بقلم: الطيب بن إبراهيم
من منا لم يسمع ولم يتذكر الأنشودة العربية الشهيرة والمؤثرة: وين الملايين التي قدمها الثلاثي: جوليا بطرس اللبنانية وسوسن الحمامي التونسية وأمل عرفة السورية والتي كتب كلماتها الشاعر العربي الليبي علي الكيلاني فكانت أنشودة عربية أكثر منها وطنية لما ترمز له الأطراف المشاركة في إعدادها كتابة ولحنا وتقديما من طرف عدة دول عربية تعكس مشاعر الشعوب العربية ومتابعتها وتعاطفها لما يحدث لأشقائها في فلسطين وقدمت الأنشودة إلى الجمهور العربي عقب الانتفاضة الفلسطينية الأولى سنة 1987.
كانت الكلمات ومقاطع الأبيات معبرة ومؤثرة على المشاعر والعواطف العربية: وين الملايين الشعب العربي وين الغضب العربي وين الدم العربي وين ولحنت على مقام حجاز كرد وهو مقام حماسيّ مناسب للحدث وللمعاناة الفلسطينية وتتواصل الكلمات المتفجرة والمعبرة عن مشاعر الشعوب العربية اتجاه الأشقاء في فلسطين وما يعانون على مدار عدة عقود من طرف بني صهيون قائلة:
الله معانا أقوى وأكبر من بني صهيون يقتل يشنق يدفن يقبر أرضي ما بتهون
دمّي الأحمر راوي الأخضر في طعم الليمون نار الثورة تقوى وتسعر نحنا المنتصرين
نحنا الحق ونحنا الثورة وهم أصحاب الفيل جيل الحق وجيل الثورة طيور الأبابيل
اللي في وسط الضلوع أقوى من الدروع في صدري مخزن رشاشة ونقول خوتي وين
أكتب يا زمان الثورة إيمان الثورة عنوان
* الصرخة والاستجابة
بهذه الأنشودة المؤثرة كانت الصرخة الفلسطينية الاستنجادية قد بلغت أذان الكبار والصغار في المغربين العربيين وبلغت أذان الحكام والمسئولين فأعجب وأشاد بها زعماء عرب منهم: معمر القذافي وصدام حسين وياسر عرفات رحمهم الله.
كانت صرخة تلك الأنشودة قبل ما يقرب من أربعين سنة وكان الوضع العربي آنذاك أحسن بكثير مما هو عليه الآن تقارب وتضامن عربي نسبيا ولم تكن هناك دول عربية مطبعة ولا سلطة فلسطينية منسقة ولا حرب أهلية في اليمن وسوريا وليبيا والسودان وكان يومها رؤساء أمثال الشاذلي بن جديد في الجزائر ومعمر القذافي في ليبيا وياسر عرفات زعيم فلسطين وصدام حسين بالعراق وعلي صالح باليمن وحافظ الأسد بسوريا والشيخ جابر الأحمد الصباح بالكويت والملك فهد بالمملكة العربية السعودية والشيخ زايد بن سلطان بالإمارات العربية المتحدة وغيرهم رحمهم الله جميعا.
صحيح أن هؤلاء الزعماء هم بشر وليسوا ملائكة ولهم ما يقال عليهم ولكن أليس البشر بعضهم أحسن من بعض؟؟ أو لم يكونوا أحسن حالا ممن جاء بعدهم؟ أو لم يكن الآباء أحسن من الأبناء الذين خلفوهم في الحكم؟؟ أوليس الأمس كان أحسن من اليوم؟ ورغم أن الوضع كان أحسن بكثير مما هو عليه الحال اليوم كانت الصرخة وين الملايين؟ الشعب العربي وين؟ الغضب العربي وين؟ الدم العربي وين؟ أما اليوم والحال كما نراه في غزة مذابح غير مسبوقة في تاريخ فلسطين وتطبيع غير مسبوق في تاريخ العرب مع إسرائيل وتنسيق أمني غير مسبوق ضد المقاومين والحصار متواصل ضد الغزاويين والذبح والدمار والتهجير والتشريد ضد العزل المحاصرين فما ذا نقول بعد وين الملايين ليكون القول صادقا ومطابقا لما هو عليه حال الفلسطينيين؟
*زمن العار
لقد ولى عهد الشعوب التي كانت تتحرك وراء زعمائها إنما ذهبت أخلاقهم ذهبوا كما قال شوقي أليس الناس على دين ملوكهم؟ الشعوب العربية اليوم مغلوبة على أمرها مقهورة داخل حدوها رغم قرب الجارة غزة الشقيقة التي تقع على حدودها وتذبح أمام عينيها وهذا عكس إسرائيل التي يتسابق صهاينة العالم لدعمها من أقاصي الأرض وأقربها من أمريكا وكندا إلى فرنسا وألمانيا وجنوب إفريقيا وما خفي أعظم كلهم ضد غزة رغم ضعفها وقلة حيلتها وصغر حجمها وقلة سكانها وجوعها وعطشها وبردها وعزلتها لا فرق بين رُضّعِها منهم من قُتِل بعد ساعات من مولده ومن قُتل بعد أيام ومن قتل بعد أسابيع وأطولهم عمرا من تجاوز الأشهر صدق أو لا تصدق هذا ما يحدث في القرن الواحد والعشرين ليس في الخفاء كما كان يحدث في الماضي بل أمام مرأى ومسمع العالم وعلى الهواء مباشرة.
لقد تجاوزنا مقولة وين الملايين وحقّ لنا أن نقول: وين بومدين وين الذي قال نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة والذي وقّع شيكا على بياض لمصر لاقتناء السلاح من عند السوفيات نقول وين الملك فيصل وين الذي أوقف تزويد أمريكا بالبترول العربي أثناء حرب 1973 والذي قال لوزير خارجية أمريكا هنري كسنجر عندما هدده بالحصار نحن نستطيع أن نعتمد على نخيلنا وتمورنا ونستغني عن بضاعتكم وأنتم لا تستطيعون الاستغناء عن بترولنا وهذا حسب مذكرات كسنجر نقول وين صدام وين الذي أمطر عاصمة الصهاينة تل أبيب وحيفا بأكثر من أربعين صاروخا سنة 1991.
ولكن قتلة الأنبياء هم أساتذة العالم في الغدر والمكر أو لم يقتل الملك فيصل رحمه الله؟ أو لم يقال أن بومدين قد قتل رحمه الله؟ أو لم يقتل صدام شر قتلة رحمه الله؟ فهل المُطبِّعون استوعبوا الدرس؟ أم أن الطبع غلب التطبع؟ لو كان القتل والغدر والمذابح هي الحل لكان استشهاد عز الدين القسام واحمد ياسين والرنتيسي وعياش وغيرهم حال دون حدوث طوفان الأقصى ولكن إن كنت ريحا فقد لاقيت إعصارا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/01/2024
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أخبار اليوم
المصدر : www.akhbarelyoum-dz.com