يشهد العالم اليوم انتعاش السياسات الحمائية وقدرا من التصلب في العلاقات التجارية.لقد تراجعت مفاوضات الدوحة، وألغيت اتفاقيات التبادل الحر العابر للأطلسي (تافتا) بين الولايات المتحدة وأوروبا ليكون أول تعثر في مسار العولمة، وتتراجع معها فرص إعادة انتعاش الإقتصاد العالمي المؤملة في 2017 .هل بوسع آسيا والصين مواصلة قاطرة النمو العالمي؟فما هو معلوم أن الطفرة في الاقتصاد العالمي وارتفاع أسعار المواد الأولية وأسعار النفط تمت في معظمها بفضل النمو الخرافي المحقق في الصين في العقد الماضي.فقد ساهمت الصين خلال العشرية المزدهرة الأخيرة بقرابة 50 % من النمو العالمي، وليس من قبيل المبالغة الاعتقاد أن الصين سوف تساهم في السنوات القادمة في نمو الاقتصاد العالمي في حدود 30 إلى 25 %.فالصين اليوم هي بلا منازع القوة العالمية الثانية في الاقتصاد العالمي والورشة الصناعية الأولى. فهي تمثل مع الولايات المتحدة الأمريكية ثلث سكان العالم وتزود العالم بمعية الولايات المتحدة في حدود (ربع ألإنتاج وخمس حجم التجارة الدولية) الحاجة إلى نموذج نمو بديلفالاقتصاد الصيني، وبعد أن حقق نموا مدهشا، بدأ يتراجع بهدوء في ما يشبه التباطؤ النسبي (حتى وإن كان نمو اقتصادها ما زال يحقق نسبة فوق ال 6 % هي الأعلى في العالم)غير أن توقع هذا النمو وقدرته على التأثير في الاقتصاد العالمي تبقى مرتهنة بالقدرة على تجاوز الاشكالية التي تواجه النظام الاقتصادي الصيني الحالي وفرص صياغة نموذج جديد بديل للنمو.كما أن مساهمتها الدائمة في النمو العالمي على ضوء النموذج الجديد (للنمو) تحتاج في رأينا إلى تسوية المشاكل الداخلية الخمس للصين حتى تتمكن من القفز على مواطن التعطيل، وإيجاد نفس جديد للقفز مجدد بالنمو الصيني. الإشكاليات الخمس في الإقتصاد الصيني1- اقتحام و ريادة حدود تكنولوجية جديدةوذلك بدفع الابتكار والاكتشاف نحو ميادين كبرى ذات أهمية مستقبلية : التكنولوجيا المتقدمة ( TAت-م) تكنولوجيا الاتصال والإعلام ( ت ا ا –TIC) ، تكنولوجيا الفضاء ، تكنولوجيا البيولوجيا و علوم الأحياء ، تكنولوجيا النانو NANO– الدقائق ما تحت المجهرية – و المواد و المعادن الجديدة . 2- دفع حدود التربية و التعليم نحو آفاق جديدةوهذا بتكوين أكثف لنخبها في المجالات العلمية والمعرفية ومجالات التكنولوجيات الجديدة في المدارس الكبرى والجامعات المتفتحة على العالم .وهو ما يعني مرافقة وتزاوج ما بين التكنولوجيات والتعليم. 3- بعث نظام اقتصادي جديدالاقتصاد الصيني الذي بنيّ حتى الآن على مبدأ التصدير مرشح لأن يتحول إلى مرحلة ثانية تكون موجهة أكثر نحو السوق الداخلية : بمعنى استغلال وغزو أو فتح السوق المحلية الداخلية. وهذا يتطلب تقوية بطبيعة الحال للقاعدة الاجتماعية ودعم الطبقات المتوسطة .فهذه الطبقات الجديدة ، كما يعلم الجميع ، تساهم بمعدلات قوية في النمو ولها مقدرات استهلاكية غاية في الأهمية. وهي بذلك ستساهم في الانسجام العام للمجتمع الصيني وبعث دولة منفتحة ذات اقتصاد سمته الرخاء والاستقرار . 4- إقامة تشريع وتنظيم مالي جديدإنّ إقامة تشريع وتنظيم مالي جديد سيمكن لا محالة من استباق الأزمات المالية والنقدية الخارجية أو المحلية التي تولدها تفاعلات القفزة الاقتصادية المرتقبة. 