بحث وافٍ عن الشيخ محمد بلكبير – رحمه الله –
هي موضوع رسالة تخرج لأحد الإخوة أرجو الدعاء له بالتوفيق
نسبه :
هو الشيخ محمد بلكبير بن محمد عبد الله بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الله … ينتهي نسبه إلى ثالث الخلفاء الراشدين، الصحابي الجليل، عثمان بن عفان – رضي الله عنه -
مولده :
ولد الشيخ محمد بلكبير سنة 1911م/1330هـ، من أبوين كريمين هما السيد عبد الله بن محمد، والسيدة أمباركة رحموني – رحمهما الله – بقصر من قصور بودة، أحد قرى الغمارة الواقعة في الجنوب الغربي من مدينة أدرار على بعد 25 كلم.
ولقد فارقته أمه إلى مثواها الأخير وهو لم يتجاوز من العمر ثلاث سنوات تاركة إياه مع إخوته : عبدالقادر وأمحمد وعبد الرحمان وأحمد، في كنف والده عبد الله.
وتجدر الإشارة إلىأن إخوته أمحمد وعبد الرحمان وأحمد قد ماتوا صغارا رحمهم الله.
نشأته :
نشأ الشيخ مقبلا على طلب العلم وتحصيله، فتلقى مبادئ العلوم بمسجد القرية بالغمارة، هذا الخير الذي دخله وهو لا يتجاوز سن الخامسة من عمره ؛ حيث تعلم على يد إمام المسجد آنذاك الشيخ محمد بن عبدالرحمان.
ومما ساعده في تحصيله وتفوقه ظروف نشأته الأسرية، حيث ترعرع في وسط علمي مشهود، فكان أبوه عبد الله من حملة كتاب الله، وكان عمه أيضا إماما ومعلما بمسجد القرية، بينما كان خاله المهدي فقيها وصوفيا من أعيان عصره بقصر بني “اللو” ببودة، وفي هاته الفترة القصيرة جدا من عمره تمكن من متون الفقه والنحو والتوحيد كالرسالة والألفية.
ولقد كان لكل ذلك الأثر الكبير في نشأته المتميزة، وتربيته الكريمة وإعداده للصبر، والمثابرة في طلب العلم، مما هيأه لتحمل الغربة، ومفارقة الأهل في سبيل التعليم.
وفي نشأته يقول الشاعر أحمد بن عبد القادر الطلحاوي :
ترعرع الشيخ ما بين العلماء *** من أجل ذا نشأ شابا عليما
والده اصطفاه ربنا الكــريم *** لحفظ دينه والقرءان العظيـم
وعمه كان إمامـابالقريـة *** يعلم الناس الدروس الدينية
وخاله كان فقيها ورعا *** ما بين هؤلاء قد ترعرعا
حفظ القرءان في سن مبكر عن عمه (قبل الثامنة عشر).
رحلاته في طلب العلم :
من المعروف أن العلم لا يؤخذ بالتمني، بل يؤخذ بمجالسة العلماء والفقهاء ومغالبة الرجال والمجتهدين، بل وقطع الفيافي والبوادي من أجل التعلم والتحصيل.
وهو الأمر الذي دفع بالشيخ محمد بلكبير منذ أن بلغ ريعان شبابه أن ينتقل من مسقط رأسه باحثا عن المزيد من العلوم، ومتعرفا على شيوخ زمانه، الذين كان لهم السبق آنذاك في شتى علوم الدين والدنيا، ومن ثمة وصل إلى مدن العلم وحواضره.
الشيخ في تمنطيط :
لقد كانت تمنطيط ولا زالت عاصمة للعلم في إقليم “توات”، بل ومنبعا لا ينضب وهو الأمر الذي دفع عبد الله والد الشيخ محمد بلكبير إلى إرساله برفقة خاله محمد بن المهدي إليها، هذا الخيِّر الذي قال له عند توديعه : “يا بني إذا كنت للعلم طالبا، وللخير سائلا، فليس لك بدٌ من الوقوف والجلوس عند بحر البحور، والنزول عند عالم الأعلام، تستفيد من معارفه وتغرف من كمالاته”.
وقد كان يقصد بكلامه الشيخ أحمد ديدي – فقيه زمانه – الذي تولى تعليم محمد بلكبير بتمنطيط.
ولما دخل الشيخ محمد بلكبير الزاوية البكرية افتتح مختصر خليل وجعل فيه وقفتين، الأولى في البداية، والثانية في باب البيوع.
ومع ذلك لم يتمكن من حفظه في سنة واحدة – كما أشار عليه والده – فعاد واستأذن والده رحمه الله، فأذن له بسنتين إضافيتين لأن المختصر (مختصر خليل) كان يحفظ في ذلك الوقت في أربع سنوات.
وفي هذه الفترة يقول الشيخ رحمه الله : أن الشيخ أحمد كان يحبه، وكان يجلسه بجواره، ويضع ركبتيه عليه دوما أثناء التدريس.
تلقى الشيخ بتمنطيط ما قدر الله له من العلوم الشرعية والعربية، من توحيد وفقه وحديث وتصوف وتفسير وآداب ونحو ولغة وصرف على يد العلامة الشيخ أحمد ديدي عالم وقته ومصباح زمانه، حيث مكث عنده ثلاث سنوات، كانت بأيامها ولياليها ميدانا فسيحا للعمل المتواصل، تقدر حصيلتها بثلاثين سنة – فيما بعد – لأن مواهب الإله لا توزن بمقاييس ولا تقدر بأزمان ؛ حيث انتهى الشيخ في هذه المدة الوجيزة من دراسة الفقه المالكي بالأمهات، والتوحيد بالأدلة والبراهين، والنحو والصرف، واللغة مع سرد وشرح صحيح البخاري.
وأثناء هذه المرحلة كانت له اتصالات متعددة بعلماء وقضاة المنطقة مثل : عبد الكريم الفقيه البلبالي (بني تامر)، والشيخ بوعلام (ملوكة) والشيخ القاضي (محمد بن عبد الكريم البكري ابن عم الشيخ أحمد ديدي)، وغيرهم من علماء الإقليم للمذاكرة معهم والاستفادة منهم والبحث في المشكلات العلمية التي قد لا يتمكن من مراجعة الشيخ أحمد فيها، مما وسع معارفه وجعله على دراية واسعة بالنوازل والفتاوى التي وقعت في الإقليم إلى أن صار متمكنا راسخا، طوداشامخا.
وفي رحلته إلى تمنطيط يقول الشاعر أحمد بن عبد القادر الطلحاوي :
وعند ما بلغ الشيخ سن الرشاد *** خرج صحبةخاله من البلاد
واتجـه نحـو ديـار تمنطيـط *** وكانت قبلة للعلم والتخطيط
لشيخه سيدناأحمد بن ديدي *** شيخ تمنطيـط بلا تـردد
منـه تعلـم ثلاث سنـوات *** لكنها كانت لهكالعشرات
الشيخ في تلمسان :
بعد ثلاث سنوات من الجد والكد في تحصيل المعرفة، عاد بلكبير إلى أبيه ليستأذنه في الذهاب إلى فاس ليتم دراسته في جامع القرويين، فلم يأذن له ولكنه أذن له في الذهاب إلى تلمسان للأخذ من الشيخ عبدالرحمان بن بوفلجة، هذا الأخير الذي كان عالما زاهدا ورعا، عارفا بعلوم الشريعة.
ونذكر هنا أن الشيخ محمد بلكبير لم يكن لديه المبلغ الكافي ليذهب به إلى تلمسان إلا ما جاد به عليه شيخه أحمد ديدي، والمتمثل في 150 سنتيم (30 دورو)، وهو المبلغ الذي استعمل جله للوصول إلى تلمسان، ولم يبق منه إلا 20 سنتيم أهداها إلى شيخه عبد الرحمان بن بوفلجة.
ولقد كان للشيخ محمد بلكبير اتصالات بعلماء تلمسان، كما كانت له رحلة إلى المغرب الأقصى، زار فيها جامع القرويين بفاس، واتصل بعلمائه واستفاد منهم.
وبعد أن أخذ بغيته من الشيخ بوفلجة، واشتهر أمره بالمنطقة طلب منه أن يشتغل بالتعليم القرءاني، والإرشاد بناحية العريشة ثم بالمشرية.
وبقي محمد بلكبير ما بين تلمسان والعريشة والمشرية خمس سنوات، تزوج خلالها وأنجب بنتا ماتت وهي طفلة.
وقد تخرج على يديه في تلك الفترة أئمة وفقهاء ومعلمين وغيرهم.
وفي رحلته إلى تلمسان يقول الشيخ أحمدبن عبد القادر الطلحاوي :
واتجه نحو ديــار تلمســان *** لأجل التزود بتفاسيرالقرءان
والتقى بالشيخ سيدي عبد الرحمان *** بن بوفلجة شيخ ديار تلمسـان
من دريةالشيخ سيدي أحمد بن موسى *** وكـان للشيـخ جليسـا أنيسـا
ومعـه راجـع شـرح خليـل *** كذاالتفاسير بالنص والدليل
الشيخ في تيميمون :
عاد الشيخ من تلمسان إلى مسقط رأسه “بودة” استجابة لدعوة والده الذي بعث في طلبه بعد أن أحس بالتعب والوهن.
وما إن استقر محمد بلكبير في بودة حتى علم به بعض أعيان تيميمون فطلبوه ليكون معلما عندهم للقرءان والفقه والعلوم الشرعية، وذلك سنة 1943م.
فكان يلقي الدرس ضحى لأعيان المنطقة، ثم بعدها يلقي درسا آخر للصغار، وقد اتبع في ذلك خطوات للتدريس وهي : قراءة القرءان في الألواح – قراءة القرءان الكريم جماعة – (الحزب الراتب) بعد صلاة المغرب- تدريس علم التجويد وعلم الضبط – تدريس علم التفسير – إلقاء دروس في السيرة النبوية – قراءة المتون في الألواح وجماعة يوم الأربعاء – إلقاء دروس الفقه للتجار والطلبة الصغار الداخليين.
ومن المتون التي كان الشيخ يلقي بها دروسه وكان يحث طلبته على حفظها :
- متون التوحيد : السنوسية – الجوهرة – الأوجلي- إضاءة الدجنة في اعتقاد أهل السنة (وكلها على معتقد الأشاعرة).
- متون الفقه : المرشد المعين – العبقري – أسهل المسالك – رسالة ابن أبي زيد القيرواني – مختصرخليل (وكلها في الفقه المالكي).
- متون اللغة : الأجرومية – مُلحة الإعراب – ألفية ابن مالك.
- متون الأدب : سراج طلاب العلوم – نصيحة الهلالي – نصيحة الشباب والهدية. وغيرهـا
ومن بين الطلبة الذين درسوا على يد الشيخ في مدرسة تيميمون :
عمار أقاسم – والحاج سالم بن إبراهيم (الخليفة الروحي للشيخ ومؤسس مدرسة للتعليم الشرعي بآدرار وعضو المجلس الإسلامي الأعلى) والحاج عبد القادر أخ الشيخ بلكبيروغيرهم.
وقد مكث الشيخ في تيميمون حتى أواخر سنة 1948م، وما عرفه أهل المنطقة إلا رجلا ورعا زاهدا عما في أيدي الناس، محبا وأخا كريما ومدرسا ومفتيا، ومصلحا بين الناس، لا يمل ولا يكل في الاجتهاد وطلب العلم.
ونذكر هنا أن مدرسة تيميمون قد تم غلقها بدفع من السلطات الفرنسية سنة 1948م، والتي ساهمت في خلق شقاق بين الشيخ محمد بلكبير من جهة وأعيان منطقة تيميمون من جهة أخرى، بعد أن تمت مقاضاة أحد مساعدي الشيخ بلكبير – ظلما – من طرف السلطات الفرنسية في قضية مشهورة.
وهو الأمر الذي جعل الشيخ يقسم ألا يبقى في بلد يسجن فيه العلماء فعاد إلى بودة (لغمارة) في أواخر سنة 1948م وعاد معه الطلبة الذين درسوا عنده في مدرسة تيميمون، نذكر منهم على الخصوص لا الحصر : أخوه الحاج عبد القادر والحاج سالم بن إبراهيم.
شخصيته :
إن الحديث عن الشيخ بلكبير هوحديث عن شخصية فذة وفريدة من نوعها وكأن الله قد خلقه لأمر عظيم وهيأه لخطب جسيم، فأولع في نفسه حب العلم والتعلم وأهلهما.
وقد كان آية في الحفظ والأخذ عن المشايخ، حتى فتح الله له أبواب العلم والمعرفة، ويسر له خزائنها، فكانت بين يديه مفاتيح علوم شتى من علوم الدين والدنيا.
ملامحه :
كان الشيخ رحمه الله له من المهابة والشموخ ما يجعل منه طودًا لا تزحزحه الرياح، حتى أنه ليخيل لمراقبه تلك العظمة المشرقة والمتزينة بأنوار الزهد والعطاء.
فكان رحمه الله أبيض اللون يشوب بحمرة ربعة، لا هو بالطويل ولا بالقصير – وهو إلى القصر أقرب – أبيض الشعر، جميل المنظر، عذب الكلام، ثاقب البصيرة، سريع الفهم، هادئ الطبع، قوي الشكيمة لايخاف في الله لومة لائم.
مذهبه في الفقه :
لقد عرف على أهل المغرب العربي أنهم مالكية المذهب، وذلك منذ عصر المرابطين أين انتشر هذا المذهب في مختلف ربوع بلاد المغرب، وهو ما جعله يتأصل بين الفقهاء وعلماء المنطقة الذين بادروا إلى تعليمه وشرحه بل والإفاضة فيه بالكتب والمخطوطات والتفاسير والمتون.
وهو الأمر الذي جعل الشيخ يبادر إلى دراسة هذا المذهب منذ نعومة أظافره، وذلك على يد معلمين ومربيين من شيوخ المنطقة التواتية.
ولهذا فالشيخ كان مالكي المذهب، درس الفقه المالكي وتبحر فيه حتى أفاض على طلابه بزبدة هذا المذهب من شروح وتفاسير في مختلف الأمور الفقهية.
لكنه لم يغفل عن دراسة بقية المذاهب، بحكم الاجتهاد والبحث والتقصي مما مكنه من الوقوف على أهم مشكلات عصره وزمانه في المسائل الدينية ذات الاتجاه الفقهي، بل وكانت له فتاوى واجتهادات شخصية تجعله في مصاف العلماء.
ومن الأمثلة على تلك الفتاوى، ما قاله عندما سئل عن السدل والقبض :
“ينبغي ألا ينكر السادل على القابض ولا القابض على السادل، وإذا وجد القابض جماعة يسدلون سدل، وإذا وجد السادل جماعة يقبضون قبض حتى لا يلفت أنظار الناس إليه، ولا توضع له علامة استفهام، ولا ينبغي للمسلمين أن يختلفوا ويتجادلوا في مسألة مثل هذه، ومن العار والفضيحة أن يقتتل المسلمون أو يتقاطعوا أو يتدابروا من أجل سنة أو مندوب ؛ فالسنة سنة والمندوب مندوب والفتنة حرام وعواقبها وخيمة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “الفتنة نائمة ملعون من أيقظها”.
أخلاقه :
لقد اجتمعت الآراء واتفقت على أن أخلاق الشيخ محمدبلكبير رحمه الله كانت مستمدة من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ما أكده لنا الشيخ أحمد حفاري بقوله : “إن أخلاق الشيخ كانت مستمدة من أخلاق النبي صلى الله عليهوسلم، من حلم وكرم وعلم وعمل ووقار وخشية لله عز وجل وزهد”.
بينما يقول الشيخ الحاج المهدي رابح : “كان الشيخ محمد بلكبير متخلقا بخلق القرءان والسنة”.
ونلتمس ذلك من خلال تلك الآثار التي كانت تشاهد عليه من ورع وتواضع وزهد.
وتلك آثارنا تدل علينا *** فاستدلوا علينا بالآثار
في أحد الأيام كان الشيخ محمد بلكبير رحمه الله جالسا كعادته مع الضيوف والزائرين فدخل عليه زائر بيده 10 ألف دينار جزائري، فأهداها له بيده اليمنى، ولما أخذها الشيخ أهداها بدوره إلى شخص كان بجانبه من المتوسلين بدون أن يعلم كم هو المبلغ الذي كان قد قدمه له الزائر، وهناك تتجسد أخلاقه المستمدة من القرءان الكريم والسنة مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم : “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه”.
ومن هذا وذاك كان رحمه الله عالما زاهدا صاحب عزيمة وشكيمة، شهما هماما، محترما، منصرفا عن ما لا يعنيه إلى ما يعنيه، صاحب سماحة، وأخلاق عالية، ورحب الصدر، لا يؤخذ بالذنب ولا يعاتب لا باللسان ولا بالقلب، مفرجا على من سأله الكرب، ضحوكا بشوشا غنيا بإيمانه قويا بحلمه سيدا مهابا، ناطقا بالحكمة والصواب، يحترمه الكل، هكذا عاش وعلى هذا مات.
وخيرمثال على جوده وكرمه ما قاله الشيخ أحمد بن عبد القادر الطلحاوي :
كرم الشيخ ليس له نظير *** في عصرنا فاسأل الخبير
فكـل من أتى إليـه يطلب *** شيئا من الدنيا تراه يعجب
لأنه يعطيهم بلا حسـاب *** ولا يرد سائلا على عقاب
فيده اليمنى تعطي بلا حساب*** ودنيانا عن قلبه لها حجاب
وطالب العلم معفى من الإنفاق *** وشيخنا يزيده من الأنفاق
ما يشتري به مطالب الحيــاة *** من اللباس والكتب والأدوات
إنفاقه في اليوم يفوق كل تقدير *** عناية الله تعم أهل الخيـــر
نشاطاته وأعماله الإصلاحية :
مما لا شك فيه أن الله قد خلق الإنس والجن لعبادته، وحسن طاعته بدليل قوله تعالى : “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”. وهو الأمر الذي جعل الإنسان بصفته سيدا للمخلوقات، مسخر العبادة لخالقه، سواء بتأدية الواجبات، والامتثال للأوامر والنواهي الإلهية، أوعن طريق العمل من أجل فائدة المجتمع والإنسانية. أي بمعنى آخر الإسهام الايجابي في المجتمع بواسطة ما يقدمه هذا الفرد من نتاج مادي أو فكري أو عملي لمجتمعه الذي يعيش فيه.
وعليه سوف نتناول في هذا الفصل تلك النشطات والأعمال والإصلاحات التي قدمها الشيخ محمد بلكبير للمجتمع التواتي بشكل خاص وللمجتمع الجزائري بشكل عام.
مساهمته في الجزائر ما قبل الاستقلال :
أ- بناء المسجد الكبير :
عاد الشيخ محمد بلكبير إلى مسقط رأسه بودة، قافلا من مدينة تيميمون بعد حادثة غلق المدرسة التي تناولاها سابقا وذلك سنة 1948م ومن ثمة واصل من قلب بيته مسيرته الجهادية ضد الجهل والتخلف رفقة أتباعه من رواد العلم والمعرفة، وبعد سنتين من ذلك تحديدا سنة 1950م اِنتبه له بعض المحسنين من أعيان مدينة أدرار، وفكروا في بعث مدرسته من جديد، وهذه المرة في قلب الإقليم التواتي “أدرار”.
ويتحقق الحلم، وتنتقل الجماعة لاستشارة شيخه أحمد ديدي بتمنطيط في أمر تنقله إلى مدينة أدرار، وتتم الموافقة بينهم أخيرا لينتقل الشيخ إلى تلك المدينة، ويؤسس بها مدرسة قرءانية في المنطقة والتي سيكون لها بعدا تاريخيا ومعرفيا مجيدا وذلك سنة 1950م.
ومن المعروف خلال هذه الفترة أنه قد خضع إنشاء المساجد إلى رقابة كبيرة من طرف السلطات الاستدمارية الفرنسية، نظرا لأهميتها في بعث روح الثروة والجهاد ضد الفرنسيين.
