كانت أولى الانعكاسات السياسية على الساحة الإسلامية في الجزائر، وأهم الرجَات التي تبعت الانتخابات التشريعية، بعد الحصاد الزهيد من المقاعد البرلمانية، والأداء الهزيل في الميدان الاجتماعي، هي استقالة عمار غول، الوزير السابق للأشغال العمومية، من حركة مجتمع السلم (الإخوان المسلمون)، بعد أن استطاع أن يحرز مقعدا برلمانيا مع 12 من زملائه في عاصمة البلاد، في أفضل نتيجة يتحصل عليها الإسلاميون هناك.
قد يقول مناوءوه أن عمار غول ، استطاع أن يحقق نتيجته المشرفة بفضل كامل أصوات الأحزاب المشكلة لتحالف 'الجزائر الخضراء'، وأنه من دونهم ما كان ليحقق ما توصل إليه، ويجيب حلفاؤه أنه لو كان الأمر كذلك؟ لما لم يحدث نفس السيناريو في كامل الولايات؟ ويرى مراقبون متتبعون، أنه فعلا منذ بضع سنين، بدأت 'الظاهرة عمار غول' من البروز، بعد أن برز اسمه مع مشروع الطريق السيار شرق-غرب، الذي يشكل أهم إنجاز لعهدة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ثم إن الطريقة الاحترافية التي أدار حملته الانتخابية، أظهرت عن بصمة سياسية خاصة، وفنا راقيا في الدعوة لمشروعه.
و إذا كان موضوع المشاركة في الحكومة المقبلة من عدمها، والبقاء في التحالف الرئاسي، قد شكل السبب الرئيسي 'الظاهر'، في الشرخ الذي وقع، والانقسام الذي حصل، يبدو أن ثمة أسباب أخرى حقيقية، جعلت عمار غول يحرص على المضي قدما في مشروعه السياسي الجديد':'الجزائر للجميع'، سنحاول تسليط الضوء على تلك الأسباب 'الخفية' التي جعلته يقول أن 'حركة مجتمع السلم صارت جزءا من الماضي، وأن قرار تأسيس حزبه لا رجعة فيه'، نوع من الانقلاب الذي أحدثه أردوغان، وعبد الله غول على الراحل نجم الدين أربكان':
1-'''''إن الحالة المزرية التي تشهدها جماعة الإخوان المسلمين الجزائرية، من انقسامات واختلافات، وهبوط قيمتها في بورصة الحركات السياسية، دفعته إلى تجاوز هذه الفترة، وهذا الإشكال التنظيمي، ويبدو أن الحركة الجديدة ستجلب داخلها كفاءات عديدة من التيارات الأخرى، سواء أكانت وطنية أو ديمقراطية زيادة على الإسلامية، مما يطرح سؤالين مهمين على الساحة الوطنية، هل المشروع المنسوب لعمار غول، مشروعه أم مشروع 'مبارك' من طرف الرئاسة لتهيئة الساحة على أن يصير عمار غول أردوغانا جزائريا؟ وإذا كان المشروع من إنتاجه خالصا، هل نشهد ميلاد جماعة أردوغانية في الجزائر تتحول في ما بعد إلى 'غولية'؟ الشيء المؤكد أن هذا التحرك لم يحدث اعتباطا، وأنه سيشكل نقطة تحول جذرية في المستقبل السياسي الجزائري.
2-'''''يتمثل الطرح السياسي الإسلامي الجديد على أمر أساسي، وهو أن مفتاح نجاح الحركات السياسية الإسلامية، أو الحركات السياسية المطعمة إسلاميا، على نجاحها اقتصاديا، وتغييبها ولو مرحليا لمطالب الحركات الإسلامية التقليدية مثل تطبيق الشريعة، وعدم الإلحاح على قطع العلاقات مع إسرائيل (بالنسبة للبلدان التي كانت لها علاقات سابقة معها)، وهذا روح المشروع الأردوغاني الذي استطاع أن يحقق الكثير من النجاحات السياسية بفضل النجاحات الاقتصادية وعدم الدخول في معارك هامشية، ويبدو أن برنامج عمار غول، مثل الغنوشي أو بن كيران، يعتبر الصورة طبق الأصل لمشروع حزب العدالة والتنمية لأردوغان، وقد يصل التشابه إلى حد التسمية. وعمار غول من خلال التجربة التي اكتسبها في تسيير قطاع الأشغال العمومية، يريد التركيز في تأسيس حزبه على عامل الفعالية الاقتصادية بدل الانتماءات الإيديولوجية.
3-''''لا يخفى على الملاحظين، أن الإسلاميين الجزائريين جروا وراءهم سمعة غير ممتازة، بأدائهم مع السلطة، وتجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ أولا، ثم بسياسات الشيطنة التي مستهم من جهات عدة، داخلية وخارجية، ولعل سنين الجمر التي عاشتها الجزائر خلال عشرية دموية سوداء، زادت من هذا الأمر، مما دفع عمار غول على التفكير في عدم حمل شارة حركة إسلامية، حتى لا تكون عائقا في الانتشار الأفقي الذي يعول عليه مستقبلا، لذلك قال':'لقد قررنا تغيير الخط بناء على التجربة التي اكتسبناها في السنوات الماضية، وسيكون الحزب منفتحا على جميع أطياف المجتمع'.
'ما زالت الساحة السياسية بالجزائر لم تفصح عن كل خباياها، وما زال 'المطبخ الجزائري' في حركية غير اعتيادية، يعد لنا أطباقا متنوعة، لم نرها ولكننا نشتم روائحها، نأمل فقط أن لا تكون المواد المستعملة منتهية الصلاحية، وأن تكون التوابل من النوعية الرفيعة، والأيادي خبيرة، والأواني فاخرة ونظيفة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/08/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : عبد الكريم رضا بن يخلف
المصدر : www.algeriatimes.net