تبيّن مع مرور الوقت أن قناة نسمة التونسية التي راهنت على شعار المغاربية من أجل دخول جميع بيوت الجزائريين، كغيرهم من شعوب المنطقة، فقدت الكثير من بريقها في رمضان 2012، وخرجت من سباق التنافس على الريادة لصالح قنوات تلفزيونية خاصة، وأيضا لصالح التلفزيون العمومي، الذي ما يزال حتى الآن مستفيدا من أخطاء الخواص غير المستعدين تماما لمواجهة اختبار الصورة في أول مواسمها الرمضانية المتحررة!
نسمة التي راهنت على مسلسل جزائري يتيم، هو "زين سعدك 2"، ظهر جليا أنها فقدت الكثير من أسهمها، ولم تعد متابعة بالشكل الذي كانت تروج له في السابق، لا بل إنها فقدت المزيد من شعبيتها في عقر دارها، بعدما ظهرت عدة قنوات جديدة، على غرار التونسية، والجنوبية، وتونسنا، وأيضا الحوار التونسي، وهي كلها قنوات وليدة الراهن السياسي الحر، والمشهد الجديد الذي أفرزته ثورة الياسمين، وساهمت من خلاله في تحرير قطاع السمعي البصري بعدما كان محصورا في أصدقاء الجنرال الهارب بن علي، على غرار نسمة ذاتها التي انقلبت بين عشية وضحاها، إلى "نسمة الحرية" خلال الساعات الأخيرة لهروب الدكتاتور سعيا منها لطيّ صفحة الماضي وتبييض مسارها المشبوه!
سقوط قناة نسمة فيما بعد ضمن فخّ محاربة التيار السلفي والتصدي لما وصفته بالأصولية الإسلامية، جعلها تهدر مزيدا من الوقت الذي استغلته قنوات تونسية في الداخل من أجل تطوير نفسها، فيما جاء ظهور قنوات تلفزيونية خاصة، لا تعمل بربع الإمكانيات التي تتوفر عليها نسمة المدعومة من ميردوخ وبيرلسكوني، في هز مكانتها جزائريا، والمساهمة في تراجع ريادتها، حتى وإن ظلت تلك الريادة المزعومة تطرح أكثر من سؤال في ظلّ غياب دراسات علمية محايدة لسبر الآراء.
الخطأ الشنيع الذي ارتكبته نسمة من خلال إساءتها للذات الإلهية عبر بثها لأحد الأفلام الأجنبية، ورغم التراجع والاعتذار عنه، وكذا إدانة صاحب القناة بسببه، يبدو أنه ساهم أيضا وبقسط كبير في تراجع شعبية القناة، رغم أن صاحبها حاول اللعب على وتر حساس وخطير، حين أخرج ورقة الاضطهاد والملاحقة القانونية وكذا تعرض منزله للحرق وتهديد حياته، من أجل الظهور في شكل شهيد الحرية بحثا عن مزيد من الشعبية والرواج والإعلانات لقناته، لكن هيهات، فتلك اللعبة لم تعد تؤتي أكلها في عصر الربيع العربي!
المتابع لبرنامج رمضان على نسمة هذه السنة، سيدرك لا محالة أن القناة بدأت تخاطب المشاهد التونسي بالدرجة الأولى، بعدما حصرت الأعمال الجزائرية في مسلسل واحد، هو زيّن سعدك، "أكثر كلمة تحتاجها قناة نسمة حاليا" بعدما تراجع "سعدها كثيرا" ليس في الجزائر فحسب، ولكن أيضا في المغرب الذي نجحت قنواته المحلية في بسط هيمنتها منذ فترة محليا، وحتى في بلدان مجاورة أخرى، على غرار برامج قناة دوزام، أو حتى ميدي 1 سات، وكذلك المشهد التلفزيوني الليبي الذي يعرف حاليا مخاضا كبيرا، ساهم في تعدد القنوات التلفزيونية وتنوع الصورة التي ظلت أحادية لعقود، والأمر ذاته بالنسبة للجزائر، حيث قلص ظهور قنوات تلفزيونية خاصة في شعبية نسمة محليا، إن لم يكن قد أنهاها بالكامل، زيادة طبعا على غياب إنتاج درامي جزائري على القناة التونسية التي بدأت في الاعتراف مع مرور الوقت أن السوق الجزائرية ماضية للفقدان.
الغريب أن نسمة فقدت حتى ميزة الحصرية في الأعمال الدرامية العربية، حيث لم تراهن سوى على مسلسل "عمر" للمخرج السوري حاتم علي، لكن تعاقد التلفزيون الجزائري على بثه أخلط أوراق القائمين على القناة التونسية، كما خسرت رهان بث المسلسل المصري "فيرتيجو" الذي تقدمه قناة حنبعل حصريا، وهو من بطولة الممثلين التونسيين هند صبري وظافر العابدين، وفيما كانت نسمة قد حصلت في مواسم سابقة على حصرية بث الأعمال الشهيرة في البيئة الشامية على غرار باب الحارة، نجد أن القناة الليبية، الوليدة حديثا، نجحت هذه السنة في بث مسلسلي "زمن البرغوث" و"طاحون الشر" في الوقت الذي لم تحصل فيه نسمة على أي منهما!
يبدو أن نسمة الغارقة في الشأن المحلي من رأسها حتى أخمص قدميها، مطالبة بمراجعة سياستها الترويجية القائمة على شعار الأولى مغاربيا، لأن هذا الأخير بات من الماضي السعيد، وتحديدا بعد تغير المشهد السمعي البصري في الجزائر وليبيا، وحتى في تونس، حيث لا يمكن أن تكون الأولى في كل الأوقات، وخصوصا عندما لا تحارب أصلا من أجل البقاء في المرتبة الأولى!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 09/08/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الشروق اليومي
المصدر : www.horizons-dz.com