وقد ارتبط المسجد منذ إنشائه بالزاوية حيث كان مركزا حيويا بالقصر كما هو الشأن بالمدينة الإسلامية، حيث يعتبر مدرسة تدرس بها العلوم الدينية والدنيوية، ويعتبر أيضا جزءًا من الزاوية التي تهتم بالشؤون التنظيمية والاجتماعية بالنسبة لسكان القصر.
وهو الأمر الذي جعل مسجد محمد بلكبير بعاصمة الولاية أدرار من أعظم المساجد والمعالم التي أسست بتوات ؛ حيث كان المسجد الكبير بأدرار يقع بالقرب من قصبة القائد، وهو بذلك يأخذ موقعا استراتيجيا.
وقد عمل الشيخ محمد بلكبير مؤسس الزاوية التي يعتبر المسجد الجزء المهم منها على تطويرها، وما هي إلا فترة زمنية قصيرة حتى أصبحت الزاوية ذات تأثير قوي، وتعدى بعدها حدود المنطقة والوطن، وتجدر الإشارة إلى أن الشيخ تولى الخطابة والإمامة، وتعليم القرءان الكريم، وكان السيد الحاج عبد القادر والحاج سالم بن إبراهيم من أوائل الطلبة الذين افتتحت بهم مدرسة أدرار الجديدة، وهم من الطلبة القدماء.
وابتدأ الشيخ مرحلة جديدة من حياته في عالم تحفه المخاطر والصعوبات معتمدا على الواحد القهار، لا يملك ضياعا ولا بساتين ولا أموالا ولا شيء، إنما كان يملك الثقة بالله والتوكل عليه، والأنس به، فأمده الله بالمال والبنين، وحفظه من شر وكيد حساده وأعدائه لا سيما وأن البداية كانت في وقت الاستدمار الفرنسي، لكن عناية الله كانت أقوىوأقدر.
وإذا العناية لحظتك عيونها *** نم فالمخاوف كلهن أمان
ومن الأعيان الذين كان لهم الفضل في إنشاء المسجد الكبير ومدرسة الشيخ محمد بلكبير بأدرار نذكر منهم على سبيل الذكر لا الحصر : محمد أقاسم والحاج كبويا ومولاي المهدي.
وفي إنشاء مدرسة الشيخ محمد بلكبير بأدرار يقول الشيخ أحمد بن عبد القادر الطلحاوي :
وهكذا انتقل الشيخ لأدرار *** وفتح المدرسة دونما انتظار
وقدم الطلاب من كل الجهات *** وخاصة من تيميمون وتوات
بـ- موقفه إلى جانب المجاهدين :
كان الشيخ يعمل على نصرة المجاهدين وزرع روح الثقة والنصر والثبات ويحثهم على الصبر وتحمل المشاق والصعاب، كما كان يطعم موفدهم، بل إن جميع المجاهدين الذين كانوا يقدمون إلى أدرار كان بيته مأوى لهم، وهم ضيوف عنده طوال مدة إقامتهم بالولاية، وقد كان أغلبية الوافدين من الولايتين السادسة والخامسة، ليس هذا فحسب بل إن الشيخ كان عضوا في المجلس الشوري للمجاهدين.
ومن المجاهدين الذين قدموا إليه “الشريف بن مسعدية” رحمه الله و”الدراية أحمد”، وكان تنظيم الشيخ مقتصرا على منطقة الجنوب القائمة على الحدود التي كانت قيادتها في مالي.
ومن أبرز المناضلين آنذاك في مدينة أدرار نجد : “مولاي الطيب” !؟ هذا الرجل الذي أعان المجاهدين بأمواله ونفسه، كان صاحب فضل ومزايا كبيرة رحمه الله، ومن المجاهدين أيضا الحاج “أحمد أقاسم، الحاج أحمد كبويا، الحاج قريدة والحاج الشيخ بن عامر السويسي”.
ونذكر هنا أن الحاج “أحمد أقاسم” كان له دور كبير في المنطقة، حيث كان يدفع الاشتراك – ضرائب على الرقاب – عن المسلمين ويحميهم، كما كان معينا لذوي الحاجة منهم وهذا إلى جانب مولاي الطيب.
وكان الشيخ محمد بلكبير يربي في مدرسته الأجيال الصاعدة، تلك الأجيال التي تؤثر الموت على الحياة، بل وتحمل راية الإسلام والعروبة ضاربة بعرض الحائط ثقافة الفرنسيين ولغتهم. ومن ثمة فهؤلاء كانوا يحملون لغة القرءان ودين القرءان،وثقافة القرءان التي حاول الشيخ وعلى مدى سنوات أن يغذي بها طلبته.
وكذلك لا يمكننا إهمال الدور الذي لعبه الشيخ في تغذية المجاهدين بالعلم والحكمة والصبر وكان دوما كريما معهم فيما يحتاجونه. كما كان الشيخ يعمل على عدم إعطاء الفرصة لغلق المدرسة الدينية من طرف المستدمر الفرنسي.
وفي الحقيقة لم يكن يداهن ولا يماري معهم، بل كان رجلا صادقا مع الله صلبا في دينه، يحمل شجاعة الأبطال من الرجال، فهو يرى نفسه في ميدان حرب مع أعداء شتى، ولا بد من سلاح نافذ قادر على تحطيم قوى أعدائه، فكان سلاحه تقوى الله عز وجل مصداقا لقوله تعالى : “ومن يتقِ الله يجعلم خرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمرَه، قدجعل الله لكل شيء قدرا”
ومن هنا فقد قيض الله له “الشرطي” الهاشمي دينار الذي كان يأتيه بالأخبار ويرد عنه كيد المستعمر، ويحميه ويحمي المدرسة من التفتيش والغلق، ومع ذلك فقد قامت السلطات الاستعمارية باعتقال الشيخ في إحدى المرات، وأُجري له استنطاق إلا أنه أطلق سراحه بعد تجمع الأهالي حول الثكنة العسكرية التي كان يستجوب فيها.
مساهمته في الجزائر المستقلة :
بعد سنة 1962م تمكن الشيخ من توسيع نضاله ومواصلة جهاده، حيث لم يخلد للراحة كغيره من المجاهدين، ولم يبحث عن المناصب في جهاز الدولة، بل كان يرى أن الجهاد متواصلا مادام على ظهر البسيطة، وأنه قد خرج من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، وبذلك اتسع نطاق المدرسة وزاد عدد الطلاب وتعدد المعلمون والمدرسون، وكثرت المرافق والمراقد والمحاضر، وأنشأت بيوت خاصة للضيوف حتى علا شأن المدرسة بين الخاص والعام وغدا من كان مصدر أذية له بالأمس القريب من المبادرين الأوائل في محبته والذود عنه.
ونحن عندما نتحدث عن مدرسة الشيخ نتحدث عن بيت زاره الرؤساء والأمراء والوزراء، وغيرهم من الحكام وأرباب المال والأعمال، وحتى السياسيون ورؤساء الأحزاب وساسة البلاد، بل وتوافد الناس إليه من كل حدب وصوب لكلٍّ غرضه ونيته فينزل كلاً بمنزلته ومكانته.
وهنا لابد من التأكيد على أنه كان للفقراء والمساكين مكانة خاصة في قلب الشيخ.
أ-الشيخ وطلبة العلم :
قال تعالى : “إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور” الآية 28 من سورةفاطر.
وبهذا قد كان من أحب الخلق إلى الشيخ طلبة العلم، هؤلاء الذين لم يكن يرضَ أن ينطق فيهم بكلمة سوء ؛ حيث يُروى عنه أنه جاءه رجل فقال له : يا سيدي إن الطلبة كثر عددهم، فاتخذ عليهم حراسا يحرسونهم. فقال له الشيخ : هل أحصيت كم عددهم ؟ فقال الرجل : نعم، فقال له : كم ؟ ، فأجاب : 400 طالب أو يزيدون. فقال له الشيخ : أيمكن أن يصلح وينجح منهم أربعة ؟!!! قال الرجل : نعم. فقال الشيخ : إن صلح من كل مئة طالب، طالبا واحدا يكفيني ذلك. فسكت الرجل.
وجاء غيره إلى الشيخ وقال : يا سيدي إني وجدت بعض الطلبة في مواطن السوء، فكان رد الشيخ بكل حنكة وحكمة بقوله وأنت ماذا كنت تصنع هناك.
وهو ما يفسر تلك المحبة التي كانت تجمع الشيخ بطلبة العلم حتى قيل أن الشيخ محمد بلكبير كان يعتبر طلبة العلم “مثل أبنائه أو أعز من ذلك”.
حيث يروى أن شخصا جاء بسيارة فخمة إلى الشيخ بلكبير فقدمها له [كهدية] وهو يدرس تلاميذته، فقال لهم : من يريد منكم سيارة وها هو مفتاحها. فاستحيا التلاميذ من ذلك، فرفع أحد الأشخاص أصبعه وظن أن الشيخ يمزح معه فقط، فقال له الشيخ محمد بلكبير : خذها فهي لك مباركة طيبة.
ومن أهم الوصايا التي كان يوصي بها الشيخ تلامذته أنه كثيرا ما كان يحذرهم من الإمعة والانسلاخ من الذات، وكثيرا ما كان يردد “العربي زينته العمامة *** وشَعر الوجه له علامة”، وكان يحث على التمسك بالدين والتضحية في سبيله ونشره، ويحذر من كل ما من شأنه أن يجعل المسلم أو الشاب بعيدا عن دينه. [وسنفرد مبحثا لأهم وصاياه رحمه الله]
بـ- رئاسته للمعهد الإسلامي بأدرار :
في سنة 1964م اقترح مفتش وزارة الأوقاف السيد قصيبة – وكان حينها مفتشا بولاية الأغواط – على الوزارة إنشاء معهد إسلامي يكون مقره مدرسة الشيخ، والشيخ بلكبير مديرا له، هذا ماحدث بالفعل عندما نصب الشيخ مديرا للمعهد، وجيء بالأساتذة من مصر [الحبيبة] وبعض الأقطار العربية. ومع هذا كله فقد بقيت نفقة الطلبة من مأوى ومأكل على حساب الشيخ، ومن بين الأساتذة الذين ساعدوا الشيخ في إدارة المعهد نجد الأستاذ “حساني حسان” السوري الأصل الذي كان متجها في بادئ الأمر إلى دولة مالي، إلا أن الشيخ محمد بلكبير ارتأى أن يبقى معه معينا له في إدارة المعهد والتدريس، مقابل أن يصرف له الأجرة التي يطلبها، وهو ما تم فعلا بعد موافقة الأستاذ.
جـ- إصلاحاته :
إنه مما لاشك فيه أن المستدمر الفرنسي عمل على طمس هوية المجتمع الجزائري بل وانسلاخه من قيمه وتقاليده المقتبسة من الإسلام والعروبة، وذلك عن طريق زرع بعض الأفكار والشوائب التي ما أنزل الله بها من سلطان، والتي انتشرت في المجتمع التواتي كما ينتشر المرض المعدي في البيت الواحد ؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : انتشار الأضرحة العالية والتمييز العنصري والابتعاد عن بعض قيم الإسلام الحنيف.
وهو ما دفع الشيخ إلى محاربة هذه الآفات، ومعالجة هذه الأمراض داخل المجتمع التواتي بشكل خاص والمجتمع الجزائري بشكل عام.
جـ-1- في الجانب الديني :
مما لا يخفى على أحد أن الجانب الديني يشمل علوم الدين من فقه وعبادات ومعاملات، إلى جانب مدى امتثال واهتمام أفراد المجتمع بأمور دينهم. ومن هنا فقد كانت إصلاحات الشيخ في علوم الدين تتمثل في تدريسها بطريقة سلسة مارّة إلى الفهم، وأبعد ما تكون عن تلك الألغاز المقفلة.
كما كان الإصلاح الديني للمجتمع التواتي ضرورة تفرضها ظروف الزمن والمكان، وهو ما تجسد في تلك المجموعات من الطلبة الذين تخرجوا من مدرسة الشيخ محمدبلكبير متجهين إلى مختلف مناطق القطر الجزائري، وإقليم توات خاصة، حيث أن المجتمع التواتي يعج بكثير من البدع والخرافات نتيجة للجهل المنتشر.
وهنا ركز الشيخ على الإرشاد وتعليم المجتمع، من أجل ترك جل الموروثات الجاهلية التي كانت جزءا منكيانه، بتزويد المنطقة بقدرات وكفاءات تعمل على تثبيت دعائم الدين الإسلامي الحنيف، وتبعث عن الطمأنينة والاستقرار، وهنا نضرب مثالا على ذلك في “قصر المطارفة” [وهي قرية صغيرة جدًا] يوجد بها أكثر من 20 طالبا “إماما” تخرجوا على يد الشيخ محمد بلكبير.
أما على المستوى الوطني فقد أثرت هذه الكفاءات في المحيطات الموجودة بها بحيث حفظت للشعب الجزائري الملتف حولها المرجعية الدينية المتمثلة في المذهب المالكي.
جـ-2- في الجانب الاجتماعي :
لقد كان من بين الأهداف والغايات الكبرى للشيخ أن يسهم في بناء مجتمع ملؤه الإسلام وفكره الإسلام ولغته العروبة، مبني على المحبة والمساواة والأخوة، إلا أن ذلك لم يتسنّ له إلا بالعمل الدؤوب والإرادة القوية من أجل الإصلاح والبناء، ومن ثمة فقد عمل الشيخ على إصلاح المجتمع التواتي عن طريق :
1- لم شمل القبائل المتنافرة : حيث كان المجتمع عبارة عن شتات من القبائل كل واحدة متمسكة بمبادئها ولا تكاد تنفتح على غيرها من القبائل الموجودة حولها. إلا أن الشيخ عملعلى جعل هذه القبائل في بوتقة واحدة متعاونين متحابين.
2- محاربة التمييز العنصري والتسوية بين المسلمين : فقد كان من بين المخلفات التي تركها الاستدمار زرع الشقاق بين أفراد المجتمع الواحد عن طريق عدم التسوية بينهم وتفضيل بعضهم على بعض من خلال تفضيل الأبيض عن الأسود، وهنا كان عمل الشيخ ينصب على التسوية بين الناس من خلال التوعية الدينية وتعليم الأجيال وتثقيفهم بتعاليم القرءان الكريم والسنة النبوية.
3- محاربة البدع والخرافات : التي كانت موصلة بالإنسان إلى الشرك مثل الطلب من الأولياء وتقديسهم وإعطائهم أكثر مما أوجب الله علينا اتجاههم والذبح لهم، حيث كان الناس يذهبون إلى أضرحة الأولياء ويرجون منهم الرزق والصلاح والفلاح أي يجعلونهم واسطة بينهم وبين الله عز وجل.
وهنا عمل الشيخ على إرشاد وتوعية المجتمع من خلال تعليمه لعقائد الدين الحنيف وتوجيه المجتمع إلى نبذ تلك الأفكار والمعتقدات الغريبة عن الإسلام والمسلمين.
4- محاربة أشكال الفساد : مثل شرب الخمر والزنا والسرقة. وهنا عمل الشيخ على التوعية والموعظة والتنبيه بمخاطر هذه الآفات على المجتمع وتبين عواقبها الدنيوية والأخروية، كما عمل على غلق محلات الفساد وبيع الخمور بشتى الوسائل والطرق، حيث لا يزال إقليم توات ومن ورائه ولاية أدرار لا يحوي على محل واحد لبيع الخمور [والحمد لله].
وهنا نذكر أن الشيخ قد وقف أمام أحد المشاريع الذي يقضي بإقامة محل لبيع الخمور بقصر “أولاد إبراهيم”واستعمل نفوذه في منع ذلك وهو ما تم فعلا.
5- الدعوة عن طريق الموعظة الحسنة : وهو ما أكسبه حب المجتمع التواتي بكل شرائحه حيث اقتبس ذلك من القرءان الكريم والسنة النبوية الشريفة، قال تعالى : أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين
ويتضح ذلك جليا في تلك الرواية التي تروي قصة أفراد فرقة غنائية تعودوا على إقامة حفلاتهم بالقرب من مدرسة الشيخ، الأمر الذي كان يشكل مصدر إزعاج لطلبة المدرسة، فطلب التلاميذ من الشيخ محمد بلكبير أن يدعو عليهم بالسوء فكان رده أن قال لهم : “اِرفعوا أيديكم” ودعا لأفراد الفرقة بعكس ما كان ينتظرونه منه ؛ أي دعا لهم بالخير، فكان رد هؤلاء أي أعضاء الفرقة بعد سماعهم ما حدث أن تركوا تلك الأفعال الطائشة وأصبحوا من رواد حلقة الدرس في مجلس الشيخ ومن عمار بيت الله.
6- محاربة الجهل والأمية : لقد كان المجتمع بعد بزوغ فجر الاستقلال أميا بدرجة كبيرة تنتشر فيه أشكال الجهل والأمية، وذلك نظرا لتلك السياسة التي انتهجها المستدمر الفرنسي في الجزائر والقائمة على ضرورة تجهيل المجتمع الجزائري وطمس شخصيته العربية والإسلامية.
ومن ثمة فقد عمل الشيخ محمد بلكبير على نشر العلم والمعرفة وتعليم شرائح المجتمع بديهيات الكتابة واللغة العربية، بل وتزويدهم بمعارف تعود عليهم بالفائدة في الدنيا والآخرة، وذلك عن طريق الصرح العظيم المتمثل في مدرسة “الشيخ بلكبير” التي انتشر صيتها داخل إقليم توات وخارجه منذ إنشاءها.
وقد عملت هذه المدرسة على تعليم الصغار والكبار معا، تحت شعار “العلم نور والجهل ظلام”، وهو ما عاد على المجتمع التواتي بالخير والرقي والازدهار خاصة وأنها مفتوحة لكل طبقات المجتمع من فقيرهم إلى غنيهم.
7- تكوين جملة من الكفاءات والأئمة والخطباء : يعملون على تربية المجتمع وإصلاحه وتوجيهه نحو وجهة الإسلام والعروبة، وهو ما تجسد في تلك الدفعات التي تخرجت على يد الشيخ محمد بلكبير والتي انتشرت في كافة أرجاء القطر الجزائري إن لم نقل تعدت الحدود إلى مختلف بقاع العالم. وهو ما نستخلصه عندما سأل باحث مصري الشيخ محمد بلكبير بقوله : لماذا لم تؤلف كتبا بالرغم من شهرتك وقدرتك العلمية ؟ فأجاب الشيخ : “لقد كنا مشتغلين بتأليف العقول عن تأليف الكتب”
؛ فهو – رحمه الله – يرى أن تربية العقول وإصلاحها وإعدادها لتحمل الرسالة الاجتماعية والعلمية أولى وأهم من تأليف الكتب.
8- محاربة التغريب والانسلاخ من الذات : لقد كانت من نتائج التطور الحاصل في وسائل الإعلام والاتصال أن تفتح المجتمع الجزائري عامة، ومن ورائه مجتمع إقليم توات على أفكار الغرب بحلوها ومرها، فابتعد عن شخصيته الجزائرية والعربية الإسلامية : نزع العمامة والعباءة والحجاب، ولبس الموضات الغربية، وتعدى ذلك إلى التقليد الأعمى والانبهار بالغير والانسلاخ من الذات.
وهو الأمر الذي دفع الشيخ إلى تركيز جهوده من أجل المحافظة على ثوابت الأمة من دين ولغة وعادات وتقاليد وذلك عن طريق الوعظ والإرشاد والتذكير بمخاطر الانجراف نحو التقليد. وهو ما يتجسد في تلك المقولة التي طالما كان يرددها : “العربي زينته العمامة *** وشَعْر الوجه له علامة”.
9- محاربة أشكال الظلم والتطرف : مما هو معروف أنه لا يخلو مجتمع من أشكال الظلم الحسي والمعنوي والتطرف الفكري والديني، كما أن الإنسان بطبيعته يميل إلى التسلط وحب الذات وإلى إشباع ميولاته ورغباته وغرائزه بشتى الوسائل والطرق.
