الجزائر

ياسمينة خضرة في حديث لـ''الفجر'' ليست لي مشكلة شخصية مع وطار، وأنا مستعد أن أنظم له أجمل يوم تكريمي



بقدر ما يشتكي منه الكثير ومن بينهم أنصار الروائي الطاهر وطار المريض في باريس منذ سنة، في ظل لامبالاة يرفضها خضرة مدير المؤسسة الجزائرية الرسمية، ولا أدل على ذلك عدم زيارته صاحب روائع الزلزال، واللاز، والشهداء يعودون هذا الأسبوع - كما لاحظ الكثير بما فيهم كاتب هذه السطور- علما أنه يعالج تحت رعاية الدولة التي يمثلها خضرة في باريس• عن هذه القضية وجديد إبداعه وتسييره للمركز الثقافي واستمرار تأثره بعداء الكثير من الجزائريين، حاورت الفجر خضرة•• فكان هذا الحديث الذي يشبه صاحبه•      لنبدأ بموضوع خلافك مع وطار الذي مازلت غاضبا عليه لأنه تحدث عنك بالسوء كما قلت لي في مقابلة سابقة• فهل لهذا السبب لم تزره كما فعل الكثير من المثقفين بمن فيهم أولئك الذين لا يتفقون مع طروحاته• ولعلمك فإن وطار أكد لي على الصعيدين الشخصي والمهني بأنه لم يطعن رواياتك لعدم اطلاعه عليها، ولم يقل أنك مسير فاشل ولا يفهم لماذا لا تتحمل الحديث عنه• سؤالي هو لماذا لم تستقبله تجسيدا لتعهدك بفتح المركز لكل المبدعين القدامى والشبان الجدد بمن فيهم أولئك الذين يكرهوك أو لا يحبون مواقفك وحتى رواياتك؟  قلت هذا الكلام وأكرره، لأن المركز ليس ملكيتي الشخصية، ووطار واحد من الكتاب الجزائريين المرحب بهم في أي وقت، وأنا مستعد أن أنظم له أجمل يوم تكريمي إذا كانت حالته الصحية تسمح له بالحضور•   ولكن هل اتصلتهم به؟  لم أفعل لأنني أعلم أنه مريض•  ولماذا لم تزره، علما بأنه يعالج تحت رعاية رئاسة الجمهورية اعترافا بماضيه النضالي الوطني ومكانته الأدبية والثقافية• - لم أزره لضيق الوقت، وليست لي عداوة شخصية مع الرجل وإن كنت أختلف مع خطابه عن الأدباء الذين يكتبون باللغة الفرنسية ويروجون لطروحات حزب فرنسا كما يقول، والكل يتذكر قوله إن فرنسا هي الخاسرة الأولى من وفاة الروائي الكبير المرحوم الطاهر جاووت ووطار من الذين زرعوا الفتنة بين المفرنسين والمعربين، وكما سبق أن قلت لك فإن أمثاله يذكرونني بالأستاذ الذي كرهني في اللغة العربية التي بدأت الكتابة بها•  حدثتني في مناسبة سابقة عن تأثرك الكبير بالحملة التي شنتها صحف معربة ومفرنسة ضدك كروائي وكمدير للمركز الثقافي الجزائري• فهل مازلت متأثرا بذلك أم أنك طويت الصفحة، وهل تفهم هذه الحملة باعتبارك شخصية مثيرة للجدل والخلاف استنادا لمسارك المهني السابق من جهة وقبولك مهمة رسمية قد تتناقض مع طبيعة هويتك الإبداعية، كما يرون من جهة أخرى• مازلت متأثرا أكثر من أي وقت مضى، ولا أفهم هذا العداء المجاني والرخيص الذي يستهدف رجلا أهدى حياته دفاعا عن راية وأمن الوطن فكرا وأدبا وممارسة، ويعمل اليوم على تحسين صورة الثقافة الجزائرية وتمثيلها روائيا على الصعيد الروائي العالمي• وللتوضيح لست متأثرا بمواقف غير المعجبين بكتاباتي من منظور أدبي أو إيديولوجي، وهذا أمر طبيعي، وحدث هذا مع كامو الذي يعد أحد كبار مبدعي الأدب والذي راح بدوره ضحية تأويلات ضيقة الأفق، ويؤلمني اليوم أن أهَاجم بطريقة شخصية جارحة لا تمت بصلة للإبداع وتقوم على اتهامات باطلة تصورها أولئك الذين ينطلقون من خلفيات راسخة في أذهانهم المرضية•   ماذا تقصد بشكل يوضح الصورة للقراء الكرام؟ أقصد أولئك الذين يعودون في كل مرة لماضي العسكري ولعلاقتي المفترضة بالسلطة، وأنت تتذكر أنني قلت لك في مقابلة أولى أنني غير خاضع لأحد في السلطة باستثناء رئيس الجمهورية الذي شرفني بعرض إدارة المركز الثقافي الجزائري في باريس، وحب الجزائر وحده الذي تركني أقبل العرض لأنني لست في حاجة إلى شهرة إضافية أومال، وعائدات كتبي تسمح لي بالعيش الرغد، ويحز في قلبي أن يعترف بي في القارات الخمس وأهاجم وأهان من الكثير في بلادي، خاصة من أولئك الذين يكتفون بالأفكار المسبقة وغير المطلعين على رواياتي•   سبق أن ذكرتَ لي أن الغيرة، كما نقول شعبيا، هي التي تفسر عداء الكثير وخاصة في الأوساط الأدبية، ولا داعي لذكر الأسماء التي قلت أنها فقدت بريقها السابق منذ بروزك ويصعب عليها اليوم الاعتراف بتغطيتك عليها بعد أن كانت مهيمنة على المشهد الروائي لعدة أعوام و الجزائر مازالت ولادة أدبيا ولا يمكن أن تكتفي بهم أو بي•  (بغضب وتأثر أجاب ) اسمع•• اسمع يا سي محمد، الغيرة أو الحسد موضوع قديم عرفه التاريخ البشري والديني وإبليس كان أول من تجرأ على تحدي الله من باب الغيرة، فما بالك مع البشر• ويؤسفني أن أقول إن عبقرية الكثير من الجزائريين تتناقض مع ذهنيتهم الإنتقامية•   كلامك يتناقض مع تأثرك المبالغ فيه من جهة ومع تحليلك السيكولوجي لشخصية الجزائري من جهة أخرى• لا أبالغ لأن التشويه أثر على أقرب الناس إلى قلبي وهم أبنائي الجزائريين مثلي، ولست متأثرا كأديب لأن نجاحي العالمي يغنيني عن الدخول في مهاترات دنيئة مع أناس يخلطون بين الإبداع والمواقف الشخصية والمهنية الأخرى، ودليل صحة ذلك أنني لم أرد على كل ما طالني من ظلم من خلال رواياتي وتابعت مسيرتي الإبداعية بعيدا عن روح الحقد والانتقام موظفا الأفكار الإنسانية السامية ومنددا بالعنف وداعيا الى الحوار الحضاري وجعل مصلحة الجزائر فوق كل الإعتبارات•   نترك الآن جانبا هذه المنغصات وحدثنا عن جديدك الأدبي• ليس لدي أي جديد منذ صدور روايتي الأخيرة قبل عام ونصف•   هل لمهمتك على رأس المركز الثقافي علاقة بذلك أم أن الأمر يعود إلى جفاف القريحة أو تعطل المخيال مؤقتا؟ باستثناء رواية كتبتها قبل صدور رواية فضل الليل على النهار ، والتي ستصدر الشهر القادم في شكل قطيعة عنيفة مع ما كتبته من قبل•• لم أكتب جديدا منذ التحاقي بالمركز الثقافي بسبب الوقت الذي أكرسه للإدارة والتسيير•   هل هي ضريبة الخيار الذي التزمت به أم أن القضية أدبية ونفسية محضة؟ لا••••لا••• إنها الضريبة والجزائر هي أيضا العطاء بصيغة أخرى وليس الأخذ فقط، وقبولي مهمة إدارة المركز تفسر إيماني بخدمة الثقافة ومساعدة الجزائريين على الخروج من كابوس الماضي، لأن الثقافة هي المعبر الحتمي لتجاوز المحنة التي عرفتها الجزائر•  لكنها تخسرك كروائي وهي خسارة ثقافية أيضا، وبصراحة ألا تعتقد أن مهمتك على رأس المركز الذي يحتاج إلى الكثير من التفرغ يتناقض مع تطلعك الأدبي، وعليه فإن قبولك المهمة تمثل خطا فادحا• اعتقدت ذلك من البداية، وسأطلب ثلاثة أشهر عطلة بعد إنضاج وطبخ أفكار روايتي القادمة، وسأستقيل إذا رفض طلبي• وكما أسلفت الذكر فقد قبلت المهمة لأضع اسمي في خدمة الجزائر، وهذا ما تحقق فعلا، واليوم أنا سعيد بأنني استطعت في فترة وجيزة أن أعطي دفعا للمركز•   كيف ذلك؟ من خلال الاتصالات التي أصبحت تأتيني من جزائريين مقيمين في الخارج، ونوعية البرمجة المتوازنة والقائمة على تكريم المبدعين الكبار الذين مثلوا الثقافة الجزائرية والجيل الجديد الصاعد •   وماذا عن المصاعب التي حدثتني عنها العام الماضي والتي لا تسمح بتنفيذ المهمة على أكمل وجه؟ المصاعب ليست مشكلة من شأنها أن تثبط عزيمتي، وأنا بطبعي أنجح حينما أواجه التحديات •    وماذا لو أخذ منك المركز كل الوقت وحال دون كتابتك مدة ثلاثة أعوام؟  يستحيل أن لا أكتب طيلة هذه المدة، واليوم أنا منشغل أكثر بمهمتي الثقافية، ولا يمكن أن أترك قرائي ينتظرون طويلا وسأغادر المركز بعد تحقيق الأهداف التي قبلت من أجلها المهمة التي شرفني بها رئيس الجمهورية• وفي الوقت الراهن لا أستطيع أن اكتب على حساب المركز والشيء نفسه قمت به في الجيش، ولم أكن أكتب في الجبهة القتالية على حساب المهمة العسكرية، وكنت أفعل ذلك أثناء العطلة أو الليل•     أنت تتحدث فقط عن المصلحة التي وجدها المركز في اسمك ولا تتحدث عن مصلحة ما حققتها بفضله، وأتذكر أنك قلت لي إثر تعيينك أنك لا تعرف الساحة الفنية والفكرية والأدبية الجزائرية بالقدر الكافي• هذا صحيح وعزائي الوحيد يكمن في فرصة تعرفي على طاقات جزائرية كبيرة دفعتني إلى الإيمان بالفن الجزائري، وعلى مبدعين موهوبين ورجال يفتقدون إلى وطن إبداعي، وبفضلي وجدوا ضالتهم، والكثير منهم قالوا أنهم لم يكونوا يحظون بالإحترام المطلوب•       وكيف تفسر دفاعك عن المدراء الذين سبقوك إلى المركز أثناء لقائنا الأول، وأنا شخصيا شهدت على الفترة التي عرفت مسؤولين عينوا على رأس المركز بحكم علاقتهم مع هذا السفير أو ذاك، ولم يكونوا ينتمون إلى الحقل الثقافي أو الإداري بمفهومه الضيق•  أنا لست من المترددين على السفارة وذهبت مرتين منذ التحاقي قبل عامين لأسباب مهنية، وأتذكر أنني قلت إن الذين سبقوني قاموا بما قدروا عليه في ظل معطيات معروفة، والهاشمي بونجار واحد من الذين عملوا جيدا على الرغم من الإمكانات المحدودة•    ما هي الأمثلة الحية التي يمكن أن تقدمها كأدلة على تحريكك المركز• وبمعنى آخر ما هو دليل بصمتك التي رفضت الحديث عنها قبل اليوم؟ بكل تواضع أصبح المركز معروفا أكثر بعد أن فرضت على القنوات التلفزيونية تصوير المركز من الخارج والتعريف بنشاطاته واستضافة أدباء وفنانين كانوا غير معروفين في فرنسا، ومفكرين عالجوا قضايا جزائرية هامة وسمحت لطاقات أخرى بالظهور لأول مرة، وحرصت على تكريم رموز الأدب الجزائري أكثر من مرة، ودعوت الأدباء الذين يختلفون معي من أمثال بوعلام صنصال الذي رفض المجيء•    حدثتني أيضا عن مشروع ذهابك إلى الجزائر لمقابلة السلطات المعنية طلبا لميزانية كافية•  نعم ذهبت وحصلت على المبلغ الذي يسمح بالعمل، لكن ليس بالقدرالذي يضمن حركية شاملة قادرة على الترويج للثقافة الجزائرية على النطاق الذي أتمناه، علما أن انتقال تمويل المركز من وزارة الثقافة إلى وزارة الخارجية لم تتم رسميا بعد، وحسب معلوماتي فإن الرئيس يريد إعطاء وجه جديد