لم تتوقف آلة التشريع في الجزائر طيلة سنة 2022، وواكب البرلمان بغرفتيه منذ بداية العهدة التشريعية التاسعة الإصلاحات العميقة والهيكلية التي أقرها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في شتى المجالات، خاصة الاقتصادية والسياسية منها، تناغما وروح دستور 2020. وهذا بغية تحقيق طموح «الجزائر الجديدة»، التي وضعت نصب عينيها تحقيق الإقلاع الاقتصادي، تزامنا مع تنفيذ 80 بالمائة من التزامات الرئيس تبون الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وتزامنا مع بلوغ السنة الثالثة منذ انتخابه رئيسا للبلاد.كانت الهيئة التشريعية في البلاد خلال سنة 2022، حُبلى بمشاريع القوانين التي رأت النور، وكان لها بالغ التأثير على الحياة الاجتماعية والاقتصادية، انعكست بصورة جليّة على المواطن الجزائري، فكانت السنة الثالثة للرئيس تبون مميزة من الناحية التشريعية، تجسيدا لتنفيذ التزاماته ال 54، وشهدت الدورة البرلمانية الأولى من العهدة التشريعية التاسعة، التي اختتمت منتصف جويلية 2022، تمديدا، في سابقة تشريعية نظرا لكثافة الرزنامة، بغية تمرير قانون الاستثمار لما يحمله من طابع استعجالي، ولما له من تداعيات اقتصادية على البلاد.
كما صادق البرلمان على عشرات مشاريع القوانين تتعلق بالحياة الاقتصادية للبلاد، السياسية وحزمة قوانين تخصّ قطاع العدالة وترقية التشغيل، وقد تم إصدار النصوص القانونية ذات الصلة بإنشاء جميع الأجهزة والهيئات المعنية بالدستور، حيث تمت المصادقة على 35 مشروع قانون، منها 04 مشاريع قوانين عضوية و18 مشروع قانون عادي، و13 مشروع قانون يتضمن المصادقة على أوامر.
تكريس الطابع الاجتماعي للدولة
ولعل آخرالمشاريع المصادق عليها قانون المالية لسنة 2023، في انتظار توقيعه من قبل الرئيس في أجل أقصاه31 ديسمبر الجاري، وصدوره في الجريدة الرسمية، حيث أعد القانون باعتماد نمط جديد لحوكمة المالية العمومية، قائم على أساس ميزانية البرامج والأهداف، وقد كرس قانون المالية للسنة المقبلة الطابع الاجتماعي للدولة والحفاظ على القدرة الشرائية بخلوه من أي ضرائب جديدة من شأنها إثقال كاهل المواطن، وتم تخصيص اعتمادات مالية من أجل الزيادة في الأجور والمعاشات للمتقاعدين ورفع مبلغ منحة البطالة، كما أقر القانون أيضا تخفيضات جمركية على السيارات المستوردة.
وقبلها كان قصر زيغود يوسف محطّ أنظار المهتمين داخل وخارج الوطن، بمناسبة عرض الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان لبيان السياسة العامة للحكومة، حسب ما ينص عليه الدستور، وتحوّل البرلمان إلى مسرح للمصارحة والمساءلة المباشرة - وجها لوجه - بين نواب الشعب والحكومة، في إطار تطبيق مبدإ الرقابة البرلمانية على الحكومة ونقل انشغالات المواطنين، التي كانت محل اهتمام كبير من قبل الحكومة، جعلت الوزير الأول يذرف الدموع تأثرا وانفعالا لما حدث، فكان اللقاء فرصة لتشكيلة الجهاز التنفيذي لعقد العزم على مواصلة عملها في جميع الميادين، خاصة الاقتصادي والاجتماعي، حيث تنتظره مهام كبيرة في هذه المرحلة التي تمر بها الجزائر، والأولوية فيها سيكون للاقتصاد.
