الجزائر - 08- La guerre de libération

1957 هي سنة الميلاد الفعلي لهذا النظام



1957 هي سنة الميلاد الفعلي لهذا النظام
بومدين كان يحضّر للسيطرة على الحكم منذ 1960
قال رابح زراري، المدعو الرائد عز الدين، نائب قائد الأركان خلال الثورة التحريرية، إن الشرعية الثورية يمثلها المجلس الوطني للثورة، مشدّدا على أنه لا يمكن نزع الشرعية التاريخية من مجموعة الـ22، معتبرا أن أول انقلاب قام به العسكريون ضد السياسيين كان في مؤتمر القاهرة في 1957 الذي اعتبره تاريخ ميلاد النظام الحالي.

كيف استطاع بومدين، في ظرف وجيز، أن يسيطر على معظم أفراد جيش التحرير ويسحب السلطة من تحت أقدام الباءات الثلاثة الأقوياء (بلقاسم، بوصوف وبن طوبال)؟

خلال انعقاد المجلس الوطني للثورة في طرابلس ما بين ديسمبر 1959 وجانفي 1960، أقرّ إنشاء هيئة الأركان العامة في 6 جانفي 1960، ووضع على رأسها العقيد هواري بومدين كمسؤول سياسي عسكري ومعه ثلاثة نواب: فايد أحمد، علي منجلي وعز الدين زراري، وأخذنا مسؤولياتنا، وتمركزنا في غارديماو (بلدة تونسية قريبة من الحدود الجزائرية). وقبلها، كان العقيد هواري بومدين على رأس قيادة التنظيم العسكري ((COM للغرب، فيما عيّن العقيد امحمدي السعيد على رأس قيادة التنظيم العسكري للشرق.

لكن الدكتور عمار بوحوش يشير إلى أنه بعد حلّ لجنتي التنظيم العسكري للشرق والغرب، تم تشكيل قيادتي أركان في الشرق والغرب بنفس قيادة ''كوم''، قبل أن يتم توحيدهما في قيادة الأركان العامة، هل تؤكد هذا الكلام أم تنفيه؟

لم يكن هناك قيادة أركان للشرق ولا قيادة أركان للغرب، وإنما كانت هناك ''كوم'' الشرق و''كوم'' الغرب، وبعدها تشكيل قيادة الأركان العامة. وهناك، قمنا بعمل استثنائي في تنظيم الجيش، حيث كانت هناك فوضى عارمة في الشرق، وقمنا بإنشاء مدارس سياسية وعسكرية للجيش.

ما هي أسباب الخلاف بين بومدين والباءات الثلاثة؟

كانت الخلافات تتعلق بتسيير الثورة، والقيادة والمال. وصراحة، كانت خلافات شكلية، فمن غير المعقول أن يطلب من وزير الدفاع، كريم بلقاسم، أن ينام في كوخ مثل بقية المجاهدين ولديه مسؤوليات خارجية. ولكن النقطة التي أفاضت الكأس، عندما قامت طائرة حربية فرنسية بقصف معاقلنا في ملاق (الحدود التونسية ـ الجزائرية)، فقمنا بالدفاع عن أنفسنا والرد عليها فأسقطناها، ولكن طيّارها نجا، وهو الملازم أول ''فايار''، وكنت حينها مع بومدين في ''غارديماو''، فلما سمع بأسر الطيار، ذهب في السيارة إلى ملاق وبقيت في غارديماو، فرنّ الهاتف فأجبت، وكان على الخط فرحات عباس، وطلب أن يكلم بومدين، فأخبرته أنه غير موجود، فقال: علمت أنكم أسقطتم طائرة وأسرتم طيّارها، يجب أن تطلقوا سراحه حالا وتسلموه للسلطات التونسية، فقلت: ربما يكون قد مات. فقال: لا، لم يمت. فقلت له: عضو قيادة الأركان معكم. فرد علي: السلطات التونسية أعلمتنا أنه لم يمت. وبدأت السلطات الفرنسية تضغط علينا، فوضعوا الحواجز الأمنية وحاصرونا، وقطعوا عنا الماء والمؤن.