وهو الأمر الذي دفع الشيخ إلى العمل المتواصل من أجل محاربة كل أشكال الظلم في المجتمع التواتي،من خلال التربية وإرشاد الغافلين ونصرة المظلومين، بل وحتى التوسط لهم في المصالح المختصة من أجل أخذ حقوقهم إذا انتهكت.
كما عُرف عنه أنه لا يخاف في الله لومة لائم إذا ما انتهكت حقوق العباد من طرف المسؤولين أو أرباب المال والأعمال.
أما التطرف الفكري أو الديني فقد كان نتاج تلك التعصبات المذهبية، وهو ما عانت منه الجزائر في أزمة التسعينات “العشرية السوداء”.
وهنا عمل الشيخ على تبيين منهجه المبني على الاعتدال ونبذ التطرف بكل أشكاله، ومن ثمة فقد كان يدعو الشيخ إلى معالجة القضايا السياسية بالحوار والتفاهم وليس بالاقتتال بين أبناء البلد والأمة الواحدة، وهو ما يدعو إليه القرءان والسنة النبوية الشريفة ؛ حيث حرم الله عز وجل قتل المؤمن لأخيه المؤمن بقوله تعالى : ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنمخالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً الآية 93 من سورةالنساء.
وبذلك فقد عايش الأزمة الجزائرية كما عايشها غيره من أهل الصلاح والورع، حيارى لا يدرون ما يفعلون من غير الدعوة إلى الحوار ونبذ العنف بكل أشكاله.
3- مكانته العلمية :
مكانته العلمية :
لقد تربع الشيخ محمد بلكبير على عرش العلماء في إقليم توات بدون منازع وانتهت إليه رياسة العلم فيه بعد وفاة شيخه أحمد ديدي رحمه الله، وقد برز الشيخ بلكبير في العلوم الشرعية من فقه وتفسير وحديث … إلى جانب علوم اللغة والأدب العربي من نحو وصرف وبلاغة.
وهو بذلك بحر لا يجارى وإماماً لا يمارى في عصره، بين أئمة وعلماء توات، وقد تميز رحمه الله بقدرته الفكرية وملكاته الذهنية حيث كان يلقي دروسه باسترسال ومن دون إحضار أي كتاب أو النظر فيه وذلك من غير تردد أو تلعثم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على سعة اطلاعه وغزارة علمه.
حتى أن كبر سنه في أيامه الأخيرة لم يؤثر في ذهنه ولم يعطل من طاقته، فكان بالرغم من ذلك يجيب عن المسائل العويصة بالإجابة الدقيقة التي تشفي العليل وتروي الغليل.
ومن بين الأمور التي تدل على ذكائه وسعة اطلاعه أنه لما ذهب إلى الحج في حجته الأولى سنة 1953م على متن الحافلة مر على مصر وزار الأزهر الشريف وبقي فيه أسبوعا. وقد التقى الشيخ فيها – أي مصر – بأهل العلم من علماء ومتعلمين والتف حوله طلبة العلم لما رأوا فيه من سيمات العلم البادية، حتى أنهم طلبوا منه درسا وألحوا على أن يكون في شرح (الاخبار بالذي والألف واللام من ألفية ابن مالك)، وهذا الباب معروف بباب امتحان الطالب لصعوبته، إلا أن الشيخ أفاض فيه وأسهل وأفاد.
وهو الأمر الذي جعل علماء مصرَ يحترمون الشيخ بلكبير ويسألون عن أخباره، ومن الأمثلة على ذلك أن الشيخ عبد الحميد كشك كان يسأل كل من زاره [من أهل المغرب] عن الشيخ محمد بلكبير وعن طلبته، حتى أنه أي الشيخ عبد الحميد كشك قد رد بعض الطلبة ممن كانوا يقصدونه للدراسة – وهم من مدينة المنيعة بغرداية – وأمرهم بالرجوع إلى الشيخ محمد بلكبير للدراسة عنده وهو ما تم فعلا.
ومن بين الأمور كذلك التي تدل على بعد نظره، واتساع فهمه، أنه دخل في مناظرة مع أستاذ من الأزهر عن كتب الفقه ؛
قال الأستاذ : كتب الفقه كخليل والرسالة التي تدرسونها في بلاد المغرب كلها باطلة ومضيعة للوقت ولستُ ممن يعيرها أي اهتمام، وإنما العلم لا بد أن يكون من الكتاب والسنة النبوية فقط.
فقال الشيخ رحمه الله : إن أعطيتني مسألة واحدة من القرءان والحديث الشريف فقط، من دون الرجوع إلى حافظتك، وإلى كلام الفقهاء، سلمت لك فيما تقول، وأعرضت عن تدريس كتب الفقه هذه وعدت إلى الأخذ من القرءان والحديث النبوي الشريف فقط، فسكت الأستاذ وبهت ولم يزد على ذلك بكلمة واحدة.
ولم تكن هذه المناظرة أول ولا آخر المناظرات، بل كان بلكبير مناظرا بارعا، مدافعا عن كتاب الله وسنة نبيه، بعيدا كل البعد عن الغلو والتشدد في دين الله محبا للعلم والمجتهدين.
ومن أهم التشريفات والمناصب التي تقلدها الشيخ محمد بلكبير رحمه الله نجد :
أ- مشيحة المدرسة : منذ نشأتها سنة 1950م إلى وفاته سنة 2000م، تخرج على يده منها ما يزيد على20 ألف طالب يجوبون بقاع المعمورة كدعاة وأئمة ومعلمين.
بـ- إمام أستاذ ثم رئيس المعهد الإسلامي بأدرار منذ سنة 1964م.
جـ- شهادة تقديرية (ليسانس من وزارة الأوقاف تحت رئاسة أحمد توفيق المدني).
د- شهادة ليسانس أخرى في سنة 1991م.
هـ- شهادة دكتوراه فخرية من جامعة وهران سنة 1997م.
خـــلاصة :
إن الإنسان لا يعرف إلا بمقدار ما يقدمه إلى مجتمعه، أو ما يسهم به داخل هذا المجتمع من أعمال وأدوار ونشاطات، تعود بالفائدة على أفراد هذا المجتمع.
ومن ثمة فقد ساهم الشيخ محمد بلكبير بالنفس والنفيس، من أجل بعث حياة أفضل في المجتمع الذي يعيش فيه ويتأثر به، وذلك من خلال تلك الإسهامات المتناسبة مع المسار الزمني لحياته ؛ حيث كانت الانطلاقة في مرحلة الاستدمار الفرنسي ببناء المسجد الكبير الذي انبعثت من جنباته ومن حلقاته أفكار النضال والمقاومة بل والحفاظ على مقدسات الأمة التي حاول المستدمر الفرنسي طمسها والقضاء عليها.
حتى إن الشيخ قد جعل من الجهاد واجبا مقدسا يحتم عليه الوقوف إلى جانب الثورة التحريرية والمجاهدين، بل وتقديم الدعم المادي والمعنوي لأفراد جيش وجبهة التحرير الوطني.
أما في مرحلة ما بعد الاستقلال فقد واصل الشيخ واجبه الجهادي من أجل بناء مجتمع ملؤه الأخوة والمساواة، النابعين من روح الإسلام والعروبة، وذلك من خلال تلك الإصلاحات التي مست الجانبين الديني والاجتماعي، والتي حاول الشيخ أن يجسدها في المجتمع التواتي لما كان يسوده من مفارقات ومخالفات تولدت عن الحقبة الاستدمارية.
وقد ركز الشيخ على الإصلاحات الاجتماعية لما لها من أهمية في بناء شخصية المجتمع وتربيته وتوجيهه، وهو الأمر الذي أكسبه إلى جانب حب الخاص والعام مكانة علمية مرموقة مشهود لها، تؤكدها تلك المواقف والتشريفات التي نالها الشيخ في حياته، وحتى بعد مماته.
لا بأس أن نعرض أسانيد علم الشيخ رحمه الله …
سند الفقه :
أخذ الشيخ رحمه الله عن جماعة من الفقهاء والمشايخ، أهمهم الشيخ أحمد ديدي البكري التمنطيطي، عن شيخه عبد الله البلبالي الكسامي، عن الشيخ أحمد الحبيب بن محمد البلبالي الملوكي، عن شيخه عبد العزيز بن محمد بلبالي، عن شيخه محمد بن عبد الرحمن البلبالي الملوكي، عن شيخه عبد الرحمن بن عمر وشيخه محمد بن عبد الله الأدغاغي ثم الوناقالي، عن شيخه عبد الرحمن بن عمر التنيلالي، عن شيخه إبراهيم الجنتوري، عن شيخه أحمد بن عبد السلطان، عن شيخه أبي عبد الله محمد بن عبد العالي، عن شيخه محمد عبد الرحمن، عن شيخه محمد بن أحمد عبد السلطان، عن شيخه محمد بن علي النحوي، عن شيخه عبد الكريم بن محمد التمنطيطي والد الشيخ البكري، عن الشيخ سعيد قدورة الجزائري، عن الشيخ عبد الحكم، عن والده الشيخ عبد الكريم، عن المحقق الشيخ محمد بن عبد الله الدقاق الفاسي، عن الشيخ أحمد الفاتوح، عن الإمام المنوي، عن شيخه أبي بكر بن صرفة، عن شمس الدين محمد بن محمد الغماري، عن الشيخ الشهير العلامة خليل بن إسحاق صاحب المختصر، عن شيخه أبي عبد الله المنوفي، عن الشيخ زين الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن، عن الشيخ يحيى بن الفرج، عن العلامة ابن خلدون، عن الإمام ابن عبد السلام، عن ابن هارون، عن ابن قاسم أمد بن يزيد، عن محمد بن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله بن فرج، عن أبي طالب المكي، عن الإمام الشهير شارح مذهب الإمام مالك وجامعه أبي محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني، عن أصبغ بن الفرج، عن أشهب عبد العزيز، عن عبد الرحمن بن القاسم بن خالد العتقي، عن الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه ورحمه، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن وعن نافع، وأخذ ربيعة عن أنس بن مالك، وأخذ نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وكلاهما عن سيد المرسلين وإمام المتقين الحبيب الأعظم، سيدنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب عليه من ربه أزكى صلاة وسلام وعلى آله وصحبه.
وكما يظهر لكل ذي عينين أن رجال السلسلة على مذهب إمام دار الهجرة رحمه الله.
سند القرآن الكريم :
أخذ الشيخ القرآن الكريم عن شيخه أحمد ديدي، عن شيخه عبد الله البلبالي، عن شيخه أحمد الحبيب بن محمد البلبالي، عن شيخه عبد العزيز بن محمد البلبالي، عن شيخه محمد بن عبد الرحمن البلبالي، عن شيخه عبد الرحمن بن عمر التنيلالي قال : رويت القرآن العظيم عن الشيخ المقرئ صالح بن محمد السجلماسي ثم اللمطي برواية ورش وقالون ؛ إجازة وسماعا للعشرة الأحزاب الأولى برواية قالون بواسطة والده الشيخ محمد المكي، وسماعا منه لبعض الأحزاب برواية ورش أيضا، قال : فأنا أرويه قراءة وإجازة عن أخينا شقيقنا أحمد الحبيب بن محمد اللمطي، عن الشيخ إبراهيم المسكوري، عن الشيخ عبد الرحمن بن القاضي، عن أبي زيد عبد الرحمن الفيلالي، عن الشيخ الشريف المديني، عن الشيخ قاسم بن إبراهيم، عن بن غازي، عن الأستاذ الصغير، عن أبي الحسن بن سليمان، عن أبي جعفر بن الزبير، عن أبي العطار، عن ابن سحنون، عن ابن باقي، عن ابن العرجاء، عن الطبري، عن ابن نفيس، عن ابن سيف عن الأزرق، عن ورش، عن نافع، عن ابن هرمز عن ابن هريرة رضي الله عنه، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن جبريل عليه السلام.
فهذه إذن إجازة الشيخ رحمه الله في رواية ورش وقالون عن نافع.
سند الحديث :
أي صحيح البخاري الذي أجازه به شيخه أحمد بن ديدي رحمهما الله :
يقول كاتبنا محمد بن محمد بن محمد الجزولي، أخبرنا بصحيح الإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري شيخنا أبو محمد عبد الله بن أبي العباس سيد أحمد الحبيب البلبالي، قال أجازنيه والدنا المذكور، قال أجازنيه شيخنا القاضي أبو فارس محمد عبد العزيز بن الشيخ القاضي محمد بن عبد العزيز البلبالي، قال أخبرنا به شيخنا أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن عمر عن شيخه أبي العباس أحمد بن عبد العزيز الهلالي السجلماسي، قال أجازنيه الفقيه العلامة محمد بن عبد السلام البناني الفاسي والشيخ محمد أحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي، كلاهما عن والد الثاني، عن أبي القاسم محمد بن أحمد الفاسي، عن القصار، عن التسولي، عن الدقاق، عن المواق، عن المنتورلي، عن ابن جزي، عن أبيه، عن ابن الزبير، عن أحمد بن راجب، عن أبي عبد الله بن سعادة، عن عمه أبي عمران موسى بن سعادة، عن الإمام أبي علي الصدفي، عن أبي الوليد البراحي، عن أبي ذر الهروي، عن القسبلي والمحمودي والكشميهني، عن الفربري، عن البخاري رحمه الله تعالى.
ملاحظة : لا تخلو الأسماء من أخطاء لكثرة الأخطاء المطبعية في الكتاب الذي استقيت منه، أعني “الضوء المستنير ..” للشيخ مولاي التهامي، وعليه لا بد من تحقيقها وضبطها، وهي دعوة للإخوة والمشايخ أهل الذكر حفظهم الله.
منقول بتصرف
اقرأ المزيد ...
توات منبع الاصالة ومقصد السياح
إنها عبارة عن عالم أخر مختلف تماما عما نعرفه،إنها نقطة متميزة تماما عن تلك المناطق التي عهدنها لم نشهدها في أفلام السينما، ولم نسمع عنها في الحكايات ولم نقرا تفاصيلها في الروايات . أنها توات مهد ا لحضارات التاريخية الأولى. لقد كانت نقطة اتصال والتقاء القوافل القادمة من الشمال إلى الجنوب. على ساحتها تنتشر القصور والتجمعات السكانية غريبة ومختلفة ، وفيما بين هذه القصور والتجمعات المتعددة ارسىالتاريخ وثبت ركائزه وخلد معالمه في عدة أماكن، كتمنطيط، وتامسغت ، توات عجائب التاريخ وغرائب العصور حضارات عديدة .
ربما لا يكفي التعرف على أثار توات وعادات أهلها بالاكتفاء بزيارة لها، فتوات تتميز بـتنوع خارق في منطقها معيشة أهلها ولا يكفي التجول في شوارعها، ولا الاكتفاء بمشاهدة مبنييها الضخمة او الوقوف على المناطق السياحية التي أعدة خصيصا لترضي أذواق السياح ،بل عليك أن تعيش وقعها، وتغوص في أعمقها لتكتشف الكنوز التي تتوفر عليها هذه المنطقة التاريخية الجميلة المتجول في توات لابد وان تترسخ في ذهنه صورة عن الرقصات الفلكلورية الرائعة التي كانت محل بحث السواح الأجانب ،والأقواس ذات اللون الأحمر، والمحلات التقليدية وما تحتويه من الأزياء المتمثلة في ألباس المحلي مثل القنضورة والعمامة البيضاء،اما القصور التي تصل الى حوالي 150 قصرا فتكاد تكون الصورة الأجمل، ففي تمنطيط اكبر واحات النخيل في توات ، يوجد قصر سدي ناجم العتيق الذي يتراءى على شكل قصبة متكونة من أربعة بروج عالية لها لون مميز هو الأحمر.
لاشك أن ما يجذب السواح الى هذه المدينة العريقة هي الطبيعة والآثار. والسبخة المميزة ، والفقارة ، على الرغم من انه لاشى يمكن ان يضاهي الرمل الذهبية الصفراء. ولعلى مايثيرالدهشة والإعجاب هناك روائع عمل التاريخ والانسان المتمثلة في القصور الواسعة المشيدة من الطين. ونظام الري عن طريق الفقارة هذه القنوات الطبيعية التي تتصل باروقةارضية يسلك فيها الماء طريقه إلى البساتين والاستغلال البشري كاالشرب زيادة على هذا فن الطبخ التقليدي والنقش على النحاس والفضة وغيرها من روائع إبداعات أنامل الإنسان وتبذل توات جهودا كبيرة من اجل ترميم القصور الأثرية. وترقية السياحة، حيث ما يزال البيت التواتي يحافظ على العادات بين جدرانه لان هذا قد يقيه من الحرارة المرتفعة في فصل الصيف.
ورغم التطور الحاصل مازالت الزوايا تحتل مركزا هاما في الحياة الاجتماعية حيث ما يزال يتوافد عليها الطلاب ويأوي إليها عابر و السبيل ويقيم فيها شيخ الزاوية وتعد منطلقا للعلم والفقه الإسلامي وتعد مدرسة الشيخ محمد بالكبير خير دليل على هذا،اذ أنها تعد دار للذكر،وهي جزاء من المسجد وجزء من تاريخ توات والعالم الإسلامي،والكل مدين الى هذه المدرسة بما قدمته من إشعاع علمي وديني فهي أقدم المدارس وأعرقها،هناك آذ تشكل حلقات الدرس فيها ملتقى للطلبة الذين يلتقون حول شيوخهم في ساحة الجامع الكبير وأروقته،ولقد عرف نظم التدريس بها تطورا من حيث العلوم الدينية والفقهية بقيادة شيوخ هدفهم الوحيد تقديم كل ما يملكونه من معارف إلى براعم جاءت الى هناك لتكون خير خلف لخير سلف،وتخرج من هذه المدرسة الإلف من رجال الدين في الجزائر،والعالم الإسلامي كله وقد أدت هذه المدرسة رسالتها ولا تزال تؤديها على الوجه الأفضل كمنارة تبقى ملجا لطلاب العالم من كل الأقطار بدءا من الجزائر الىغاية جنوب أفريقيا،وتخرج من المدرسة أساتذة وطلاب وزعماء حملوا مشاعل الحرية في سبيل دينهم وأوطانهم، ومكانة توات السياحية لا تكمن فحسب في جمال المكان ولا طافة الجو وقيمة الآثار التي تزخر بها المنطقة وإنما كذالك من خلال ما يبذله الانسان التواتي من جهد وإبداع في مختلف مجالات الصناعات التقليدية ومن خلال العمل الجاد للمحافظة على التراث السياحي الهام الذي قلما نجده في مكان اخر.
عند زيارتك الىتوات تجد نفسك مدفوعا الى التجول في قصاباتها وشوارعها وأسواقها ومحلات الصناعات التقليدية الثي تتوفر على لواحات تاريخية رسمت على الفضة والنحاس وكل هذه الأشياء تضع المدينة في عمق واصالة التاريخ وقد لاتحتاج الا الى مزيد العناية بهياكل الاستقبال والفنادق والنقل والاطعام الى جانب إحياء الصناعات اليدوية والتقليدية وتشجيع الفرق الفكلورية التي يولع بها السياح.
والسياج كثيرا ما يتوافد على المحلات النقليدية بتمنطيط وما يحتويه من انواع الفضة والنقش واعمالالنسيج بسعف النخيل وأدوات طينية واالاكياس المتنوعة الى جانب الصناعات الجلدية كاالاحذية وادوات الرقص الفلكلوري وقد فتحت هذه الصناعات مجالا واسعا لعمل المرآة في إدرار وكل قطعة من هذه المنتجات هي لوحة فنية جميلة تمزج بين اصالة الفن والبيئة بتقليدها ورموزها المختلفة واذا قلنا ان السياحة تمثل احد محاور الاهتمام ،فان الفنون التقليدية المحلية تحظى هي الأخرى كعامل اساسي من العوامل تشجيع السياحة بالمنطقة بعناية فائقة بتنوعها وثرئها كالرقص والغناء والشعر والامثال والحكم والطقوس واساطير التي تسود توات التي مازالت تملك فتا تقليديا يلعب دورا في الحياة اليومية لسكان الناحية باعتبره وسيلة لااخراجهم من عالم الروتين والتخفيف من معانتهم اليومية وازالة التعب عنهم وخاصة وان الإنسان في توات يعتمد للحصول على رزقة على الجهد العضلي،كحفر الابار،وتسوية التربة وتقليم النخيل .
