أرغب في هذا الهامش في الكتابة عن بعض مشاهداتي في بسكرة، خلال الأيام الأدبية عبدالله بوخالفة، التي حملت في هذه الدورة شعار الكتابة وجماليات المغايرة. وكان أبرز ما لفت انتباهي هو فرح الشعر الذي كان باديا على وجوه الشعراء الحاضرين ممن أنشدوا بتأنق كبير، وأصغوا بكل جوارحهم لبعضهم البعض، في سابقة لم اشهد لها مثيلا، لأنني تعلمت أن الشاعر الجزائري لا يصغي إلا لنفسه. وقد كان احتفاء الحاضرين كبيرا بالأصوات الجديدة الواعدة، التي تحمل حلم الغد الشعري بكل إصرار ورغبة على غرار سمية محنش، آمال رقايق وسواهما.. قد تكون النقاشات التي جرت بمناسبة اليوم العالمي للشعر، والجدل الذي أثير حول راهن الشعر الجزائري ألقت بظلالها على مجريات التظاهرة، وهي ما يفسر ما أسميته بفرح الشعر.. وأعترف أن كل ذلك كاد يثنيني عن قناعتي، ويجعلني أتراجع عن آرائي في الشعر الجزائري، ما جعلني محل اهتمام وإدانة بالوقت نفسه، لاسيما بعدما قرأت المرافعة الجميلة في ”الفجر” الثقافي للشاعر الصديق سعيد حمودي، حتى وإن كنت أرى أنها كتبت بجرعة تفاؤل كبير، أكبر مما يجب، ووددت أن تكون فاتحة نقاش جدي وحقيقي لمسالة راهن الشعر الجزائري. في بسكرة كان يشار إلي بالبنان، وكل ما حولي كان يوحي بأنني كنت كشاهد الزور، بعد الذي كتبته في هذا الهامش عن الموت الإكلينيكي للشعر الجزائري، لكن كل ذلك سرعان ما ذاب خلال النقاشات الهامشية التي دارت بيننا، مثلما أشار المحاضرون من الأكاديميين إلى بعض مآزق الشعر الجزائري كقصيدة النثر التي كان لها نصيب وافر من النقاش.. وهو أيضا عين ما أشار إليه الناقد العميق أحمد دلباني في كلمته الافتتاحية، وهو يتحدث عن بوخالفة شاعرا ومبشرا بشعرية جديدة تقوم على المساءلة والرؤيا، حيث كان من ضمن ما قاله:”..إننا نعتقد أن الحركة الشعرية في الجزائر، اليوم، تعاني من التشظي ومن غياب الملامح. إنها حركة بلا وجه: نعني أنها تفتقر إلى وحدة السؤال، وإلى تجانس الزمن الثقافي، ما ينفي عنها صفة الحركة الأدبية أصلا. ورغم يقيننا أن الإبداع البشري هو جوهريا، صوت الفردية والموهبة التي تتفتح وردتها في حركة الخروج عن شرنقة السائد والمؤسس والمكرس، إلا أن هذا لا ينفي كون الأدب يمثل تاريخ الأسئلة التي تنتجها الثقافة بوصفها نبض وجودها ومعين حركيتها في احتضان لحظتها التاريخية والإفصاح عن هويتها المتحركة.. إذ يعلمنا تاريخ الإبداع البشري أن الكتابة لا تنبجس من فراغ، وإنما تقف على أرضية المشكلات الكبرى التي تطرحها الثقافة في محاولة لتجاوز مآزقها الخاصة، واحتضان زمنها وإيقاع لحظتها.. أحمد عبدالكريمHachimite5@yahoo.fr
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 05/04/2010
مضاف من طرف : sofiane
المصدر : www.al-fadjr.com