اجتاحت الأفراح مئات الآلاف من العائلات إثر إعلان نتائج البكالوريا، وظهر وزير التربية أمام الكاميرات بضحكته الطفولية معلنا أن هذه أعلى نسبة نجاح في البكالوريا منذ الاستقلال. وتحطمت الأرقام القياسية لأعلى المعدلات حيث كادت الجزائر كلها أن تحقق سعادة شعبها بمعدل سبعة عشر ونصف نقطة على عشرين.
يا للفرحة إذا صدقنا هذا السيناريو، فهذه النتيجة لم يحققها لا الطلبة الألمان ولا اليابانيون ولا الأمريكيون المشهورون بخفة أدمغتهم، لكن الطلبة الجزائريين بقدرة سيدي عبد القادر أصبحوا من أذكى الطلبة في العالم، خاصة في مجال العلوم، حيث المنافسة ليست شعوذة ولا بلعطة ولا حتى موهبة في التعبير!؟ وإنما تعليم جيد حسب أفضل القواعد البيداغوجية في العالم، وطلبة مجتهدون لا يضيّعون وقتهم مبحلقين في شاشات التلفزيون، وأساتذة راضون بمهنتهم التي تحقق لهم محفزات العمل ليل نهار.
أعتقد، لم تصل حكومة في العالم إلى تحقيق هذه العناصر الثلاث لتوفير نسبة نجاح بهذا الكم الكثير والمعدل العالي مثلما حدث في الجزائر، ولولا حسد وسخرية حكومات بعض الدول المتطورة من عبقرية حكومتنا في مجال التعليم، لأرسلت بعثات تلو الأخرى من أساتذتها لإعادة رسكلتهم في منظومتنا التربوية واطلاعهم على أسرار إنجاح طلبة لا يبذلون جهدا مطلقا طيلة سنوات الدراسة الثانوية، ومع ذلك ينجحون في البكالوريا بمعدل لم يحققه اينشتاين ولا أحمد زويل ولا بوبكر بن بوزيد!؟
ستنتقد بعض الأطراف ذات النظرة الحادة والابتسامة التي لا تفتر على أسنان بيضاء، مثل هذه السياسة التي تفتقد لبعد النظر وللتفكير في المستقبل، بل تعتبرها تخريب مبرمج لهذا الوطن وتتفيه لهذا الشعب على المدى القصير. ذلك أن التعليم، وحتى العمل، هو بالدرجة الأولى اجتهاد ومنافسة واستعداد تربوي للإنسان، فإذا افتقد هذه العناصر سيتكاسل ويعتبر النجاح مضمون مدى الحياة، ولن يرى حينها ضرورة لأن يتعلم شيئا في حياته، أي بمعنى آخر يصبح ميتا، فالذي لا يتقدم يتأخر ومن يتأخر خطوة بعد خطوة تزلّ قدمه في حفرة وينثال عليه التراب.
هذه هي القاعدة في حياة الشعوب. وكل المعاناة التي يعانيها المواطن الجزائري اليوم لا تعود لأسباب مادية فقط، وإنما لأسباب معنوية أعمق ومنها عدم تلقيه تربية سليمة وتعليما كافيا ومنافسة شريفة تؤهله لبذل المزيد من الجهد والعقل لتحقيق حياة مريحة.
سأضرب مثلا واحدا على ذلك، فإدارات الحالة المدنية أصبحت توظف حاصلين على ليسانس في ظروف تفشي البطالة التي يعاني منها الشباب، ومع ذلك لا يجد المواطن فيها استقبالا مؤدبا، وقد أصبحت كتابة الأسماء والتواريخ تعتبر من الأخطاء الشائعة في الإدارة الجزائرية، علاوة على ذلك، ينتهي في الغالب مستقبل هذا النوع من الموظفين إذا كانوا من الصابرين، إلى بيروقراطيين سمجين بلا طموحات ولا مزايا.
هذا ما حققته سياسة التربية والتعليم الممارسة في جزائر اليوم، أي المزيد من الناس بلا طموحات ولا مزايا. كل ما يتعلموه في حياتهم هو الخروج إلى الشارع للحصول على فتات من الإضافات للرواتب لا يصل في حده الأقصى للنجاح إلى نسبة سبعة عشرة ونصف درجة على سلم الوظيف العمومي.
أعتقد أنها واقعية تلك النكتة المضحكة المبكية التي يتداولها الشباب الجزائري اليوم والتي تقول في معناها أن كل من لم يأخذ شاحنة ماستر من إسطبل وكالة تشغيل الشباب أعطوه البكالوريا من إسطبل بن بوزيد... والحديث قياس.
كل ما بقي لي قوله بعد طلب الرحمة والرأفة من الله بهذا الشعب، هو أن أهمس في أذن المستقبل بعبارة واحدة: ''عذرا أيها المستقبل، لسنا جاهزون بعد لبلوغ نجاحك العالي''؟!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/07/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : عبد العزيز غرمول
المصدر : www.elkhabar.com