جدد الروائي واسيني الأعرج في حوار له مع جريدة الأهالي المصرية نظرته حول خصوصية الكتابة الروائية التي تشتغل على التاريخ
المسافر الأبدي
السفر هو نوع من الغواية، أخذني في طريقه حتي أصبحت أشبه ب «المسافر الأبدي» الذي لا يري في الإقامة إلا الشتات، فقد ولدت في مدينة «تلمسان» بالجزائر، وظللت فيها حتي أصبح عمري عشر سنوات، ثم انتقلت إلي مدينة «وهران» وهي مدينة ساحلية، وحين أتممت الدراسة الثانوية ذهبت إلي «دمشق» لغرض إكمال دراستي، وظللت بها لمدة عشر سنوات، بعدها كانت رحلتي إلي باريس لتفتح آفاقا جديدة من الحياة والرؤية والثقافة المغايرة، فتعمقت صلتي بالتراث الإنساني وانفتحت مداركي لتجتاز حدود المكان والتاريخ.
اللغة والهوية
أعتقد أن اللغة هي الحصن الأول للهوية، وأن الهوية العربية غناها في لغتها، وأنا عرفت لغة الآخر عن قرب فبفضل اللغة الفرنسية انفتحت علي آداب كثيرة في العالم، وعرفت كثيرا من النظريات النقدية الجديدة بحكم عملي في «جامعة السوربون».
لكنني منذ البداية وضعت نفسي أمام سؤال جوهري وهو ماذا سأضيف لو أنني كتبت بالفرنسية، علي ما قدمه جيل الأدباء العرب الذين كتبوا باللغة الفرانكفونية أمثال كاتب ياسين ورشيد بوجدرة والطاهر بن جلون ومحمد ديب وغيرهم.
هؤلاء كتبوا باللغة التي يجيدونها أكثر، فكان اختيارهم للغة الفرنسية، أما أنا فعاشق للغة العربية ورغم ذلك كتبت بعض الأعمال القصصية القليلة باللغة الفرنسية مثل رواية «حارسة الظلال» والتي تم اختيارها وقت صدورها عام 1996 ضمن أجمل خمسة نصوص صدرت في فرنسا في هذا العام.
أما الأبحاث العلمية التي أقدمها في الجامعة أو أشارك بها في المؤتمرات فمعظمها مكتوب باللغة الفرنسية، وتدريبي بالسربون يتم بهذه اللغة، ومعرفته بلغة الآخر بالتأكيد تكسبك مرونة معرفية وثقافية.
حديث البدايات
الفضل في ذلك يرجع إلي جدتي – يرحمها الله – فقد كانت علاقتها باللغة العربية وثيقة، فأجدادها أندلسيون، هذه الجدة التي قامت بتربيتي ورعايتي بعد وفاة أبي وأنا طفل صغير، وقد ذهبت بي أولا إلي «الكتّاب» كي أحفظ القرآن الكريم، وهناك بدأت تعلم أصول اللغة العربية وفي «الكُتَّاب» وجدت كتابا مركونا لونه أحمر وغلافه ممزق فأخذته إلي البيت بعد أن سرقته، وبدأت أقرأ فيه وكنت أظنه مصحفا وكانت جدتي والأسرة فرحين بي حين يرون أمسك هذا الكتاب ظانين أنني أحفظ القرآن، وبعد فترة من العمر اكتشفت أن هذا الكتاب الذي كنت أقرأ فيه لسنوات بعيدا عن شيخ الكتاب كان كتاب «ألف ليلة وليلة».
وقد ظل معي هذا الكتاب أعتز به وأنتقل به من بلد إلي بلد لفترة قريبة لأنه كان بداية معرفتي بالكتابة الإبداعية، والتي بدأتها بتقليد قصص «ألف ليلة وليلة» في فترة المرحلة الدراسية الثانوية، كذلك ما أفادني كثيرا في كتابة الرواية كان «حكايات جدتي».
المكان...الذاكرة
حاولت في بداية تجربتي الإبداعية أن أكتب قصصا واقعية عن المهمشين والبسطاء في قريتي التابعة لمدينة «تلمسان» وكيف أنهم ضحوا بأنفسهم من أجل الوطن، رغم أنهم لا ينالون أي تقدير من الحكومات المتتابعة.
لكن بعد مدة زمنية أحسست بعد قراءة التاريخ الجزائري الحديث أن في التاريخ ما يستحق القراءة وإعادة كتابته مرة أخري بشكل إبداعي.
وهنا لابد أن أفرق بين أمرين ضروريين وهما نوعية النظرة للتاريخ، فهناك من ينظر له بمثالية مطلقة مع العلم أنه لا مطلق في التاريخ، فهناك ثنائيات دائما متناقضة، أمور ثابتة وثورات تغير هذه الأمور الثابتة.
فقدان الوالد
وجدت أن الكلمة الأولي في التاريخ العربي كانت للعسكر توجهت لكتابة الرواية التاريخية، حتي أعيد كتابة التفاصيل الصغيرة التي تصنع الأحداث الكبري من خلال رؤية تأملية دائمة علي الإحساس بالوجود الإنساني.
فأنا علي المستوي الشخصي خسرت – كثيرا – ممن يزيفون التاريخ فقد خسرت قريتي التي بنيت فيها الذاكرة الأولي وشيدتها علي فقدان الوالد عام (1959) في الحرب التحريرية، ولم أحتفظ في ذاكرتي إلا بوجهه الطيب وهو يعود من منفاه الاختياري كعامل مهاجر في فرنسا، والدي الذي أدخلني إلي المدرسة الفرنسية والجامع استشهد حتي قبل أن أطرح عليه كل أسئلتي التي لاتزال إلي اليوم معلقة في الذاكرة.
التاريخ و السرد
أنا أحب «جورجي زيدان» لكني أري أن مشكلته التي حاول حلها بكتابة الرواية التاريخية، أنه رأي أن التاريخ مادة جافة فحاول جذب الناس إليه من خلال إعادة كتابته بشكل روائي وحكائي وقد قمت وأنا أعمل أستاذا بالجامعة بتوزيع 27 رواية لجورجي زيدان علي الطلبة وطرحت عليهم سؤالا بسيطا ما الذي أعجبك في الرواية؟
تجربتي مع التاريخ
أما أنا فقد حاولت في كتابتي الروائية مناقشة التاريخ وإقامة حوار دائم مع معطياته فكتبت «رواية الأمير» ورواية «سراب الشرق» و«سيدة المقام».
فأنا لا آخذ المسألة التاريخية في إطارها الثابت، فالأديب مؤرخ فاشل لو كتب التاريخ بشكل حرفي، لكن عليه أن يرصده ويتأمله جيدا قبل الكتابة، فالكاتب ليس مالكا للحقيقة المطلقة.
المنفي يضعك أمام الصورة الحقيقية للآخر فتعرف مميزاته وكذلك تناقضاته.
ثانيا: فإن العلاقة مع الآخر تغير من مفهوم الكتابة، حيث تخرج من دائرة المحلية إلي دائرة أكبر عالمية فتنظر للأدب بأفق أرحب.
المنفي ليس – دائما – بصورة سلبية، فالمنفي يكوّن صفات جديدة عند الإنسان وهي صفات معنوي بالطبع كالنظر بموضوعية في كل الأمور، ويقلل من النظرة المثالية للذات وللآخر أيضا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/01/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الجزائر الجديدة
المصدر : www.eldjazaireldjadida.dz