الجزائر

هل تغلبت الاستمرارية على التغيير في "بلاد ميكي" حقا؟



هل تغلبت الاستمرارية على التغيير في
ها نحن نعيش لحظة إسدال الستار عن مسرحية تشريعيات الجزائر في العاشر من ماي الجاري على وقع كثير من العواطف والأحاسيس المتناثرة المتنافرة بين مؤيد ومعارض، سعيد وحزين، مشارك ومقاطع، مترشح ومواطن منتخب...الخ حيث أعطى فوز حزب جبهة التحرير الوطني (الافالان) الانطباع الأولي لجل المتتبعين بإن الشعب الجزائري مع الاستمرارية ضد التغيير رغم ما لهذا الوصف من 'مسحة نفاقية' غير معبرة عن الواقع الحقيقي وعن نسبة العازفين عن الانتخاب.
الافالان المنقسم يفوز...ماذا لو كان موحدا؟
من المفارقات العجيبة الرهيبة في الجزائر (بلاد ميكي) مثلما يسميها الكثير من الجزائريين أن الافالان شهد انقساما كبيرا قبيل الانتخابات لأسباب تتعلق بالزعامة والولاء عموما بغرض إضعاف الأمين العام للحزب عبد العزيز بلخادم غير المقبول من طرف حكام الجزائر كرئيس مستقبلي لهذا البلد الغالي لميولاته العربية الإسلامية، كما أن إزاحته من الساحة السياسية تسهل على جنود الخفاء في الجزائر تعبيد الطريق أمام رئيس الوزراء احمد اويحي وتقديمه على انه الخلاص الوحيد للجزائر في الانتخابات الرئاسية المقبلة هذا ان لم يعاود بوتفليقة الرئيس الترشح في ظل السمعة 'شبه السيئة' التي يتمتع بها (اويحي) رغم انه من الوجوه الوطنية البارزة ومن الكفاءات الجزائرية الحقيقية وبكل حيادية.
اما الغريب فهو فوز الافالان ب 220 مقعد في البرلمان رغم انقسامه مما اثار جدلا كبيرا وسط المتتبعين للشأن السياسي الجزائري حيث ان 'الحزب العتيد' فاز رغم عمل الحركة التصحيحية المناهضة لبلخادم على إفشال تيار هذا الأخير في الانتخابات بغرض إزاحته عن منصب الأمين العام بعد خسارته، غير ان هذا ما لم يحصل وفاز بلخادم وصار يملك أنيابا أكثر فتكا من السابق،فهو يملك أغلبية خيالية في البرلمان ويستطيع التفاوض بكل قوة وشراسة.
ونتساءل ببراءة في هذه 'الجزئية الافالانية' حول فوز هذا الحزب بهذه النسبة رغم المشاكل الداخلية والانقسام،فماذا كان سيحصل لو انه كان موحدا؟ الأكيد انه كان سيفوز حتى بمقاعد في البرلمان الفرنسي أو الايطالي....
بوتفليقة أنقذ الافالان قبل نهاية المباراة
الرئيس بوتفليقة الذي زار ولاية سطيف يوم الثامن من ماي الجاري -اي قبل يوم واحد من التشريعيات- تخليدا لذكرى مجازر الثامن ماي 1945 التي ارتكبها المستعمر الفرنسي في الجزائر وبالخصوص في سطيف،قالمة وخراطة التي راح ضحيتها حوالي 45000 شهيد، والثابت انه كانت لدى الرئيس نية مبيتة وللأسف-تتعلق بدعوة الشعب الجزائري إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع وخصوصا في ولاية سطيف التي تشكل ثاني اكبر وعاء انتخابي بعد العاصمة الجزائر،إضافة إلى دعم الافالان وبطريقة جد مباشرة حين ألقى خطابه في هذه الولاية التي يحظى فيها الرئيس بشعبية قائلا انه لا يستطيع فرض أي توجه أو خيار على أي مواطن أما عن انتمائه السياسي فهو معروف منذ أمد طويل،وجميع الجزائريين يعرفون إذن أن الرئيس 'افالاني' بل انه هو الرئيس الشرفي للحزب أي انه كان يقول:'من يحب بوتفليقة فما عليه إلا التصويت على الافالان'...وهذا ما أعطى دفعا قويا لحزب جبهة التحرير الوطني عشية الانتخابات خصوصا أن الرئيس ضمن 'عبارات خادعة' ساهمت في اللعب على عواطف الجزائريين لإضفاء الشرعية والمشروعية على دعوته إلى انتخاب الافالان،حيث انه خدع الكثير عندما قال انه 'طاب جنانه' أي انه تعب ولم يعد قادرا على العطاء...وقال انه سلم المشعل للشباب، ولا نعلم كيف يسلم الرئيس المشعل وهو مازال رئيسا، ولا نعلم كيف يتم هذا الأمر وهناك في السلطة من تجاوز الثمانين على غرار سفير الجزائر السابق في باريس والمرجع الكبير في علم الإدارة ميسوم صبيح الذي تعدى الثمانين وهو في منصب السفير، وعلى غرار والي سطيف الذي نصبه الرئيس بوتفليقة قبل حوالي عامين وهو في أوائل السبعينيات رغم أن هذا المنصب يتطلب حركية كبيرة ونشاطا غير عادي...الخ من الطاعنين في السن الذين لم يبرحوا مناصبهم إلى غاية اليوم،ويطل الرئيس بعدها ويقول في خطابه هذا أن جيل الثورة لن يحكم بعد الآن لأن دور الشباب قد حان، هؤلاء الشباب الذين زاحمهم حتى الوزراء في الانتخابات البرلمانية ولم يتركوا لهم أي دور سوى الهتاف وحمل اللافتات.
