الجزائر

هنري لانغلوا.. مؤسس السينماتيك الفرنسية ومفجّر الثورة المجهضة



هنري لانغلوا.. مؤسس السينماتيك الفرنسية ومفجّر الثورة المجهضة
في التاسع من فبراير 1968 اتخذ أندريه مالرو، وزير الثقافة الفرنسي في حكومة الجنرال شارل ديغول، قرارا مفاجئا ستترتب عليه في ما بعد تداعيات خطيرة، فقد أعلن إقالة "هنري لانغلوا" مدير السينماتيك الفرنسية (دار حفظ الأفلام) التي لعبت دورا كبيرا في ظهور جيل الحركة السينمائية المجددة التي عرفت ب"الموجة الجديدة" في فرنسا أواخر الخمسينات وأوائل الستينات بل واعتبر سينمائيو تلك الحركة لانغلوا، الأب الروحي، الذي تربوا على يديه، وتعلموا السينما من مشاهدة روائع الأفلام التي كان يعرضها لهم في قاعة "السينماتيك".كان لانغلوا هو المؤسس الحقيقي للسينماتيك الفرنسية، هو الذي أسسها في الثلاثينيات مع صديقه جورج فرانجو، وأخذ يجوب الكرة الأرضية بحثا عن الأفلام وإنقاذ ما تبقى من أفلام قديمة واستعادتها وترميمها وحفظها في ظروف حفظ مناسبة داخل مقر السينماتيك أو حتى في مخزن بمنزله إلى أن يتم ترميمها، وقد لعب لانغلوا دورا رياديا في غرس فكرة الوعي بتاريخ السينما، فمن دون ذاكرة سينمائية وأرشيف حقيقي يضم أهم الأفلام من الشرق ومن الغرب، ليس من الممكن التأريخ لهذا الفن. وكان لانغلوا هو الذي أنقذ عشرات الأفلام التي تحمل قيمة تاريخية لا تقدر بثمن مثل الفيلم الصامت الأسطوري "نابليون" (1927) للرائد السينمائي الفرنسي، إضافة إلى أفلام أخرى كثيرة في عصر كانت شركات الإنتاج تعتبر الأفلام سلعة "مستهلكة"، وكانت تلقي بها في القمامة بعد أن تنتهي فترة عرضها لكي تصنع غيرها.وقد كافح لانغلوا أيضا من أجل الإبقاء على السينماتيك حيّة بعد الاحتلال الألماني لباريس وحظر الأفلام الأميركية ونشاط الجمعيات السينمائية. ثم أبقى على السينماتيك وقام بتطويرها بعد التحرير، وجعل من قاعة العرض الخاصة بالسينماتيك التي كانت تتسع لستين مقعدا فقط، قبلة لعشاق الفن السابع من كبار المثقفين الفرنسيين مثل سارتر وسيمون دي بوفوار، ليجير، براك، أندريه جيد، بل وجورج بومبيدو، الذين أصبحوا من المترددين بانتظام على عروض الأفلام الكلاسيكية القديمة التي كان ينظمها لانغلوا.رجل يتحدى المؤسسةأصبحت السينماتيك هي لانغلوا، وأصبح لانغلوا هو السينماتيك، ولم يعد المثقفون الفرنسيون من النخبة، يتصورون إمكانية أن ينفصل الاثنان عن بعضهما البعض. كان لانغلوا رجلا نشيطا مليئا بالحماس، وكان يعتبر السينماتيك بيته الحقيقي، ويوليها عنايته القصوى، وكان يكن تقديرا وإعجابا لمجموعة الشباب المتحمسين من نقاد مجلة "كراسات السينما" (كاييه دي سينما) الذين تحولوا في ما بعد ومن واقع إدمانهم التردد على السينماتيك تحت رعاية لانغلوا، إلى مخرجين مرموقين من أمثال جون لوك جودار وآلان رينيه وفرنسوا تريفو ولوي مال وكلود شابرول وأنييس فاردا وإريك رومير.لكن لانغلوا لم يكن رجلا سهلا، بل كان مقاتلا صلبا ضد التدخل الحكومي الإداري والسياسي في عمله، ولذلك لم يكن وزير الثقافة الفرنسي أندريه مالرو، وهو كاتب وأديب ومثقف، يكن له الكثير من الودّ، بل كان يسعى إلى إقصائه، وقد اتخذ قراره بالفعل في ذلك التاريخ المشؤوم، وعين بديلا له رجلا يدعى بيير باربان كان قد حقق نجاحا في عمله كمدير لمهرجاني تورز وأنيسي، لكن لم تكن أمامه أي فرصة للنجاح في عمله الجديد، فقد جاء ضدّ إرادة المجتمع السينمائي ناشطا في بعض المهرجانات السينمائية، ولم يكن معروفا مثل لانغلوا الذي كان يعتبر بطلا من أبطال الثقافة الفرنسية في حقبة شهدت الكثير من الصراع بين المثقفين التقدميين، والدولة الفرنسية العتيقة وهي تقاوم اندحار عهود السيطرة على مستعمراتها الخارجية في الجزائر وغيرها، وزوال أوهام الإمبراطورية.