قانون الاستثمار.. منعرج حاسم
وُصفت مشاريع القوانين التي مرت عبر الهيئة التشريعية خلال سنة 2022، ب»الثقيلة» و»الساخنة» نظرا لحساسيتها، وانعكاساتها المباشرة على اهتمامات الجزائريين، خاصة وأن الرئيس تبون كان قد وضع نصب عينيه تحسين أوضاع المواطن، واعتبره أساس الجمهورية، ومن أثقل القوانين التي مرت خلال السنة الثالثة من عهدته الرئاسية، بل وأهمها، لما يحمله من تداعيات على اقتصاد البلاد وآثاره المنتظرة على الفاعلين الاقتصاديين المحليين والأجانب.
قانون الاستثمار الذي انتظره الجزائريون «بفارغ الصبر»، حيث نشهد حاليا بداية استثمار حقيقي في البلاد، من خلال وضع هدف تحقيق نسب إدماج محترمة ووفق قاعدة رابح رابح، واعتماد مقاربة براغماتية في التعامل مع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والعمل على جذب الاستثمارات التي تضمن نقل التكنولوجيا وتوفير مناصب العمل، وذلك بعد صدور دفتر شروط السيارات وتوقيع إحدى الشركات العالمية على بنوده.
ويهدف النص إلى وضع بيئة استثمارية تسودها الثقة بين المستثمر ومؤسسات الدولة، حيث يرتكز القانون الجديد على مبدإ حرية الاستثمار والمبادرة، استقرار الإطار التشريعي للاستثمار لمدة لا تقل عن 10 سنوات، تبسيط الإجراءات وتقليص مساحة السلطة التقديرية للإدارة في مجال معالجة ملفات الاستثمار، لاسيما تلك التي تعتمد على التمويل الذاتي، اقتصار الامتيازات والحوافز الضريبية على توجيه الاستثمار ضمن الآجال المحددة، اقتصار الامتيازات والحوافز الضريبية على توجيه الاستثمار، ودعمه في بعض القطاعات أو المناطق التي تحظى باهتمام خاص، من الدولة دون غيرها.
وضع حد لسماسرة السوق
كما صادق البرلمان أيضا على قانون المضاربة، الذي وضع حدا لسماسرة السوق، الذين كانوا يعبثون بالسوق من خلال فرض منطق العصابات، وشرعت العدالة في تسليط عقوبات قاسية على المتلاعبين بقوت الجزائريين، وهو ما شهدته أروقة المحاكم خلال الفترة الماضية، وقد حاربت اليد الحديدية للدولة تلاعبات العصابات، وقضت على الندرة في السوق، والارتفاع العشوائي في أسعار المواد واسعة الاستهلاك، وهو أمر لقي استحسانا كبيرا لدى المواطنين الذين عانوا من قبل من تلاعب سماسرة السوق.
محاربة الفساد وتقريب العدالة من المواطن
أما عن بقية مشاريع القوانين، فتتعلق أساسا بقطاع العدالة، الذي أخذ حصة الأسد، وتم المصادقة على مشروع القانون العضوي الذي يحدد طرق انتخاب أعضاء المجلس الأعلى للقضاء وقواعد تنظيمه وعمله، حيث تمت، لأول مرة منذ الاستقلال، دسترة تشكيلة المجلس الأعلى للقضاء، وهذا بغية تحقيق استقلالية القضاء التي يضمنها المجلس الأعلى للقضاء، وعلى استقلالية القاضي الذي لا يخضع إلا للقانون والضمير، حيث تضمن النص كثيرا من الضمانات تسمح للقاضي بممارسة مهامه بعيدا عن الضغوطات مهما كان شكلها أو مصدرها.
أما مشروع القانون الذي يحدد تنظيم السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد ومكافحته، وتشكيلتها وصلاحياتها، فهو قفزة نوعية في مكافحة ظاهرة الفساد التي أخذت أبعادا خطيرة خلال السنوات القليلة الماضية، ووضعت اقتصاد البلاد على المحك، وأهدرت أموال الشعب بغير وجه حق، فكانت السلطة العليا للشفافية والوقاية من الفساد بمثابة اللبنة الجديدة والخطوة الثابتة في إطار مكافحة الظاهرة التي فتكت بأعتى اقتصاديات الدول.
كما درس قصر زيغود يوسف مشروع قانون يتضمن التقسيم القضائي الذي يهدف بالدرجة الأولى إلى تقريب مرفق العدالة من المواطن وضمان حقه في التقاضي وفق التقسيم الجديد، وتم استحداث مجالس قضائية في الولايات العشر الجديدة، وحلت مشكلة تنقل المواطنين من ولايات الجنوب وقطع آلاف الكيلومترات للوصول الى مبنى العدالة.
