تلمسان - Zianides (Abdelwadides)

الأحوال الصحية لسكان تلمسان القديمة



إن المتتبع للمصادر الزيانية والمتمعن فيها، يجدها قليلة الاهتمام بالأمراض والظواهر الطبيعية، رغم أهميتها وتأثيرها على صحة الإنسان ونمو السكان والاقتصاد والعمران.
فقد تأثر المجتمع التلمساني بطبيعة الحال، كغيره من المجتمعات تأثيرا شديدا، بالكوارث الطبيعية والأوبئة والأمراض الفتاكة، وبالمجاعات الناتجة عن الجفاف والإعصار والجراد، وبالأزمات السياسية التي تحدث من حين لآخر، متسببة في حروب مدمرة(1).
فقد تركت هذه الظواهر ثغرات مظلمة في حياة سكان مدينة تلمسان، وشلت حركتهم، وأعاقت تطورهم في بعض الفترات، وعلى الرغم من عدم توفر الإشارات والخصائص، الديموغرافية لأهل تلمسان في العهد الزياني، إلا أننا نفترض بأن عدد الوفيات، بسبب الكوارث والأزمات كان مرتفعا في مدينة تلمسان.
الأمراض المتوطنة:
لقد ساعد- بدون شك- على ارتفاع عدد الوفيات بتلمسان، سوء التغذية والأمراض الوبائية، التي تفاجئ السكان من حين لآخر، والأمراض المتوطنة وقلة الوعي الصحي، وخاصة عند العامة من الناس، وفي أوساط الطبقة الفقيرة، لانتشار الأوبئة الفتاكة وقلة النظافة نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يمرون بها، وتقلب أحوال المعيشة وحرية تنقل الإنسان والحيوان على نطاق واسع، بين المدن بدون شروط صحية وحواجز حدودية، كما هو الشأن في الوقت الحاضر، وعدم توفر الرقابة الصحية الدائمة، على الرغم من وجود أطباء وممرضين وبيمارستانات، للمعالجة والتمريض. فقد كان النازحون والمسافرون يدخلون مدينة تلمسان ويقيمون فيها متى شاءوا، وهو الأمر الذي ساعد إلى حد كبير، على انتشار الأمراض المعدية الفتاكة وانتقالها وسريانها.
أما الأمراض المتوطنة، التي عرفها المجتمع التلمساني، وكانت شائعة بمدينة تلمسان، فقد حصرت بعضها وثائق زيانية يمكن الاكتفاء بها على سبيل المثال فقط، فقد أشار محمد بن مرزوق الخطيب في مجموعه إلى عدة أمراض نذكر منها ما يلي:
مرض البلعوم (الحنجرة) الذي ينجم عنه التهاب الحلق وتورمه، فترتفع درجة حرارة المريض(2)، وإذا كان هذا المرض مصحوبا بالسعال يعالج بماء العناب، أما إذا كان بدون سعال فيعالج بماء الرمان(3).
كذا مرض الذبحة أو النزلة، وهي أمراض صدرية تسبب للمريض ضيقا في التنفس، ومرض الزكام والسعال الديكي وغيرها، وأشار ابن مرزوق أيضا إلى مرض الدماميل والأورام(4)، التي كانت منتشرة بتلمسان، وقد عانى منها مؤرخنا هذا أوقاتا صعبة كثيرة، ومرض الإسهال خاصة بين الأطفال والنساء(6) لدرجة أنه صار من الصعب في بعض الأوقات معالجته والاستشفاء منه، إلا بعد مشقة عظيمة وعلاج مستمر، ومكثف لفترة طويلة من الزمن، وعرف أهل تلمسان مرض الصداع، يصيب الرأس لكن بدون حمى، وكان هو الآخر شائعا بين السكان(7)، كما تكثر أمراض الأسنان لأن سكان تلمسان، كثيرا ما يشربون الماء البارد بعد الحساء الساخن.
وعرف المجتمع التلمساني أمراض المعدة والأمعاء وألم النساء، يصيب الصلب والركبة، من كثرة الجلوس على الأرض(8). وانتشر في القرن التاسع هجري أي الخامس عشر ميلادي مرض يدعى "داء الافرنج"، وهو المعروف بمرض الزهري، في عصرنا هذا، انتقل لأول مرة إلى بلاد المغرب مع اليهود الذين هاجروا من الأندلس، مضطرين إلى المدن المغربية بعد سقوط غرناطة في نهاية القرن التاسع هجري أي الخامس عشر ميلادي، وقد انتشر هذا المرض في مدينة تلمسان عن طريق الاتصال الجنسي بين اليهوديات والتلمسانيين، وغيرهم من سكان مدن المغرب(9).
