الجزائر

نظرة حادة درس المشاغبين



 وجدت الحكومة نفسها برئاسة فخامته وجها لوجه مع أحداث لم تحسب لها حساب. ووجد المغفور له وزير الداخلية نفسه يبرر الأحداث، كما بررها سلفه في أكتوبر 88، بأنها مجرد شغب أطفال ليس له أبعاد سياسية، ولا علاقة له بارتفاع أسعار المواد الأساسية، ولا حتى معاناة ثلث المجتمع الجزائري من أزمات البطالة والسكن و.. و... وبمعنى آخر أن ملايين الشباب الذين خرجوا للشارع مجرد ''باندية'' و''لصوص صغار'' كما أسمتهم إحدى الجرائد واسعة الانتشار.
سنتجاوز ما قيل ويقال عن أسباب الغضب الشعبي، ونذهب مباشرة إلى الدرس الذي لم يستوعبه وزير الداخلية، ولا رئيس حكومته، بحكم بعدهما عن انشغالات الشعب وقلة فهمهما للعصر الذي يعيشون فيه.
النقطة الأولى أن هذا النظام أفرغ كل محتوى سياسي واجتماعي لوجوده، إلى حد أنه أصبح كلما يعبر الناس عن غضبهم من سوء معيشتهم يتهمهم بالشغب ويبعث لهم الشرطة لقمعهم.. أي أنه قطع كل قنوات الحوار والتواصل مع الناس الذين يتربب عليهم.
 النقطة الثانية أن هذا النظام لم يعد يفهم أن غضب الناس من ارتفاع الأسعار أو أزمة السكن الخانقة أو المطالبة بالحق في الشغل وأكل خبز نظيف... هي كلها مطالب سياسية تعني أن الحكومة فشلت في تحقيق العيش الكريم والسلمي لمواطنيها.. وهذه سياسة وليس شغب.
والثالثة هي تفريغ الأطر السياسية من محتواها الاجتماعي والتواصلي مع الناس. فالمفروض أن أي حركة شعبية أو تعبير عن غضب، أول من يواجهه ويتحاور معه هم المنتخبون من المجالس المحلية التي يتزعمها وزير الداخلية.. ماذا يفعل رئيس بلدية، وهو يدعي أنه منتخب بنزاهة من طرف هؤلاء الناس، إذا كان غير كفء لمحاورة مواطنيه وتهدئتهم وإقناعهم بإيجاد حلول لمشكلاتهم.
والرابعة، أن هذا النظام الذي عمل المستحيل منذ عصر الشاذلي بن جديد على سحق الطبقة الوسطى، طبقة التوازن الاجتماعي، وتفقيرها إلى حد الإخلال بحقها وواجبها في الحفاظ على هوية المجتمع وتوازنه... ها هو يجد نفسه بعد ثلاثين سنة معزولا ووحيدا أمام احتجاجات مطالبية للحقوق الأساسية للمواطنين، كالحق في السكن والشغل والتعبير عن مرارة الحياة في هذا البلد... وهذا يفترض أننا تجاوزناه في القرن الماضي.
والخامسة، أن هذا النظام طيلة العشرية الماضية مارس سياسة الأرض المحروقة، فقام بتدمير كل أنواع المعارضة والاختلاف معه، وفتت كل جمعيات المجتمع المدني، وهمش المثقفون وأهل الرأي والحوار، ودجن الدعاة والعقلاء... ولم يترك بينه وبين مواطنيه قنوات حوار سوى شرطة مكافحة الشغب.
والسادسة والسابعة، أن هذا النظام، وفي ظل هذه الظروف القمعية، وتحت غطاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية، لم يترك للناس حتى رغبة الدفاع عن ممتلكاتهم، وحماية حياتهم المهدورة أصلا...
عن أي شغب يتحدث وزير الداخلية؟ وما هي اللغة التي على هؤلاء الناس أن يتحاوروا بها مع حكومتهم سوى لغة الحجر.
 نعتقد أن أفضل مواجهة للأحداث الحالية، ليس الاكتفاء بالتراجع المتعسف لغلاء الأسعار، وإنما بفتح حوار داخل نظام الحكم والتفكير الجدي في الذهاب إلى بيوتهم والكف عن مشاغبة الناس كي يكف الناس عن رشق شرطتهم بالحجارة. 


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)