ليس معروفا بالضبط طبيعة الصدام المباشر الذي أدّى إلى غضب الوزير على لانغلوا، لكن لانغلوا لم يكن من النوع الذي يمكن أن يقبل بالحلول الوسط، فقد كان مستقلا في تفكيره، متشددا في تمسكه بالأخلاقيات والأهم، أنه كان من الباحثين المتعصبين عن الأفلام، يقوم بتكديسها في بيته، وعندما كانت الغرف تفيض بها كان يضع الفائض منها داخل "البانيو" في حمام شقته الضيقة إلى حين ينقلها ويقوم بتصنيفها في مقر السينماتيك.وكان على استعداد لأن يدافع حتى الموت من أجل حماية أي فيلم يقع في قبضته، كما كان يقف ضدّ منع أي فيلم من العرض، بل يعتبر السينماتيك فضاء حرا خارج سلطة الدولة السياسية، ولم يكن معروفا بالضبط كيف استطاع لانغلوا الحصول على كل ما في حوزته شخصيا من أفلام، يقوم بحفظها ويعتني بها، وكان السينمائيون الفرنسيون يعهدون إليه بنسخ من أفلامهم وهم على يقين من أنه سيقوم بحمايتها حتى النهاية.ظهور مالروبعد عودة الجنرال ديغول إلى الرئاسة على إثر انتخابات عام 1959، وتأسيس ما عرف ب"الجمهورية الخامسة" في فرنسا، قام ديغول بتعيين صديقه القديم مالرو وزيرا للثقافة، وكان مالرو معروفا كأديب مرموق، حصل على الكثير من الجوائز العالمية، وأيضا كضابط شجاع في الجيش الفرنسي حارب ضد النازيين، وكان رمزا للثقافة الفرنسية بشكل عام. وقد أقرّ مالرو خطة لتشجيع صناعة السينما الفرنسية عن طريق منح مساعدات مالية للإنتاج المتميز، وبواسطة هذه المنح والمساعدات التي كانت تقدمها وزارته أمكن ظهور عدد من أهم أفلام الستينات مثل "العام الماضي في مارينباد" لرينيه، و"كليو من 5 إلى 7′′ لأنييس فاردا، و"شيئان أو ثلاثة أعرفها عنها" لغودار، و"جول وجيم" لتريفو، و"يوميات خادمة" و"حسناء النهار" لبونويل، أي أن مالرو كان أيضا "شريكا" -على نحو ما- في التأسيس للموجة الجديدة الفرنسية.غير أن ما يعرف عن مالرو أنه لم يكن ناجحا في النواحي الإدارية، بل كان يعتمد في تسيير الأمور داخل وزارة الثقافة على مساعديه من أمثال مدير إدارة الفنون بيير موانو الذي قيل إنه نصح مالرو بإقصاء لانغلوا من إدارة السينماتيك. والحقيقة أن لانغلوا نفسه لم يكن إداريا ناجحا، بل كان يعتمد على التحكم الشخصي المباشر وتقريب الموالين له المؤمنين بطريقته وأسلوبه في العمل الذين يقبلون أن يقبض بيده على مقاليد الأمور في السينماتيك، وكانت سريته في ما يتعلق بعمل السينماتيك، سواء بشأن الطرق التي يحصل بها على الأفلام وأين يضعها ورفضه تقديم "كشف حساب" بما ينفقه من أموال السينماتيك، وغير ذلك، من الأسباب التي جعلت مستشاري مالرو في الوزارة، يوحون إليه بأن "لانغلوا" قد أصبح "دولة داخل الدولة"، وأنه ليس من الممكن ترك أمور مؤسسة رسمية تدعمها الدولة، تعتبر رمزا أمام العالم للثقافة السينمائية الفرنسية، في يد رجل واحد، خصوصا لانغلوا، الذي كان يُنظر إليه على أنه رجل بوهيمي، مشعث الشعر، بدين، لا يثق سوى في قدراته وحدها.a href="#" onclick="window.open('http://www.facebook.com/sharer/sharer.php'm2w&s=100&p[url]=http://www.elayem.com/'p=6923&p[images][0]=http://www.elayem.com/wp-content/uploads/2015/07/فيلم-جواسيك.jpg&p[title]=&p[summary]=في التاسع من فبراير 1968 اتخذ أندريه مالرو، وزير الثقافة الفرنسي في حكومة الجنرال شارل ديغول، قرارا مفاجئا ستترتب عليه في ما بعد تداعيات خطيرة، فقد أعلن إقالة "', 'Share This', 'menubar=no,toolbar=no,resizable=no,scrollbars=no, width=600,height=455');"Share 0Tweet 0Share 0Share 0




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)