وكذلك لا يخلو المجتمع التلمساني من مرض الفتق(10) وداء الشاخة(11)، ومرض الدماس الذي توفي به السلطان عثمان بن يغمراسن سنة703هـ/1203م(12).
وتتعرض الطبقة الحاكمة والأغنياء، في كثير من الأحيان لمرض النقرس ولاسيما منهم الذين يتناولون شرب الخمور، وأكل الدجاج وغيره من الأطعمة الناعمة الشهية(13).
وكان الشيخ أحمد بن مرزوق والد الخطيب، قد مرض بمرض أقعده في الفراش أصاب ساقيه وركبتيه ووركيه، حتى صار يحمل على الأكتاف، وربما يكون هذا المرض نتيجة شلل بسيط أصابه. وقد ظل به نحو ستة أشهر، حتى يئس ابنه وأصدقاؤه من شفائه(14). على الرغم من سهر الأطباء على علاجه والاعتناء به.
وكان أحد التلمسانيين المجاورين يدعى عمر بن الحاج، هو الذي يقوم بحمله على كتفه إلى المسجد والطواف به خلال مدة مرضه بمكة المكرمة، وصنع له عكازين من الخشب، عند النجار يجعلها ابن مرزوق تحت إبطيه، ويتكئ عليها أثناء الوقوف أو المشي، وكان يكثر من دهن رجليه بالمراهم والدهون المرطبة، إلى أن شفي من مرضه ووقف ماشيا على رجليه(15). وظهرت أمراض الخرانيق ومن أعراضها ضيق التنفس وبقاء الفم مفتوحا، وصعوبة الابتلاع وجحوظ العينين وخروج اللسان، وإذا اشتد الوجع ربما تنتفخ الرقبة والوجه، ويتدلى اللسان ويحدث هذا المرض من كثرة تقلبات الجو، وشدة البرد المشهورة بها مدينة تلمسان(16)، وأما أمراض ''التشجنج'' والرياح الغليظة فهي أمراض تصيب العضل في جسم الإنسان، فكانوا يعالجونها بالاستحمام في المياه المعدنية الساخنة(17). وعرف أيضا أهل تلمسان مرض ''القولنج'' وهو مرض يصيب الأمعاء ويتسبب في التهاب المعدة(18).
وقد تقدم طب الأمراض النسائية والتوليد، تقدما ملحوظا في بلاد المغرب والأندلس، وظهرت كتب عديدة في هذا المجال أهمها كتاب: ''خلق الجنين وتدبير الحبالى والمولدين'' للعالم والمؤرخ عريب بن سعد القرطبي، الذي عاش في القرن الرابع هجري العاشر ميلادي، وكان هذا الكتاب يتداوله طلاب الطب، ويعتمد عليه الأطباء في الحفاظ على الأمومة والطفولة وصيانتها، فعرفوا دواء الهيلون في توليد الإناث، وهو دواء يعدل البدن ويصلح فساده(19).
وكذلك اكتشفوا دواء ينقي أوردة الرحم، ويفتح سدد الأرحام عند النساء اللائي لا تلدن(20)، وهناك نصائح وإرشادات تقدم للمرأة أثناء حملها للجنين في الشهر الأول، حتى تحافظ عليه(21). وتوصلو إلى اكتشاف حقن يحقن بها الرحم منعا للإسقاط.
واعتنوا أيضا بالطفل وبعلاجه، وخاصة في سنواته الأولى، التي تتميز بتعرضها لمختلف الأمراض، كالسعال العارض والحصبة والجدري وورم السرة، ومرض الربو العارض، وهو عبارة عن رجرجة تحدث في الصدر وفي الحلق، بسبب ضيق التنفس وصعوبته بعد إصابته لآلات الرئة وأنابيبها(22).
كما عرفوا علاج مرض الأرق والخوف العارضين للطفل(23)، ومرض الرمد الذي يعرض للصبيان، كما يعرض للكبار، وهو انتفاخ الأجفان مع دمع سائل ورطوبة كثيرة وبكاء دائم، لفرط كا تجدونه من الألم والثقل في آلات العينين(24).


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)