5- حوكمة حديثةحوكمة تشجع أكثر للإنابة والتفويض واللامركزية مع تقوية الوحدة الوطنية . فالوحدة الوطنية تعد من ثوابت السياسة الصينية وأساسا من أسس ومبادئ مسيرتها. ويمكن تفسير هذا الموقف المشروع بالرجوع لتاريخ الصين الذي عرف اضطرابات وكذا للمعاملات التي تعرضت لها الصين في التاريخ القريب وهذا من الأسباب التي تدفع الصين للبحث على إرساء نظام دولي جديد .أمريكا الشمالية والولايات المتحدة والنمو العالميلقد سجل الاقتصاد الأمريكي انطلاقة منذ ثلاث سنوات، واكتسب ألوانا منذ 2016 بتحقيق نسبة نمو ب 2,9% في عام واحد، فيما انخفضت نسبة البطالة ب 5% . غير أن هذا النمو يبقى هشا لأن نسبة النشاط لم تعدل، كما بلغت نسبة المردودية في المؤسسات سقفا تراوح عنده، ويشهد الإستهلاك حالة من الركود.وفي مثل هذه الظروف فإن السؤال الأهم يحوم حول معرفة ما إذا كانت سياسة ترامب trump مبنية على نفقات الميزانية سوف تكون كافية لتصحيح الوضع، ومنح الاقتصاد العالمي قدرا من الأوكسجين وتحديدا للجيران والشركاء مثل كندا وأستراليا ثم للاقتصاد العالمي. هل بوسع أوروبا بعد صعقة البريكسيت أن تساهم في إعادة انعاش النمو العالمي؟بلا شك توجد أوروبا في مفترق طرق، منقسمة على مكوناتها الثلاث: أوروبا الشمالية، وأوروبا الجنوبية، وأوروبا الشرقية، وهي تعاني في سبيل التوافق على استراتجية للخروج من الأزمة، وبناء مسار وحدوي ينسيها صعقة البريكسيت والأزمة اليونانية.وفي مثل هذه الظروف فإن عددا من الملاحظين يتساءلون عن قدرة أوروبا على المشاركة في إعادة انعاش النمو العالمي. وبالنظر إلى المؤشرات الأخيرة (% 0,60) نسبة نمو فإنّ التوقعات لسنة 2017 قد نكست أعلامها وهل تواصل مما تححق سنة 2016.لعبة الأمم الجديدة: المستقبل لم يكتب بعدكخاتمة يمكن القول أن آسيا مع الصين والهند إلى حد ما تظل تمثل الفاعل المفتاح في النمو العالمي، وتبقى تمثل المحرك المركزي للنمو العالمي إلى جانب الولايات المتحدة.وعلى المستوى الجيوسياسي فإن هذا الحراك المتنامي في الولايات المتحدة والصين والهند وأفريقيا كما في العالم العربي وأمريكا اللاتينية وأوروبا وروسيا يندرج ضمن ديناميكية تنحو نحو بروز نظام عالمي جديد. غير أن هذا المستقبل ليس مكتوبا سلفا.لكن المؤكد أن تغييرا صامتا ينفذ على قدم وساق في لعبة الأمم هذه على الساحة الدولية. وأن الجزائر مجبرة ضمن هذه التغييرات على استباقها بنظرة ثاقبة وقدر من الشجاعة والإقدام.فعالم الغد المتغير، المنتظم داخل أرخبيل تتعايش داخله القوى الحالية مع القوى الناشئة مثل ألبريكس BRICS ( البرازيل روسيا الهند الصين وجنوب افريقيا) وبجوارها الدول النامية في افريقيا وأماكن أخرة، فهل لنا نصيب في هذا المستقبل أم تعود هيمنة جديدة للأقوياء؟وتلكم تحديدا الإشكالية التي يحاول المستشرفون معرفة كل ما هو قادم، وكذا استخلاص وتنبؤ المستقبل وهو في طور التشكل في عالم اليوم. مساهمة من السيد الشريف رحمانيسفير الامم المتحدة للصحراء والأراضي القاحلةرئيس مؤسسة صحاري العالموزير سابق
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/03/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : المسار العربي
المصدر : www.elmassar-ar.com