ثمة وشائج كثيرة تجمع بين كل من آسيا جبار وفاطمة المرنيسي اللتين تنتسبان إلى نفس الجيل تقريبا(الأولى ولدت عام1936، والثانية عام 1940) ،والإثنتان فارقتا الحياة في نفس السنة، سنة2015. والإثنتان نشأتا وترعرعتا في مدينتين عريقتين،أعني بذلك بذلك تلمسان الجزائرية بالنسبة لآسيا جبار، وفاس المغربية بالنسبة لفاطمة المرنيسي.وقد اشتهرت تلمسان بحب أهلها الذين جلهم من أصول أندلسية، للعلم والمعرفة ، وإتقانهم للفنون، وولعهم بالموسيقى. أما فاس فكانت من بين العواصم التاريخية والثقافية في المغرب العربي، ومن جامعها، جامع القرويين المعمور، تخرج كبار الفقهاء والعلماء. وكان إبن خلدون الذي كتب "مقدمته"الشهيرة في قلعة"إبن سلامة" القريبة من تلمسان،واحدا من أعظم هؤلاء.
ومنذ فترة الشباب، تحمست كل من آسيا جبار، وفاطمة المرنيسي إلى النضال من أجل كسر القيود، وتحرير المرأة العربية المسلمة من كل ما يعيقها عن المساهمة الفعلية في بناء مجتمع جديد، متطلع للتقدم والرقي. وفي إحدى رواياتها التي تعكس أجواء من سيرتها الذاتية، تروي آسيا جبار أن والدها الذي كان معلما هو الذي أمسك بيدها ذات صباح ليقودها إلى المدرسة .ومنذ ذلك اليوم، شعرت أنه عليها أن تبذل كل في ما في وسعها من جهود لكي تعيش خارج الجدران التي حبست داخلها والدتها، وجداتها، وأغلب نساء تلمسان. وقد وَفّر لها نجاحها الباهر في الدراسة التحول إلى فرنسا لتكون الطالبة الجزائرية الأولى في دار المعلمين العليا المرموقة التي تخرج منها رموز النخبة الفرنسية في القرن العشرين،أمثال جان بول سارتر، ورايمون آرون،وسيمون دو بوفوار، وميشال فوكو،وآخرون. ولما إندلعت الحرب التحريرية في الجزائر، استغلت آسيا جبار تظاهرة طلابية لتكتب في غرفتها الضيقة في الحي الجامعي روايتها الأولى التي حملت عنوان"عطش" . وقد أحرزت تلك الرواية القصيرة المكثفة التي تشبه رواية فرانسواز ساغان "صباح الخير أيها الحزن" على نجاح كبير، وبها نوه النقاد والقراء. ولم تتحدث آسيبا جبار في روايتها المذكورة عن الحرب الدائرة في بلادها، بل أنها لم تكلف نفسها حتى التلميح إليها، بل عبرت عن عطش المرأة للحرية إذ لا يمكن أن تكون بلادها حرة في حين تظل المرأة فيها مشلولة الحركة، ومحبوسة داخل الجدران .
ومنذ البداية ، تميزت حياة فاطمة المرنيسي بالتعطش للحرية. فقد نشأت في بيئة تقليدية محافظة، مع ذلك، أرسلها والدها إلى الكتاتيب لتحفظ القرآن. ولما عاين نباهتها، وذكاءها، أمسك بيدها هو أيضا وقادها إلى المدرسة لتغرم باللغة الفرنسية التي ستكتب بها في ما بعد جل أعمالها وبحوثها. وفي حوارات كثيرة أجريت معها، أشارت فاطمة المرنيسي أن الحدث الأبرز الذي سيكون له تأثير على مسيرتها، كان نزع الملك محمد الخامس الحجاب عن وجه إبنته الكبرى أمام الجماهير الغفيرة التي هبت لاستقباله في مدينة طنجة عام 1958. وكانت هي آنذاك في الثامنة عشرة من عمرها. . وقد زاد ذلك الحدث حماسها إلتهابا للأفكار التحررية التي كانت قد بدأت تتعلق بها.ومنذ ذلك الحين، أصبحت قضية الحرية قضية مركزية في أبحاثها ونشاطاتها ونضالاتها سواء داخل الجامعة أو خارجها. ومثل آسيا جبار، أولت فاطمة المرنيسي أهمية بالغة لقضية المرأة العربية المسلمة. لذا راحت تبحث وتنقب في كتب التراث القديمة، وفي أعمال وفتاوي الفقهاء عن كل ما يضيء أبحاثها في هذا الشأن . كما أنها لم تكن تتردد في القيام بأبحاث ميدانية تسمح لها بالتعرف عن أوضاع النساء في الأحياء الشعبية في المدن الكبيرة، وفي القرى والأرياف النائية.
وخلال العقود الأخيرة التي تميزت بتصاعد الفكر الأصولي، وظهور التطرف والإرهاب ، إنشغلت كل من آسيا جبار وفاطمة المرنيسي بالمخاطر الجسيمة المنحجرة عن كل هذا، وانعكاساتها على المجتمعات المغاربية ،وعلى المرأة تحديدا. وهذا ما نلاحظه في رواية "أبيض الجزائر" التي رثت فيها أسيا جبار كلّ ضحايا العنف والإرهاب في الجزائر سواء خلال عقد التسعينات من القرن الماضي،أو قبل ذلك. كما يتجلى في جميع البحوث والدراسات التي أنجزتها فاطمة المرنيسي قبل أن يغيبها الموت.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 09/04/2018
مضاف من طرف : litteraturealgerie
صاحب المقال : حسونة المصباحي
المصدر : elaph.com