تمرّ السنوات.. والعقود.. وشعب فلسطين يستمر بصموده في مواجهة التحديات، متمسكا بحقوقه التاريخية كمن يقبض على الجمر، لا يحيد عنها، رغم كل الضغوطات:- العسكرية، الأمنية، الاقتصادية والسياسية، لم تنثن هامته، هكذا وجدنا حركته الوطنية بكل مكوناتها قبل نشوء منظمة التحرير الفلسطينية ثم تحت راياتها لم تتراجع عن المقاومة بكل أشكالها ضد المشروع الصهيوني الاستعماري الإجلائي وأهدافه التصفوية، تأقلمت مع خصائص المراحل المختلفة، متنقلة من زمان الى زمان ومن جيل إلى جيل ومن مكان الى آخر، لم يكاد يمر عام دون أن تواجه مخطط سياسي أو ضربات عسكرية أمنية بهدف تفتيت أهداف وثوابت شعبها بل يمكن القول أن هناك ”شبه حرب” معنوية، نفسية، تمييزية وقهرية لا تتوقف يتعرض لها المواطن الفلسطيني في العديد من البلدان..في المطارات والمدن وعلى الحدود وفي أغلب المطارات العربية والأجنبية ينتظره ”استقبال خاص” ومعاملة خاصة عليه أن يحمل كل براءات الدول، يطلب منه ما لم يطلب من أي جنسية أخرى، حتى لو حصل على تأشيرة دخول مسبقة ليس مضمونا أن يجتاز أسوة بالآخرين..الخ. هذا المسلك ليس جديد، بخلفيات متقاطعة سياسيا، وهدف موحد سواء عن قصد أو بدونه، إنها التهيئة النفسية المتدرجة والمتراكمة للقبول بأية تسوية أو أي حل يفرضه الثنائي الأمريكي الصهيوني وتوابعهما في المنطقة ومع ذلك كان الرد المتواصل الموحد هو المقاومة بكل تجلياتها وتعبيراتها. وإذ كانت السّمة العامة لحياة هذا الشعب أو لجبل المحامل هو الصمود كخيار وحيد لصيانة حقوقه ومن ثم عدم إعطاء الشرعية أو الغطاء لما تم اغتصابه بالقوة. إن عام 2013 كان له خصوصية ارتبطت أيضا بالأحداث الدموية والتطورات الجارفة التي عاشتها بعض أقطارنا وانعكاس تداعياتها على القضية الفلسطينية:- من الصفحات الإيجابية لمشهد 2013: مواصلة تراكم المؤشرات ببطء لكن نحو المستقبل للمحافظة على الثوابت الوطنية وتحقيقها على طريق فلسطين الديمقراطية، إن القاعدة الأساسية والصلبة لهذه المؤشرات التراكمية كما أسلفنا القول صمود شعب فلسطين في وجه جلاّديه ومشاريعهم في كافة المناطق وفي مقدمتها القدس عاصمة دولة فلسطين المنشودة، في هذا السياق تم إفشال المشروع الصهيوني ”برافر” الذي يعمل الآن كرئيس لهيئة تخطيط السياسات في ديوان نتنياهو، هذا المشروع يقوم على أساس مصادرة ما يقرب من 800 ألف دنم والتي تعود ملكيتها للعشرات من قرى البدو في النقب جنوب فلسطين المحتلة 1948 ومن ثم تهجير سبعين ألف من الأهالي أصحاب الأرض الحقيقيين الى أماكن جديدة شبيهة بمعازل الهنود الحمر، لكن وحدة التحرك الاحتجاجي الشامل من النقب الى المثلث والجليل رفضا لهذا المشروع التهويدي كان السبب المباشر الذي فرض على حكومة الاحتلال تجميده وهو بالمناسبة يعتبر حلقة من حلقات المخطط الاسرائيلي الذي يستهدف الآن أصحاب الأرض في النقب ولن يتوقف بعد ذلك في عكا والجليل ..الخ.إن الانجاز المسطّر بإيقاف تنفيذ مشروع برافر يشكل محطة هامة في النضال الوطني الفلسطيني داخل الخط الأخضر حيث توحدت حوله بشكل أو بآخر كافة مناطق فلسطين التاريخية. من الزاوية الأخرى فإن التضامن بات يتنامى مع كفاح هذا الشعب في العديد من الدول وصولا الى التواجد الدائم لمئات من المتضامنين الأجانب داخل الأراضي الفلسطينية يساهمون في التصدي للمستوطنين بجانب أبناء فلسطين إضافة الى اتساع كافة أشكال المقاطعة لدولة الاحتلال على مختلف الصعد الثقافية والسياسية والاقتصادية وفي ذات الإطار قد أحيت الجمعية العاملة للأمم المتحدة في دورتها ال 68 يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني 29/11/2013 وتوّجت وقفتها هذه باتخاذ قرار باعتبار عام 2014 عاما كاملا للتضامن مع هذا الشعب ”أيّدت هذا