وهم المعروفون قديماً بصطفورة إخوة مطاية ومضغرة، وهم من ولد فاتن كما قدمنا، ولهم ثلاث بطون منها تفرعت شعوبهم وقبائلهم وهي ندرومة وصفاره وبنو يلول: فمن ندرومة نغوطة وحرسة وفردة وهفانة وفراتة. ومن بني يلول: مسيفة ووتيوة وهبيئة وهيوارة ووالغة. ومن صغارة ماتيلة وبنو حياسة. وكان منهم النسابة المشهور هاني بن مصدور بن مريس بن نقوط هذا هو المعروف في كتبهم.وكانت مواطن كومية بالمغرب الأوسط لسيف البحر من ناحية أرشكول وتلمسان. جمان لهم كثرة موفورة وشوكة مرهوبة. وصاروا من أعظم قبائل الموحدّين لما ظاهروا لمصامدة على أمر المهدي وكلمة توحيده. وربما كانوا رهط عبد المؤمن صاحبه وخليفته إنه كان من بني عابد أحد بيوتاتهم، وهوعبد المؤمن بن علي بن مخلوف بن يعلى بن روان بن نصر بن عليّ بن عامر بن الأمير بن موسى بن عبد الله بن يحيى بن ورنيغ بن صطفور، وهكذا نسبه مؤرّخو دولة الموحدين إلى صطفور. ثم يقولون صطفور بن نفور بن مطماط بن هودج بن قيس عيلان بن مُضَر. وبذكر بعضهم أنه منقول من خط أبي محمد عبد الواحد المخلوع ابن يوسف بن عبد المؤمن فأما انتسابهم في قيس عيلان فقد ذكرنا أنه غير صحيح. وفي أسماء هذا العمود من نسب عبد المؤمن ما يدل على أنه مصنوع، إذ هذه الأسماء ليست من أسماء البربر، وإنما هي كما تراه كلها عربية والقوم كانوا من البرابرة معروفون بينهم. وانتساب مطغور إلى مطماط تخليط أيضاً فإنهما أخوان عند نسابة البربر أجمع، وعبد المؤمن بلا شك منهم، والله أعلم بما سوى ذلك.
وكان عبد المؤمن هذا من بيوتاتهم وأشرافهم وموطنهم بتاكرارت، وهو حصن في الجبل المطل على هَنين من ناحية الشرق. ولما نجم عبد المؤمن فيهم وثب و ارتحل في طلب العلم فنزل بتلمسان. وأخذ عن مشيختها مثل ابن صاحب الصلاة وعبد السلام التونسي، وكان فقيهاً صالحاً، وهو ضجيع الشيخ أبي مدين في تربته. ولما هلك عبد السلام هذا، ولم يحذق تلميذه بعد في فنونه وكان شيخ عصره في الفقه والكلام. تعطش التلميذ بعده إلى القراءة، وبلغهم خبر الفقيه محمد بن تَوْمَرت المهدي ووصولهم إلى بجاية. وكان يعرف إذ ذاك بالفقيه السوسي نسبة إلى السوس. ولم يكن لقب المهدي وضع عليه بعده.
وكان في ارتحاله من المشرق إلى المغرب قد أخذ نفسه من تغيير المنكر، الذي شأنه وطريقته نشر العلم وتبيين الفتاوى وتدريس الفقه والكلام. وكان له في طريقته الأشعرية إمامة وقدم راسخة، وهو الذي أدخلها إلى المغرب كما ذكرناه، وتشوق طلبة العلم بتلمسان إلى الأخذ عنه وتفاوضوا في ذلك وندب بعضهم بعضاً إلى الرحلة إليه لاستجلابه، وأن يكون له السبق بإتحاف القطر بعلومه. فانتدب لها بن عبد المؤمن عليّ مكانه من صغر السن بنشاطه للسفر لبداوته، فارتحل إلى بجاية للقائه وترغيبه في نزوله تلمسان فلقيه بملالة، وقد استحكمت بينه وبين العزيز النفرة وبنو ورياكل متعصّبون على إجارته منهم، ومنعه من إذايته والوصول إليه. فألقى إليه عبد المؤمن ما عنده من الترغيب، وأدى إليه رسالة طلبة العلم بتلمسان فوعاها، وشأنه غير شأنهم.
