فلتتوضأ ألسنتنا من الغثاء والكلام فاقد القيمة والرونق.. ولنتوقف عن الاسفاف المبتذل من رخيص المشاعر والرغبات والأماني ضاربة العمق في الخيال.. ولنشيح بأوجهنا عن مشاهد الندب والبكاء، فالموقف للحقيقة أقرب والمسألة جد، بل رأس كل جد في حياتنا.. إنه القدس.لقد انتابني ذعر شديد وأنا أتابع ردّات فعل المسلمين المتراخية على تصريحات لقادة الكيان العنصري، حول تقسيم زمني للصلاة في المسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين.. ولقد عصر فؤادي الألم وأنا أتابع ردات فعل المسلمين الذليلة على التهويد المستمر لمعالم القدس الشريف من مقابر ومساجد وبيوت.. وأذهلتني ردات فعل المسلمين التافهة على القرار الإسرائيلي بجعل كل فلسطينيي القدس في قائمة المقيمين وليس المواطنين.
وإنه لأشد من ذلك مرارة، أنك ستجد قراء مثل هذا المقال على صفحات الأنترنت أقل من أولئك الذين يقرأون عن راقصة أو مغن أو لاعب كرة قدم.. بل أقل من أولئك الذين يتابعون أخبار الفتن في سوريا ومصر والعراق، مع أن موضوع فلسطين والقدس هو حجر الرحى لكل الملفات العربية والإسلامية.
فماذا أن يكون للقدس يوم في السنة؟ استكثر كثيرون أن يكون للقدس يوم، وأكل قلوبهم الغيظ أن الذي دعا إلى ذلك ليس من بلدهم أو قومهم أو مذهبهم.. والذين لم يستكثروا بل رحّبوا لم يكن للقدس في برنامجهم اليومي أي أثر.. فما معنى أن يكون للقدس يوم؟
أن يكون للقدس يوم يعني أن يتم التحريض المستمر للأمة خلال عام كامل انتظارا لهذا اليوم ضد الكيان الصهيوني، وضد المشروع الاستعماري وضد المستكبرين لأن القدس عنوان كل الملفات المحلية والاقليمية والدولية، إنه عنوان إنساني متفرّد لمعركة الإنسان ضد المجرمين الاستعماريين، وهكذا يصبح النهوض يوم القدس إنما هو نصرة لدين الله وللمستضعفين في كل الأرض.. هكذا أراد من أطلق الدعوة بإحياء يوم القدس المرحوم أية الله الخميني، الذي دعا إلى اجتثات الغدة الصهيونية السرطانية.
وأدرك الإيرانيون السائرون على خط الإمام أن ذلك يستدعي مشروعا كبيرا واستراتيجية تؤول بالجهود كلها في محصلة القدس، فانخرطوا في بنيان مؤسستهم الصناعية وتقوية جيشهم ودعم كل صوت وفعل يريد أن يتصدى للمشروع الصهيوني.. وكم خوّف الناصحون بالشر إيران من استمرارها في ما هي سائرة عليه، وأن سلوك طريق القدس سيجلب عليها الويلات، وأن الخير لها في ترك هذا الملف لاسيما والأنظمة العربية تعادي إيران والحركات السلفية العربية تكفّر إيران، وحتى أن صنفا كبيرا من السياسيين الفلسطينيين لا يرحبوا بإيران.. إلا أن الموضوع عند الإيرانيين ليس خاضعا لحسابات سياسية أو مصلحية، إنه مرتبط بمصير الأمة كلها وبالعلاقة مع الله رب العالمين.
إن القدس هو الفاحص الدقيق لجبهة الأعداء وجبهة الأصدقاء، فمن كانت بوصلته نحو القدس فهو أخ لنا ونحن وإيّاه في طريق واحد، ومن ضلّت بوصلته فوجهها مرة إلى واشنطن أو حروب داخلية، فهو ليس منّا وليس معنا.
يوم القدس العالمي ليس يوما مفردا بل مشروع تحرر واستقلال وسيادة، ومن هنا يصبح من العبث تحويله إلى يوم موسمي.. إنها القدس بمعاني السياسة والروح والاستراتيجية، فهل حان الوقت لميلاد قوى التحدي في الأمة؟
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 04/08/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشروق اليومي
المصدر : www.horizons-dz.com