كما يوجد في توات نوعان من الرقص،الرقص الجماعي الذي تأتي خطواته منظمة ومنسجمة مع الايقاع،ثم الرقص المنفرد الذي يؤدي وسط جماعة دورها الأساسي التصفيق والغناء والتشجيع ويؤدى عادة في حفلات الاعراس والتهلايل،كما تختلف الرقصات بعضها عن بعض فهناك رقصة الرجال ورقصة النساء ولكل رقصة من الرقصات آلة موسيقية خاصة بها وبعضها يعتمد على الدف وبعضها الاخر على الطار او المزمار والنواشة ،وتؤدى هذه الرقصات في كافة أنحاء توات بمناسبة الأفراح كا الختان ولأعراس،وفي الأعياد وفي الاحتفالات بالأولياء الصالحين.
ان توات تزخر بكل ما من شانه ان يجعل منها قطبا سياحيا هما ومنارة تاريخية ثرية بااصالتها ومعالمها ومحطة مزدهرة بانواع الصناعات التقليدية التي تكاد تندثر في مناطق أخرى من البلاد.
اقرأ المزيد ...
الزوايا في إقليم توات
الزوايا في إقليم توات:
ارتبط تاريخ توات الثقافي والعلمي والفكري بنشوء مراكز إشعاعية ثقافية، وكان لاستثمارها دور هام في نشر الحركة العلمية وقبلها الدينية، وهذا ما يجعلنا نتعرض لدراسة هذه المؤسسة العلمية المتمثلة في الزاوية، واضعين نصب أعيينا الدور الفعال الذي كانت تؤديه في مختلف المجالات الحياتية انطلاقا من تركيبتها المتميزة، وكيانها المنظم وهو ما سيأتي مفصلا في هذا الفصل.
I) تعريف الزاوية.
1. لـغـة:
الزوايا مفردها زاوية وهي مشتقة من الفعل “انزوى، ينزوي” بمعنى اتخذ ركنا، كما أنها مأخوذة من فعل “زوى” و “أزوى” بمعنى ابتعد وانعزل، كما في كتب اللغة سميت كذلك لأن الذين فكروا في بنائها أول مرة هم من المتصوفة والمرابطين، اختاروا الانزواء بمكانها والابتعاد عن صخب العمران وضجيجه طلبا للهدوء والسكون اللذين يساعدان على التأمل والرياضة الروحية، ويناسبان جو الذكر والعبادة، وهي من الوظائف الإسلامية التي من أجلها وجدت.[1]
- وفعل زوا الشيء يزويه زيا، أي جمعه وقبضه وفي الحديث “زويت في الأرض فأريت مشارقها ومغاربها”، وزوى ما بين عينه أي جمعه.
وقال الأعشى:
يزيد بعض لطرف عيني كأنما زوى عيناه على المعاجم
والزاوية من البيت ركنه لأنها جمعت قطرا منه، أي جمع زاوية،[2] والزاوية في الأصل ركن البناء، كانت تطلق في بادئ الأمر على صومعة الراهب المسيحي، ثم أطلقت على المسجد الصغير أو على المصلى، ولا يزال للكلمة هذا المعنى عند المسلمين في المشرق، واكتسب مصطلح الزاوية تغييرا في المفهوم منذ العصور الوسطى في العالم الإسلامي وتطورت من الدير إلى الخانقات أو النكة التي أصبحت تطلق بصفة خاصة من طرف الفرس على المنشآت الصوفية عند المسلمين.
والزاوية في شمال إفريقيا أكثر شمولا، إذ تطلق على البناء أو طائفة من الأبنية ذات الطابع الديني، وهي تشبه الدير أو المدرسة، وحسب محمد نسيب يقول دوماس: .[3]
والزاوية عند الشيخ محمد باي بلعالم: من فعل زوى أي جمع، لان فيها تتجمع الصفوف والفقراء وطلبة العلم، ويجمع فيها المال بطرق مشروعة قصد تمويلها وتسيير نظامها.[4]
2. اصطـلاحـا:
أما اصطلاحا: فيطلق اسم الزاوية ويراد بها مأوى المتصوفين والفقراء، والمسجد الغير جامع ليس فيه منبر، كما جاء في المعجم الوسيط، وقد أطلق هذا اللفظ قديما على موقع بالبصرة، كان له الوقعة بين الحجاج وعبد الرحمن بن الأشعث، وعلى بلد بالموصل وعلى قرية بالمدينة بها قصر انس، وعلى بلد بواسط، وقرية بالأندلس، كما جاء في أساس البلاغة لجار الله الزمخشري-رحمه الله- وفي القاموس المحيط، كما سميت بها مدينة من مدن القطر الليبي.[5]
والزاوية مؤسسة دينية إسلامية ذات طبيعة اجتماعية روحية، وهي تختلف حسب وظائفها ونشاطها.[6]
كما عرّفت الزوايا على أنها مؤسسة لرؤساء الطرق الصوفية، يجتمع فيها المريدون لتلقي الأوراد والذكر، وتتخذ فيها مأوى لطلبة القرآن والعلم والزوار الذين يقصدونها للاستفتاء و الصلح بين المتخاصمين، وكثر هذا النوع من الزوايا ابتداء من القرن العاشر الهجري، كما لها شأن عظيم ووجودا اجتماعيا قويا.
ويقول بن مرزوق في كلامه عن الزاوية في زمانه: <>.
كما خلفت الزاوية نظام الرباط، وأصبحت هي المجال الحيوي لتكوين المتصوفة، وتربية النفس بمنهج فكري وعقائدي خاص بكل طائفة أو طريقة دينية، وهي تعد مكانا للعبادة والزهد وتلقي الأوراد وللضيافة.
أما عن أهل توات، فتعرف الزاوية على أنها مسجد خاص بطائفة دينية من الصوفية أو ضريح لأحد الأولياء الصالحين، تتصل به غالبا مقبرة يدفن فيها بعض من لهم علاقة بالطريقة أو أقارب الولي الصالح.[7]
وفي تعريف آخر للتواتيين، يقصد بها تلك الصدقات الجارية التي يجسدها شخص ما في حياته، وتبقى قائمة بعد وفاته من خلال نص موثق تحدد فيه طبيعتها، وقيمتها لينتفع بها عامة الناس، ويشرف عليها صاحبها أثناء حياته وبعد موته، يتعاقب عليها ورثته أو المقدمين للطريقة أو للزاوية.
وما يميز الزاوية أنها أهم ركيزة للتصوف وانتشاره، ولصياغة منهجية حركية تهتم بعدة أمور تعجز عنها الدولة، فهي خلية اجتماعية يرتادها الأهلون لقضاء حوائجهم، كما أنها مكتفية بذاتها من جميع النواحي الاقتصادية، ويأم الشباب للزاوية باعتبارها جامعة عليا يتلقى فيها الدروس الشرعية على أيدي كبار العلماء والمشايخ للزاوية، وإلى جانب ذلك كانت الزاوية تغرس في نفوس الشباب روح الجهاد، لذلك كانت تهتم بعنصر التدريب العسكري.[8]
ومن خلال التعاريف السابقة الذكر، نلاحظ أن هناك تقارب واضح في تعريف كل واحد، وهذه التعاريف بدورها منبثقة من أصل واحد، ألا وهو الأسس العربية الإسلامية إن لم نقل عن اعتبارها مسيحية المنشأ، لكن الزاوية عند التواتيين كانت أكثر تجليا، وذلك من خلال عدة تعاريف سموها بأنفسهم واتخذوا من مبادئ الإسلام والعقيدة الصحيحة منهجا لهم في وضعها.
وكانت الزاوية في توات عبارة عن أبنية صغيرة منفصلة، موزعة في جهات مختلفة عن المدن والقرى والقصور التواتية في شكل دور (مسجد صغير)، يقيم فيه المسلمون الصلوات الخمس ويتعبدون فيها ويعقدون بها حلقات دراسية في علوم الدين، وما يتعلق بها من علوم عقلية ومنطقية ولغوية.
Ii) نشأة الزوايا وانتشارها:
يذهب الكثير من الباحثين والمؤرخين إلى أن الزاوية كانت في الأصل رباط تحول مع مرور الزمن لزاوية، وقد اكتظت تلك الرباطات بالنخبة من أبناء المسلمين، وأصبحت ابتداء من القرن الرابع الهجري تعرف تحولا كبيرا، فلم تعد مهمتها تقتصر على العبادة والجهاد كما كانت فيما مضى، بل أصبحت مؤسسة تعليمية يقصدها العلماء للتدريس بها وتأليف الكتب، والرسائل القيمة في مختلف العلوم والمعارف، أي منبع ومنهل فكري وديني قائم بذاته وبعد انقضاء الجهاد تحول بعض تلك الرباطات إلى زوايا وغادرها حينئذ بعض المتصوفة لإنشاء مراكز شبيهة بها قصد نشر العلم والمعرفة، ومحاربة الجهل وإيواء المرابطين المتفرغين للعبادة، لتكون مبعثا لأنوار الشريعة والطريقة، فكان لهم ذلك كما أرادوا، ومن بين الأسباب التي أوحت بفكرة إنشاء الزاوية، رغبة الشيخ الصوفي المربي في الاجتماع بمريديه وتلاميذه وهو ما لا يتسنى له في الرباط، حيث توجد مختلف شرائح المجتمع[9].
1. نشأتها بالمشرق وانتشارها بالمغرب:
يذكر المؤرخون أن بعض الخلفاء المسلمين الأوائل قد بنوا للمتصوفة بيوتا ملاصقة للمساجد خصصت للذكر والعبادة، والاعتكاف والانقطاع والتأمل والتفكير والرياضة الروحية، وأطلقوا على تلك البيوت اسم “الخنقاء” وهي التي تعرف عندنا في المغرب “الزاوية” وقد كثر إقبال الناس على تلك البيوت، وعرفت بمرور الزمن تطورا كبيرا فانفصلت عن المساجد وأصبحت قائمة بذاتها تستقبل الطلاب وتقوم بتحفيظ القرآن الكريم وتدريس العلوم الدينية كالفقه والتفسير والحديث والتوحيد والعلوم اللغوية كالنحو والصرف والبلاغة، كما تقدم للطلبة الطعام وتوفر لهم الإقامة مجانا كما هو الحال عندنا في المنطقة.
وما أن جاء القرن الثامن عشر الميلادي حتى عرفت الزوايا انتشارا أوسع من ذي قبل، وأصبحت مؤسسات تربوية وتعليمية، تسهر على تربية المريدين وتعليمهم، كما تعمل على نشر التعليم العربي الإسلامي الصحيح بين الجماهير، وبث مكارم الأخلاق ومحاسنها، ومحاربة الجهل والأمية والآفات الاجتماعية التي كانت السبب المباشر في ضعف المسلمين وتناحرهم وانحطاطهم،[10] وابتداء من القرن الرابع الهجري وفي بعض الروايات، يذكر العلامة الجزائري “أبو عبد الله” في مقام كتبه عن الموضوع أن الملك الموحدي يعقوب بن المنصور الذي عرف بعلمه ودينه وسياسته بنى زاوية بدار الضيوف كتلك التي أسسها الملك المريني أبو عنان خارج مدينة سلا[11]، وقد تحدث عنها الرحالة المغربي ابن بطوطة والتي عرفت بزاوية “شالة”، وقد زارها لسان الدين بن الخطيب، كما نجد لفظ الزاوية قد ذكر في ترجمة للعلامة أبو الفضل قاسم ابن محمد القوشي القرطبي المتوفى سنة 661هـ ما يؤكد وجودها في ذلك التاريخ في بجاية.[12]
وتطورت وتنظمت أيام ملوك الدولة المرينية الذين عرفوا بحبهم للعلم والعمل على نشره وتشجيع العلماء وتقربهم منهم، وتطورهم الدائم في مجالسهم.
وبحلول القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين ازداد عدد الزوايا خصوصا في المغرب الأقصى الذي أصبح فيه عددها يوازي عدد المساجد، على غرار الجزائر أيضا ازدادت على مر السنين وعرفت انتشارا واضحا وذلك راجع لعدة أسباب منها:
- كثرة زوايا المرابطين في المغرب الأقصى.
- حجاج ورحالة المغرب الذين كانوا يعبرون الجزائر ويغذّون فكرة المرابطين وينشرون مبادئ زواياهم وشيوخهم.[13]
2. نشأتها وانتشارها بإقليم توات:
أما بتوات فقد نشأت الزوايا على يد رجال عرفوا بالعلم والتقوى والصلاح، والدارس لتاريخها في المنطقة ونشاطها بالإقليم يجده عريق عراقة الإقليم نفسه.
فتاريخ الزوايا يرجع إلى تاريخ نشأة المنطقة التواتية بمناطقها الثلاث (تيدكلت-توات- قورارة)، والباحث عن تاريخ نشأة الزوايا سيجد أول نشأتها في تاريخ نشأة توات فتوات هي الزاوية والزاوية هي توات، والأدلة على ذلك كثيرة ويتجلى في أن اسم الزاوية قد أطلق على الكثير من قرى البلديات، وهذا أكبر دليل على العناية التي كان يوليها سلفنا الصالح لهذه المؤسسة، ومثال ذلك:
1- زاوية حينون ببلدية أولف التي يرجع تاريخ تأسيسها إلى دخول الإسلام للمنطقة وقد أسس مسجدها في القرن الثاني للهجرة سنة 164هجرية.
2- زاوية الشيخ أبي الأنوار المعروفة بزاوية مولاي هيبة ببلدية تمقطن.
3- زاوية سيدي سليمان بن علي التي ظهرت في بداية القرن السابع الهجري.
4- زاوية الشيخ مولاي عبد الله الرقاني ببلدية رقان.
5- زاوية كنتة التي أسسها السيد محمد الكنتي في بلدية زاوية كنتة.
6- زاوية الشيخ المجاهد الإمام محمد بن عبد الكريم المغيلي بزاوية كنتة.
7- زاوية سيدي بلقاسم بمنطقة قورارة بتيميمون.
8- زاوية الدباغ بدائرة تيميمون.
وغيرها من الزوايا مع أن الزوايا في غير هذه القرى موجودة منها زاويا العلم والقرآن، وزوايا الإطعام والإصلاح.[14]
وهذا أكبر دليل على الأهمية التي تكتسبها الزاوية كوحدة أساسية ضمن البنية الاجتماعية لإقليم توات، وترجع نشأة الزاوية في الإقليم إلى المرحلة الأولى لدخول الإسلام، وبدايات انتشاره في أنحاء الصحراء الإفريقية الكبرى.
وهذا يعود إلى انتشار الإسلام في تلك المناطق عن طريق رجال الطرق الصوفية والفقهاء والتجار وقوافل الحجيج الذين كان لهم دورا رئيسيا في تثبيت دعائم الإسلام في معظم مناطق إفريقيا، وهذا الأمر ينطبق تماما على علماء توات ورجال الدين فيها الذين اهتموا ببنائها، وقد تطورت مابين القرن التاسع الهجري والخامس عشر ميلادي، وأصبحت تدعوا إلى الجهاد وأعمال الصلح والتكافل الاجتماعي،[15] كما أن عددها أصبح يقارب دائما عدد المساجد أو يفوقها.
Iii) أنواع الزوايا ومميزاتها:
دأب الباحثون في موضوع الزوايا وتحدثهم عن أنواعها على إبراز مختلف الصور التي تعرفها فيستفيضون في حقيقتها، وينعتون بعضها “بالخلوتية” والبعض الآخر بغير ذلك، وعلى غرار هذا المنطلق نستطيع القول أن الزوايا بمنطقة توات تنقسم إلى قسمين زوايا حسب النشأة، وزوايا حسب الوظيفة.
1.زوايا حسب النشأة: تنقسم الزوايا حسب النشأة إلى فرعين هما:
الفرع الأول:
زوايا تم بناؤها على ارض اشتريت من طرف مؤسس الزاوية خارج القصر أو القرية،
كما هو الحال بزاوية سيدي البكري التي بنيت قرب مدينة تمنطيط،[16] وزاوية تنيلان كذلك التي أسست في سنة (1058هـ/1613م)، وبعد أن غادر الحاج سيدي احمد بن يوسف قصر أولاد اونقال في تيمي، واتجه إلى تنيلان لبناء زاويته هناك، وكان مشهورا في توات “برزق الله الواسع” بعلمه وفضله وقد كتب تاريخا مطولا عن إقليم توات وتوفي سنة 1078هـ “بتنيلان”،[17] وقد كتبت منه ثمان نسخ لم يعثر عليها، ويظهر أن أحدها قد نقل من أولف إلى السودان، حسب “الكامانما ماركات” صاحب كتاب “الواحات الصحراوية” حيث أدرج نحو ورقة من الكتب عثر عليها في مخطوط آخر، وهذا النوع يمثل الأغلبية.
الفرع الثاني:
هي زوايا تبقى داخل القصر، حيث تكون أملاكها داخله، مثل زاوية “زاجلو”[18] شمال زاوية كنتة،[19] التي أسسها حسب المصادر الشيخ سيدي البكري الذي درس بأوقروت على يد الشيخ سيدي علي النحوي الأوقروتي، وأسس زاويته المشهورة بزاجلو، توفي سنة1118هـ.[20]
2.زوايا حسب الوظيفة: وتقسم كذلك الزوايا حسب الوظيفة إلى ثلاثة فروع وهي:
الفرع الأول:
وتتمثل في زوايا العلم ووظيفتها تعليم القرآن الكريم للأطفال بمختلف الأعمار وتكون عادة بقرب المسجد، وهي عبارة عن مجموعة من الأبنية في سائر القصور التواتية، ويطلق عليها أسماء مختلف كـ”الجامع” بتوات، و”الأقربيش” بتيديكلت و”المحضرة” بتينجورارين، وقد لعبت هذه الزوايا دورا بارزا في تحفيظ القرآن الكريم وتعليم العلوم الشرعية واللغوية، وهي المتمثلة في القائمة التالية حسب إحصائيات مديرية الشؤون الدينية والأوقاف لولاية ادرار:[21]
1. زاوية الشيخ سيدي الحاج محمد بلكبير لمقدمها الشيخ عبد الله بلكبير بأدرار.
2. زاوية الشيخ مولاي التوهامي بأوقديم لصاحبها الشيخ التوهامي غيتاوي بأدرار.
3. زاوية جامع الجيلالي للشيخ بن إبراهيم الحاج سالم بأدرار.
4. زاوية أدغا لحماوي عبد القادر بأدرار.
5. زاوية المهدية للشيخ عبد العزيز سيدي أعمر بتيمي أدرار.
6. زاوية الشيخ الحاج عبد القادر بكراوي بنومناس بتمنطيط أدرار.
7. زاوية الشيخ الحاج عبد الكبير بلكبير ببودة أدرار.
8. زاوية سيدي أحمد ديدي للشيخ أحمد الحاج بكراوي بتمنطيط.
9. زاوية تسفاوت للشيخ بالحبيب الحبيب بفنوغيل.
10. زاوية زاجلو للشيخ محمد الحاج محمد العلامي بزاوية كنتة.
11. زاوية الشيخ الحاج لحسن للشيح الحاج الحسان الشيخ بأنزجمير.
12. الزاوية الكنتية للشيخ الحاج أمحمد الكنتي بزاوية كنتة.
13. زاوية الشيخ الدباغي بن علي للشيخ الحاج عبد الكريم الدباغي برقان.
14. زاوية الطاهري للشيخ مولاي عبد الله الطاهري بسالي رقان.
15. زاوية باحو للشيخ الحبيب عبد الكريم بسالي رقان.
16. زاوية الشيخ حلوات سلامي عبد القادر ببرج باجي مختار رقان.
17. زاوية الشيخ محمد باي بلعالم بأولف.
18. زاوية بوقندي للشيخ محمد بوقندي بتسابيت أدرار.
19. زاوية تنقلين للشيخ اوكادوا الصالح بأوقروت.