هل وقعت صدامات حينها بين جيش الحدود والحرس الوطني التونسي؟

لم تحدث أي اشتباكات، كما أن جيش التحرير كان أقوى من القوات التونسية، عددا وتدريبا، وقمنا حينها بتحريك وحداتنا القتالية في استعراض للقوة. ولما عاد بومدين إلى مقر قيادة الأركان، أخبرته بما دار بيني وبين فرحات عباس، وحينها، رنّ الهاتف مجدّدا، فكان على الخط فرحات عباس، فأعطيت سماعة الهاتف لبومدين، فقال له فرحات: يجب تسليم الطيّار الفرنسي للسلطات التونسية حالا، بسبب الضغط الفرنسي الكبير على الحكومة التونسية، ولا تنسوا ماذا فعلوا في ساقية سيدي يوسف (مجزرة مروّعة ارتكبها الطيران الفرنسي في حق التونسيين والجزائريين). فقال له بومدين: قال لكم سي عز الدين مات، يعني مات.

ـ أعطني جثته.

ـ أحرقناها.

ـ أعطنا جثته المحروقة.. لدينا معلومات أنه حيّ.

ـ وهل تصدق التوانسة أو تصدق قائد الأركان؟

وتفاقمت القضية بين الرجلين، وتحوّلت إلى أزمة.

لماذا لم تقولوا الحقيقة لمسؤوليكم السياسيين؟

لأننا لم نكن نريد تسليم الطيّار، ولكننا كنا حينها على خطأ، فالطيار الفرنسي سقـط على الأراضي التونسية، والحكومة التونسية لها كل السيادة على أراضيها، وبالتالي كان من المفروض أن نسلمهم الطيّار. ولكننا لم نفكر في عواقب الأمور، لأننا كنا نتكل على قواتنا وعلى ثورتنا.

وكيف اضطرت هذه القضية بومدين ومعه هيئة الأركان إلى الاستقالة؟

في الصباح الباكر، قدمت سيّارة إلى ملاق، تقلّ مسؤولين كبيرين في الثورة، هما عبد الحفيظ بوصوف، وزير التسليح والاتصالات (المخابرات)، ولخضر بن طوبال، وزير الداخلية، فاستقبلتهما بمقر قيادة الأركان، ثم قالا لي: جئنا لنأخذ الطيّار. فقلت لهما: قال لكما سي بومدين مات. فضحك بوصوف وقال لي: سي عز الدين، الطيّار في ملاق، وهو موجودة في الزنزانة رقم... وأضاف: ستذهب إلى ملاق، وأخبر النقيب عبد المؤمن (مسؤول مركز ملاق العسكري) ليسلمنا الطيّار. وشخصيا، لم أكن أعلم برقم الزنزانة، ولكني أمسكت الهاتف وكلمت النقيب عبد المؤمن وقلت له: إذا جاءك (بوصوف وبن طوبال)، سلمهما المحبوس. فقال لي عبد المؤمن: يجب أن تعطيني أمرا مكتوبا. فقلت له: سيأتيانك ومعهما الأمر المكتوب. وذهبت إلى بومدين وأخبرته بالأمر، وقلت له: بإمكاني إلغاء الأمر. فقال: لا. وقرّر بومدين، حينها، أن نستقيل دون أن نستقيل.

كيف استقلتم دون أن تستقيلوا؟

استدعينا قادة المنطقة الشمالية (جيش الحدود في الجبهة الشرقية)، والتي كان يقودها النقيب عبد الرحمان بن سالم، ومعه كل من الشاذلي بن جديد (أصبح رئيسا للجزائر)، وعبد الغاني (أصبح قائدا للناحية العسكرية الرابعة ثم رئيسا للحكومة)، وشابو (صار أمينا لوزارة الدفاع)، وقادة المنطقة الجنوبية بقيادة صالح السوفي (تولى قيادة الناحية العسكرية الثالثة)، ونائبيه السعيد عبيد (أصبح قائدا للناحية العسكرية الأولى)، وأقصى الجنوب بقيادة محمود فنز (أصبح وزيرا للمجاهدين)، وقائد قوات الحدود ''سي دي آف''، سي موسى بن أحمد (عيّنه رئيس الحكومة المؤقتة غداة الاستقلال قائدا للأركان خلفا لبومدين، لكن جيش الحدود رفض الخضوع له). واجتمع بومدين مع هؤلاء القادة، وقلنا لهم: ''لقد استقلنا''، وأضفنا: ''إياكم أن يرسلوا لكم شخصا ليقودكم''. وشكلنا لجنة قيادة جماعية، ويكون الاتصال عبر اللجنة التقنية المشكلة من زرفيني، هوفمان، بوتلة (من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي والمقرّبين من بومدين)، وهؤلاء كانوا يعرفون دائما أين نكون.

