الجزائر - A la une


هذه أعظم جراحي ..
وطنٌ يسكنني مذ كنت في عالم الغيب، ولم اتكون بذرةً في رحم أمي بعد ، وسكنتُه وأنا عودٌ طريٌ حتى أشتد زندي وكبرت في ظله، وبه أحببتُ وحُبِبتُ، وعشقته بأبهى صورهِ وأكثرِها جمالاً ، وبقيت عاشقةً له حتى في خرابِه الأخير وهو يسير على قدميه إلى عالم الغيبِ حيث لا نعرف الى أين ، وطنٌ مصابٌ بتمزقٍ باليافه واطيافِه ، يشق صدر السماءِ بإنينِه وهجينِه، تسبق الدمعةُ لسانَه بالمرار، وتغتال كلماته غصَّات الانهيار، ينازع سكرات الوجع وانكسارات والضياع، وهو يسترق السمع الى حكاياتِ ماضيه التليد ويعد لياليه الألف بعد الألف ، يُطلِقُ الحسراتِ على أيامه يوم كان وكانت ليالي السهر تلوذ في هيامه، وتطرب لغنائِهِ كل مطربات الحيِّ، وتتراقص على اوتاره فرحاً ونشوة . توغلت الهشاشة لجسده حتى نخرت اربطته ، غرسوا الشر بين مساماته، ودفنوا أمنياته الجميلة حية تشع بالأمل ، يشكو إلى اللهِ عقوقَ اولاده، وتجبُّر اعدائِه، وقسوةُ جبابِرة الدول العظمى من يلقِّبون انفسَهم باصحاب القرار، الذين اتفقوا على تقسيمه بذريعة ان يعالجوا مرضه وهشاشته، ببتر اطرافه وتقسيمها، بذريعة أن اربطتَه ما عادت تقوى على حمل كل هذا الثقل الكبير المتوارث منذ فجر الخليقة، فكان قرارهم (التجزئةَ والتقسيمِ) ليتمكن من ممارسة رياضة العيش لما تبقى من عصر خلوده، ولنا العزاء على ذلك. ولا ادري يا حدَّة أين ساكون أنا؟ وأين سيكون صُحبي؟ وفي اي عضوٍ مبتور من اجزائِه سأسكن؟ وهل يسير الرأس دون جسدٍ؟ وهل يعمل الجهاز الهضمي بلا شقيقهِ العصبي؟ وكيف يستقيم الجسد بلا عمودهِ الفقري ليسنده؟ وكيف ينبت العشب في صحراء أخي الغربية؟ والفرات يجري قربها مسرعاً متلهفاً ليسقي نخيل البصرة وهو خائر القوى؟ فسبل الاتصال بينه وبين حبيبته دجلة قد انقطعت وهما يسيران الهونية على امل الالتقاء في مصب شط العرب القابلة مياهه للتقسيم ربما على وفق اي قبيلة لها الحصةُ الاكبر، وهو المخنوق من جيرانه حد الاحتضار .وكيف نشم نسيم اربيل ودهوك وانفي يقطن بمقبرة وادي السلام حيث روائح جثث اخوتي المغدورة في سبايكر والثرثار؟ وكيف يطرب الحي لقيثارة بابل ومنارة الموصل كومة تراب تخجل من الوقوف مجدداً؟ وبما نجيب (نمرودنا الكبير) حين يسألُنا عن احفادة المبعثرين في ارجاء المعمورة؟ وايُّ قصائدٍ ستكتمل عند نصب المتنبي وكاتبها يحلم بالوصول الى ملوية سامراء وارتقاء قمتها؟ وكم من الأسئلة تبقى معلقةٌ هنا !! وبغداد يا حدة بغدادنا ... كيف سيكون شكلها وهي المغلوبة على امرها؟ لمن ستهب رئتيها؟ وكيف ستقسم الحياة بيننا وتوزع الهواء والمياه على اولادها، وهي الأم المجبرة على رؤيتهم وكل منهم سلك طريقه بعيداً عن بيت الأسرة الكبير؟! وكيف سنتهف أن سجل فريقنا هدفا بمرمى الخصم؟ وهل سيُعطي لاعب الوسط السني الكرة للمهاجم الشيعي ليُهدِّف؟ وكيف سنرفعُ علمَنا بالفوز وقد قسمت الوانه الاربعة؟ ومن ستكون منا الفرقة الناجية لتفوز ب(الله اكبر) التي تتوسطه؟ آه يا حدة !! كيف سيكون شكل جَوازُ سفري؟ وما هي شعارات الاختام التي ستُطبَع فوقَه؟ وهل سأحتاج لها لو فكرت بزيارة صديقةِ دراستي من الطائفةِ الاخرى؟ وحين توافيني المنيةُ، كيف ستكون مراسيمُ دفني؟ وأيُّ بقعةٍ من ارضي ستواري جثماني، والارض ترفضنا إن فرطنا بها؟ كأنَّ تقسيمنا بات واقعنا في نظر الدول العظمى والدول الشقيقة كما يطلق عليها، وبعض الخونة من الداخل!يقسمون ماضينا وحاضرَنا وذكرياتِنا واشجارَنا وسماءَنا وشوارعَنا، .. قولي لهم يا حدة : نحن لن نركعَ ولن نرضخَ ولن نُقَسَّم، لاننا نحمل العراق كل العراق بقلوبنا وارواحنا، بل ونتنفسه، فالكلُّ يعرفُنا عراقيينَ من لهجَتنا وسُمرتِنا قبل أن يسألوننا، ودائما نسبِق سؤالَهُم بالجوابِ المحبَّبِ علينا (عراقيون نحن) وعراقيةٌ أنا احملُ العراقَ فوقَ صدري وفي صدري (كتابٌ لا يمَسَّهُ إلا العاشقون).




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)