للمركز•  ماذا فعلتم لحل إشكال قلة الجمهور الذي اشتكيتم من غيابه في تظاهرات هامة جدا، مثل تكريم محمد ديب وكاتب ياسين، وتتذكرون أنني لفتت انتباهك إلى ضرورة دراسة الأسباب التي تحول دون إقباله، ومنها التوقيت والإشهار•  ملاحظتك كانت منطقية، ونحن نعمل الآن على تصحيح الخلل من خلال تكييف البرمجة مع الأيام والمواقيت التي تساعد أكبر عدد ممكن من الناس، وقررنا في هذا الإطار أن نفتح يومي السبت والأحد انطلاقا من السنة القادمة• هل تألمت من جديد لأن اسمك لم يدرج في قوائم المرشحين لإحدى الشهر الجزائز الأدبية الفرنسية مثل غونكور ومديسيس ورونودو، علما أن الناقد والروائي فرانس أوليفيه جيزبارغ قد رد عليك العام الماضي مؤكدا أن التقويم يخضع للمعيار الإبداعي وليس لشخصية المبدع• ليس أنا الذي أثرت الموضوع، وكنت مضطرا أن أرد على الصحفي الذي لم يفهم كيف لم يدرج اسمي في القوائم التي تتحدث عنها• قلت في ردي إن المعايير لا تخضع بالضرورة لمعيار الابداع، وأنت تعرف بحكم إقامتك في فرنسا أن الكثير من الذين فازوا بجائزة الغونكور ليسوا حاضرين في السوق الروائية مثلي، والمعيار الايديولوجي هو الذي مكن عتيق رحيمي من جائزة الغونكور وروايته صبر سانقي أقرب الى السيناريو السينمائي من مفهوم الرواية، وأنت شخصيا شاهدت المعجبين بروايتي الأخيرة واقفين في طابور طويل ينتظرون حصولهم عليها موقعة بيدي في الوقت الذي كانت وسائل تهلل لرواية رحيمي في صالون باريس للكتاب ببوابة فرساي•   حينما تقول إن الجوائز لا تخضع بالضرورة لمعيار الإبداع•• هل تفهم خلفية وصفك بالعسكري الروائي الذي يخدم نظام الجنرالات من خلال المركز الثقافي الجزائري، كما يقول، ويكتب الكثير من الصحفيين الفرنسيين، وهذا ما يكمل ربما قول شفيق مصباح بأن فقدت حريتك بقبولك مسؤولية إدارة المركز الثقافي• يكتبون ما يشاؤون، وكما أسلفت الذكر فإن قيمة المبدع لا تخضع بالضرورة لمعيار الجزائر، وأنا أفتخر بقرائي المنتشرين في شتى أنحاء العالم وبجائزة مجلة لير الأدبية التي اعتبرت روايتي الاخيرة أحسن رواية صدرت العام الماضي بالتنسيق مع إذاعة أر تي أل أشهر الإذاعات الفرنسية والقراء يعرفون، مثلك ومثلي، أن الجوائز لا تعوض الإبداع النوعي•  إذا أخذنا حالتك يمكن القول إنك تدفع ثمن جزائريتك قبل كل شيء لأن الجوائز المعروفة في باريس فرنسية الهوية بالأساس، حتى إن تضمنت أسماء بعض العرب أو الأجانب• الكاتب الكبير سيلين المتهم بمعاداة السامية يكرم في فرنسا رغم موقفه المرفوض في أوساط إيديولوجية نافذة على كل الصعد، أما ياسمينة خضرة فهو مبدع موهوب لكنه جزائري غير منشق أومعارض تعرض للرقابة والسجن والتعذيب، كما تريد باريس، وهذا المعيار هو الذي حال دون حصول كاتب ياسين ومحمد ديب على جائزة نوبل، ومولود معمري على جائزة الغونكور، أوعلى جوائز فرنسية أخرى• ياسمينة خضرة لا يخضع لنظام باريس الثقافي الشمولي•• وقلت لأساطينه أكثر من مرة إنني كاتب جزائري حر ومستقل كالجزائر• وليعلم قراء الفجر أن الجزائز الأدبية الفرنسية لا تستحق عن جدارة وتفاوض بعيدا عن المعيار الإبداعي• نقطة إلى السطر•      باريس / بوعلام رمضاني  


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)