أين توجهتم بعد استقالتكم؟

ذهبت وبومدين إلى ألمانيا للاتصال بفيدرالية فرنسا ومسؤولها عبد الكريم سويسي، وذلك لتوضيح أسباب الأزمة، والتي أدت إلى عقد اجتماع استثنائي للمجلس الوطني للثورة. وخلال هذا الاجتماع، تحدثنا عن أزمة قيادة الأركان، ودافعنا عن موقفنا، رغم أننا كنا نعرف بأنه ليس لدينا حق. وحينها، لاحظت أننا ذهبنا بعيدا في معارضتنا للحكومة المؤقتة. وبدأ بومدين من حينها يفكر في السيطرة على السلطة، باستعمال أحد الزعماء الخمسة، ولم أسانده في طموحاته هذه، فقلت خلال اجتماع المجلس الوطني: ''سأدخل إلى الجزائر لأكافح لـ''واس'' (منظمة الجيش السري) التي ارتكبت جرائم كثيرة في العاصمة، فجذبني بومدين من سروالي لأصمت لأنني لم أشاوره في هذه الفكرة، فقد كنت ضد المؤامرة للحصول على السلطة.

متى وقع هذا الاجتماع الاستثنائي لمجلس الثورة؟

في ماي 1961 في فندق ''مياري''، كان مجلسا ديمقراطيا بمعنى الكلمة. ففي كل اجتماع، كان فرحات عباس يضع استقالته لدى كتابة المجلس الوطني للثورة، في انتظار تجديد أعضاء المجلس ثقتهم فيه، وفي العديد من المرات، كانت هناك محاولات للإطاحة به من رئاسة الحكومة المؤقتة (أنشئت في 19 سبتمبر 1958) ولكنها فشلت، وكان يجدّد فيه الثقة في كل مؤتمر، باستثناء هذا المؤتمر (طرابلس ماي 1961)، والذي تمت الإطاحة به وانتخاب بن يوسف بن خدة رئيسا للحكومة المؤقتة، وهذا ما لم يتقبله عباس نهائيا، وهذا ما يفسر وقوفه في صف بومدين والجيش ضد بن خدة في أزمة صائفة .1962 فقد كان موقفا شخصيا ضد بن خدة، رغم أن الديمقراطية تقتضي قبول الصندوق، مهما كانت النتائج.

كانت هناك أزمة شرعية بعد الاستقلال. برأيك، من كان يملك الشرعية التاريخية لقيادة الجزائر، بن بلة الذي كان آخر قائد للمنظمة الخاصة، أو بوضياف أول منسق عام للثورة، أو بن خدة آخر رئيس للحكومة الجزائرية المؤقتة؟

الشرعية التاريخية كانت بين يدي المجلس الوطني للثورة، وأعطى جزءا من شرعيته للحكومة المؤقتة. ولكن هاتين الشرعيتين قتلتا في آخر مجلس وطني للثورة في مارس 1962، والباءات الثلاثة (كريم بلقاسم، وزير القوات المسلحة ونائب رئيس الحكومة، عبد الحفيظ بوصوف، وزير التسليح والاتصالات ''المخابرات''، ولخضر بن طوبال، وزير الداخلية) كانوا يمثلون الشرعية التاريخية، لأنهم من فجروا الثورة، فبوضياف وكريم بلقاسم كانوا يرون أنهم مدعومون من الولايات الثانية والثالثة والرابعة، ومعهم فيدراليات جبهة التحرير في فرنسا وتونس والمغرب، ولكن كان هذا على الورق، لأن بومدين كان على رأس جيش منظم ومنضبط، يضم أكثر من 30 ألف مقاتل مسلحين بشكل جيد، ولم ترهقهم الحرب كثيرا، وأكثر من ذلك، كانوا مدعومين من الولايات الأولى والخامسة والسادسة. ولكن الباءات الثلاثة خرجوا من داخل الجزائر، وضعف نفوذهم على جيش التحرير، والولايات المدعمة لهم خرجت من الحرب منهكة القوى، خاصة بعد أن تعرّضت لعمليات شال بداية من .1958