إلى جانب ذلك، فقد تمت المصادقة على مشروع قانون القانون التجاري، الذي يواكب تطور التجارة وتبسيط إنشاء الشركات التجارية وتشجيع الشباب أصحاب المشاريع، كما يهدف إلى تكييف القانون التجاري مع الإصلاحات التي يعرفها الاقتصاد الوطني والتوجهات السياسية الجديدة.
إلى ذلك تم تمرير مشاريع قوانين عضوية تتعلق بالتنظيم الإقليمي للبلاد واختصاصات مجلس الدولة والتنظيم القضائي، وكذا المساعدة القضائية، وكذا مشروع قانون عضوي يحدد إجراءات وكيفيات الإخطار والإحالة المتبعة أمام المحكمة الدستورية، ومشروع قانون يعدل ويتمم القانون رقم 08-09 المؤرخ في 18 صفر عام 1429 الموافق 25 فبراير سنة 2008 والمتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية.
تعزيز الحريات النقابية.. وتقنين الأنشطة
أما في قطاعات أخرى، على غرار العمل وترقية التشغيل، فقد صوت البرلمان لصالح قانون عضوي متعلق بالحق النقابي، الذي يصبو إلى منح الحريات النقابية، إذ يعتبر إطارا قانونيا متقدما وملائما لمهام المنظمات النقابية انسجاما مع المعايير الدولية للعمل وتعزيزا للضمانات القانونية التي تخول للعمال الأجراء ولأرباب العمل تأسيس منظمات نقابية بكل حرية دون تمييز للدفاع عن مصالح أعضائها المادية والمعنوية.
وتمت المصادقة أيضا على مشروع القانون المتعلق بعلاقات العمل الذي شكل «لبنة جديدة» في بناء الاستراتيجية الوطنية للتشغيل، والتي ترتكز على مقاربة اقتصادية محضة تستجيب لتطلعات شريحة واسعة من العمال الأجراء، وتمكين العمال والموظفين من الولوج إلى عالم المقاولاتية من خلال إدراج حق جديد يتمثل في عطلة من أجل إنشاء مؤسسة بهدف ترسيخ روح المقاولاتية لديهم وتحفيزهم على إحداث مؤسساتهم الخاصة.
كما شهدت سنة 2022، المصادقة على القانون الأساسي للمقاول الذاتي الذي يضع حدا للأنشطة الاقتصادية الجديدة، التي ظهرت مع بروز اقتصاد المعرفة والاقتصاد الرقمي، والتي لا تخضع لأي إطار قانوني إلى حد اليوم، مثل نشاط مطور تطبيقات الويب والهاتف، المتسوق الالكتروني، سائق سيارة النقل، مسير منصات التواصل الاجتماعي وغيرها.. ومشروع القانون المتمم للقانون الأساسي للوظيفة العمومية والمكرس لحق الاستفادة من «عطلة إنشاء مؤسسة».
فضلا عن ذلك فقد صوت البرلمان بغرفتيه على قانون الاحتياط العسكري، الذي يضمن سلامة وأمن البلاد في ظرف عالمي متسارع التغيرات، ومشروع قانون يتمم القانون رقم 01-11 المؤرخ في 11 ربيع الثاني عام 1422 الموافق 3 يوليو سنة 2001 والمتعلق بالصيد البحري وتربية المائيات.
وتجدر الإشارة، إلى أن أجندة المشاريع مكثفة خلال سنة 2023، ولعل أبرز ما سيتم مناقشته من قبل البرلمان بغرفتيه إثراء قانون الجمعيات، القوانين المتعلقة بالإعلام، السمعي البصري والصحافة المكتوبة فضلا عن استكمال إصلاحات قطاع العدالة، حيث من المُنتظر مناقشة خلال هذه الدورة العادية، 43 مشروعا ليواكب البرلمان تنفيذ التزامات الرئيس التي قطعها أمام الشعب عشية انتخابه قبل ثلاث سنوات.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/12/2022
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : هيام لعيون
المصدر : www.ech-chaab.net