كما أن الشيء اللافت للنظر في خطاب الرئيس من سطيف هو إقصاء أو على الأقل عدم دعوة-مثقفي الولاية من كتاب ومؤلفين وأساتذة جامعيين بل تم إدخال عدد معتبر من عاملات النظافة اللائي أوكلت لهن مهمة 'البكاء المأجور' عند إلقاء الرئيس لخطابه وكأنه يلقي الوحي المنزل، حيث أن هذه التصرفات اللامسؤولة والتي 'مالهاش لازمة' التي سمح بها المسؤولون المحليون تساهم ولو بدرجة قليلة في التأثير على صورة الرئيس رغم قيمته الكبيرة و مساهمته الفعالة في بناء صرح الجزائر الآمنة 'والحق يقال'.
النساء يدعمن من طرف الغرب:
اطل علينا حكام الجزائر قبيل التشريعيات بنسب مفروضة فوقيا تتعلق بوجوب وجود تمثيل للمرأة في الحياة السياسية عموما- بنسبة 33 بالمائة رغم عدم شرعية ومشروعية وديمقراطية هذا 'الجنون التشريعي' ،فكيف تفرض نسبة تمثيل سياسي وبطريقة فوقية دون الرجوع إلى إرادة الشعب؟ كيف تمثل المرأة بنسبة معينة وهي التي قد تفوز بأقل أو أكثر بكثير من تلك النسبة؟
هل هذا تسقيف أم حد ادنى للمشاركة السياسية للمرأة؟
كيف نقبل بهذه القوانين المفروضة من الغرب والتي جعلت وزير الداخلية خلال ندوته الصحفية يوم 11/05/2012 لعرض النتائج يذكر عدد مقاعد النساء في كل حزب فائز وبطرقة واضحة وعنصرية وكأننا في عهد 'الابارتيد الجنسي' بين النساء والرجال.
الأحزاب الإسلامية في الجزائر عكس تيار الربيع العربي:
مثلما تكهنا من قبل في مقالنا السابق حول إمكانية عدم اختيار الجزائريين للأحزاب الإسلامية، كانت مفاجأة هذه الأحزاب الكبرى، وخصوصا وان التكتل من اجل الجزائر الخضراء كان يتوقع الفوز بالمرتبة الأولى وبفارق بعيد عن الحزب الموالي له باعتبار أن الشعب كان يريد التغيير، وهذا ما لم يكن
لاسيما أن أبو جرة سلطاني رئيس حركة مجتمع السلم (حماس) الذي 'اخرج العيب' وانسحب من التحالف الرئاسي الذي كان يجمعه بالافالان والتجمع الوطني الديمقراطي قبيل التشريعيات تماشيا مع رياح الربيع العربي وموضة الأحزاب الإسلامية التي لم تهب على الجزائر في هذه التشريعيات، وتحالف أبو جرة مع حزب النهضة وحزب الإصلاح 'الاسلاميين' وفازوا بالمرتبة الثالثة، وما على أبو جرة إلا إعادة حساباته والعودة إلى التحالف الرئاسي بكسب ود الافالان والتجمع الوطني الديمقراطي والاعتذار عن ' الخيانة السياسية' للتحكم في زمام الأغلبية البرلمانية وإلا....
الجانب الصامت من الانتخابات:
توجه إلى صناديق الاقتراع يوم العاشر من ماي 2012 أكثر من 9 ملايين ناخب من أصل 21 مليونا وكان عدد الأصوات غير المعبر عنها يقارب المليونين من الأصوات التي ارتأى أصحابها أن لا يعطوها لأي حزب ولأي شخص رغم وجود 44 حزبا في الساحة الانتخابية والاكتفاء بالنسبة لهذه الفئة بالاظرفة الفارغة وبكتابة الشعارات - في تلك الاظرفة - التي طالت حتى نجوم الكرة العالميين أمثال ميسي ورونالدو، وتناولت مشاكل وهموم المواطنين من غلاء الأسعار،محسوبية ،رشوة وحتى الحب كان حاضرا، كما أن عدد الأصوات المعبر عنها كان في حدود 7 ملايين فقط من أصل 21 مليون مسجل اي الثلث فقط، رغم عدم وجود عدد كبير من الأحزاب تجاوز الأربعين حزب، وهذا ما معناه أن ثلثي الشعب الجزائري ان صح التعبير يرفضون نظام الحكم والادارة الجزائرية وكذا الأحزاب، وهذا العزوف عن الانتخاب يعتبر دعوة هادئة من طرف هذه الفئة الصامتة إلى التغيير الحقيقي، وربما تندرج حتى في إطار تحذير السلطة بطريقة سلمية، والكثير من الملاحظين أدركوا أن المسؤولين في هرم السلطة حاولوا إظهار نجاح التشريعيات مقارنة مع سابقاتها وليس مقارنة مع الفئة الصامتة التي شكلت ثلثي الشعب الجزائري، و في ظل برلمان يمثل ثلث الشعب الجزائري ما على هؤلاء سوى حزم الأمتعة والانصراف مادام أن الفرصة مواتية قبل أن يختلط الحابل بالنابل لا قدر الله.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)