الجزائر

يبدع في صناعة السروج منذ 20 سنة‏ 




إنه مثال للشاب الذي مكن من تجاوز إعاقته الحركية، بل ولايجد أي حرج في استخدام كلمة ''معاقين'' بدل ''أصحاب ذوي الاحتياجات الخاصة''، لأنه كسر ذلك الحاجز النفسي أو لنقل العقدة التي تقف حجر عثرة أمام إنجاز الكثير من الأشياء لدى الأسوياء، فمابالك بغيرهم.
بشير جوماخ ابن مدينة وهران، اِلتقيناه في الصالون الوطني لإنجازات ذوي الإعاقة في جناحه، حيث عرض مختلف التجهيزات التي يستعملها في عمله ككهربائي، والتي تمكن من اقتنائها بفضل قرض منحته إياه الوكالة الوطنية لدعم القرض المصغر''انجام''.
يروي لنا قصته مع هذا المشروع، فيقول: ''طلبت دعما من وكالة القرض المصغر، بعدما سمعت بأنها تمنح قروضا للراغبين في إنجاز مشاريع.. لم أتردد وقدمت طلبي، وبعدها بحوالي شهرين، حصلت على القرض الذي مكنني من اقتناء التجهيزات اللازمة، وكذا كراء محل، حاليا أعمل لحسابي الخاص وأنا جد راض عن وضعي الجديد''.
حاليا إذا، يعيش بشير حالة استقلالية تسمح له حتى بأن يوظف عمالا، لاسيما بعد أن تمكن من العمل مع بعض الأفراد، أي على مستوى الشقق والبنايات وكذا بعض المؤسسات كالفنادق والحمامات وحتى المساجد التي يقول إنه يؤدي فيها عمله مجانا، لأنه يعتبر ذلك صدقة لبيت الله. وبالنسبة لتسديد القرض فلم يبق إلا دفعتين، وهو مبلغ بسيط، كما يقول بكل أمل وتفاؤل.
ورجوعا إلى الوراء... يحكي بشير مشواره الذي بدأ بعد خروجه من المدرسة في مستوى السادسة ابتدائي، حيث عمل في مجال التجارة، بعدها قرر الالتحاق بمركز للتكوين المهني في تخصص الكهرباء، ويحمد الله أنه تمكن من ذلك بالنظر إلى مستواه الدراسي، في 1990 تحصل على دبلوم في هذا الاختصاص، عمل على إثرها مع شخص آخر، لكنه لم يكن راضيا كثيرا ففكر في خلق مشروعه الخاص، وهو ماتم في ,2009 ''وأنا الآن جد راض''، كما يؤكد.
سألناه عن معنى الإعاقة بالنسبة له فضحك وقال: ''الإعاقة كانت سببا في التفريج عن كربي لاسيما مؤخرا بعد أن تحصلت على سكن سأتسلمه الأسبوع القادم... أنا لا أحس نفسي معاقا بالمعنى السلبي للإعاقة أي العجز... طول عمري وأنا أشعر بأنني إنسان عادي كالآخرين...اخترت اختصاص الكهرباء، لأنه يتلاءم وإعاقتي الحركية، إذ لا أجد معها صعوبات في عملي الميداني... ليس لدي أي مشاكل نفسية مع إعاقتي، وكثيرا ما لا أبدو كذلك للآخرين إلا حين أسير في الشارع... أقول أن الإعاقة الحقيقية تكمن في العقل... عقل بعض الناس الأسوياء الذين يملكون كل شيء، لكنهم لايجدون حرجا في التسوّل لدى الآخرين، وطلب المساعدة بدل أن يعملوا بجد ويسعون لتحقيق شيء مهم في حياتهمس.


