الجزائر

هذا الأسبوع ''التعليم.. ضحية الأمن''



 برأي أخصائيين، من الضروري إنعاش إصلاحات الوزير، قبل فوات الأوان. ومن جهتهم، يطالب طلبة النهائي الذين تجمعوا الخميس بالعاصمة، برأس الوزير بن بوزيد.
لم يهدأ هذا القطاع منذ سنوات. ولم يعد تحدي رفع المستوى هو الأولوية، أمام توالي مهمات حفظ النظام داخل قطاع حساس.
إن انتقال مطالب تلاميذ النهائي، الذين تجمعوا الخميس الماضي بالعاصمة، للمطالبة برأس الوزير، تتجاوز فرضية المؤامرة . هناك احتقان، وانسدادات، تجعل شهور العام الدراسي عبارة عن أيام غضب متتال. واستمرار حالة التوتر والاضطرابات تزيد في تعقيد جهود إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
إن الوزير يمثل الحكومة، ولا يعبر عن مواقفه هو. والطريقة المنتهجة في معالجة ملف التربية، والتعليم بشكل عام، كانت ضمن رؤية شاملة للسلطة، قائمة على فرض القرار ثم مناقشة تداعياته مع الشركاء. وغالبا ما تلجأ إلى ترك الأمور تتعفن، بحجة تركها تنضج .
إن اللجوء الدوري إلى نقابيي الحكومة يتم بغرض تبرير الانشقاق، من خلال الترويج لصور وخطابات الاختلاف والتباين، وتشكيل صورة عن استحالة تفاهم متعاملي القطاع فيما بينهم. ولعل ممثلي التربية استصغروا حجم الخطر الذي يمثلونه على نظام العلاقات التقليدي بين السلطة وبين المنظمات المهنية والاجتماعية، وهو الأمر الذي لم تغفله السلطات منذ سنوات، حيث عرفت بأن عمل تلك النقابات أخذ شكلا تصاعديا في نوعية العمل ، وأنه يطرح البديل لعمل نقابي آخر، فلسفته التنوع والتكامل. وأن نجاح المسعى، بالموازاة مع جهود النقابات المستقلة للإدارة، يفتح فجوة ضخمة يصعب التحكم في تطوراتها.
ربما كانت أموال الخدمات الاجتماعية محطة، راهن البعض على تحوّلها إلى قبر لمسار، من خلال زرع فتنة قاتلة وسط العاملين بالتربية. والمرور على تلك المحطة بسلام يعزز في قوة ونوعية العمل، لكنه سيأتي معه بمقاومات من نوع جديد، وربما تكون أكثـر حدة.
فمن يتحكم في المال سيتحكم في شرايين القطاع، والإغراء أو توريط الممثلين، سيكون نقطة ضعف كل تنظيم يفتقر لأدوات المراقبة والتداول. وتثبت التجربة أن استقرار الأسماء في المناصب يكون على حساب رسالة الوظيفة. وعندما نتحدث عن التداول، كأننا نفتح علبة متفجرة. فآفة اللاتداول أضحت أسلوبا وغاية سياسية واقتصادية منفعية، تمكن من البقاء والاستمرار، وتمكن من الإفلات من المحاسبة.
سيكون التداول أحد مفاتيح التغيير. وأول خطوة نحو التغيير ستأتي يوم يتم فيه التداول على المهام بالبرامج. ويجب الاعتراف أننا نعاني نقصا في هذا الجانب، وأصبحت النظرة إلى المصلحة العامة معبأة بمعاني الانتفاع، نظرة ترى في المال العام ثديا لا ينضب حليبه .
ولنعد إلى التعليم والتربية، لأنه الميدان الذي سيحدّد مكانة جزائر الغد. من الضروري فتح نقاش وطني، غايته ترتيب الأولويات المؤدية إلى تحسين المستوى، وإلى توفير ظروف لائقة بممارسة التعليم.
الأمر ممكن، ومرتبط بقرار. ولا يحتاج من الضمانات، إلا إشراك أخصائيين مستقلين، غير مهيكلين مصلحيا ولا سياسيا، حتى نتفادى تكرار تنظيم لقاءات تكون غايتها تبرير ما هو موجود. فقد شهدت سنة 1102 تنظيم لقاءات عبر العديد من الولايات، كان ينتظر أن تكون فضاء مفتوحا لممثلي المجتمع المدني، لكنها تحوّلت إلى منبر يقصي الرأي الآخر.
إن الاستمرار في تغليب أسلوب التأخير والتقديم على أسلوب التعقل والموضوعية في معالجة التحديات، سيرهن المستقبل، ويجعله أكثـر تعقيدا. وإزالة الحواجز المؤدية إلى إعادة بناء الثقة لن تكون بأسلوب تنظيم مهرجانات مساندة أو مباركة أو مزكية لأمر واقع، إنما تكون بأسلوب مساندة التغيير، ومباركة تحسين الأداء، وتزكية الأفضل . وسنأخذ حينها الوجهة السليمة نحو المستقبل.
لقد فشل القمع في إسكات مطلب التغيير، وفشل الأسلوب الشمولي في منع تنامي التعبير عن سوء ظروف العمل والحياة. ونحن مطالبون، اليوم أو غدا، بتفضيل الحوار، واحترام الرأي، لتمكين السلم من تشييد إقامته بيننا. لقد أخرجناه من ديارنا ليهيم راحلا هاربا، من غير مستقر.   
hakimbelbati@yahoo.fr


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)