القرار 110 دول وعارضته 7 دول في مطلعها الإدارة الأمريكية وإسرائيل وامتنع عن التصويت 57 دولة” إنه امتداد لذات الإنجاز الذي تم في 29/11/2012 حيث أصدرت القرار رقم 19-67 الذي اعتبر دولة فلسطين عضو مراقب في الأمم المتحدة. إن هذه القرارات وغيرها من مظاهر التضامن والتأييد في العديد من الدول والمؤسسات الإقليمية والدولية هي نتاج لمفاعيل القضية الوطنية التحررية العادلة بالتالي نتاج لصمود هذا الشعب ونضال كافة قواه، وفي سياقه تجدر الإشارة الى أن المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني ومن الجبهات المختلفة، من الداخل والخارج، قد فرضت وقائع جديدة منها أن مفهوم الأمن لدى قادة الاحتلال أصبح يخضع للنقاش، فالحدود وجدار الفصل لم تعد توفر الأمن لهم تبعا للمفهوم السابق بالتالي فإن القلق اتجاه مستقبل دولة اسرائيل أخد في التزايد والتعمق أكثر.ثانيا-من الصفحة الأخرى لمشهد 2013: بالرغم من كل التطورات التي أحاطت بالقضية الفلسطينية أو تلك التي عاشتها بالمعنى المباشر إلا أن الملامح الأساسية للوضع الداخلي قد بقيت كما هي: 1-لم تتم الوقفة السياسية الوطنية الجامعة لمختلف الاتجاهات من أجل مراجعة جادة للمسيرة وللحركة السياسية الفلسطينية في المرحلة التي مضت ومن ثم صياغة استراتيجية وطنية جديدة تشمل الخيارات المطروحة، وللأسف فإن الجميع يتحدث كثيرا عن أهمية هذه الوقفة الانتقادية إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث باستثناء الوقفات الفصائلية المرتبطة بالغالب بمؤتمراتها العامة وعلى أهمية هذه الوقفات التي تساهم في إغناء النقاش الوطني نحو الرؤية الجديدة إلا أن المطلوب حوارا وطنيا شاملا يجيب على سؤال إلى أين وصلت القضية التحررية وعلى أي برّ تقف الآن. ضمن هذا المجال لا جديد على صعيد الانعكاس السلبي لتداعيات الانقسام على كافة عناوين العمل الوطني، بل تم إعادة إنتاج ذات الأحاديث والمواقف دون اتخاذ خطوات عملية تؤدي للخروج من هذا المأزق. 2- خيار المقاومة بكل أشكالها لم يشهد هذا العام نشاطا للمقاومة يتوازى مع الأطروحات الخاصة بها أولا، وثانيا يتساوى مع حجم الامكانيات المتوفرة لدى قواها أو بمستوى ما تستطيع القيام به، وثالثا لم يتم الحوار بين القوى المعنية بالمقاومة من أجل اتفاق على برنامج عمل أو تشكيل لجان للتنسيق في هذا الميدان.3-خيار التسوية ما له وما عليه وما هي نتائج العشرين جولة من المفاوضات في الخمسة أشهر الأخيرة فقط وهل تريد الإدارة الامريكية حقا تسوية ”عادلة” أم أن خيارها وبوصلتها كانا ولايزالان يدوران حول مصلحة دولة الاحتلال. ومن جانب آخر تركز ضغوطاتها الاقتصادية الأمنية والسياسية باتجاه الوضع الفلسطيني بمحاولة انتزاع تنازلات جديدة، بالتأكيد نحن أمام معادلة صعبة ليست عادية تعكس واقع الاشتباك بقواه وظروفه لكن المشروع الوطني وحقوق شعب فلسطين هي أيضا الأساس، هل هناك تجنّي على السياسة الأمريكية، ماذا تقول التجربة المباشرة فيما يدور الآن، لقد تمخض الجبل الأمريكي فولد مبادرة الإطار التي حملها قبل أيام الوزير كيري وطرحها على المتفاوضين، أي ليس نقاط للتنفيذ من الجانب الإسرائيلي إنصافا للحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية كما كان يطالب به الفلسطينيون، هل هناك استمرار للخطأ الذي ارتكبه المفاوض بمجرد دخوله هاته الجولات الجديدة والتخلي عن الشروط البدائية وبالذات التي ربطت العودة للمفاوضات بإيقاف البناء الاستيطاني ”وليس تفكيكه وترحيله من أراضي الضفة” إن مقترح اتفاق الإطار يركز بشكل أساسي على محورين، ضمان الأمن لإسرائيل وليس للفلسطينيين ثم السلام الاقتصادي ويتجسد ذلك في العناوين الآتية: 1-السيطرة العسكرية الإسرائيلية على منطقة الغور شرقي