رسالة موجهة من قبل أحمد مهساس، باريس فرنسا، في ماي عام 1954وثيقة :تنفرد ''الجزائر نيوز'' بنشر الترجمة العربية لرسالة نادرة كتبها المناضل أحمد مهساس، كان قد صدر أصلها لمرة وحيدة في كتاب محمد حربي ''جذور جبهة التحرير'' الذي صدر سنة ,1975 والرسالة كتبت في جو الانشقاق الذي عصف بحزب الشعب - حركة انتصار الحريات الديمقراطية· ففي شهر ماي 1954 وعندما يئس من طرفي النزاع، اتجه للمناضلين داعيا إياهم إلى ما أسماه ''الحياد الإيجابي''، الذي نضج بعد ذلك بتأسيس جبهة التحرير الوطني التي فجّرت الثورة في بداية نوفمبر من السنة نفسها·
عند احتدام الصراع بين مصالي وقيادة الحزب، اخترنا أن نمسك العصا من الوسط، وذلك انطلاقا من التزامنا بالتعبير عن وجهة نظر المناضلين، وبالتالي محاولة تحقيق أهدافهم الفعلية· فبالانعزال عن دائرة الخلاف وأسباب نشوب الأزمة، يشكل مناضلو الحزب وبامتياز عاملا مهما للاستقرار والوساطة، كما أن مواقفهم تعبّر عن حيادية وثبات تأمين، الأمر الذي يجعلهم يحملون على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على وحدة الحزب، خاصة وأنهم يرفضون الانحياز لأي من الطرفين، وهو ما يعني انقسام الحزب وتمزقه ·
فلم يولد خيار ''الحياد الإيجابي''، الذي يعبّر عن
إرادة كافة المناضلين، إلا من رحم الصراع الناشب بين الطرفين المختلفين والمتناحرين، وهو الخيار نفسه الذي يعمل على توعية المناضلين ويدعوهم إلى فهم وإدراك مهمتهم بصفتهم ناشطين ومسؤولين داخل الحزب، وليس مجرد منفذين تحت رحمة الدسائس والمؤامرات·
وبهذا بدأنا في محاولة تشخيص الأسباب الفعلية التي أدت إلى نشوب الأزمة دون الاكتراث إلى المسائل الشخصية، وكذا الأمور الظاهرية بغية الوصول إلى الحل الأفضل والقضاء على الداء من مصدره· إلا أننا نواجه مشكلة عويصة تتعلق بأزمة نمو الحزب الذي تجاوزته الأحداث؛ ففي نظر الشعب صار الحزب غير قادر على تسيير كافة الطاقات والقيام بدوره القيادي والتنظيمي· أما في داخل الحزب، فلم يعد القادة في مستوى مسؤولياتهم، وكثيرا ما يضعفون قوة الحزب بتصرفاتهم الرعناء والارتجالية·
فالأمر إذاً يتعلق بأزمة قيادة حزبية فاعلة تجاه الشعب وأزمة مسؤولين أكفاء تجاه المناضلين داخل الحزب·
ومن الملاحظ كذلك أن الانتقادات اللاذعة المتبادلة بين أنصار مصالي الحاج والقيادة المركزية في الحزب لا تركز إلا على الأمور الثانوية وتتناسى الأسباب الرئيسية التي كانت أصلا في الخلاف· وعليه، فإنه يتوجب على المناضلين في الحزب تحديد المسؤوليات، وكذا معرفة الخلفيات الحقيقية للأزمة، فينبغي علينا أن نتناول تطور الأزمة وأن ندع الشد والجذب·
لقد منحت قرارات اللجنة المركزية مصالي الحاج، في آخر اجتماع لها، سلطة محدودة كما منحته الضوء الأخضر لعقد مؤتمر استثنائي للحزب، وهو القرار اعتقدنا للوهلة الأولى أنه حكيم، انطلاقا من إيماننا بأنه سينهي الصراع، وبالتالي إمكانية تجنب الانقسامات والتمزق داخل الحزب، وهو ما ركزت عليه اللجنة المركزية ·
إلا أن هذه القرارات سرعان ما أبانت عن سلبيات كثيرة خاصة وأننا لمسنا إشارات غير مطمئنة:
- فقد تمت عملية تسليم السلطة في نطاق مقيد ولم تكن الأمور لتبشر بخير في الأفق·
- كما أن جل الإطارات الناقمة على أنصار مصالي الحاج جراء تمسكهم بالمواقف المتصلبة لقيادة الحزب جعلتهم يطالبون بالإحالة على الاستيداع، وبالفعل فقد كانت النتيجة هي الفوضى لتتطور الأحداث وتتحوّل إلى انقسام بين إطارات الحزب إلى قسمين:
- قسم احتوى مناصري مصالي الحاج الذين يمثلون سلطة الحزب الجديدة·
- وقسم آخر احتوى القادة والإطارات الذين لم يقتنعوا بسياسة مصالي، وهو ما أدى بهم إلى عدم تعاونهم معه ومع مناصريه·
وهكذا نكون قد ابتعدنا عن كنه القرارات التي تم التصويت عليها من قبل اللجنة المركزية التي طالما نصحت المناضلين بالبقاء في الحزب حفاظا على وحدته·
إن مثل هذه النزاعات والانشقاقات تأكد لنا اليوم بأن قرارات اللجنة المركزية لم تتخذ بناء على قناعات واعتبارات أساسها المصلحة العامة للحزب، فهي لا تعدو أن تكون حيلة تمكن من الانتقال من السلطة التي صارت مستحيلة إلى المعارضة المريحة، وهي لم تكن في الأساس إلا رد فعل منطقي للخطة التي انتهجها مصالي الحاج· وبقي لنا أن نعرف الآن مدى نجاعة هذه الأساليب الملتوية في حل مشاكل الحزب الكبيرة والمعقدة وسيحكم المناضلون على ذلك بالتأكيد ·