وعكف عبد المؤمن على التعليم والأخذ عنه في ظعنه ومقامه. وارتحل إلى المغرب في صحابته، وحذق في العلم وآثره الإمام بمزيد الخصوصية والقرب، بما خصّه الله به من الفهم والوعي للتعليم، حتى كأنه خالصة الإمام وكبير صحابته. وكان يؤمله لخلافته لما ظهر عليه من الشواهد المدونة بذلك. ولما اجتازوا في طريقهم إلى المغرب بالثعالبة من بطون العرب الذين ذكرناهم قبل في نواحي المدينة. قربوا إليه حماراً فارها يتخذه له عطية لركوبه فكان يؤثر به عبد المؤمن، ويقول لأصحابه اركبوه الحمار يركبكم الخيول المسومة. ولما بويع فه بُهرْغة سنة خمس عشرة وخمسمائة، واتفقت على دعوته كلمة المصامدة وحاربوا لمتونة نازلوا مراكش.
وكانت بينهم في بعض أيام منازلتها حرب شديدة هلك فيها من الموحّدين الألف، فقيل للإمام إن الموحدين قد هلكوا. فقال لهم: ما فعل عبد المؤمن؟ قالوا: هو على جواده الأدهم قد أحسن البلاء. فقال ما بقي عبد المؤمن فلم يهلك أحد. ولما احتضر الإمام سنة إثنتين وعشرين[وخمسمائة] عهد بخلافته في أمره لعبد المؤمن، واستراب من العصبية بين المصامدة، فكتم موت المهدي وأرجأ أمره حتى صرّح الشيخ أبو حفص أمير هِنْتَانة وكبير المصامدة لمصاهرته. وأمضى عهد الإمام فيه فقام بالأمر واستبد بشياخة الموحدين وخلافة المسلمين. ونهض سنة سبع وثلاثين وخمسمائة إلى فتح المغرب فدانت له غمارة. ثم ارتحل منها إلى الريف ثم إلى بطوية ثم إلى بطالسة ثم إلى بني يزناسن. ثم إلى مديونة ثم إلى كومية وجيرانهم ولهاصة، وكانوا يلونهم في الكثرة فاشتدّ عضده بقومه، ودخلوا في أمره وشايعوه على تمكين سلطانه بين الموحدين وخلافته. ولما رجع إلى المغرب وافتتح أمصاره واستولى على مراكش استدعى قومه للرحلة إليها والعسكرة عليه فخف جمهورهم إلى المغرب واستوطن مراكش لحمل سرير الخلافة والقيام بأمر الدعوة والذبّ عن ثغورهم والمدافعة، فاعتضد بهم عبد المؤمن وبنوه سائر الدولة، وكانوا بمكانتهم فاتحة الكتاب وفذلكة الجماعة. وأنفقهم الملك في الفتوح والعساكر، وأكلتهم الأقطار في تجهيز الكتائب وتدويخ الممالك فانقرضوا وبقي بمواطنهم الأولى بقايا منهم: بنو عابد وهم في عداد القبائل الغارمة قد أثقلت زناتة كاهلهم فحملوا المغرم، والعسف ونهوضهم بالتكاليف. ونظموهم مع جيرانهم ولهاصة في سوم الخسف والذل واقتضاء الخراج بالنكال والعذاب، والله مبّدل الأمر ومالك الملك سبحانه.
تاريخ الإضافة : 14/02/2023
مضاف من طرف : patrimoinealgerie
صاحب المقال : مُساهمة hannibal12
المصدر : bendjoua.yoo7.com