وهل لاحت خيوط فجر صادق، تبدّد ظلام وظلامية التّأزم السوري، وتمسح الدموع من مآقي اليتامى والأيامى والثكالى من أبناء الشعب السوري المنكوب؟
لعلّ من إرهاصات خيوط الفجر الطالع، تواتر أعداد الصِدامات والاشتباكات والتفجيرات، وتضاعف عدد القتلى والضحايا والخسائر على جميع المستويات.
فحين يطال الموت بيوت الله الآمنة، ويصبح التفجير أعمى لا يفرق في أهدافه بين الثكنة، والمسجد، وبين مركز التّدريب الأمني، ومركز التدريس الإيماني، ندرك أن الصراع أوشك على نهايته، لأنّه يعيش سكرات الموت، التي يتخبّط فيها من يعاني معاناتها، تخبطا ذات اليمين وذات الشمال.
لقد ظلت منذ سنتين تطوقنا أخبار المحنة السورية باغتيالاتها واشتباكاتها، فتفسد علينا راحتنا ونومنا، وتلسع ضمائرنا بوخز ندائها الملح، بضرورة القيام بأيِّ شيءٍ لتخفيف معاناة شعبنا العربي المسلم في سوريا. ولم نكن نتوقع عَلِم الله أنْ تمتد تبعات هذا الصراع إلى تفجير مسجد بكامله على رأس الطالب والمطلوب، وعلى رؤوس المدرّس والمصلين، فكيف إذا كان المدرّس، هو العالم الربّاني المسلم، الشيخ الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي؟
بقلم الدكتور عبد الرزاق ڤسوم
فأيًّا كانت دوافع التفجير، وأيًّا كانت مواقف المتحلِّقين في مسجد الإيمان بدمشق، حول العلاّمة البوطي، فإنّ هذا التفجير، وحشيٌّ وجبانٌ بأتمّ معنى الكلمة، ولا نملك إلاّ أنْ ندينه، وأن نندّد بجريمته، مهما تكن الجهة التي تقف خلفه، وأيًّا كان المدّبرون والمنفذون له.
إنّ للحروب، على بشاعتها جملة وتفصيلا قواعد إنسانية تعترف بها كلّ الإيديولوجيات، وتدعو إلى صيانتها كلّ الديانات.. وأهّم هذه القواعد، تفادي “الصبية الرّضع، والشيوخ الرّكع، والبهائم الرّتع"، وكما قال خليفة المسلمين لجيشه: “إنكم ستجدون أناسا حبسوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له"، فكيف أقدم مسعّرو الحرب في سوريا، على تفجير مسجد “الإيمان" بدمشق، في الوقت الذي كان فيه الشيخ “محمد سعيد رمضان البوطي" يلقي درسه فيه. إنّنا نبرأ إلى الله مما يفعله دعاة الحرب في سوريا، مهما تكن الشعارات المرفوعة، ومهما تكن النوايا الخفية أو المسموعة.
فعالم كالشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، لا يمكن أن يُعتدى عليه، أيًّا كان الخندق الذي يتخندق فيه، والقناعات السياسية التي يتجلبب بها. فإذا علمنا أنّ المعارضة السورية قد تبرّأت من دم الشيخ البوطي، والذين قضوا معه تحت سارية المسجد، يحقّ لنا أن نتساءل: من هو المستفيد من اغتيال مثل هؤلاء الأبرياء؟
***
عرفت الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي في مناسبات شتى، في الجزائر، وفي سوريا، وخارج هذين البلدين، فكان الأكاديمي الجامعي الذي يأسرك بعلمه ودماثة خلقه. فهو الصوفي الصافي السريرة، وهو الموسوعي ذو الاختصاصات الكثيرة، والمنهجي المحلل للقضايا، بصفاء عقلي وطِيبِ سريرة.
وكنت أشفق عليه، من اشتغاله بسياسة التحزب أو التخندق، وممالأته لجهة على حساب جهة أخرى، ولكن حتى هذه القناعة إنْ وجدت، أو أيَّة ذريعة أخرى، لا تبرر قتله.
فعالم في مستوى الشيخ البوطي، عالم إنساني في أخلاقه، إسلامي في معتقده، عروبي في حضارته، فهو الذي تحتاج إليه كلّ الأصناف البشرية، فضلا عن الطوائف السورية، ومن ثم فإن أيَّ تخندق له، هو تقزيم لقامته الكبيرة، وتقليم لأغصان شجرته المعطاءة. ونعتقد أنّ دماءه هي التي ستسقي شجرة السّلام في سوريا، ورُبَّ ضارَّة نافعة.
ومهما يكن، فقد أفضى الشيخ إلى ربِّه، بعد أن قتلته الجهة الباغية، قضى شهيدًا لأنّه سقط وهو مجاهد بالكلمة من أجل إعلاء كلمة الله، في بيت الله، وبين عباد الله.
وقناعتنا وأملنا، ودعاؤنا أنّ الليل السوري قد آذن بالانبلاج، وأنّ هؤلاء الشهداء، وهم يسقطون في بيت الله تحت قصف دوي التفجيرات، هم الذين سيقرِّبون ساعة الانفراج، وينمّون بدمائهم الزَّكية شجرة الحرِّية، مصداقًا لقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
ولِلحُرِّيَةِ الحَمْرَاءِ بَابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَّرَجَةٍ يُدَّقُ
فسلام الله على روح البوطي في الخالدين، وعزاء للأمّة الإسلامية في فقده، وأبدل الله حبّه في قلب محبيه بحبّ الله ورسوله، متمثلين في موته بقتل مفكرين من قبله، ماتوا ولسان حالهم:
اِقْتُلُونِي يَا عدَاتِي إِنَّ فِي قَتْلِي حَيَاتِي
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 25/03/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : البلاد أون لاين
المصدر : www.elbilad.net