20. زاوية الشيخ بكاري محمد ببني مهلال بتيميمون.
21. زاوية سيدي بوغرارة للشيخ أحمد خليلي بتيميمون.
22. زاوية الحاج محمد الدباغي للشيخ الحاج محمد الدباغي بتنركوك.
وأسماء الرجال المذكورين أمام كل زاوية هم المشرفون على الزاوية والمسيرون لها.[22]
الفرع الثاني:
وتتمثل في زوايا التربية وهي مجموعة من الزوايا التي أسسها رجال التصوف مع بداية القرن الثامن الهجري كأماكن للعبادة والتربية والتعليم، باعتبار أن التصوف علم الباطن دون إغفال الجانب الظاهري في الشريعة، بل أقام الصوفية علم التصوف أو العلم الديني كما يسمونه على أسس علمية، وأخلاقية وهذا ما يتجلى في مجموعة المخطوطات التي تركها الشيخ المختار الكنتي في جميع الزوايا التي أسسها ويسكنونها، كما قال “بول مارتي” في كتابه “كنتة الشرقيون” تحقيق محمد محمود ولد ودادي عربه وعلق عليه، يقول في الصفحة(145-148): <>.[23]
الفرع الثالث:
وتتمثل في زوايا الإطعام والإيواء بحيث تقوم بهذه الوظيفة الزوايا بجميع أنواعها فتستقبل الضيوف والزوار وتوفر لهم الأكل والإيواء طيلة إقامتهم، وشعارها في ذلك قول الله تعالى: << إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُِريدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلاَ شُكُوراً>>.[24]
وهذه الوظيفة عظيمة الشأن بالنسبة للزوايا المشهورة لما ينتج عن ذلك من نفقات يومية، بحيث لا يمر يوم على الزاوية إلا وتستقبل فيه عدد معتبرا من الزوار يزيد وينقص بحسب المكانة التي تتبوؤها الزاوية وشيخها.[25]
iv) تنظيم وتسيير الزوايا في إقليم توات:
لتحديد الصورة الدقيقة لهذا الهيكل يقتضي الأمر تقسيمه إلى جانبين اثنين يمثلان بتكاملهما الهيكل التنظيمي لكل زاوية وهما: الجانب البشري والجانب المادي.
1. المؤسسات البشرية:
إذا راجعنا دور هذه الزوايا في مجال مؤسساتها البشرية نجدها تتمثل فيما يلي:
أ/- شيخ الزاوية: وهو يمثل منصب مهم في هرم الزاوية، بحيث يتبوأ القمة باعتبار الدور المسند إليه، فالفضل يرجع إليه في إنشاء الزاوية أو في تحمل رسالتها أو المحافظة عليها إن كان ورثها ممن أنشأها قبله.
وتبوء الصدارة في هرم الزاوية يقتضي أن يكون شيخها فقيها عالما بجميع الفنون التي تُعَلّمُ في هذه الزاوية حافظا للقرآن الكريم، لأنه يمثل بحق محور كل النشاطات التي تمارسها الزاوية ومن ثمة فإن صلاحياته متعددة وتشمل جونب مختلفة من حياة الزاوية نذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
- التدريس.
- السهر على حسن سير الزاوية.
- النظر في النفقات المتعلقة بإيواء الطلبة وتغذيتهم.
- الإمامة في الصلوات…[26]
- استقبال الضيوف والزوار والاعتناء بهم.
- النظر في طلبات التحاق التلاميذ الجدد بالزاوية.
ب/- هيئة التدريس: ويقصد بهذه الهيئة سلك المدرسين الذين يعينون من طرف شيخ الزاوية في مجال التدريس، وتتكون هذه الهيئة في البداية من شخص واحد ثم سرعان ما تتوسع، بحيث يكون عدده مناسبا مع عدد التلاميذ الذين ينتسبون إلى المدرسة، وتتكون هذه الهيئة عادة من الطلبة الأوائل للمدرسة، والذين وصلوا إلى أقصى مرحلة من التحصيل ومنحهم الشيخ إجازة التدريس، كما يمكن أن ينضم إليها مدرسون آخرون يوظفهم الشيخ، أو بطلب تعيينهم عنده للقيام بعمل التدريس باعتبار أن المهمة الأساسية لهذه الهيئة هي مساعدة الشيخ في تعليم القرآن الكريم والمتن الأولى في الفنون المختلفة للطلبة المبتدئين.
وما تجدر الإشارة إليه هنا هو أن تنصيب شيخ الزاوية لهذه الهيئة لا يفهم منه أنها تتكلف بالتدريس بدله، بل مهمتها هي مساعدة الشيخ في تدريس المبتدئين وإلحاقهم بالمستوى الأعلى الذي يؤهلهم لتلقي العلم مباشرة عن الشيخ نفسه، وهذا يعني أن شيوخ الزاوية في مناطق توات يتميزون بأنهم علماء يقومون بالتدريس بأنفسهم ولا يلجأون إلى إنشاء هيئة للتدريس، إلا عندما تتوسع المدرسة، ويزداد عدد تلاميذها، وتتباين مستوياتهم وهذا ما يجعلنا نقر بأنه لا يوجد شيخ لزاوية علمية غير مؤهل للتدريس ويقتصر دوره على الإشراف الروحي للزاوية كما هو موجود في بعض الزوايا في مناطق أخرى.[27]
ج/- جماعة البلدة:
وهي هيئة تتكون من سكان البلدة الميسورين والمرتبطين عادة بالزاوية وشيخها ويظهر دور هذه الهيئة في البلدة التي ليس فيها شيخ زاوية تتجسد فيه وحدة القيادة فتتولى هذه الجماعة جزءا من مهام الشيخ لا سيما في مجال استقبال الضيوف والزوار، ومساعدة الفقراء والمساكين وابن السبيل، عن طريق عمل جماعي تنظمه الزاوية.[28]
د/- هيئة الخدمات:
وتتكون هذه الهيئة إما من أشخاص يتطوعون لخدمة الزاوية وضيوفها وتلاميذها، أو يعملون مقابل ما اتفقوا عليه مع شيخ الزاوية، بحيث يكثر عددهم أو يقل حسب حجم الزاوية، كما يعملون بالتناوب حسب البرنامج المعمول به الذي يحدده لهم شيخ الزاوية.[29]
أما قديما فكانت للزوايا جماعة من الخدم يعرفون بالعبيد أو الخمّاسة، ويعتبرون من أملاك الزاوية، يعملون بها أو بالأراضي التابعة لها، وتعتبر هي مسكنهم وهم جزءا منها لا يبتعدون عنها طيلة حياتهم، إلا إذا سرحوا منها اضطرارا، وأحيانا نجد حتى أهلهم وذريتهم الذين يرثون الخدمة في الزاوية أباً عن جد.
هـ/- لجنة المسجد:
وهي هيئة حديثة العهد بالنسبة للمؤسسات البشرية التي تتكون منها الزاوية، ذلك أن لجنة المسجد يحكم نشاطها القانون الخاص بتنظيم الجمعيات، وصلاحيات هذه اللجنة تنحصر أساسا في النظر في حالة المسجد من حيث الصيانة والتأثيث.
وتنبثق لجنة المسجد عن جمعية عامة تضم كافة المصلين بالمسجد لذلك يلاحظ أن إنشاءها لا يكون عادة إلا في المساجد التي يؤمها مصلون آخرون غير المنتمين نظاميا للزاوية.[30]
ومع هذا فإنه ينبغي أن نشير هنا إلى انه وبالرغم من الصلاحيات الواسعة لهذه اللجان في القانون الخاص بها فإنها بالنسبة للمساجد التابعة للزوايا ظلت تعمل تحت الإشراف المباشر لشيخ الزاوية، وجعلت من نفسها أداة مكملة للدور الذي تقوم به الزاوية في الاعتناء بالمسجد الذي يمثل هيكلا أساسيا من هياكلها.[31]
ويبقى أن نقول إن تكوين هذه الهيئة بمسجد الزاوية لا يتم إلا بالموافقة المطلقة لشيخها.
2. الهياكل المادية للزاوية:
بعد أن وقفنا على المؤسسات البشرية التي تميز تكوين الزوايا بمناطق توات، نتطرق الآن إلى سرد الهياكل المادية التي تطبعها، والجدير بالذكر في هذا المجال أن الزاوية بشكلها العام تمثل جزء من تصميم القرية التي تؤويها، فهي عادة تنشأ على مشارفها والقصد من ذلك توفير ما أمكن من الجو المناسب لطلبة العلم بإبعادهم عن ضوضاء القرية أو المدينة، غير انه ونتيجة تطور العمران الذي تشهده مدننا وقرانا أصبحت بعض الزوايا اليوم وكأنها بنيت داخل القرية أو المدينة فأحاطت بها جميع مرافقها الأساسية.
وبالرغم من ذلك فإنها ما زالت محافظة على دورها وفق ما تؤديه هياكلها المادية المتمثلة على الخصوص في:
أ.مسكن الشيخ: وهو يسبق كل هيكل يميز الزاوية، ذلك أنه يتوجب عليه الاستقرار للتفرغ للدور الذي ألزم نفسه به، ولا يتأتى له ذلك إلا بإنشاء منزل خاص يعد النواة الأولى للمرافق الأخرى التي ستعرف الوجود بتطور المؤسسات البشرية للزاوية.[32]
ب.المسجد: دور المسجد هام جدا، وتوضيح ذلك يعد من نافلة القول، فهو في بداية إنشاء الزاوية مسجد يحتضن جميع الطلبة، ويظل كذلك إلى أن تتوسع مرافق الزاوية، فيقتصر دوره حينئذ على أداء الصلوات المفروضة وإقامة الشعائر الدينية التي تتطلب حضور جمع كبير من الناس ثم تنتقل المهام التي كانت تؤدي فيه في البداية إلى المرافق الجديدة للزاوية كالتدريس مثلا.[33]
ج.حجرات الدراسة:
تضم زوايا مناطق توات عددا من الحجرات الخاصة بالدراسة والتي يزيد عددها بازدياد عدد المتعلمين بها، ووظيفة هذه الحجرات هي احتضان أفواج التلاميذ الذين يتوزعون عليها حسب مستوياتهم، ويتكفل بهم مدرسون يشرفون على تعليمهم الأول، سواء في حفظ القرآن أو استظهار المتون المتعلقة باللغة والفقه، ويتولى شيخ الزاوية تحديد المكان الذي يلقي فيه دروسه ومحاضراته بين هذه الحجرات، ونلفت الانتباه هنا إلى أن حجرات الدراسة بزوايا المنطقة ما زالت في معظمها خالية من التجهيز العصري الذي تعرفه حجرات الدراسة بالمدارس النظامية.
د.المرافق الداخلية: تسعى كل زاوية إلى تخصيص مرافق للداخلية التي يأوي إليها التلاميذ في الساعات القليلة من الراحة.
وتضم هذه المرافق على وجه الخصوص بيوتا للنوم، يختلف عددها وحجمها وطريقة هندستها من زاوية إلى أخرى، غير أن ما يميز جميعها هو توفرها على التهوية الضرورية خاصة وأن فصل الصيف هو الفصل الغالب في المنطقة.
ولقد تطورت هذه المرافق عما كانت عليه في العصور الماضية وتعددت، بحيث أصبحت تزود بالمكيفات التي ترطب الجو والمعدات الضرورية للحياة العصرية، وتشمل على مرافق إضافية للخدمات كدورات المياه المزودة بالماء الجاري والمطابخ التي تعد فيها الوجبات الغذائية للطلبة الداخليين[34].
ه.المكتبات: توجد بعض الزوايا التي تمتلك مكتبات غنية بأمهات الكتب تتضمن المؤلفات المخطوطة والمطبوعة، ويتجلى ذلك أكثر في الزوايا التي ورثت هذه الخزانات من شيوخها الأقدمين، أو الزوايا التي لها موارد متعددة تسمح لها باقتناء الكتب عن طريق الشراء، غير أن الملاحظ على منهجية بعض الزوايا في هذا المجال أنها لا تفتح المكتبات، وخاصة خزانة المخطوطات إلا لأشخاص معينين من هيئة التدريس أو الطلبة الكبار الذين تتسم منهم الاستفادة الفعلية من هذه المؤلفات.[35]
و.الكتاتيب القرآنية: توجد بعض الزوايا التي تشرف على كتاتيب قرآنية تعلم الصغار القرآن الكريم والمبادئ الأولية للغة والفقه، وخاصة الحروف الأبجدية إشرافا روحيا فقط لأن هذه الكتاتيب التي تسمى بالمنطقة “بالمحضرة” أو أقربيش” تعد المرحلة الأولى من مراحل التعليم، ولا يخلو حي أو قصر من مثل هذه الكتاتيب، فهي التي تزود الزوايا بطلبة العلم بعد أن يصلوا إلى مرحلة معينة من النضج ويتحصلوا على قسط مقبول من العلم في مجال حفظ القرآن والمتون اللغوية والفقهية المتداولة الدراسة في المنطقة.[36]
ز.بيوت الضيافة: ويتم إنشاؤها بعد تطور الزوايا وانتقالها من مرحلة استقبال الضيوف في بيت الشيخ إلى تخصيص بيت خاص لهم بمرافقه الضرورية، التي توفر لهم كل أسباب الراحة ووسائلها المطلوبة.
وهذا الهيكل يبقى تواجده مقرونا بمدى توفر الإمكانيات المادية اللازمة للزاوية وتواجده لا يصبح ضروريا إلا إذا وصلت الزاوية إلى مرحلة يكثر زوارها ويتوزعون بشكل يضيق بهم المقام في بيت الشيخ.
ح.أملاك الزاوية: تتوفر لجل زوايا مناطق توات أملاك خاصة بها تتمثل في الأراضي والبساتين والحيوانات ومختلف أنواع العقار، كما تمتلك بعض الزوايا مقادير محددة من مياه الفقارة التابعة للقصر.
وتعتبر أملاك الزاوية بمختلف أنواعها المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه في تمويل نفسها للإنفاق على الطلبة والمساكين وعابري السبيل، ويضاف إليه ما يقدمه المحسنون من ذوي الجاه واليسار، وبعض المساهمات التي تتلقاها من مصالح الدولة المختلفة، وكانت الزاوية فيما مضى تمول من المحصولات الزراعية التي تنتجها البساتين الموقوفة عليها، إذ يسخرها أصحابها لفائدتها، فكانت تستفيد من ثمار النخيل، والحبوب والقمح والشعير والذرة وحتى بعض الخضر، من بينها الطماطم والجزر وكان أرباب الزوايا والمسؤولون عليها يعملون جاهدين لتفجير الفقاقير وحفر الآبار التي تساهم في زيادة المحاصيل، وكان بعضهم يهتم بترحيل قوافل التجار في الداخل والخارج لجلب السلع الخاصة بحاجات الزوايا وأهل البلاد.[37]
ط. محل الزاوية: وظيفته تخزين المؤونة، إضافة إلى الوظائف السابقة[38].
والملاحظ أنه في وقتنا الحاضر معظم الزوايا لم تعد تعتمد على الزراعة والتجارة في تمويلها ونفقاتها نظرا لضعف الفلاحة وما تحتاجه من جهد شاق في خدمتها، ونظرا للتقدم الذي عرفته المنطقة في مختلف المجالات فقد أصبحت هذه الزوايا تتلقى التمويل وما تحتاجه من طرف المسيرين لها والمشرفين عليها، ومن طرف دعم الجمعيات الخيرية، ومن ذوي البر والإحسان والصدقات، وأحيانا من العشور والزكاة التي تجمع بها، أو من طرف دعم السلطات الوصية.[39]
وهذه هي اللمحة المختصرة التي توضح الصورة الحقيقية للهيكل التنظيمي الخاص بفئة الزوايا العلمية والإطعامية بجانبيه البشري والمادي.
V) دور الزوايا التواتية وتأثيرها الداخلي والخارجي:
لقد لعبت الزوايا في منطقة توات أدوارا هامة منذ ظهورها إلى غاية انتشارها وتفرعها في مختلف أصقاع البلاد الإسلامية، وبداية نأخذ الدور الحضاري الذي لعبته داخل منطقة توات، ونجد ذلك مجسدا بشكل واضح من خلال دراسة وظائف الزوايا داخل المنطقة.
1. الدور العلمي: وهو الأصل الأول في نشأة الزاوية ويتمثل فيما يلي:
أ- تعليم القرآن الكريم وحفظه: وذلك عن ظهر قلب بعد أن يكون المتعلمون قد حفظوا جزءا منه في المدارس القرآنية الأخرى، وذلك عن طريق البرامج المسطرة والأوقاف اليومية، وكذلك حضوره مجالس تلاوة الأحزاب عن ظهر قلب بإشراف الشيخ وهيئة التدريس، وهي وظيفة أساسية لنشر الدين الإسلامي، وفهم مصدره الأول وتواتره بتعليمه للأجيال الصاعدة، والموجه الأساسي للأمة الإسلامية، وأدت هذه الوظيفة الأساسية إلى تجسيد قوله تعالى: <>،[40] فتم حفظ القرآن ونشره بصورة مكثفة في وسط البيئة التواتية بفعل الزوايا.[41]
ب- تدريس السنة: تتم دراسة الأحاديث النبوية عن طريق الدروس الأخرى لا سيما السيرة النبوية ودرس الأخلاق والآداب العامة.
كما يخصص جزء من برنامج دراسة الطالب لسرد وشرح صحيح الإمام البخاري وموطأ الإمام مالك من طرف المدرسين، بالإضافة إلى شرح ما يستلزم شرحه من طرف الشيخ خلال مسيرة طويلة قد تدوم السنة أو السنتين تختم عادة بحفل كبير تقام فيه الولائم ويحضره جمع غفير من الناس حتى خارج محيط الزاوية، ويحدد تاريخ الاختتام مسبقا ليعلمه الناس الذين يرغبون في الحضور إلى الفاتحة التي يتوج بها.[42]
ج- الدراسات الفقهية: وهي استظهار لبعض المتن الفقهية يقوم الشيخ بشرحها بالوقفة ويأخذ كل تلميذ واحدة حسب مستواه، ويقوم هو بدوره بحفظها واستظهارها، ونذكر منها على سبيل المثال: (متن ابن عاشر- متن الأخضري- الرسالة لأبي زيد القيرواني- سهل المسالك- مختصر خليل- تحفة الحكام لبن عاصم)، كما يقوم الشيخ في جلساته العامة وهيئة التدريس في الحصص الخاصة بشرح ذلك وإجراء التطبيقات العملية عليه.
د- دراسة علم التوحيد: ويتم بحفظ المتون المتضمنة لذلك (كمتن السنوسية- الجوهرة -الأوجلي…) وشرحها في دروس خاصة وعامة، إضافة إلى ما يتعرض له الشيخ أثناء شرحه للمتون الفقهية السابقة الذكر في الأبواب المتعلقة بالتوحيد.
هـ- تدريس قواعد اللغة العربية: كان تعليم النحو والصرف وفقه اللغة لفهم القرآن الكريم الذي يحفظه الطلبة، ومن أهم المتون المعتمدة في هذا المجال (متن الأجرومية- ملحة الإعراب- ألفية بن مالك….)، والدراسة تكون بنفس الطريقة السابقة التي تدرس بها المتون الفقهية على آيات قرآنية وأحاديث نبوية وشواهد من كلام العرب.
