لم ينتصر الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر(1905- 1980) لدروب الحرية من خلال كتابه" الوجودية نزعة إنسانية " فقط ، بل ناضل من أجل كرامة الإنسان ، وقد وضح ذلك الأستاذ عبد المجيد عمراني في كتابه " النخبة الفرنسية المثقفة و الثورة الجزائرية" الذي طبع في الجزائر ، و أعيد طباعته في القاهرة بعنوان " سارتر و الثورة الجزائرية"، ناهيك عن الدراسات و المقالات العديدة ، التي أكدت على الحضور المتميز لهذا الفيلسوف الذي ارتبط أدبه و فكره بالالتزام السياسي. و على سبيل المثال في مسرحية " الذباب"(1943) كان يحرض على المقاومة بعد احتلال ألمانيا لباريس، وفي مسرحية " سجناء ألتونا "(1959) ندد بالتعذيب الذي تعرض له الشعب الجزائري، ولم يكتف بتقديم أعمال المناهضين للاستعمار مثل كتاب "سانغور"( أولا أورفي الأسود)، أو كتاب "ألبيرمّمي" ( تقديم صورة المستعمر)، أو كتاب " هنري علاق"( السؤال) أو كتاب" فرانز فانون" (معذبو الأرض) ، بل نظم ندوة صحفية حول انتهاك حقوق الانسان في الجزائر، وفي استجوابه لمجلة" بلاي بوي" الأمريكية ، قال :" في استطاعتك أن تقوم بفعل ضد ما فعل الناس بك و تغير نفسك. فالطفل الجزائري، بالرغم من أنه محتم عليه بقضاء وقدر بالتعذيب أو الموت، و اليوم يعيش ثورته و هو الذي صنع هذه الثورة ".لقد اختار سارتر الموقف قبل النص عندما دعم شبكة "جونسون " المؤيدة للثورة الجزائرية وأيد بيان (121) الذي حث الشباب الفرنسي المجند لعدم الانصياع للسلطة العسكرية، وبالتالي دافع عن حق الشعب الجزائري في تقرير مصيره، وفي ديسمبر1961 حضر جمعية عامة حول استقلال الجزائر نظمها الطيب بولحروف ممثل جبهة التحرير الوطني في روما ، و شارك في عدة مظاهرات ضد الأعمال الإجرامية التي تقوم بها السلطة الاستعمارية إلى درجة أن " حرب الجزائر صارت حربه" كما ذكرت الباحثة " آم كوهين سولال "، فتعرض في الستينيات لعدة محاولات اغتيال من قبل المنظمة العسكرية السرية (OAS) ، وأعلن صراحة في كتابه " عارنا في الجزائر" بأن" الإنسان لا يكون إلا شقيا في ظل الحراب الفرنسية المشرعة. حقا إن غالبية الجزائريين يعيشون عيشة ضنكا، و في فقر مدقع، ولكن من الحق أن نعترف كذلك أن نؤمن بأن الإصلاحات الأساسية لا يمكن أن تتم على أيدي الاستعماريين الصالحين، و لا على يد فرنسا نفسها مادامت وجهنها هي السيادة على الجزائر، وأنه لن ينهض بها إلا الشعب الجزائري حين يظفر بحريته، ويكون مستقلا استقلالا لا تشوبه شائبة".إن فولتير فرنسا أي سارتر التزم في مجلته " الأزمنة الحديثة" منذ سنة 1955 بالقول بأن الجزائر ليست فرنسا كما شرحت الباحثة آنا ماتيو مديرة مجلة(عدن)، و عمل على تفكيك النسق الاستعماري لأن " الشيء الوحيد حسب قوله الذي يجب أن نقدمه للجزائريين اليوم هو أن نؤازرهم في جهادهم لتحريرهم و تحرير الفرنسيين من وصمة الاستعمار البغيض" فحرص على نشر شهادات المجندين من الفرنسيين في حرب الجزائر الذين تحدثوا عن جرائم هتك أعراض النساء و الانتقام من المدنيين و أبشع أدوات التعذيب التي تؤكد على السقوط الأخلاقي للنظام الكولونيالي، لأن الجزائريين منذ 1958 " أصبحوا يسامون سوء العذاب بشكل منظم و مستمر، و الكل على علم بما يحدث من لاكوست إلى مزارعي لافيرون "،وفي ضوء ذلك قام سارتر باستجواب الضمير الإنساني عن هذه الانحرافات التي تكرر جرائم النازية و الفكر العنصري ودعا إلى توقيفها حتى " تنتشل فرنسا من وصمة العار" و ينقذ الجزائريين من العذاب الوحشي الذي جعلهم في مرتبة أدنى من البشر.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/12/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد الحكيم صايم جامعة
المصدر : www.eldjoumhouria.dz