوي، لنحط أرجلنا في طلمين أخيرا مع شمس العصر على مائدة كسكسي أنستنا تعب الرحلة.
لم ننتظر كثيرا لنخرج للتنزه وسط واحات النخيل قبل غروب الشمس، فوجدنا أنفسنا في واحات أشبه بحدائق بابل وأقرب للوحات بيكاسو لكنها حقيقية، وجدنا أنفسنا بين فسحات خضراء وجنانات مزهرة، وزاد المنظر رونقا عندما احتضن خط الأصيل لحظة عانقت فيها شمس الغروب الرمال الذهبية وكأنها تودعها إلى أن تلتقيها في غد جديد.
ولأن الحظ أبى إلا أن يلازمنا في هذه الرحلة فإن تواجدنا بطلمين تزامن وإقامة حفل زفاف أحد شبان المنطقة، حيث كانت فرصة لنا لنقف على عادات وتقاليد أهل المنطقة، وعشنا أجواء احتفالية هادئة لكنها حميمية، أما عن العرس فإنه جرى بنفس تقاليد وعادات الأجداد حيث يلبس العريس عباءة وبرنوسا ويضع عمامة طويلة كل هذا بألوان بيضاء كما يتقلد سيفا عربيا، أما النساء فيرتدين كلهن ثيابا حمراء وفوقها حايكا أبيضا، وهو لباسهن طول السنة، وحفل الزفاف في طلمين يستمر ثلاثة أيام وليال غير أن العريس لا يستطيع مغادرة بيت الزوجية قبل انقضاء أسبوع عن يوم دخلته.
سهرنا في الحفل واحتفلنا برفقة العريس الذي أصر على أن نبقى في ضيافته غير أننا اعتذرنا له إذ لا يمكن تلبية جميع الدعوات الكثيرة حيث أن كرم أهل طلمين خاصة والصحراء عامة يجعلك في حيرة وحرج أمام رغبة الجميع في استقبالك وتضييفك.
وفي الصباح كان الموعد في بيت رماني محمد الذي جاء من قصر "قرلو" مصرا على أن نمضي يوم الجمعة عنده، وقد كانت هذه الضيافة العطرة فرصة لنا لنكتشف ما يسمى بالعرق، حيث أمتعنا ناظرنا بلوحات فنية لكثبان الرمال الزبرجدية، وقبل أن نلج بيت الشيخ رماني فقد تجول بنا في حديقته الواسعة الملأى بأشجار النخيل وأشجار المشمش وشتى أنواع الفواكه تتخللها أحواض الخضر التي تربعت بين سواقي الماء المتدفق، وفي أعلى هذا الجنان أطلت علينا نعاج وعنزات وضروعها تكاد تفيض من الحليب.
وبعد تناول الغداء وشرب الشاي كان الموعد مع التوجه للمسجد لأداء صلاة الجمعة، وفي النهاية كنا قد أمضينا يوما بهيجا برفقة اليشخ رماني وإخوته وأحبابه إستمتعنا فيه بمذاق عجين التمور ومزيج حليب الماعز مع النعاج.
الشيخ دحنان مسعود يحتفظ بكنوز الكتب ويكشف للبلاغ:
أحفاد عثمان بن عفان أسسوا طلمين منذ ٨ قرون
الحاج دحنان مسعود واحد من سكان طلمين الذين توارثوها أبا عن جد، وهو يملك كنوزا نادرة تتمثل في كتب أصلية مخطوطة باليد تعود لقرون مضت أهمها كتاب: مختصر شرح الأجرومية للعلامة خليل بن إسحاق بن موسى، وكتبا أخرى خاصة بالفلك والطب.
الحاج دحنان مسعود الذي أكرمنا في بيته روى لنا تاريخ طلمين بحذافره، حيث كشف لنا أن المنطقة كانت في القرن السادس الهجري مجرد بئر قديمة بجانبها صخرة وبجانب الصخرة نخلة عظيمة، وقد مر بها الشيخ يوسف الذي كان قادما من قرية أوسيف قرب تيميمون قاصدا الكعبة الشريفة، غير أنه لما رأى النخلة وكبر عراجينها أدرك أن هذه الأرض مناسبة جدا لزرع النخيل، فدل قومه عليها ومنذ ذلك الوقت سُكنت طلمين وقد عمرتها في البداية ثلاث قبائل، وكلمة طلمين هي جمع لكلمة طلمت بالشلحة ومعناها الناقة، كما كشف لنا الشيخ مسعود دحنان أن أغلب سكان المنطقة هم من أحفاد الصحابي الكريم عثمان بن عفان الذين نزحوا إليها بعد الفتوحات الإسلامية.
أما عن تاريخ طلمين خلال الحقبة الإستعمارية فيحكي لنا الشيخ دحنان أن الجيوش الفرنسية حاولت عبثا إدخال المنطقة في حكمها غير أنها اصطدمت بمقاومة ورفض الأهالي حيث انهزمت مرارا في معارك مختلفة قبل أن تحاصر القائد الشيخ محمد وجيشه في إحدى القصور لمدة ثلاثة أيام لتضطرهم للإستسلام، وقد تم نفي القائد الشيخ محمد للأغواط قبل أن يتم إغتياله بوضع السم له داخل حذاءه.
سكان طلمين ... القناعة كنز لا يفنى
وأنت تتجول بقصور طلمين وواحاتها تجد نفسك في مكان بعيد كل البعد عن التكنولوجيا المتطورة ووسائل العيش الفارهة وكل ما من شأنه أن يسهل عليك حياتك اليومية مثلما هو الحال في المدن، ومع ذلك لم يشتك سكان طلمين يوما ولم يعرفوا للبؤس طريقا، فهم استطاعوا أن يحققوا الإكتفاء الذاتي فلم يعودوا بحاجة لمن يزودهم بالمؤونة من خارج بلدتهم الصغيرة، كما أن قناعتهم ورضاهم بما أفاء الله عليهم من واحات وزرع وأغنام صار كنزهم الدائم الذي لا يجد الفناء إليه طريقا، فلله ذرّهم ما أجملها من حياة وما أعظمها من قناعة.
soltana Med - Oran - الجزائر
16/08/2010 - 6030