وإتمام الدراسة في هذه الزوايا غير محدد بسنوات معينة فإذا آنس الطالب من نفسه كفاءة استأذن شيخه في البحث عن عمل إن لم يجد ذلك في الزاوية نفسها.[43]
أما خارجيا فقد كان للزاوية التواتية في إفريقيا الغربية الفضل الأكبر في تحقيق التعريب الشامل، فقد نشرت الفصحى وغرست حبها في النفوس، وبثت معارفها بين الناس، وقد قص علينا التاريخ نتفا من الدور العلمي الذي لعبته القبائل التواتية في هذا المجال، نذكر منها على سبيل المثال قبيلة كنتة التي كانت لها مكانة مرموقة في بلاد السودان الغربي وذلك بما قامت به من مهام تعليمية أسهمت بها في نشر اللغة والحرف العربي، وفي تأليف العديد من المصنفات اللغوية والفقهية والأدبية وفيما أنجبته من علماء أفذاذ كان لهم الفضل في المحافظة على الثقافة الإسلامية.[44]
2. الدور الاجتماعي: الدور أو الوظيفة الاجتماعية التي تقوم بها الزوايا التواتية كثيرة بشكل يصعب حصرها إلا أن ذلك لا يمنعنا من الإشارة إلى بعضها وفق الخدمات التالية:
أ. مساعدة الفقراء والمساكين: تقوم بها الزاوية تجاه فقراء ومساكين القرى التي توجد بمحيطها، بل قد تساعد حتى الفقراء القادمين إليها من كل الاتجاهات، ويلعب شيخ الزاوية بسخائه دورا مهما في إدخال السرور على الفقراء والمساكين.
ب. مساعدة المنكوبين وأبناء السبيل: تساهم الزاوية التواتية في مساعدة من تصيبه نكبة من نكبات الدهر، وتواسي ابن السبيل الذي يلجأ إليها وقد انقطع به الحبل، وهو أمر يقوم به الشيخ أو من يتولى عملية الإنفاق نيابة عنه أو تقوم به جماعة البلدة في حالة انتهاج أسلوب النوبة،وتخرج هذه النفقات من إرادات أملاك الزاوية المحفوظة لمثل هذا الغرض.
ج. تنظيم الختان الجماعي: تتولى بعض الزوايا القيام بتنظيم ختان جماعي لفائدة أبناء المحتاجين، وتغتنم في ذلك المناسبات السعيدة والظروف المناخية المناسبة، وتصنع لذلك وليمة يحضرها الأطفال وأولياءهم.
د. تنمية روح الاتحاد والمحبة والأخوة: وتعمل على تحقيق ذلك بفضل التوجيهات الدينية التي ما فتئ الشيوخ يكررونها في كل التجمعات العلمية أو الاجتماعية، وتعمل على محو الفوارق الاجتماعية بين الناس ويتم ذلك نتيجة تلاحم الأغنياء بالفقراء وانصهار مختلف الطبقات الاجتماعية في بوتقة واحدة، شعارها الاتحاد والمحبة والإخوة والشعور بأن الذئب إنما يأكل من الشاة القاصية.
هـ. بث روح التعاون: تعمل كل زاوية من الزوايا التواتية على بث روح التعاون وتزكيته بين سكان القرية، بدعوتهم وباستمرار إلى التزام الجماعة والتعاون على البر والتقوى وتُجسد بإشرافها على تنظيم هذا التعاون عن طريق العمل الجماعي المتمثل في القيام بالحملات التطوعية، عن طريق التويزة في خدمة الفقارات وإصلاح السواقي وتجديد مصدات الرياح والزوابع الرملية.
و. تنظيم ركب الحجاج: تقوم بعض الزوايا لا سيما تلك الواقعة على حافة الطرق الرئيسية بالولاية بتنظيم ركب الحجاج ذهابا وإيابا، مثل ما هو الحال بالنسبة لزاوية الشيخ محمد باي بالعالم بأولف، وزاوية الشيخ الحاج بلقاسم بمنطقة تنجورارين بتيميمون، بحيث تقوم بالإجراءات العملية للتوديع والاستقبال الجماعي لحجاج منطقتها أو المارين بها وتتكفل بكل ما يترتب عل ذلك من إنفاق في إطعام وإيواء الحجاج ومرافقتهم.[45]
ي. الصلح بين الناس: تقوم الزوايا التواتية بعمليات الصلح في حالة وقوع نزاعات أو خصومات، فكان يتم الانتقال من الزاوية بالتهليل إلى القصور المجاورة لإقامة الصلح وكان لشيوخ الزوايا دور في فك الخصومات والنزاعات بين مختلف القبائل، وحسب الروايات فان ظاهرة التقاء الألوية في الحفرة الموجودة بزاوية الحاج بلقاسم بتنجورارين في اليوم السابع من المولد النبوي الشريف دليل على ذلك.[46]
3. التأثير الداخلي والخارجي للزاوية التواتية:
أ- داخلياً: كانت الزاوية التواتية صمام الأمان في مجال العقيدة، وقد ملأت الفراغات الإيديولوجية، وبالتالي وقفت أمام الاندثار الحضاري للمجتمع القائم على مؤسسات هامة كيف لا وفي أحضانها بعثت الدولة وبويع الشيخ وأمن المخلوع والمهزوم والمظلوم وحرر العبد، وفك الأسير،وأكرم الجائع، وأجيب السائل، وفيها انطفأت نيران الفتن وسويت النزاعات، وأبرمت الأحلاف، بالإضافة إلى تطوير العمران، وازدهار الفنون اللغوية كالشعر الملحون، والحفاظ على التوازن الروحي والذاكرة التراثية للأمة.[47]
كما كانت الزاوية التواتية تمثل بحق محلا لالتقاء المجاهدين وتمرير رسالة الجهاد تحت مظلتها، بل تعدى الأمر من مجرد التوجيه والتعبئة إلى المشاركة الفعلية، كما هو الشأن في معركة “الدغامشة”[48] التي كان في مقدمتها الكثير من شيوخ الزوايا أمثال: مولاي عبد الله الرقاني بن مولاي العباس الذي كان قائد هذه المعركة يوم 04 جانفي 1900م.
وكما هو الشأن أثناء فترة المقاومة الشعبية للشيخ بوعمامة الذي وصل إلى إقليم توات في بداية 1882م حيث وجد هناك المناخ المناسب لجمع الأعوان والمال لاستئناف كفاحه من الجنوب، وكان عليه أولا كسب المزيد من الرجال الأنصار لصفه وبصفته رجلا من رجال الدين انشأ زاوية له في قصر أولاد عبو بمقاطعة زوا الدلدول بمنطقة تيميمون عن أتباعه أولاد سيدي الشيخ الشراقة، وفتح أبواب زاويته لاستقبال المسافرين والأتباع حيث يجدون الراحة وكرم الضيافة، ويلقن أتباع زاويته أسرار طريقة أولاد سيدي الشيخ ولم يلبث أن جاءته الوفود من كافة المقاطعات التواتية تبايعه على الكفاح وتسانده بالرجال والمال.[49]
ب- خارجياً: وبما أن الزاوية التواتية نجحت في بلوغ الهدف الذي اتبعته داخل منطقة توات، فقد طمحت إلى أن تنقل عطائها وإشعاعها الروحي إلى الخارج، فكان لها أثرا كبيرا في نشر الإسلام في إفريقيا الغربية بوصول رجالها إلى مختلف شعوب القارة الإفريقية مبشرين بمبادئ الدين الإسلامي ومعالمه الحضارية السامية، كما عم الإسلام كل الطوارق، ودخلت أقوام الوثنية من الزنوج والسود في دين الله أفواجا، فوصلت بذلك مناطق عديدة من بلاد هوسا، وتمبكتو، وشنقيط، كما ساهمت في العلاقات التي كانت بينها وبين هذه البلدان، من خلال مخازنها واحتضانها للقوافل التجارية، وإشرافها على الطرق المؤدية إليها، وهذا ما يجعل من المبادلات التجارية تزدهر بين الزوايا التواتية وزوايا البلدان الأخرى من شنقيط والساقية الحمراء و ولاته، وهذا ما دفع بالمستدمر الفرنسي في الكثير من الأحيان إلى تجفيف المنابع المادية للزاوية، وإلحاق الدمار على مستوى هياكلها، كإحراق المخطوطات، وإبادة المنتمين إليها بشتى الوسائل، وتخصيص بعثات للإطلاع على حقيقة الزوايا، خاصة بعد مقتل “دوفولكو” الذي كان جاسوسا يرصد أعمال تلك الزوايا.[50]
وهكذا نرى أن الزاوية التواتية نشأت من أجل أهداف دينية خالصة، أهمها ترسيخ الإسلام الصحيح وأحكامه في نفوس المسلمين الجدد الذين ظل إسلامهم ناقصا، نتيجة جهلهم وبعدهم عن مراكز التوجيه الإسلامي، هذا بالإضافة إلى متابعة نشر الرسالة بين الشعوب التي لم تبلغها بعد، وقد ظلت العلوم الدينية بمختلف أنواعها العمود الفقري للزاوية والمحور الذي تدور عليه، وحقق الأدب تطورا واضحاً في ظل هذه الزاوية الدينية، وكانت من أدواتها الهامة لحمل الرسالة وتبليغ الدعوة الإسلامية.[51]
المراجع
[1]- صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص301.
[2]- بحيدي حسان و محمد عبد القادر، الزوايا و دورها في حفظ المخطوطات، مذكرة ليسانس علم المكتبات و الوثائق، بإشراف: أصحى محمد، كلية العلوم الإنسانية والحضارة الإسلامية، جامعة السانية وهران 2000، 2001م، ص04.
[3]- محمد نسيب: زوايا العلم والقراءة بالجزائر، الجزائر، دار الفكر- سوريا، دار الفكر العربي بوزريعة، ص27.
[4]- محمد باي بلعالم: أهداف نشأة الزوايا وواقعها في المنطقة، الملتقى الوطني الأول للزوايا بأدرار، أيام 1، 2، 3 ماي 2000م، ص01.
[5]- صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص301.
[6]- محمد نسيب، المرجع السابق، ص31.
[7]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ص02.
[8]- صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص302.
[9]- صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص304.
[10]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ص03.
[11]- أبو عبد الله الأنصاري: فهرست الرصاع، تحقيق محمد العنابي، المكتبة العتيقة، تونس، د-ت، المكتبة الوطنية القديمة تحت رقم 44201، ص127.
-[12]صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص ص328-330.
-[13]صلاح مؤيد العقبي، المرجع السابق، ص ص 303-305.
[14]- محمد باي بلعالم، الرحلة العلية لمنطقة توات، ج1، الجزائر، دار هومة، 2005، ص ص319-320.
[15]- عبد الله عباس، المرجع السابق، ص ص78-80.
[16]- عبد الغني العزواي، عبد الحليم بولغيتي، التربية النظامية و الغير نظامية، مقارنة بين ثانوية وزاوية، مذكرة ليسانس تخصص علوم التربية، بإشراف بوفلجة غيات، كلية علم النفس جامعة السانية، وهران، 2004/2005م، ص49.
[17]- تينلان، مدينة تقع شمال مدينة ادرار، تبعد عن مقر الولاية بـ02 كلم، تأسست سنة 1078هـ. الحاج احمد الصديق، المرجع السابق، ص85.
[18]- احد قصور توات يقع جنوب ولاية ادرار يبعد عن مقر الولاية بـ70 كلم وهي تابعة إداريا لبلدية زاوية كنتة، انظر،نفسه، ص126.
- [19]محمد حوتية، المرجع السابق، ص153.
[20]- الحاج احمد الصديق، المرجع السابق، ص126.
[21]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج2، ص216.
[22]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ص17.
[23]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج1، ص401.
[24]- سورة الإنسان، الاية09.
[25]- أحميدة بن زيطة، الهيكل التنظيمي والوظيفي للزوايا بمنطقة توات، الملتقى الوطني الأول للزوايا، الجزائر، وزارة الثقافة، مديرة الثقافة لولاية ادرار، أيام:1، 2، 3ماي 2000م، ص17.
[26]- محمد السالم نواري، المدارس القرآنية و آثارها في التعليم المدرسي بمنطقة توات خلال القرن 14هـ، مدرسة الشيخ محمد بلكبير نموذجا، مذكرة ليسانس، قسم اللغة العربية و آدابها بإشراف الأستاذ احمد الأمين كلية الاداب و اللغات، جامعة الجزائر 2003/2004م، ص67.
[27]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص05.
[28]- نفسه، ص10.
[29]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق ، ص06.
[30]- نفسه ، ص05.
[31]- نفسه، ص07.
[32]- محمد سالم نواري، المرجع السابق، ص71.
[33]- نفسه، ص71.
[34]-أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص07.
[35]- نفسه، ص08.
[36]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق ، ص09.
[37]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج1، ص ص318-319.
[38]- محمد سالم نواري، المرجع السابق، ص72.
[39]- محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج1، ص318.
[40]- سورة الحجر، الآية 09.
[41]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص12.
[42]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص12.
[43]- نفسه، ص13.
[44]- عبد الله عباس، المرجع السابق، ص124.
[45]- أحميدة بن زيطة، المرجع السابق، ص ص17-18.
[46]- نفسه، ص19.
[47]- محمد حوتية، المرجع السابق، ص197.
[48]- الدغامشة: قرية قديمة في جنوب عين صالح تبعد عنها بحوالي 04كلم. انظر، محمد باي بلعالم، المرجع السابق، ج2، ص13.
[49]- نفسه، ص ص13-14.
[50]- عبد الله عباس، المرجع السابق، ص124.
[51]- نفسه، ص123.
اقرأ المزيد ...
امثال شعبية من ولاية ادرار
بسم الله الرحمن الرحيم
1- اللي ما كفاه قبروا يرقد قوف منو
يعني ان من لم يقنع بما اتاه الله ويبحث عن الحرام فلا بارك الله له في حلاله
2- خوك خوك لا يغرك صاحبك
ويعني ان الاخ مهما كان بعيدا عليك فهو افضل من الصديق لانه له نفس دمك
3- يا المزوق من البرا واش احوالك من الداخل
يعني قد يعجبك الرجل وحسن لباسه ولكن قلبه وافعاله عكس لباسه وقد ترى المنزل الكبير والبناء العالي الفخم ولكن اهله في عيشة تعيسة وكدر – المزوق-يعني المزخرف
4- كي تحزمت العمشاء لقات النهار مشا
ويعني التاخير والتماطل في فعل الاشياء بدون عذر -العمشاء- تعني المراة التي لا ترى في الليل
5- اللي ما جا مع العروس ما يجي مع امها
ويعني ان الانسان اذا وعدك بان ياتي لك بشيء ولما حضر قال لك نسيته وساتي به فيما بعد ،فتاكد انه لن ياتي لك به
6-اللي ما في كرشوا التبن ما يخاف من النار
ويعني ان من لم يعمل سوءا في الدنيا لا يخاف من النار في الاخرة ،وايضا من لم يسرق لا يخاف من السجن،ومن لم يقتل لا يخاف من القتل وقس على ذلك …-كرشوا-تعني البطن-، -التبن-يقصد به اي شيء تاكله النار مثل الحطب وغيره
اقرأ المزيد ...
العادات والمعتقدات المتشابهة بين منطقة تمنراست وأدرار
مقدمـــة:
في أقصى الجنوب وفي وسط الصحراء الجزائرية وعلى مسافة تقدر بحوالي 1700 كلم عن الجزائر العاصمة تتواجد ولاية تمنراست ومقاطعاتها التي حددت ملامحها الأساسية عبر العصور متأثرة بالمحيط الجغرافي والمجال الفكري الذي ساد المشرق والمغرب وتفاعل السكان وظروف هذه المنطقة تأثرا وتأثيرا .
إن شان التراث الذي أنجزه الإنسان في منطقتنا دليل على إثبات وجوده وتفاعله الطبيعي مع بيئته الصحراوية القاسية بأساليبه البسيطة المستثيرة للقلوب وسريعة الاستقرار في الذاكرة ، ومهما حاولنا أن نشمل استيعاب هذا المخزون الشعبي بأكمله فإننا لا نستطيع لكثرة تشعبه وتوسعه ، فاكتفينا باختيار مجموعة متنوعة من النماذج الجديرة بالذكر والإعجاب والإطراء ، وسعيا وراء تبسيط جمع هذا البحث اتبعنا طريقة الشمولية لكل عنصر أساسي في التركيبة الاجتماعية لنمس كل المستويات حسب الأدوار والمكانة في الحياة الاجتماعية وركزنا على مادة تمثل جزءا هاما من النسيج الاجتماعي لهذه المنطقة العريقة .
إن دراستنا هذه قبل أن تخضع للمنهجية العلمية في العادات والمعتقدات تخفي تأثرها لأولئك الآباء الأوائل الذين صنعوا العادة وعملوا وأبدعوا منذ حقبة من الزمن على هذه الأرض السخية ، ولذلك فإننا ندين لهم بالسبق لما توصلوا إليه لأنها موهبة قبل أن تكون فنا من الفنون أو علما من العلوم .
والخطوط العريضة لهذا البحث وما تحمله المنطقة في طياتها من آثار إيجابية تشكل رافدا هاما من روافد تراثنا الجزائري الضخم . وقد قسمنا هذا العمل المتواضع لفصلين: فصل للعادات وآخر للمعتقدات، وأوردنا ما فيها بقلة استيفاء، فركزنا على جوانب وأهملنا أخرى، وتعمدنا إيراد بعض المصطلحات بالعامية للخوف من الوقوع في اللبس. كما أن مادة العادات والمعتقدات منها ما كان موجودا وهو إلى حد الآن موجود، ومنها ما أكل الدهر عليه وشرب، كما تعمدنا عدم إيراد عادات ومعتقدات دنيئة حفاظا على سمعة المنطقة.
وبأدب التواضع وذهنية الموضوعية وجمال الذوق ومداد الوفاء أنجزنا هذا البعض المتكامل، والله الموفق والمستعان
i – العـــــــادات :
1)- المولد النبوي الشريف :
هو عيد من الأعياد الدينية يحتفل به المسلمون كل سنة لتخليد ذكرى ميلاد الرسول صلى الله عليه وسلم.يوم12 ربيع الأول منكل عام.
وكما في كل البلاد الإسلامية والوطن الجزائري بمختلف ولاياته فإنها تحتفل بهذا اليوم العظيم بطرق مختلفة, أما في منطقتنا فإننا نحتفل فيه بأسلوب خاص. فقبل عشرين(20) ليلة من هذا اليوم تقام سهرات حميمة في المساجد ,وتقرأ فيها قصيدة الوسائل المتقبلة في مدح خير البرية لابن مهيب وتسمى “البشير”,وتكون قراءة هذه القصيدة في شكل فرقتين تقرأ الفرقة الأولى تخميسة, والفرقة الأخرى تقرأ التخميسة التي بعدها,وفي كل مرة يبدل شيخ القعدة اللحن المستعمل ومثال ذالك :
سلام على النور الذي جاء بالهدى سلام على البدر المسمى محمـــدا
وات يأس من قرب وإن بعد المدى قد استحكمت في أضلعي لوعة الصدا
فعذرا فإني عن صبوح أرقق
فكم سيد فيها منوط بسيـــد وحسبك بالصديق تلو محمد
وبالسيد الفاروق حسبي بهم قد صلاة وتسليم على قبر أحمد
وقبر أبي بكر وقبر أبي حفص
إضافة إلى قصيدتي البردة والهمزية للإمام البوصيري,وفي النهار تكون نشاطات ثقافية وعادات أخرى. فيحبب في تلك الأيام ختان الصغار,والتوسعة على العيال ,وكثرة الصدقات والإحتفالات,والخطب والأعراس…الخ
وعندما يقدم اليوم المنشود وهو 12من ربيع الأول,وفي ليلته يعد كل ما قرأ في تلك العشرين20يوما الفارطة,فتبدأ مراسيم الإحتفال من بعد صلاة المغرب إلى مابعد طلوع الشمس,وفي هذه الليلة الحافلة يقرأ البشير جماعيا,والهمزية ,والبردة,وقصائد أخرى,وتختم بالقرآن الكريم.فالرجال عندما يدخلون المسجد من غروب شمس اليوم الأول لا يخرجون حتى طلوع شمس الغد,ويجلب الأهالي الطعام من كل نوع خاصة الأطباق الرئيسية(الكسكس, الرشراشي),والشاي حاضر من بداية الحفل إلى نهايته مع بعض الحلويات والمقبلات.أما النساء فلهن شأن آخر ففي تلك الليلة تقام حفلة ساهرة كبيرة تأتي إليها الفتيات من كل مكان والنساء اللواتي تزوجن مؤخرا,فيرقصن ويأكلن ويشربن ويحضرن ليوم الغد ما لذ وطاب من المأكولات المحلية.