لا شك أن الوضع يسوء أكثر وهو يزداد خطورة، والأمر لا يعدو أن يكون تبادلا للأدوار فقط؛ فقد تحولت المعارضة إلى سلطة والسلطة إلى معارضة، كما أن مخاطر الانقسام باتت جلية لأننا لا زلنا نشهد الصراع بين الطرفين المتنازعين: فمن جهة نجد مصالي وأنصاره الذين تسلموا السلطة، ومن جهة أخرى نجد المسؤولين والكوادر الذين يتوجسون من شبح الإقصاء، وهم يشرعون في القيام بمعارضة نشطة من شأنها أن تشكل خطرا كبيرا على وحدة الحزب·
وإن كانت انشغالات الأخوة -في الحزب- مشروعة وفي محلها، فهل هناك من سبيل يمكن من الحصول على ضمانات تحمي من الاستبداد داخل الحرب؟ فلطالما أثبتت التجارب أن الكلمات والوعود لم تحافظ على قيمتها كما أن النوايا كثيرا ما تتبدل مع مرور الوقت، وهو ما نخشاه بقدر ما نعيشه من ضغائن مؤلمة· فكثيرا ما عبرنا عن استيائنا من الطريقة التي وصل بهام مناصرو مصالي إلى السلطة في الحزب، الأمر الذي اعتبرناه سابقة خطيرة· ولكن هذا لا يعطينا الحق أبدا في أن نستخدم الأسلحة نفسها التي نعلم تمام العلم أنها لا تخدم بأي شكل قضيتنا الوطنية· فإذا عول كل فريق من الناقمين والمعارضين على أساليب ملتوية كهذه، فهذا يعني أننا لن نخرج أبدا من الدوامة المتجسدة في المواقف السلبية المعلنة هنا وهناك· وعليه، فإنه يتوجب علينا أن نعمل جاهدين انطلاقا من مبدأ وحدة الصف التي تمثل موقف المناضلين والمسؤولين لإيجاد سبل وآفاق أخرى· وإن كنا متفقين من حيث المبدأ على عقد مؤتمر للحزب، فهذا يحتم علينا أن نترك كل السلوكيات غير المسؤولة التي يتولد عنها انعدام الثقة التي تحد بدورها من فرص عقد مؤتمر بناء، لأن انعقاد مؤتمر لا يعني بالضرورة الوصول إلى أمور إيجابية، خاصة إن كان هذا الأخير يكرس فكرة الانقسام· ولهذا فإننا نعتقد بأن ما قامت به اللجنة الثورية (CRUA ) ساهم في توسيع هالة الانقسام، فرفضها للسلطة الجديدة يعني استخلافها للقيادة المنسحبة· لقد استنكرنا الإجراءات المتخذة من قبل مناصري مصالي الحاج، وحرصا منا على التزام الحياد فلا يمكننا سوى أن نرفض ما بدر منهم· كما أن موقفنا هذا يرفع عنا الغموض ويخلي مسؤوليتنا، إضافة إلى أن اللجنة الثورية تقاسمنا الأهداف نفسها:
- مؤتمر، وحدة، الدفاع عن المناضلين··· مع الاختلاف الواضح مع المصاليين··
إننا متيقنون من قدرة المناضلين والمسؤولين المحليين بحيادهم واستقلاليتهم على إنقاذ وحدة الحزب وتمكنهم من إرجاعه إلى سكة القضية الوطنية، لأن الانحياز إلى فريق أو آخر يعني خلق كتلتين متنازعتين ستتواجهان لا محالة، ولعل أن الموقف الأكثر إيجابية هو ذلك الذي عبّر عنه المناضلون والمسؤولون المحليون الذين لم ينساقوا وراء أي من الموقفين السلبيين، وهم بالتالي قادرون على ضمان الوحدة من خلال:
- اتخاذهم لموقف يعبّر عن مصالح الطرفين المتنازعين في آن واحد·
- تهيئة الجو لعقد مؤتمر للمناضلين·
- المبادرة بعقد مؤتمر وطني للمناضلين·
إذ سيتشكل هذا الأخير من ممثلين منتخبين مكلفين مباشرة من قبل مجالس ولائية منتخبة بدورها من قبل مندوبين عن القاعدة، وسيشكل كذلك ضمانا للحيادية بالنسبة للمناضلين والمسؤولين الذين يتقاسمون نفس الهموم والانشغالات· كما سنعمد خلال هذا المؤتمر على ضمان الوحدة في صفوف الحزب، وبالتالي ضمان استمراريته، وذلك بتغليب المصلحة العامة التي ستقضي على كل الخلافات التي يريد البعض استغلالها خدمة لمصالحهم الضيقة· وهكذا سنعمل على اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تدعم وتحافظ على استقرار الحزب· وسندرس بمعية السلطة الحالية في الحزب -خلال المؤتمر- كافة السبل التي تمكن من تمثيل جميع الاتجاهات والتيارات التي ظهرت على خلفية الأزمة، وهو ما يحتم عليه أن يكون مؤتمرا تمثيليا بأتم معنى الكلمة، وهذا تماشيا مع إرادة المناضلين في الحزب· وبهذا ستثمر جهود المؤتمر لا محالة بحيث سيمكن من اتخاذ قرارات سيدة تأتي في صالح المصلحة العامة للحزب·
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/10/2011
مضاف من طرف : archives
صاحب المقال : حنيفي مصطقى
المصدر : www.djazairnews.info