الجزائر

هوامش ابن مقلة.. الخطّاط الذي دفع حياته ثمنا لطموحه السياسي



هوامش               ابن مقلة.. الخطّاط الذي دفع حياته ثمنا لطموحه السياسي
لا أعرف في كل تاريخ الفن فنانا دفع يده ولسانه، بل وحياته ثمنا لطموحه السياسي أكثر من الخطّاط أبي علي ابن مقلة، ولا أعرف فنّانا عاش حياة ملؤها العنف والصخب مثله، في سيرة تذكرنا بعنفوان المتنبي واندفاعه المغامر باتجاه المجد. لم يقتنع بممارسة الفن وحدها ولم يعش الحياة على الهامش كما هو دأب الفنّانين والملهمين، بل انخرط في صناعة التاريخ وامتزجت حياته بأحداث الفترة التي عاش فيها، على ما وسمها من فتن وقلاقل واضطرابات وتهافت على السلطة وصراع سياسي على الحكم. لقد كان ابن مقلة أحد الفاعلين في أحداث عصره، ولم يتوان في طلب الوزارة على فترات متتابعة، مبرزا الوجه الآخر للفنّان في توقه إلى تحقيق ذاته عن طريق السلطة، ما يشي بذلك  الدهاء والكاريزما السياسية التي يتمتع بها، من جملة ما كان يتمتع به من مزايا وخصال. وبلا شك فإن مدخل ابن مقلة في ما وصل إليه كسياسي من وزارة ووجاهة وسلطان، وما حققّه من مال، كان هو الخط العربي، ذلك أن هذا الفن كان هو سبب الحظوة التي وصل إليها عند رؤسائه، وجعلهم ينظرون إليه بعين الرضا، بالنظر إلى احتياج الخلفاء والأمراء في تلك الفترة لفن الكتابة في الدواوين التي كانت تؤدي دورا مهما كذلك الذي تلعبه اليوم دواوين الرؤساء والوزراء والولاة وكبار المسؤولين. ومن وجه آخر، كان للخطّاطين مكانة دينية تصلهم بالمقدّس، نظرا لعنايتهم بنسخ المصاحف القرآنية الشريفة، والعناية بجودة خطها وتذهيبها. وإذا كان ابن مقلة قد وصل إلى ما وصل إليه بفضل الخط العربي، فإن الخطّاط فيه هو الذي دفع ثمن السعي نحو كرسي الوزارة في نهاية المطاف، بنكبة الخط وما خسره بعد قطع يد ابن مقلة التي كان يبدع بها روائعه الخطّية.. وكانت مصدر قوّته وسر أهميته. إنه لمن الصعوبة بمكان التصدّى للسيرة الفنية لابن مقلة لأكثر من سبب منها بعد المسافة الزمنية التي تفصلنا عن القرن الرابع الهجري، الذي عاش فيه ابن مقلة، حيث أن تجربته كمؤسس للخط العربي تعد تجربة مبكرة موغلة في الزمن ضاربة في أعماق التاريخ، ولذلك لم تصلنا آثاره الفنية  ولم يحفظ التاريخ ما يعطي صورة واضحة عن فنه.  السبب الآخر هو أن تاريخه الفني أختلط بتاريخه السياسي، ويصعب الفصل بينهما، لاسيما أن تاريخه السياسي طغى على تاريخه الفني، ولم يحفظ لنا التاريخ غير جوانب منه، مغفلا الجانب الفني فيه، ولم يحظ بالإهتامام، إلا ما تناثر في كتب الأدب والتاريخ من أخباره. وربما يعود السبب في ذلك إلى عدم اهتمام العرب والمسلمين بالتاريخ لفنونهم من خط وتشكيل وسواهما تاريخا دقيق ومستفيضا. وربما ثمّة سبب يتصل بابن مقلة نفسه، حيث لم يول فنه ما يليق به من العناية في غمرة اهتمامه وانشغاله بشؤون السياسة والوزارة، حتى إن كان هذا السبب مجرد تخمين من طرفنا يدحضه التفحص والواقع. حيث أن ابن مقلة لم يتخل عن الخط في أحلك أيامه، وأصعب معاناته. أحمد عبدالكريم  Hachimite5@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)