احتضن المنتدى الدولي الذي أقيم بنادي الجيش، بمناسبة اليوم العاليم لذوي الاحتياجات الخاصة، ثلاث محاور أساسية لمناقشة مسألة استقلالية المعاق، وإمكانية وصوله إلى المنشآت المبنية، إلى جانب المحور الخاص بالإعانات التقنية، بغرض تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من الاندماج بالمجتمع دون الجاجة إلى مرافق، هي مسؤولية يتحملها المهندسون المعماريون خاصة في الشق المتعلق بالمسلكية.
في اللقاء الذي جمع ''المساء'' بالسيد نبوي علي مدير الوقاية والإدماج بوزارة التضامن الوطني على هامش المنتدى، قال: ''هذه الورشات تتناول إمكانية وصول الأشخاص المعاقين إلى المحيط المبني، وكل ما يخص النقل، وقد اعتمدنا في ذلك على مهندسين فرنسيين وجزائريين متخصصين في إمكانية الوصول من أجل إعادة تهيئة المحيط، وبالرجوع إلى الاتفاقية الدولية الخاصة بالمعاق، تحدثت عن إمكانية ''الوصول ''التي تعد من أولويات المعاق.
من جهة أخرى، تحدث ذات المصدر عن تغير مفهوم الإعاقة، حيث قال: ''بعدما كانت الإعاقة التي صنفتها منظمة الأمم المتحدة للصحة تعرف على أنها تخص كل ما يتعلق بالعاهات، تغير المفهوم مطلع سنة 2001 حين تم إدراج ''المحيط''، ليتحول التعريف إلى أن المحيط هو الذي يسهل أو يعرقل عملية اندماج المعاق بالمجتمع. إذا لم تكن هنالك إمكانية وصول، لن يكون هنالك اندماج، وهو المحور الرئيسي لهذه السنة المتعلقة بالاحتفال باليوم العالمي للمعاق الذي ركزت عليه وزارة التضامن الوطني.
المهندس المعماري بحاجة إلى التوعية والتحسيس
حول المسلكية في الجزائر، قال المهندس المعماري يزيد رديزلي: ''مشاركتنا في هذا المنتدى، بصفتنا مهندسين معماريين، فرصة للأخذ بعين الاعتبار أهمية المحيط لفئة المعاقين في المشاريع الهندسية التي نحن مكلفين بتصميمها. ففي معظم الأوقات، لا يتعلق الأمر بقضية نسيان عدم أخذ هذه الفئة بعين الاعتبار، وإنما قضية وعي، لذا فمثل هذه المنتديات من الضروري التأكيد فيها على توعية و تحسيس كل المعنيين بهذه الشريحة، باعتبار أن الإمكانيات متوفرة، وبالتالي تلعب التوعية دورا في إقرار حلول عند إعداد المخططات العمرانية.
من جهة أخرى، هنالك حلول تقنية أيضا لابد أن يتم مراعاتها في العمران، يضيف المتحدث قائلا: ''كالمصاعد الكهربائية من خلال إدراج إشارات أو تنصيبِ كراسٍ كهربائية في العمارات التي تحوي على السلالم، لذا فإن دورنا كمعماريين، هو الأخذ بعين الاعتبار متطلبات هذه الشريحة''. ويعلق المتحدث: ''اليوم من ناحية القانون، الإجراءات الداعية إلى الالتزام بتهيئة العمران وفقا لحاجة المعاق موجودة، والمختصون المكونون موجودون أيضا، وبالتالي فالأمر يتعلق بتطبيق ما نص عليه القانون.
ففي الهندسة المعمارية بصفة عامة، عندما نصمم مشروعا، نحن على دراية -يقول المتحدث- أنه قد يستفيد من التصميم الذي نعده شخص معافا، كما يمكن أن يكون الشخص ذو إعاقة، لذا لابد من وجود تخصصات في الهندسة يستفيد منها المعاقون أنفسهم، ليتسنى لهم إعداد مخططات تتماشى واحتياجاتهم.
النسيان وراء إغفال المسلكية من المخططات العمرانية.
من جهته، قال لـ''المساء ''عبد الرحمان زيدان مهندس معماري، إننا اليوم كمهندسين معماريين لسنا بحاجة إلى إلزام ذوي الاختصاص بتطبيق القانون المتعلق بأخذ المسلكية بعين الاعتبار عند بناء المنشآت العمرانية الخاصة أو العامة، لأن القانون يعلو على الجميع، ومن لا يلتزم به يعاقب. وإنما الأمر يتعلق بالتوعية بأهمية بعض النصوص القانونية التي تطبق حتى وإن لم تكن هناك حاجة لذلك، مثل مسألة الزلازل. فبعد الزلزال الذي ضرب منطقة بومرداس فيما مضى، أصبح التطبيق القانوني فيما يخص البناء صارما، وبالتالي نحن لسنا بحاجة لحدوث أزمات من أجل تطبيق القانون، وقس على ذلك في فئة المعاقين، فليس بالضرورة أن يكون بالمنشئة العمرانية معاق حتى نهيئ المسالك، لأنه يمكن أن تحدث الإعاقة على المدى الطويل، أو قد يأتي الوقت الذي يتطلب إيجاد هذه المسالك بمنشأة ما.
ويختم محدثنا كلامه بالقول، إن الجزائر فيما يخص تهيئة المسلكية لذوي الاحتياجات الخاصة بالمقارنة مع بعض الدول الأوربية كفرنسا، لا تزال بعيدة، وينبه إلى أن للمهندس دور أساسي، إلا أنه غير كاف، كما أنه ليس المسؤول الوحيد، كون الأمر يتعلق بتظافر جهود كل أفراد المجتمع، لأن الأمر يتعلق بالصحة العمومية عند الحديث عن بعض الإعاقات كمرضى ''الميوباتي''، دون أن ننسى أن تكيّف منازل بعض الأشخاص المعوقين يتطلب تكنولوجيات عالية يعجز المواطن البسيط عن تحمل تكلفتها.
المعاق بحاجة لاستغلال التكنلوجيات الحديثة لمزيد من الإندماجية.
وحول بعض التقنيات الحديثة لتسهيل اندماج المعاق بالمجتمع، عرض فؤاد حسون، مختص في مجال المساعدة التقنية، آخر ما جادت به التكنلوجيات الحديثة من أجهزة متطورة، تسهل على المعاق قضاء حاجاته والقيام بأعمال دون الحاجة إلى مرافق، حيث قال من خلال مداخلته: ''حقيقة، أنا شخص مكفوف ولكني أمارس حياتي كغيري من أفراد المجتمع، حيث أرافق ابنتي إلى المدرسة، وأعود لاصطحابها للبيت، وما سهّل عليّ العمل، تكيف المسالك بفرنسا، حيث أقيم، إلى جانب استغلالي لأحدث التكنلوجيات التي سهلت علي العمل. فمثلا أحمل معي جهازا صغيرا، وهو هاتف نقال متطور يعد بمثابة مكتبي الصغير الذي أحمله معي حيثما ذهبت، وأدرج به كل وثائقي وملفاتي، وبالتالي أعتقد أن مثل هذه الأجهزة تمكننا- نحن ذوي الاحتياجات الخاصة- من الوصول بسهولة إلى المعلومة والاستفادة منها، لذا يضيف المتحدث: ''ينحصر عملي اليوم، كمختص في مجال المساعدة التقنية، في إطلاع هذه الشريحة على آخر ما جاد به العلم من أجهزة من شأنها أن تسهل حياتهم، خاصة أن الإمكانيات المادية لتأمين مثل هذه الأجهزة بالجزائر متوفرة''.

