الجزائر

ياسمينة خضرا يسرد سيرة بطل وقصة وطن في "الملائكة تموت من جراحنا" نيو بوك



ياسمينة خضرا يسرد سيرة بطل وقصة وطن في
يسعى الروائي الجزائري المغترب بفرنسا، ياسمينة خضرا، في نصه الروائي الأخير الذي وسمه ب”الملائكة تموت من جراحنا”، والتي صدرت عن دار نشر جوليار الباريسية بفرنسا، أن يسرد الكاتب فيها قصة صعود وسقوط ملاكم جزائري في فترة ما بين الحربين العالميتين، ومن خلال ذلك يخط ملمحا دقيقا ومؤثرا لوطنه أثناء تلك المرحلة. يحمل بطل الرواية اسم القرية التي وُلد فيها تورامبو، والتي انمحت عن الخريطة على إثر انهيار تربتها. وبسبب هذه الحادثة ينتقل للعيش مع عائلته في حي فقير حيث البقاء على قيد الحياة يتطلب كدّا يوميا، لكن تورامبو طفل مشاغب وغير قادر على البقاء في عمل ما أكثر من بضعة أيام، وخلال سنوات عمره الأولى في هذا الحي سيتعلم العنف وقسوة الحياة. أما الأمل فلن يعرفه إلا حين يرافق أحد أصدقائه إلى مدينة سيدي بلعباس، ويتبين له أن ثمة حياة أخرى ملونة غير تلك السوداء التي اختبرها، ثم حين يلاقي حيّه مصير قريته ينتقل مع عائلته للعيش في مدينة وهران، وفي هذه المدينة يمضي تورامبو وقته تائها في شوارعها ومتأملا بمتعة كبيرة اختلاط الثقافات العربية والغجرية والغربية فيها. كما يتعرّف إلى الفتى الإيطالي جينو فيرتبط به بصداقة عميقة، إلى أن يلفت في أحد الأيام انتباه مدرّب ملاكمة عندما يطرح أحد أبطال هذه الرياضة بضربة واحدة لتعرّضه لصديقه. من هنا تبدأ رحلة حياة جديدة له يعرف فيها البحبوحة وحمّى الحلبات. وبفضل تمويل أحد الأثرياء الفرنسيين لتدريبه ورعايته له، يعرف شهرة كبيرة ويتردد اسمه على جميع الشفاه، لكن المجد والثراء لن يُفقدا بطلنا براءته التي تحول دون استسلامه لعالم قائم على الجشع والكسب السريع للمال. فالوداعة الكامنة في أعماقه تجعله يكره العنف ويحلم بالحب القادر وحده - في نظره - على سد عطشه للمطلق. لكن تورامبو لا يعرف النجاح في حياته العاطفية كما عرفه في الملاكمة، ففي البداية، يغذي شغفا سريا بابنة خالته نورة قبل أن يتحطم قلبه حين يعود يوما إلى المنزل، ليجد أن عائلته وافقت على تزويجها من رجل إقطاعي ثري. بعد ذلك، يولع ببنت الهوى عيدة التي يكتشف معها ملذات الجسد لكنها تصد محاولته تحريرها من وضعها عبر الزواج منها، ثم يأتي دور لويز ابنة الثري الذي كان يموّل تدريبه وسيمنعه من الاقتراب منها. ويجب انتظار لقائه بإيرين، المرأة المتحررة والقوية، كي يعرف تورامبو الحب الحقيقي ويعثر على معنى لحياته ويتعلم القاعدتين اللتين لا يمكن لأي علاقة غرامية أن تنمو من دونهما: الثقة المطلقة والاحترام المتبادل. وتفتننا هذه الرواية بقصتها التي تبدو عند الوهلة الأولى قصة مستهلكة لشخص وُلد وترعرع في محيط فقير قبل أن يصطدم بعالم الأغنياء والمستعمرين العدائي، ويتمكن من التفوق على قدره البائس بفضل الرياضة. لكن محمد مولسهول، وهو الاسم الحقيقي للكاتب، ينجح في تجديد هذا النوع وجعل روايته شديدة الجاذبية ومؤثّرة بفضل تسريع إيقاع أحداثها ومدها بحبكة متينة وتوظيف مهارات سردية وكتابية كثيرة فيها، وأيضا بفضل براعته في رسم شخصياتها الغنية بالألوان وغرفه مادتها من ذكريات عائلته، وبالتالي كتابته إياها من أقرب مسافة ممكنة من عواطفه وقصته الشخصية. لكن قيمة هذه الرواية لا تكمن في هذه النقاط فحسب، بل أيضا في الوصف الجميل والمحكم داخلها للمشاهد الطبيعية وللحياة في الأحياء الفقيرة والمدن، وخصوصا في مدينة وهران، وفي المواضيع الكثيرة التي يقاربها خضرة ويصيغ في سياقها حكما رائعة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)