الجزائر

واجب المجتمع نحو ذوي الاحتياجات الخاصة



واجب المجتمع نحو ذوي الاحتياجات الخاصة
لمّا كان الأفراد في المجتمع الإسلامي كالأعضاء في الجسد الواحد، فمن الطبيعي أن ترتبط سعادة المجتمع واستقراره بسعادة الأفراد واستقرارهم. والمعاقون والعجزة ونحوهم من المرضى والمصابين، هم أعضاء في المجتمع لا يتعافى ما لم يعنهم على آلامهم ويقف إلى جانبهم في مواجهة مشاكلهم، ويكفل لهم السّبل المؤدّية إلى توفير حاجاتهم ومستلزماتهم وضروريات حياتهم.يعتبر الإسلام القيام بهذه الحاجات ليس مجرّد تبرّع وتطوّع من القادرين، وإنّما حقّ لهؤلاء المحتاجين، وواجب على القادرين من أفراد المجتمع؛ وعلى الدولة باعتبارها ممثّلة للمجتمع أن تُجبي هذا الحقّ من القادرين وتقدّمه لأصحابه؛ فإن لم تقُم الدولة بذلك وجب على هؤلاء القادرين إيصال هذه الحقوق إلى أصحابها، قال تعالى: {وَالِّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُوم} المعارج:24، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ”أيُّما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤٌ جائعًا برئت منهم ذمّة الله تعالى”.ويعدّ الإسلام مسؤولية رعاية المعاقين بتوفير مستلزماتهم وأسباب الحياة اللائقة لهم لا تقع على عاتق أسرهم وأولياء أمورهم وحدهم، وإنّما هي من فروض الكفاية الّتي يشمل إثم التّقصير فيها غيرهم من أفراد المجتمع.ولهذا شرع الإسلام وسائل متنوّعة ومتدرّجة تكفل لكلّ فرد في المجتمع حاجته وكفايته حتّى لو كان معاقًا أو عاجزًا، بحيث تنتقل هذه المسؤولية من الدّائرة الأولى في حال عدم كفايتها لتوفير هذه الحاجات إلى الدّائرة الثانية، فإن لم تكف الثانية انتقلت المسؤولية إلى الدّائرة الثالثة، وهكذا حتّى يشمل ذلك المجتمع كلّه، وتتمثّل هذه الوسائل: الواجب على الإنسان بذل جهده حسب استطاعته لتوفير حاجاته الضّرورية، ومن مسؤولية الدّولة العمل على توفير سبل العمل للقادرين، ويشمل ذلك المعاقين، حيث من مسؤوليات الدّولة تهيئة فرص العمل لهم بما يتماشى مع استطاعة المستطيع منهم... فإذا لم يستطع الفرد توفير هذه الحاجات لمرض أو عجز أو شيخوخة أو صغر وجب على أفراد أسرته الإنفاق عليه حسب قواعد مقرّرة ومفصلة في كتب الفقه، وإذا كان أقاربه عاجزين عن الإنفاق عليه أو ليس له أقارب، وجب إعطاؤه من الزّكاة ما يسدّ هذه الحاجات، وإذا لم تكف الزّكاة لتوفير حاجات العجزة والمعاقين والمحتاجين وجب إعطاؤهم من بيت المال من الموارد الأخرى، وإذا لم يكن في خزينة بيت المال ما يكفي وجب على أغنياء المسلمين أن يبذلوا من أموالهم ما يكفي لتوفير هذه الضّرورات وتلزمهم الدول بذلك، فقد قال صلّى الله عليه وسلّم: ”في المال حقّ سوى الزّكاة”، وفي حديث أبي سعيد الخُدري رضي الله عنه أنّه عليه السّلام قال لهم في سفر: ”مَن كان معه فضل ظهر فليعد به على مَن لا ظهر له، ومَن كان معه فضل زاد فليعد به على مَن لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكر حتّى رأينا أنّه لا حقّ لأحد منّا في الفضل”.قال ابن حزم: [وفرض على المسلمين من أهل كلّ بلد أن يقوموا بفقرائهم ويجبرهم السّلطان على ذلك إن لم تف الزّكاة].ويشمل واجب الدولة الإسلامية هذا رعاياها جميعًا بغَضّ النّظر عن الجنس أو اللون أو الدِّين، فقد رُوي أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه مَرّ بباب قوم وعليه سائل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: مِن أيّ أهل الكتاب أنتَ؟ قال: يهودي، قال عمر: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، قال: فأخذ عمر بيده وذهب إلى منزله فرضخ له بشيء من المنزل، ثمّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، فو الله ما أنصفناه أن أكلنا شبيبته ثمّ نخذله عند الهرم {إنّما الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ} الفقراء المسلمون وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع الجزية عنه وعن أمثاله...”.إنّ حِدّة الإعاقة وتأثيراتها تزداد حسب تعاطي المجتمع معها، فالإعاقة الجسدية تصبح إعاقة اجتماعية مؤلمة للفرد ولعائلته لعدم تعاطف المجتمع ومساعدته، لهذا يجب على المجتمع الإسلامي: مساعدة الأسر وذوي المعاقين على امتصاص صدمة وجود معاق بينهم وتقبّل هذه الحقيقة، ومساعدة هذه الأسر على تنظيم أدوار أفرادها وتحديد مسؤولياتهم، ومساعدتهم على التكيُّف والاندماج في المجتمع بإيجابية، وفي تحقيق استقرار الحياة الزّوجية والعائلية، وتصميم المباني والمرافق العامة والمصانع والمؤسسات التّعليمية والمستشفيات والمطارات والمكاتب الحكومية وأماكن الترويج ونحوها، بالطّرق المناسبة، كما يجب إزالة الحواجز المادية الّتي تحول بينهم وبين المشاركة في الحياة الاجتماعية والاستفادة من المنافع العامة.كلية الدراسات الإسلامية/ قطر




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)