ويأتي الصباح فيخرج الرجال من المساجد وتبدأ الاحتفالات خارج المسجد من أقرص للبارود بأغان خاصة بالمولد النبوي, وخرجات تفسحية, وذبح للكباش, إضافة إلى التصدق وزيارة الأقارب وعيادة المرضى …
وفي النهار تقام مأدبة عامة يقال لها “صدقة لالة فاطمة الزهراء” يستدعى فيها كل من في البلد. وتستمر هذه المظاهر حوالي أسبوع في انتظار يوم آخر مهم من أيام الاحتفال وهو يوم 20 ربيع الأول المسمى “يوم السمية” أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم سمي وحلق بعد أسبوع من ولادته, وفي هذا اليوم يكون الحظ الأوفر للنهار لا الليل, فتلك القراءات السالفة الذكر (البشير, الهمزية, البردة والقرءان…) تقرأ مرة أخرى حتى غروب الشمس ,بينما النساء يحضرن الأطعمة وتقمن حفلة نهارية هذه المرة يحضر فيها الكبار والصغار , وتقام ختمة كبيرة بالقرءان الكريم وأكل الطعام وشرب الشاي والتصافح والتسامح بين الحاضرين .
فقيمتها الاجتماعية عالية كما الدينية في تكوين مجتمع مسلم متحاب بارتياح نفس وطيب خاطر. ويختم العيد بهذه الأمور في انتظار مولد نبوي آخر في العام القادم إن شاء المنان .
2)- عـاشــوراء:
هو يوم من أيام الله كانت اليهود تصومه فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبب صيامهم في هذا اليوم, فقيل أن الله تعالى نجا فيه سيدنا موسى عليه السلام من فرعون. فقال عليه الصلاة والسلام :”نحن أحق بموسى منهم” . ولمخالفتهم شرع صوم يوم التاسع والعاشر من هذا الشهر, ومنه بدأ الاحتفال بهذا اليوم في كل الأقطار الإسلامية كل حسب طريقته.
أما في ولايتنا “تمنراست” وقبل عاشوراء بيوم وهو اليوم التاسع تتسارع الفتيات لتحضير وسائل الزينة وصنع “الدباليز” أي الأساور من الطين والجلد المدبوغ ومن “البرومي ” أي”القش” , وسلاسل من “البوعبوع” وهي الأصداف والقواقع التي تجلب من البساتين أو جداول الماء. أما الصبيان فيصنعون “لمكاحل” وهي بندقيات من جريد وسعف النخيل, فيما يحضر الكبار الطعام فالجميع يحتفل بهذا اليوم المبارك. ويسير موكب البنات نحو “الجنة” أي واحات النخيل وهم يرددن هذه الكلمات:
عاشور يا عاشور صدقة عليك لو لقيتني مرا
ندير ليك الخوص والدباليــز وكل بسالـة
وعندما يصلن إلى آخر حدود الواحات أي الجانب الآخر من الجنة, يبدأ الرقص هناك,وعند الختام تكسر تلك الحلي الطينية ويرجعن إلى بيوتهن. وفي تلك الفترة يكون الأطفال قد اختبأوا وراء الأشجار عن الفتيات محملين بقلال الماء (أواني خاصة بالماء) وعندما تمر عليهم البنات تقعن في الفخ فيرشوهن بالماء ويكيدوا لهن عدة مكائد وكل فتات يجدونها خارج البيت يرشونها بالماء,وتتواصل مسيرة الأولاد حيث أنهم بعد ذالك يحدثون ما يشبه “كرنفال” أي (الشايب عاشور), فيقوم أحد الرجال بتمثيل دور العاشور, فيلبس عباءة وبرنوسا من لفيف النخيل “لفدام” ويضع لحية كبيرة من الفرو الأبيض وزخرفة من وبر الإبل ونعال من سعف النخيل ولوازم أخرى كالعصا والقبعة ولغشا …, ويتجمع حشد من الصبيان ويسيرون وراءه وهم يرددون:
شيبة شايب عاشورا ليحيتك فيها لقمل
ظانين بأنه حمل كل سيئات البلد في لحيته وهم يطردونه ليتخلصوا منها. وتقام حفلة ساهرة في آخر الليل تتضمن أغاني خاصة بالمناسبة. وفي صباح يوم عاشوراء يتصدق كل الناس على الفقراء والمساكين, وتحدث تجمعات للصبيان في كل شارع وكلما رأوا رجلا يذهبون إليه بقولهم :” ليه ليه يا فلان …ليه ليه يا فلان”, فيعطيهم ما في جيبه وإن لم يكن لديه ما يعطيهم يفيدهم بنصيحة.
ويجب على كل منزل وعائلة الخبز الرقيق (الرشراشي) كصدقة للوالدين,وفي الضحى يتجمع الأولاد فرقا فرقا في كل فرقة عشرة 10 أطفال ينتظرون الخبز الذي يتصدق به سكان الناحية. وبعد العصر تقام حفلة تتمثل في رقصات فولكلورية (البارود, قرقابوا, ديراني, أثارة …) وفي الليل تقام سهرة موسيقية ختاما للإحتفال بهذا اليوم الكريم في انتظار العام القادم .
ولهذه العادات أبعاد إيجابية فاجتماعيا تساهم في تواصل أواصر المحبة بين الناس, ونفسيا نجني منها الفرح والمرح والترويح على النفس ,أما دينيا فهي تساعد على التمسك بالدين الحنيف وبشرائعه المحكمة.
3)- الـعـورفــات:
هي عبارة عن عادة محلية في ولايتنا تتمثل في أشكال ورسومات ترسم في ألواح الطلبة بالقلم والدواة في الكتاتيب القرآنية ويجلب التلاميذ معهم بيضة يعطونها للطالب “الشيخ”.
فقبل أسبوع من كل عيد سواء عيد الفطر أوعيد الأضحى تعقد في الكتاب جمعية تتكون من الشيخ المعلم “الطالب” وبعض أعونه من الذين يتقنون هذه الرسمة على اللوح فيأتي التلاميذ ببيضة أو بيضتين مقابل زخرفة لوحه برسمة وهذه الأخيرة تكون في أشكال معينة حسب سن الطفل وهي موضحة في الأشكال) شكل-1-) (شكل-2-) (شكل-3-) (شكل-4-) .
وعند خروج الأطفال من المسجد بألواحهم يذهبون إلى مساجدهم وهم يرددون هذه الأغنية :
بيضة بيضـة لولا * باش نبيض لوحـي
لوحي عند الطالـب * والطالب في الجنـة
والجـنـة محلولـة * سورهـا مـولانـا
مـولانـا مولانـا * لا يقـطـع رجانـا
محمـد نبـيـنـا * هـو يشفـع فيـنـا
إلى يـوم القيامـة * كاين شي ولا ما كان
ولهذه العادة بعد نفسي يكمن في الفرحة التي تغمر التلاميذ بعد كتابتهم للعور فات, فيحصلون على عطلة تدوم خمسة عشر يوما(15) أسبوع قبل العيد وأسبوع بعده, وبعد اجتماعي يبن مدى ترابط فئات هذا المجتمع مع بعضها البعض, وبعد الخروج من المسجد (آقربيش) يجتمع فتيان كل مدرسة قرآنية يقومون بدورة على منازل الناحية ويجمعون “اللمة” وتتم هذه الأخيرة بأن يقف الجمع أمام منزل من المنازل ويقرأ أحد الكبار سورة الفتح قوله تعالى: “إنا فتحنا لك فتحا مبينا” فيردد معه الصبيان الصغار, مع الدعاء لأهل الدار بقولهم :”اللهم آمين”…”ليغفر لك الله”…”اللهم آمين”…”ما تقدم من ذنبك”…”اللهم آمين “…الخ. فيعطيهم سكان البيت ما أمكن من سميد , فرينة , زيت , خضار , سكر ,شاي …وغيرها , وهكذا بنفس الطريقة مع بقية المنازل الأخرى . وفي الأخير يجمعون كل تلك المعطيات ليقيموا ما يسمى ” الزردة ” وهي تتم بأخذهم لكل ما جمع ويبتعدون عن الديار إلى خارج البلاد إلى مناطق يوجد بها ماء , وغالبا ما تقام في “العرڨ ” أي الكثبان الرملية , فيحضرون طعامهم بأيديهم وعلى طريقتهم الخاصة فيأكلون ويشربون الشاي ويتآنسون ويتسامرون فيما بينهم , ثم يعودون إلى الديار ملئ البطون بالطعام والقلوب بالفرح والسعادة .
فمتعاطوا هذه العادة يشعرون بالارتياح لها سواء شيخ الزاوية أو التلاميذ أو السكان ككل ,فهي تجعلهم يحضرون للعيد الديني القادم خاصة عيد الأضحى الذي يجلبون فيه الحطب والملح وهذا الأخير عبارة عن مغامرة مثيرة يقوم بها الصبيان , يأخذون البهائم والزاد ويذهبون إلى مناطق بعيدة جدا عن البلاد راجلين ويحملون بهائمهم بملح خاص بالعيد .
كما تكون القيمة عالية في تنشئة هؤلاء الأولاد على المنهج القويم والسلوك الصحيح وبالتالي الفلاح دينا ودنيا.
4)- أسبــوع الفقــارة :
وهو أيام يخصصها السكان لتنظيف وإخراج الرمال والطين من آبار متتالية تسمى الفقارة, والسواقي. وهذا الأسبوع غير محدد بأسبوع فقط وليس له وقت معين في العام , فكلما رأى كبار البلاد وأهل الاختصاص ضرورة ذلك دعوا الناس إلى ” أسبوع الفقارة ” وأنه يبدأ يوم كذا وكذا .
والفقارة معجزة تاريخية حضارية مجسدة , وتصميم متناهي الدقة أنجزها الآباء الأوائل للمنطقة لإيصال مياه الشرب للواحات والأنعام والأنام, وهذه الآبار حفرت بالحجارة الحادة في الوقت الذي لا يملكون فيه لا الحديد ولا الفأس , وهي تتكون من مئات الآبار مشقوق بينها بطريق يسمى “النفاد” , ويبنى مجرى تحت الأرض تسمى” اغسروا ” وعندما يظهر الماء على سطح الأرض تبنى له ساقية من مخرج الفقارة إلى” القصرية ” التي هي حجر كبير يشقق إلى منافذ صغيرة على شكل أسنان المشط لتوزيع الماء على المشتركين وله نظام خاص تحترم قواعده من طرف الجميع , ويكون سجل يحمل أسماء المشاركين وعدد أو نصيب كل مشترك من” الحبات ” .أما قانون الفقارة فيطول الكلام فيه نغض الطرف عنه بالتحدث فيه بإيجاز .
فتوزيع الماء يكون بالحبة, والحبة تقسم إلى أربع وعشرين(24) قيراط والقيراط يقسم إلى أربع وعشرين (24) “وهلم”…
والرجال الذين صنعوا الفقارة تكون اكفافهم أو راحة أيديهم يابسة مثل راحة قدم الجمل لينعموا ببشارة المصطفي في قوله صلى الله عليه وسلم لأحد الصحابة له يد يابسة استحي أن يسلم على رسول الله, فأخذها النبي وقبلها ورفعها وقال:”هذه يد يحبها الله ورسوله “. وعندما يبدأ العمل يضعون حجرين واحد على البطن والآخر على الظهر ويربطونهما بحبل من “الفدام” لئلا يشعروا بالجوع. فبالرغم من تلك الصعوبات التي تلقاها هؤلاء الرجال استطاعوا أن يصنعوا حضارة شهد لهم بها التاريخ فلولاهم لما وجدنا نحن الأبناء الواحات جنات جزاهم الله عنا خيرا.
والقائمون على هذا الأسبوع يحبون عملهم فأغلبهم متطوعين, فالقادر على العمل يعمل والذي لا يقدر يعاون بما يستطيع إما بالطهي أو تحضير الشاي… فالكل يشارك في هذا الاحتفال التعاوني الدائم أياما من النشاط, وأثناء العمل تردد شعارات وقصائد لإضفاء جو مرح على العمل, وأكثر يعجب في كل هذا , ذاك المظهر من التآخي بين الأهالي وهذا يصور لنا صورة أرادها الإسلام أن تكون دائمة في المسلمين, فهي عادة تساهم في تماسك المجتمع وراحته النفسية ومحافظته الدينية .وتنتهي الأشغال بالتعب المريح للمتطوعين مودعين هذا الأسبوع عاقدين العزم للأسبوع القدم بإذن الله وكلهم نشاط وحيوية لخدمة البلاد والعباد.
5)- الحفــضــة :
وهي إقامة حفل على شرف الصبي الحافظ لكتاب الله عز وجل كاملا. تبدأ مظاهر الاحتفال عندما يختم الطفل القرءان الكريم وبعد أن يفتي لوحته الختامية وترسم له الحفضة ( شكل 4) ، يتجمع حوله الشيخ والتلاميذ وأبوه ومن حضر من أهله وأصدقائه ، فيبين له شيخه عظمة وكبر الأمانة التي يحملها ، ويختم المجلس بالفاتحة والدعاء ، ثم يخرجون به من المجسد نحو بيته وهم يقرءون قصيدة البردة للإمام البوصيري فيسيرون مسافة ثم يتوقفون لتبديل لحن القراءة ثم يواصلون إلى غاية بلوغ منزله ، تختم المسيرة بفاتحة الكتاب والدعاء له بالفلاح . ويتفرق الجمع ويدخل الصبي دارهم فيجد أمه في انتظاره مع حشد من النساء فيباركون له ويضعون له الحناء وكأنه عريس ويقدمون له الهدايا ، وبعدما ينتهي كل ذلك في المنزل يخرج الولد مصحوبا بلوحته دليل على أنه حفظ القرءان ليزور أقاربه، فكل وماذا يقدم تكريما له ؛ فهذا نخلة وهذا نقود وهذا دار وهذا كبش أو دجاج ومنهم من يعرض عليه بنته حتى للزواج بها مستقبلا ، وأثناء دورانه يسارع كل من لقيه في تقديم شيء له ويترجاه لدخول بيته فيكون كالجوهرة في الشارع وكل الأبصار نحوه . وبعد عودته لمنزله يحتفل مع أهله احتفالا صغيرا بإقامة مأدبة على شرفه تسمى “لكرامة” يستدعي فيها أصدقائه وجيرانه ويبعث بثلثيها إلى المسجد لشيخه والتلاميذ والمصلين ومن يحضر إلى الجامع الذي يدرس فيه, ومن ثم تكبر شخصية هذا الطفل في مجتمعه ويضرب به المثل بين أقرانه فهذا العمل تترتب عنه علاقة اجتماعية صالحة نافعة تعود على المجتمع بالترابط وتترك في نفسية الحافظ لكتاب الله ومعلمه وذويه فرحا وسعادة لا تضاهى. وكل هذه العادات الحميدة إنما هي وليدة الدين الإسلامي الحنيف ، وقيمتها ثمرة من شجرة تشريعاته المحكمة .
6)- الشهور الفلاحية وما يصنع فيها :
عند فلاحي ولاية تمنراست توجد شهور تعرف بشهور الفلاحة وعددها إثناعشر(12) شهرا وكل شهر منها يكون فيه عمل معين من الأعمال المختلفة لخدمة الأرض وزراعتها, وهذه الشهور هي :
أ – غـوشـت : وهو شهر حار جدا تكون فيه الحرارة في أوجها ليلا ونهارا وفي آخره يبدأ موسم نضج التمر لما تلقاه هذا الأخير من أسباب ذلك ( الحرارة + ظروف أخرى ) ، وأول نوع من أنواع التمر يكون السبق في النضج وهو تمر ” الفرانة ” وهو تمر أسود اللون متوسط الحجم شديد الحلاوة . ويقال في هذا الشهر مقولة : ” غوشت ، أولها نار وآخرها نوار ” .
ب – اشـتـمـبر : يحدث فيه ما يسمى ” الفرين ” أي الصعود إلى النخلة بـ ” التاسقات ” ونزع التمر ، وهذا الجني له أوقات معلومة فيكون قبل طلوع الشمس أو قبيل الغروب أي عندما يكون الجو معتدل الحرارة ويمنع الفرين في منتصف النهار أو وقت الحرارة العالية لأنه يعود على عرجون النخلة بالضرر فيذبل .
ج – تــوبـر : وهو شهر الكد والعمل وأبرز الأعمال فيه ” التنقال ” وهو نقل روث الحيوانات المنزلية إلى البساتين بواسطة الحمير ( أكرمكم الله ) ليستعمل كأسمدة طبيعية للتربة ، وفيه أيضا تقلب الأرض وأعمال أخرى تترك السكان مشغولين مع البساتين .
د – وانـبـــير : وفيه يتم تهيئة الأرض للزرع ” التقمان ” أي رسم وتخطيط معالم منطقة الزرع وتسيير الماء لها ويتم بعد ذالك نثر البذور ونر الأمل معها في الإنتاج الوفير.
هـ- دوجـانــبير:ليس فيه نشاط معين لكن عمل البستان لا ينقطع.
و- النــاير: وفيه تزرع محاصيل خاصة تتطلب اهتماما زائدا منها النقلة والشتلة, فالأولى تعني نقل الشجيرات وتنظيمها في الحقل بعد أن نبتت مبعثرة, والثانية (الشتلة) فهي خاصة بمحصول الطماطم ولها تخطيط وشروط خاصة ملائمة مثل تعرضه للشمس مع كثرة الماء .
ز- سبرا ير: يجنى فيه محصولي القمح والشعير وتقوم النساء بذالك في نشاط يسمى “التصفاف”, حيث أن كل سنبلة تؤخذ بعناية.فيصفى الزرع وينقى منه ما يؤخذ كما هو ومنه ما يشوط بالنار والبوغة.
حـ- أبريــر: في هذا الشهر يقوم الشباب بتلقيح النخيل يبعضه, فشجر النخيل فيه الذكر والأنثى, فينزع الدكار من الشجرة الذكر وينقل إلى النخلة الأنثى في ترديد أقوال محلية مأثورة هي:
بــــسم الله الرحمان الرحيم صلى الله على سيدنــا محمد
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم التدكار دكرناه والخبر عند ربي
الله يـــدكرها ويـــتمرها ويدير تمـــرتها قد العرجون
ط- مـايـــو: وهو شهر جني أغلب المحاصيل الزراعية التي تنمو في المنطقة, وتخزينها لأيام الزمن.
ك- جوليـــوس: وهو شهر النظافة أي تنقية البساتين من الأوساخ والأعشاب الضارة, ويصلح فيه ما يمكن تصليحه ويضاف ما يجب إضافته بعد أن جنيت أغلب المحاصيل .
ل- يـولــيوه: وفيه تزرع محاصيل متأخرة خاصة بهذا الموسم مثل البطيخ, والد ليع, والبشنة … , وغيرها.
ف- يوليوس: ويبرز فيه نشاط التقطاع وهو الصعود إلى النخلة بمنجل وحبل للاتكاء عليه وقطع عرا جين التمر الذي تم جفافه, كما يقطع الجريد اليابس وتنظف النخلة لتنتج تمرا جيدا في الموسم المقبل , وكل ما نزع من النخلة أي مشتقاتها التي أحصيت بحوالي 170 شيء منها لفدام , الكرناف, الزيوان, الجريد , الاقمي القرنيط …الخ فكلها ينتفع بها فالنخلة هي الشجرة التي قال فيها جل وعلى :”شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء توتي أكلها كل حين بإذن ربها”, وأوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :”أكرموا عمتكم النخلة ولو بضم نواها” , ومنها طعام مريم البتول عند ولادتها لسيدنا عيسى , وهي ظل سيدنا عمر, وهي وهي… ولها مآثر يشهد بها التاريخ والمجتمع.
7)- الأكلات الشعبية :
هي الأطباق التي تعودها سكان تمنراست ، وهذه الأكلات منها ما انقرض ومنها ما هو موجود إلى حد الساعة وسنورد بعضها :
أ- الكسكس (العيش) : يتكون من الدقيق والسميد والملح عبارة عن حبوب صغيرة تتفاوت حسب نوع العيش , ويطبخ له المرق ويقدم مع اللحم ، وهو أشهر المأكولات في المنطقة ، حيث يحضر في المناسبات والأعراس .
