جامع المنصورة الأعظم

كان الجامع الأعظم في وسط المدينة وله مائة متر طولا وستون مترا عرضا. احتوى هذا الجامع على ثلاثة عشر بابا منهم أربعة شرقا وأربعة غربا واثنان قبلة على يمين المحراب وعلى يساره؛ وثلاثة شمالا: واحد تحت المئذنة العظيمة، وهي ميزة خاصة بهذا الجامع، واثنان على يمينها ويسارها. وتألفت قاعة الصلاة من تسعة بلاطات وثلاثة عشر رواقا ومن صحن مربع الشكل في وسطه حوض للوضوء وتحيط به أروقة ثلاثة من جانبيه الشرقي والغربي وواحد من جانبه الجوفي.
وصفه الإمام ابن مرزوق الذي شاهده قبل تخريبه وصفا رائعا بقوله: " وأما الجامع الكبير فقد اتفق الرحالون وأجمع المتجولون على أنهم لم يروا له ثانيا، أما أن جامع بني أمية تم حسنه لما كمل ترتيب وضعه وإن كملت تتمات هذا الجامع لما قصر عنه وجامع المنصور بمراكش الذي يضرب به الأمثال، وإن كان أكبر مساحة إلا أن ما كان في هذا من الرخام والأحكام أغرب وأعظم ولاشك أن صومعته لا تلحق بها صومعة في مشارق الأرض ومغاربها صعدتها غير مرة مع الأمير أبي علي الناصر وهو رحمه الله على فرسه وأنا على بغلتي من أسفلها إلى أعلاها وكأننا في وطاء من الأرض وكانت على الباب الجوفي منه ولها مجريان يطلع فيهما إلى أعلاها وكانت محكمة البناء والنجارة في الأحجار بصناعة مختلفة من الأحكام في كل جانب ورأيت العمود الذي يركب فيه التفافيح وهو من حديد يشبه أن يكون صاريا.
وأما الثريا فعملها كان على يدي وأنا الذي رسمت تاريخها في أسفلها بخطي على ما هي عليه الآن في جامع تلمسان وتشتمل على ألف مشكاة أو نحوها وعهدي بقدر وزنها مرسوم في أسفلها ومبين على قدر جرمها، وأما المنبر فقد أجمع الصناع يومئذ على أنه لم يعمل مثله في المعمور صناعة فإن أهل المشرق لم يجر لهم في بنائهم احتفال في نفس الخشب فبلغ من منبر قرطبة المنقوشة عدة قطعات وعورضت بما اشتمل عليه المنبر فلم يوجد بينهما مناسبة وفيه من الأشكال قدر البندق والحمص وفيه من التحاشي قدر البرة ونحوها إذا رأيته رأيت العجب فالله حسيب من تسبب في خراب ذلك كله وهو مجازيه فلقد محا رسوما يفخر بها أهل الإسلام ويعتز بها الدين ما بقيت الأيام".
وذكر ابن مرزوق كذلك الأعمال الكبرى التي رافقت بناء المنصورة وجامعها الأعظم، فقال:" وأجري لهذا الجامع الأعظم نهرا يشق من أول المدينة إلى الجامع المذكور في ساقية تمر تجري منها سقايات متعددة".