عرف المغرب الأوسط، توافد العديد من الأسر الأندلسية، خصوصا في فترة الأزمات السياسية للأندلس، فقد شيدت جالية مدينة تنس سنة 262هـ/876(56)، ومدينة وهران سنة 290هـ/903(57)، واستقر في الأولى أهالي البيرة وتذمير، وأعادوا الحركة التجارية لمرسى الدجاج، المنفذ البحري الرئيسي للدواة الرستمية، التي كانت لبني أمية معها علاقة طيبة وتعاون سياسي ودبلوماسي، وتجاري وعسكري مشترك(58).
وكان لهم وجود في بني جد ليداس القريبة من مدينة تنس، وفي مدينة المسيلة في أوائل القرن الرابع هجري أي العاشر ميلادي، وكذلك استقرت طائفة منهم في مرسى أرزيو، كانت تقوم بتصدير ملح سباخها، إلى العدوة الإسبانية(59).
ولعل الوجود الأندلسي المبكر في بلاد المغرب، يرجع إلى أن الدولة الأموية، كانت تبحث لها عن قاعدة أندلسية أمامية في بلاد المغرب، تقف بها في وجه المد الفاطمي، ولهذا لجأت إلى الشواطئ المغربية، وأسست فيها عدة قواعد لها، اضرب مخططات الفاطميين والحد من توسعهم وانتشار مذهبهم(60).
والظاهر أن الأندلسيين ظلوا يهاجرون إلى المدن الساحلية، خصوصا في فترة الأزمات السياسية للأندلس، حيث وجدت في بلاد المغرب ظروفا ملائمة للاستقرار والأمن. ويبدو أن نسبة كثافتهم تختلف من مدينة إلى أخرى، حسب أهميتها التجارية وموقعها الإستراتيجي والسياسي، ولعل بعض الأندلسيين قد استقروا بمدينة تلمسان في العهدين المرابطي والموحدي، في ظل الوحدة السياسية، التي جمعت العدوتين المغربية والأندلسية، ما بين القرنين الخامس والسابع هجريين أي الحادي عشر والثالث عشر ميلاديين، فقد جاءت وفود عديدة في هذه الفترة، تطلب الأمان والسكينة في مدينة تلمسان عاصمة المغرب الأوسط، وإلى مدن وحواضر أخرى في بلاد المغرب(61)، وقد عمل الفقهاء والأدباء والعلماء منهم، إلى جانب الأمراء المرابطين والموحدين وأصبحوا مستشارين لهم، لأن الأمراء شجعوهم على الرحلة والهجرة، سواء كان ذلك طوعا أو كرها(62)، وأن بصمات المهندسين والفنيين الأندلسيين في مدينة تلمسان، كانت واضحة، ولا سيما في الصناعة والعمران في العهدين المرابطي والموحدي(63).
وتضاعف عدد المهاجرين الأندلسيين لبلاد المغرب، حينما تمكن الإسبان من الاستيلاء على مدن الشرق الأندلسي وغربه مثل لوشة(64)، سنة 622هـ/1225 وماردة(65)، سنة 626هـ 1928 وقرطبة 636هـ/1238م، وبلنسبة 636هـ/1248م، في النصف الأول من القرن السابع هجري الثالث عشر ميلادي(67)، وفي هذا الصدد يقول ابن خلدون ((فلما تكالب الطاغية على العدوة والتهم ثغورها، واكتسح بسائطها وأسف إلى قواعدها وأمصارها، أجاز الإعلام وأهل البيوت إلى أرض المغربين (الأوسط والأقصى) وإفريقية، وكان قصدهم تونس أكثر لاستفحال الدولة الحفصية))(68).
وقد كان أول من غادر بلاد الأندلس، من المسلمين سراتها ونخبتها مستبدلين بالأهل أهلا وبالأوطان أوطانا(69)، ففي منتصف القرن التاسع هجري الخامس عشر ميلادي، نزلت جالية كبيرة(70) أرض المغرب الأوسط، حط معظمها عصا الترحال، في عاصمة بني زيان حيث وجدوا الترحيب والتعضيد، من قبل الأسرة الحاكمة، وفضل آخرون التوجه إلى مدينتي الجزائر وبجاية، بينما تفرق الباقي بين مدينتي ندرومة وهنين(71).
ومهما يكن من أمر فالجدير بالذكر هو: أن المهاجرين الأندلسيين، الذين نزلوا بمدينة تلمسان كانوا من الأعلام وأهل البيوتات، ومن وجوه القوم وأعيان الأندلس(72)، استعان بهم أمراء بني كانو في تسيير دواليب الدولة ومؤسساتها وأجهزتها، وقيادة الجيوش وخاصة الذين كانوا لهم خبرة، في مجال الإدارة والكتابة والسياسة والتدريس(73).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com