إذن، تم الاحتكام إلى شرعية القوة، وليس حتى إلى الشرعية التاريخية، للوصول إلى الحكم؟

الميلاد الأول لهذا النظام كان في اجتماع القاهرة في 1957 بعد مؤتمر الصومام في 20 أكتوبر 1956 الذي أطلق المبادئ الكبرى للثورة، والمتمثلة في أولوية السياسي على العسكري وأولوية الداخل على الخارج والقيادة الجماعية، وكانت لجنة التنسيق والتنفيذ تضم 5 أعضاء (القيادة العليا للثورة)، 4 مدنيين (عبان رمضان، العربي بن مهيدي، بن يوسف بن خدة، سعد دحلب)، وواحد عسكري (كريم بلقاسم).

ولكن العربي بن مهيدي كان قائدا للولاية الخامسة وهران، معناه أنه كان عسكريا، فلماذا اعتبرته سياسيا؟

العربي بن مهيدي كان مسيّرا، ولم يقد أبدا الولاية الخامسة. ولكن ما حدث في اجتماع المجلس الوطني للثورة في القاهرة في 1957 ألغيت أولوية الداخل على الخارج وأولوية السياسي على العسكري، وأصبحت لجنة التنسيق والتنفيذ تضم 9 أعضاء بدل خمسة، ولكن عدد العسكريين أصبح أكبر من عدد السياسيين (5 مقابل 4)، وأصبح أعضاء مجلس كل ولاية أعضاء في المجلس الوطني للثورة تلقائيا، وبهذه الطريقة تقوى الباءات الثلاثة، لأن كل عضو في المجلس له صوت، بينما الباءات الثلاثة كان لكل منهم أربعة أصوات إضافية، تمثل وكالات أعضاء مجلس الولاية التي يقودها، وبالتالي أصبح لكل واحد فيهم 5 أصوات، مقابل صوت واحد لكل عضو في المجلس.

سأعيد عليك نفس السؤال الأول: كيف استطاع بومدين أن يستحوذ على السلطة من الباءات الثلاثة الأقوياء؟

في 1960 أسسنا قيادة الأركان، وفي 1961 أصبح الجيش منظما وتحت سلطة قيادة الأركان، فمن كان حينها يستطيع مواجهة قيادة الأركان. وخلال أزمة الطيّار، سألت بومدين: ماذا لو قطعوا علينا المال والمؤونة؟ فقال لي: لدي 5 ملايير فرنك فرنسي. وهذا المبلغ الكبير الذي احتفظ به بومدين لم يكن لاستعماله الشخصي، ولكن هذا يؤكد أنه كان يفكر في السيطرة على الحكم، فأول انقلاب (عسكري) على الحكم كان في 1957، والانقلاب الثاني كان في .1962

ألم يكن بن بلة سياسيا ويمثل الشرعية التاريخية، بحكم أنه كان آخر قائد للمنظمة الخاصة التي منها اندلعت الثورة، كما أنه أول من تلا بيان أول نوفمبر في إذاعة صوت العرب في القاهرة، وقرّر في 3591 مع بوضياف ومحساس في باريس التحضير لتفجير الثورة؟

الشرعية الثورية كانت للمجلس الوطني للثورة، ولا يمكن نزع الشرعية الثورية من مجموعة الـ22، والمنظمة الخاصة ليست هي الشرعية، كما أن أول نوفمبر ليس انطلاقة الثورة، ولكنه نقطة نهاية مرحلة بالنسبة للحركة الوطنية بعدد كبير من التضحيات، كانت نتيجتها أول نوفمبر.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)