ب- المردود : وهو مثل العيش لكن حبوبـه كبيـرة الحجـم نوعـا ما ويستعمل كثيراً عند زيادة مولود جديد .
ج- خبز الرقيق(الرشراشي) : يصنع من القمح ويحضر له المرق وهو وجبة محبوبة ومعروفة حيث يقدم مع اللحم ويحيط به البيض ومن بين مناسباتها يوم السمية وعاشوراء.
د- الرويضي : وهو عبارة عن خبيزات دائرية الشكل من السميد تستعمل عادة لفطور الصباح تقدم مع الشاي .
ه- الحساء : يصنع من زنبو (القمح) وهذا القمح ينزع غير ناضج و يتم إنضاجه بالنار ويستعمل عادة صباحا وبعد صلاة العصر وهو يعني التواضع والبساطة .
و- أبرير : وهو يوافق الشهر الفلاحي أبرير , ويطبخ إحتفالا بجني محصولي القمح والشعير و، ويصنع من زنبوا , ويكور ويبلل بالدهان .
ز- المردوف : وهو عبارة عن خبزتين رقيقتين (رشراشتين) تطهيا فوق الطاجين ويوضع في وسطهما مستحضر ذو عدة مواد منها الطماطم والسمن والبصل واللحم والفلفل وغيرها .
ح- السفوف : وهو تمر مكسر بالمهراس وممزوج بالكليلة والشعير المطحون وأشياء أخرى ، وهو أكلة متوفرة طوال العام وفي كل بيت , وأكله مع البن يسمى العتيق.
ط- الكتل : يصنع من التمر الرطب الممزوج ببعضه ويعجن مع البشنة والكمون والفول السوداني وغيرها .
ي- آنغال : وهو سحيق التمر، حيث يقدم للأطفال الصغار عندما يكونون في فترة الرضاعة .
ك- الكسرة (الملة، تقلة) : عبارة عن خبز تقليدي يطهى بالرمال ويقطع في المرق وقدم مع اللحم, وهو أكلة مشبعة جدا .
ل- الملفوف : يصنع من كبد الأنعام فتغلف قطعة من الكبد بالشحم وتشوى على الجمر ، وهو أكلة فاخرة .
م- لحم النار : وهو عبارة عن لحم مطهي بطريقة تكثيف الحرارة ، وتدوم مدة الطهي حوالي أربع ساعات , وهو معروف في اليوم الثاني من عيد الأضحى (المشرح).
وتوجد أكلات شعبية أخرى عديدة ، حيث أحصينا حوالي ثلاثة وسبعين (73) أكلة شعبية محلية لا يتسع المجال لذكرها .
Ii – المعتقدات :
1)- الـزيــارة :
من أبرز المعتقدات في جنوبنا الكبير إعتادها السكان في هذه المناطق منذ فترة من الزمن ، وتسمية الزيارة تطلق على ذكرى وفاة ولي صالح ، وهي عبارة عن مهرجان كبير يقيمه أهل البلد وبالخصوص أهل الولي الصالح (أحفاده) ، ويقدم إليها الناس من كل البقاع ، والزيارة تتفاوت حسب شهرتها ، فهناك المحلية وهنالك الوطنية وتوجد حتى الدولية .
قبل أسبوعين من الزيارة يحضر المشرفون عليها ما يستلزم للإحتفال بهذه المناسبة ، وغالبا ما تقام الزيارة يوم الخميس . وفي يوم ما قبل المناسبة أي يوم الأربعاء بعد صلاة العصر وفي المسجد الكبير للبلد تبدأ المراسيم بنشاط يسمى “السلكة” ، وهي أن يتجمع حفاظ القرآن الكريم من البلدة أو من الذين أتو لحضور الزيارة ويقود النشاط شيخ معروف ، والقراءة تكون جماعية بقراءة كتاب الله كاملا من بعد صلاة عصر يوم الأربعاء إلى شروق يوم الخميس ، ويسهر على نجاح هذا النشاط مسئولو المسجد ومجموعة من المتطوعين ، حيث تقدم للقراء وجبات رفيعة معينة بعد كل فترة من القراءة لأخذ قسط قصير من الراحة ثم يستمرون بعد ذلك في القراءة ، والشاي حاضر طوال الوقت ، وبعد الإنتهاء من السلكة تقام ختمة كبيرة بالفاتحة وأدعية بالصلاح للبلاد والعباد, وكذا الدعاء لأهل الزيارة والضيوف القادمين لها ، ومنه مباشرة يذهب الجمع من المسجد نحو ضريح الولي الصالح وهم يقرؤون في الطريق إليه قصيدة البردة ، وبعد الوصول إلى الروضة يقوم شيخ البلاد بقراءة الفاتحة والدعاء .
وفي المساء تكون مظاهر الإحتفال بشكل آخر ، حيث يبدأ الناس بالتجوال والتجمع من كل مكان ، والترحيب بالضيوف رجالا ونساءا وأطفالا . والفرق الفولكلورية حاضرة بنشاطاتها الممتعة بآلاتها المعروفة (أقلال، الدندون، الطارا، البقال، البندقية…) . وأبرز هذه الفرق فرقة البارود الذي هو عبارة عن رقص جماعي لمجموعة من الرجال يترأسهم قائد الفرقة ، حاملين بندقيات تستعمل لإطلاق البارود ، ويكون الرقص بالدوران والإنضمام والتباعد بأسلوب متناهي الدقة وفائق الروعة ، بقرع الطبول على إيقاع معين خاص بالبارود ، وعند إشارة مدروسة من قائد الفرقة تفرغ البنادق في وقت واحد ليسمى كل هذا التفريغ (قرص) ، وتتواصل أقراص البارود إلى وقت معلوم ، وأغلب ما يقال أثناء الرقص مديح وأحكام ترددها الفرقة , مثلاً يبدأ البارود بمديح فيه :”بسم الله وبالله الصالحين” . ويختم بقولهم :”سيدنا محمد عليه السلام”. كل هذه الأنشطة وغيرها تستمر حتى وقت المغرب فيتجمع الناس في مكان قريب وواسع لتأدية الصلاة وتلقى بعدها دروس ومحاضرات تتضمن أغلبها مواضيع الوقت حتى وقت العشاء وبعد الصلاة يتناول الجميع وجبة العشاء بطبق العيش (الكسكس) ويقدم الشاي وتقرأ الفاتحة ويختم بالدعاء .
وبعد كل ذلك تختم الزيارة بنشاط مدائحي موسيقي يسمى “الطبل” ومن أساسياته المزمار ، وتكون في آخر كل أغنية (مرجوعة) تزيد فيها قوة الطبل . فيرقص الناس ويزهون وهم يودعون الزيارة في انتظار أخرى في القريب العاجل ، فالبركة التي أودعها الله تعالى في القليل , وكذلك كرم الأهالي وحبهم لتضييف الضيوف وإيثارهم على النفس يجعل الناظر يندهش من كل ذلك الخلق وطريقة إطعامهم . وحقيقة الرزق مقسوم والأجل معلوم والكل بيد الله .
2)- الشـــــامية :
هي مظهر من مظاهر إحتفال الزواج , وقد غضضنا الطرف عن هذا الأخير لما يطول الكلام فيه لأنه وحده تدخل فيه عادات ومعتقدات عديدة . فالشامية ما هي إلا قليل من كثير ما يحدث في الزواج, فهي تقام بعد ليلة الدخلة ، ويتم هذا الفال أو المعتقد بأن يذهب العريس باكرا إلى واحات النخيل (الجنة) ويجلب منها أشياء معينة منها تمر ذا حجم كبير وورود مفتحة وسعف النخيل وبعض الحشائش المباركة وأعشاب أخرى ، ويضاف إليها الحلي (الجواهر) وأقلام من القصب وأصبح مؤخرا يضاف الحلوى والعلك والشوكلاطة . ويضع العريس كل تلك الأشياء في برنوسه ويتوجه نحو بيت العروسة فيصعد إلى سطح البيت ، وتجلس العروسة في الحوش وتتجمع حولها البنات اللواتي لم يتزوجن وهن يغنين بصوت هادئ إحتراما للعريس . فيلقي العريس كل ما في برنوسه على عروسته فتتهافت الفتيات نحو الملقيات وينقضضن عليها لجلب شيء من تلك الأشياء لإعتقادهن أن كل من يحصل على شيء من تلك الأشياء يكون لها حظ أوفر للزواج مستقبلا ، وكلما كان الشيء الذي تحصل عليه الفتاة ثمينا كان حظها (سعدها) في الزواج أوفر وأقرب . وبعد انتهاء العريس من الرمي ينزل من السطح جاريا ويترك الفتيات يتحاكمن لحظهن إما السعيد أو التعس .
فهذه المعتقدات يتعاطاها النساء خاصة فهن اللواتي يهتممن بهذه الأشياء ويسعدن ويفرحن للقيام بها .
3)- بـهـــروز :
هو شخصية خيالية يقال أنها تأكل العظام ، ومعناها “لحم الرؤوس” أي رؤوس الكباش . وهو معتقد يكون في اليوم الثالث من عيد الأضحى بعد يومي العيد والمشرح ، ويتم هذا الأمر في الليل بعد صلاة العشاء ، فأهل البلد كلهم في تلك الليلة يتعشون برأس وأطراف الأضحية (بوزلوف) وبعد الفراغ من العشاء تأخذ تلك العظام في الأيدي ويخرج الناس من منازلهم ويشكلون مسيرة طويلة بالطبول والمزامير وهو يرددون :
لالــي لالــي بـهـــروز * يـا وكـال لـحـم الـريــوس
وفي إعتقادهم أنه يوجد وحش في ما وراء البلاد يدعى بهروز ، ولئلا يأخذ لحوم أضحياتهم يقدمون له تلك العظام ليأكلها ، وأثناء السير يكون الكبار الحاملين لوسائل القرع للمقدمة وبعده منهم أقل منهم سنا يحملون المزامير ويليهم الصغار ، وكلهم يحملون عظاما يرمونها في مكان بعيد وعندما يرمي كل واحد منهم عظمته يهرب إلى بيته , وفي صباح يوم الغد تعاود المسيرة إلى ذلك المكان ويكون القرع بالقدور والملاعق فيسمى هذا اليوم بـ “قرقاب القدحان” الذي يأتي بعد أيام العيد والمشرح وبهروز ليكون ختما لأيام عيد الأضحى .
وهذه المعتقد مذموم في بعض الأحيان فهو وإن كان تسلية للكبار يشكل لدي الصغار معارف باطلة وكوابيس مفزعة تكون سببا في الإخلال بعقائدهم الدينية السمحة . إلا أنها تبقى مجرد وسيلة للتسلية , تترك النفوس منشرحة والضمائر مرتاحة خاصة وأنها ايام العيد . ويقال في الجود ولبس الجديد في العيد:” جد وجدد في العيد حيى ولو بالحديد”.
4)- لـبـــات :
عبارة عن زيارة أهل البلد لقبور الاجداد وقراءة الفاتحة على ارواحهم مع الدعاء لهم بالرحمة والغفران .
ففي مساء كل خميس من الاسبوع يتجه الناس صوب مدينة لبات لقراءة القرءان والادعية المختلفة ترحما على اروح اجدادهم , وسميت هذه العادة بهذا الاسم”لبات” نسبة لابائنا الأوائل مدفونون بهذه المقبرة القديمة , ويتجهون الى زيارة المقبرة مصحوبين بما تيسر من طعام وشراب خاصة “الحساء” و”الشاي” الأكلة العامية والبسيطة والمتوفرة لدى عامة الناس أم. ا عن الأبعاد المختلفة سواءا البعد الإجتماعي أو النفسي فإن سكان المنطقة يعتقدون في آباءهم الأوائل أنهم كانوا على خلق حسن وأنهم قاموا بأعمال يمجدها التاريخ سواءا بالدعوة إلى الدين الحنيف أو بمقاومة المستعمر , وعليه فإن سكان المنطقة يلتمسون من المولى عز وجل الرحمة و الغفران لأولئك السلف الصالح , وأن يجعلهم خير خلف لهم .
وعليه فإن الناس من خلال هذا الإعتقاد يرون أن المولى عز وجل سوف يتقبل منهم ويستجيب لدعواتهم مقابل تلك الأعمال التي قام بها أسلافهم , وأن أولئك السلف الصالح هم القدوة الحسنة التي يمكن أن يسيروا على نهجها وخطاها بعون الله .
5)- لـمـنـامــــات :
من المعتقدات الصحراوية التي لها مكانتها في مجتمعنا ، وتحدث عندما يرى في المنام (يحلم) شخص رجلا كان أو امرأة رؤية تسره بما فيه خير البلاد وسكانها فيخبر بها الناس ، ويقيم تبركا بذلك مأدبة تدعى “الصدقة” ، وهذه الأخيرة لها مناسبات عدة تقام فيها منها مأدبة الوفاة , ومأدبة تذكر الوالدين , ومأدبة ذكرى الصالحين ، ومأدبة غداء يوم عاشوراء , وغيرها . ويستدعي صاحب المنامة في الصدقة الأهالي حسب إمكانياته المادية, ويستحب طبخها وأكلها في العرق .
وعندما تكون المنامة متعلقة بشخصية معروفة في البلد يقوم السكان كلهم بالتصدق لوجه الله . وليست المأدبة وحدها مظهرا للمنامة ، فيوجد مظهر آخر يتمثل في أن تكون المنامة متعلقة هذه المرة بشيخ البلاد أو شخصية مبجلة ، فبعد إلقاءه لها في الملأ يؤمر بتسييل الدم وهذا الأخير يتم بذبح أي شيء يقدر عليه رب العائلة(جمل، كبش، دجاجة، طير …) ويطعمها الذابح لأهل بيته وعائلته .
وهذة البدع لا يمكن الحكم عليها بالحسنة أو السيئة وحتى متعاطوها والقائمون عليها لا يصدرون حكما واضحا فيها ، فبعدها الإجتماعي يتمثل في مدى تفاهم فئات المجتمع وارتياح نفسيتهم بتطبيق هذه الأشياء على وجهها الصحيح والمألوف .
فقيمتها إجتماعية مادية تعود بالفائدة على بسطاء الناس بالتصدق عليهم ، وحقيقة لا مكانة للطبقية في مجتمعنا الصحراوي , فالكل يظهر البساطة سواءا كان غنيا أم فقيرا ، فهم سواء ولا فخر . لكن بتطور وتحضر المجتمع تبرز الطبقات والمفاضلات فيكون هذا التطور في المجالات الإقتصادية والتكنولوجية تخلفا في العادات والأخلاق والمعتقدات ، فنسأل الله اللطف والثبات .
6)- مـرض الـقـمــر :
وهو علميا يعني خسوف القمر, وهي حالة فلكية تنجم عن توسط الأرض بين الشمس والقمر فينتج إختفاء جزئي أو كلي للقمر ، فأهالي القرى الصحراوية الذين ما زالت لديهم نبرة من الجاهلية يعتقدون أن القمر مريض فيتسارعون في تلك الليلة للخروج إلى الشوارع مرتدين ملابس مقطعة رجالا ونساءا وأطفالا يجولون شوارع المدينة حاملين معهم أدوات الطبل (الدندون، البقال …) ويتمادون في قرعها والغناء الباكي لإعتقادهم أن القمر مريض وحزين وإذا بقي هكذا سيفنى ويفنو معه, وبغناءهم له سوف يتعافى ويسعد ، ومن بين ما يقولون :
شـاهــدو يــا شـاهــدو * لا تـمـوتــوا كـافـريــن
بمعنى قولوا لا إله إلا الله قبل أن تموتوا . ويواصلون في تلك الأعمال حتى يعود القمر إلى حاله الطبيعي ، فيأمر قائد المسيرة بالجلوس في المكان الذي وافق شفاء القمر وتذبح فيه الكباش وتشوى على النار وتؤكل في نفس المكان إحتفالا برجوع القمر إلى حالته . فالأهالي يسعدون لوجود القمر في الليلة الظلماء ، فهو يمثل دورا كبيرا بإضاءة الطريق والمنازل لهم ، كون أن القرية غير متحضرة فلا تتوفر على كهرباء أو مصابيح للإنارة ، فالضوء في الليل إما قمر أو قنديل أو نار . وتختم التظاهرة في منتصف الليل بالفرح والمرح ومن ثم يرجع الناس إلى منازلهم وهم سعداء بعدما خرجوا منها يتحازنون ويتمارضون كما القمر .
إن هذا المعتقد من المعتقدات الباطلة عقلا وشرعا , فالخسوف ظاهرة علمية واضحة , والقمر ليس إنسانا ليمرض أو يحزن ، فما الذي يبكيه وما يحزنه ، ولو صح فأين الطبيب وكيف الشفاء . فهذه المظاهر وغيرها من الأشياء الفاسدة تبقي المجتمع في تخلف وركود دائمين ، كما تحقق في النفس خيالا وهميا كالسراب لا حقيقة منه ، كما أنها تمس الجانب العقائدي أو الديني بشكل أو بآخر .
فالقيمة هنا معدومة والحمد لله أن هذه المشاكل قد اندثرت مع تطور وكشف الحقائق العلمية للكون ، فهي وإن لم نقل زالت فهي توجد بنسبة تحت القليلة وهذه النسبة سوف تزول بيقظة وتعلم المجتمع بحول الله .
الخـــاتمــة
إن العادات والمعتقدات ومهما كان بعدها الثقافي أو الإجتماعي أو النفسي فما هي إلا تراث ثقافي تذخر به منطقتنا , ومهما طال الكلام فيها يبقى حبرا على ورق . فتذوق الشيء يقتضي الخوض فيه وعيشه . والعادة أو المعتقد تتفاوت قيمتها فيما بينها حسب اعتياد الناس عليها والإيمان بها ، وفي ولاية تمنراست وبلدياتها يوجد عدد لا متناهي منها ، وأحيانا نجد في العادة الواحدة أشكالا أخرى عديدة من التقاليد يطول الكلام فيها لذلك تجنبنا الحديث عنها مثل الزواج والوفاة . وهذه الأشياء كالكائن الحي تولد وتموت كل حسب ما أعطاه الزمن من نصيب . ونحن الأجيال بدورنا سنحاول ولو بجهد قليل الحفاظ ما أمكن من هذا الموروث الذي يبين مدى أصالة وعراقة مجتمعنا الصحراوي أولا والجزائري ثانيا والعربي ثالثا .
أملنا ورجاءنا أن يجد هذا العمل المتواضع نصيبا من القبول مع اليقين بأن الكمال المطلق غاية لا تدرك ، والعصمة من الزلل مستوىً لا يصار إليه ، سائلين الله عز وجل أن يجمعنا على الحق وخدمة الوطن والإسلام ويهدينا سواء السبيل إنه سميع قريب مجيب .
خطة البحث
- مقدمة
i- الـعـــــادات :
1- المولد النبـوي الشريـــف
2- يوم عاشـوراء
3- العورفـــات
4- أسبوع الفقـارة
5- الحفـــضة
6- الشهور الفلاحية وما يصنع فيها
7- الأكلات الشعبية
ii- الـمـعـتـقـدات :
1- الـزيــارة
2- الشاميــة
3- بهـــروز
4- لبــــات
5- لمنامــات
6- مرض القمر
- الخــــاتمة
قائمة المراجع :
1- الحاج التومي سعيدان / سكان تيدكلت القدماء والاتكال على النفس / دار هومه / الطبعة الأولى / 352/2005 .
2- أرشيف بلدية إينغـر .
3- مقابلات وحوارات مع مشايخ وكبار المنطقة .
ارجو منكم ان تفيدوني بمجموعة من المصادر و العناوين حول السيرة الذاتية للشيخ محمد بلكبير و اثاره حتى اضعها في التهميش لبحث اكاديمي و شكرا
علاء الدين ملياني - طالب جامعي - ميلة - الجزائر
13/04/2019 - 400193
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 19/01/2015
مضاف من طرف : touat
المصدر : http://www.shababadrar.net/