أمنية أماني فرنسا قبل احتلالها الجزائر، وفي أثناء الاحتلال، وبعد طردها من الجزائر هي أن تستبدل الجزائريين الفادي بالهادي.
لقد بذلت في سبيل ذلك من الجهود المالية والمادية ما لا يعلمه إلا الله - عز وجل - وجندت مئات الآلاف من "الرجال"، وقامت بما هو أقرب إلى المستحيل من الأعمال، حتى ظنت أنها أدركت ما أمّلت من الأماني والآمال، وأقامت في سنة 1930 أضخم احتفال بمناسبة مرور قرن على الاحتلال، وصرح كبراؤها من السياسيين، والإداريين، والرهبان بأنهم لا يحتفلون بمرور قرن على احتلال الجزائر، ولكنهم يحتفلون بتشييع جنازة الإسلام، وأن "أرض الجهاد" قد أخرجت من دين التوحيد وأعيدت إلى التثليث..
وأرى الله - عز وجل - الناس صدق آياته، ومنها الآية التي يقول فيها "وعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا"، وكان هذا الخير هنا هو أن نفر ثلة من أبناء الجزائر أيقاظ الضمائر، أحياء الشواعر، فأسسوا ما سميته "خير جمعية أخرجت للناس"، وهي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، صححت العقيدة من الانحراف، ونقّت العبادة من البدع، وزكّت الأخلاق، وقومت الألسنة، وصححت الانتساب.. ورأت فرنسا مخططها الشيطاني ينسف على أيدي أولئك الأحرار الأبرار، فجنّ جنونها، وراغت على أولئك الأماجد ضربا باليمين وبالشمال، وسلّطت عليهم ما لم يخطر على عقل بشر من نصب وعذاب، ولم تميز في ذلك بين شبّان وشباب، ولكنهم صبروا وصابروا، وربط الله على قلوبهم فرابطوا حتى أحق الله حقهم، وأبطل باطل القوم المجرمين الفرنسيين، وعادت الجزائر إلى "محمد" صلى الله عليه وسلم، وولّت فرنسا الأدبار تحت أسماع الجزائر والعالم والأبصار.
رأت فرنسا ما أنجزته جمعية العلماء من كبير الأعمال، وعظيم الأفعال، وما حققته من الآمال ففزعت، وأدركت أن أيامها إلى نقصان، وأن ساعتها في الجزائر قد اقتربت، فصارت لا تقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس.
سنت فرنسا سلسلة من القوانين، وأصدرت كثيرا من الأوامر، ووضعت مالا يعد من العراقيل ما ظنت أنه سيوقف تأثير جمعية العلماء على الشعب الجزائري، لأنها صارت كما وصفها الدكتور أبو القاسم سعد الله "دولة داخل الدولة".
ومما عملته فرنسا لصرف الجزائريين عن الاستماع إلى الجمعية أنها قررت أن يكون بدء صيام رمضان ونهايته مرتبطا بما يصدره المرصد الفلكي الموجود في منطقة بوزريعة من بيان وليس مما يصدر عن جمعية العلماء من بلاغ، وتأكد أولو النهى والأبصار أن فرنسا لم يعد لها سيطرة على عقول الجزائريين، فمد الإمام الإبراهيمي رجليه في وجه فرنسا، فكتب عن ذلك ساخرا منها، مستقلا لها في عيون الجزائريين، قائلا :"متى كانت بوزريعة مصدرا للشريعة".
لا يفهم من هذا الكلام الإبراهيمي أن الإمام بالعلم في تحديد بدء رمضان ونهايته، ولكنه يريد أن يقول للجزائريين ولغيرهم أن سياسية فرنسا أفسدت كل شيء، وفي مقدمة ما أفسدته العلمُ والأخلاقُ، اللذان هما قوام الأمم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/07/2013
مضاف من طرف : aladhimi
صاحب المقال : الهادي الحسني
المصدر : الشروق 21 جويلية 2013