ما تزال صناعة السروج حرفة تقليدية تستقطب إليها الكثير من الأشخاص الذين يسعون للحفاظ على الموروث الثقافي، كونها حرفة أصيلة متوارثة عبر الأجيال، وهي ذاتُ الحرفة اليدوية التي وجد فيها قرميط نور الدين ميدانا للإبداع..
نور الدين معاق حركيا يتوكأ على العصي ليتمكن من المشي، وإن كان يجد في الحركة بعضا من الصعوبة، إلا أنه يجد في صناعة السروج سهولة كبيرة جعلته يحوز على17 شهادة تقدير وعرفان في المحافظة على الموروث الثقافي، كما مكنه إتقانه هذا من أن يقوم على تدريس هذه الحرفة لأجيال من الشباب؛ منهم أفواج من المساجين بالمؤسسة العقابية بتيارت، يتحدث نور الدين على حرفته هذه فيقول إنه تلقى أبجدياتها قبيل 20 سنة على يد حرفي مغربي كان يقيم بتيارت، كان وقتها يعتمد على مساعدة أخيه الذي أعانه كثيرا على شراء المواد الأولية؛ كالجلود والخيوط الذهبية المستعملة في التطريز وغيرها من المواد. ولسنوات طويلة، أبدع المتحدث في الحرفة التي يقول عنها أنها أصبحت تسري في عروقه خاصة وأنها تؤمن له مصدر قوت أسرته ومصدر فخر واعتزاز بالأصالة، يقول: ''إن الخيل تمثل فخرا واعتزازا لنا في الثقافة الشعبية بتيارت، ولا يمكن للخيّالة الاستغناء عن السروج، هذه الأخيرة تبدع الأيادي في صناعتها، وعن نفسي، فقد صنعت الكثير منها على مدار العشرين سنة من إتقاني لهذه الحرفة، وهي السنوات التي مكنتني من تخريج 3 أجيال من الحرفيين فيها؛ منهم 180 شابة تتراوح أعمارهن ما بين 20 إلى 30 سنة، دفعهن حب الحرفة إلى تعلمها وإتقانها، ناهيك عن فوجين من المسجونين بعدد 40 رجلا لكل فوج بالمؤسسة العقابية بتيارت، وحاليا، أشرف على تكوين حوالي 20 شابا في ورشتي صناعة السروج''، يقول نور الدين مضيفا: ''الحرفة اليدوية تحب من يحبها وتخضع لإتقانه متى تفانى الحرفي في صناعته، لذلك أعتبر نفسي محظوظا في حرفتي، كوني تلقيتها من لدن شخص يتقنها، ما سهّل عليّ إتقانها فيما بعد، ما أطلبه من وزارة التضامن أن تتذكرنا كامل أيام السنة وليس في مناسبات محددة، كما أطلب من الوزير نفسه أن يعيد النظر في مسألة منح الإعانات أو القروض، لأن قرض في حدود الـ 3 آلاف دينار لا يكفي حتى لتغطية مصاريف المادة الأولية، أنا بحاجة إلى شراء ماكنات تساعدني في صناعتي وتطويرها أكثر، فأقل ماكنة يقدر حقها بحوالي 150 ألف دينار، وما دامت الإرادة موجودة وإعاقتي لا تزيدني إلا إصرارا على العمل والإنتاج، فإن ضيق الحال قد يثبت من العزيمة أحيانا..''، يقول نور الدين قرميط..



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)