الضفة الغربية تحت عنوان استئجارها لعشرات السنين.2-الإبقاء على الاستيطان بالضفة الغربية .3-الاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية.4-تأجيل مناقشة حق العودة للاجئين الفلسطينيين والقدس العربية والحدود النهائية، من الواضح أن ما يحمله مشروع اتفاق الإطار الأمريكي هو بالأساس رؤية اسرائيلية إضافة الى ذلك يلاحظ أن هناك استبعاد تام لقطاع غزة وهو معطى لم يكن بالصدفة، هذه المبادرة تعني بشكل محدد عدم وجود دولة فلسطينية مما وضع المفاوض الفلسطيني في مأزق شديد: إما الانسحاب من المفاوضات مما يستوجب رفض الضغوط الأمريكية وتحمل التبعات وبالذات لجهة ايقاف المساعدات الاقتصادية وغيرها أو البقاء في المفاوضات على قاعدة التعاطي مع المقترحات الأمريكية وهذا الخيار سوف يفاقم المشاكل في الداخل الفلسطيني والطعن في مصداقية القرار الفلسطيني والاستمرار في وهم المراهنة على السياسة الامريكية.إن الثنائي الأمريكي الإسرائيلي لازال يتعامل مع السلطة الفلسطينية منذ اتفاقية اوسلو حتى اللحظة من منطلق ان لها وظيفتان أساسيتان: الأولى الحماية الأمنية للاحتلال بإنهاء ظاهرة المقاومة بكل مشتقاتها وثانيا إدارة عجلة الحياة الاقتصادية للسكان بوجهة تحسينها وهنا تكون دولة الاحتلال قد تخلصت من تبعات مسؤوليتها كدولة محتلة. ان المشكلة هنا تكمن في الموقف الفلسطيني في طبيعة الخيار الذي يفترض سلوكه أمام هذه المعادلة ولن يكون المخرج في اللجوء للجامعة العربية التي لن تحل المشكلة لأن قرارها في الغالب لن يكون متصادما مع الموقف الأمريكي وربما خير مثال على ذلك هو الموقف الذي اتخذه أمين عام الجامعة العربية السيد نبيل العربي لدى لقائه مع الوزير كيري في عمان مع نهاية شهر جويلية 2013 وإعلانه الموافقة على مقترح كيري بالعودة للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي قبل أن يعلن الرئيس الفلسطيني عن موقفه من ذلك والأكثر وضوحا كان في المنحى الذي اتخذته الجامعة من التطورات التي شهدتها منطقتنا العربية في الثلاث سنوات الاخيرة حيث وصلت الامور الى أنها وفرت الغطاء العربي للعدوان على بعض البلدان العربية بالتالي فإن الممر الى الخيار البديل يكون في الصمود في وجه الضغوطات المختلفة ومحاولات شطب ما تبقى من حقوق وطنية، والتعامل بجدية مع مطلب المصالحة لتوحيد الموقف والاتكاء عليه، ثم الاتفاق على تفعيل المقاومة بكل أشكالها وتوفير مقومات الحاضنة الشعبية، والتعامل مع عمق عربي قومي يتمسك بالثوابت التاريخية والمصالح العليا لشعوبنا ولا يخضع للإملاءات الأمريكية أو يتبرع بالتنازلات كما فعل الوفد الوزاري العربي في زيارته للإدارة الأمريكية مع بداية ابريل عام 2013 عندما قدم لها الموافقة على تبادلية الأراضي لحل مشكلة المستوطنات بالضفة الغربية. ثم لماذا توقفت المتابعة الفلسطينية لاستكمال الحصول على عضوية دولة فلسطين في المؤسسات الدولية بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية.إن افتقاد المفاوض الفلسطيني لتلك العناوين كان سببا رئيسيا في إضعافه أمام المفاوض الإسرائيلي لأن نتائج المفاوضات لا ترتبط برغبة المفاوض أو بفصاحة لسانه أو تعدد اللغات التي يجيدها بل بميزان القوى، فكيف يمكن إحداث الإزاحة بهذا الميزان بدون تلك العوامل. وسط كل ذلك: هل أصبح من المستحيل مغادرة السياج الأمريكي وبالتالي البدء بالتحرك السياسي بالاتجاهات المختلفة الإقليمية الدولية والعربية بأفق عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة من أجل التعامل مع قراراتها ذات الصلة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 08/01/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الفجر
المصدر : www.al-fadjr.com