الجزائر

ندوة ''الخبر'' حول ''طبيعة الحقبة العثمانية'' الأتراك لم يستعمروا الجزائر بل رسموا حدودها



تمسك الجزائريين بالخلافة الإسلامية دفعهم إلى الاستنجاد بالعثمانيين اتفق المشاركون في ندوة الخبر التي تناولت طبيعة الحقبة العثمانية في الجزائر ، على أن العثمانيين لم يحتلوا الجزائر، ولم يرتكبوا جرائم إبادة. واعتبر الدكتور شكيب بن حفري، أستاذ التاريخ العثماني بجامعة الجزائر، أن العثمانيين هم من مكنوا الجزائريين من الاحتفاظ بمقومات شخصيتهم الوطنية، وهي العربية والإسلام. وقال بلقاسم باباسي إن الحدود الحالية للجزائر رسمها العثمانيون الذين ردوا أطماعا توسعية من الشرق والغرب . بينما اعتبر رضا عمراني، المكلف بالدراسات التاريخية بمؤسسة القصبة ، أن الجزائريين رضوا بالعثمانيين لأنهم كانوا يمثلون الخلافة الإسلامية.     قال إن الكتابات التاريخية الإسبانية والفرنسية قدمت الأتراك كاستعماريين الدكتور بن حفري: العثمانيون لم يفرضوا علينا لغتهم بل حافظوا على عاداتنا وتقاليدنا    يعتقد أستاذ التاريخ العثماني بجامعة الجزائر، شكيب بن حفري، أن الحديث عن وجود استعمار عثماني للجزائر يعدّ بمثابة ابتعاد عن الحقيقة التاريخية. وقال إنه لا يمكن وصف الوجود العثماني في الجزائر بالاستعمار، مثلما يريد أن يروّج له بعض المتأثرين بالكتابات التاريخية الفرنسية والإسبانية التي أرادت تشويه العثمانيين وتقديمهم في صورة تجسد الاستبداد الشرقي، لتبرير التنصير بالنسبة للإسبان، والغزو بالنسبة للفرنسيين. واعتبر بن حفري أن صفة الاستعمار تسقط بمجرد تقديم عدد من الحقائق التاريخية، منها أن الأتراك: تركوا لعشائر وقبائل الجزائر حرية الحفاظ على عاداتهم وتقاليدهم، آخذين بعين الاعتبار قضية العصبية . وكشف بن حفري، بالمناسبة، أن مشايخ الصوفية في الجزائر هم من طرحوا وروّجوا لفكرة الاستنجاد بالأتراك ، مضيفا: لقد سهر العثمانيون على احترام ورعاية معتقدات الجزائريين وتقاليدهم. وفي عهدهم، كانت مؤسسة الأوقاف تسهر على تنظيم الخدمات الاجتماعية ودفع رواتب القضاة... وغيرها من الشؤون التي كانت توجه لصالح عامة الناس لتحقيق التجانس الاجتماعي .  وفي نفس السياق، اعتبر رضا عمراني، نائب رئيس مؤسسة القصبة المكلف بالبحث والدراسات التاريخية، أن تعامل الأتراك مع سكان الجزائر استند على معاملة حسنة نبذت العنف، مضيفا أن الجزائريين رحبوا بالأتراك ورضوا بالولاء للعثمانيين، من منطلق اعتبارهم طرفا يمثل ويجسد الخلافة الإسلامية. وعاد عمراني إلى علاقة الجزائريين بالخلافة الإسلامية ووصفها بالعلاقة التاريخية، معتبرا أن الجزائريين هم من أكثـر الشعوب العربية استجابة لنداء الحرب ضد  الصليبية. وتوقف عند الدور الكبير الذي لعبه هؤلاء بقيادة سيدي بومدين خلال الحروب الصليبية التي قادها صلاح الدين الأيوبي ضد جيوش ريتشارد، قلب الأسد في القدس الشريف. وحسب عمراني، فإن قبول الجزائريين بالأتراك يدخل في سياق تاريخي ونفسي، يبرز من خلال رفض الجزائريين لكل المحاولات الصليبية التي كانت تسعى لبسط نفوذها وسيطرتها على الضفة الجنوبية للمتوسط. وبما أن الإسبان كانوا يمثلون هذا المد الصليبي، تعاون الجزائريين مع الإخوة عروج وخير الدين بروح دينية. ومن جهته، رفض بلقاسم باباسي، رئيس مؤسسة القصبة، جملة الأفكار والتأويلات الحالية التي تقدم العثمانيين في صورة استعمار، وقال: هناك طرح يبالغ في تقديم حجة أن العثمانيين أثقلوا كاهل الجزائريين بالضرائب. لكن غالبا ما ينسى هؤلاء أن عملية جمع الضرائب عبارة عن نظام عصري تقوم عليه الدول، فلماذا المبالغة في اعتبار عملية جني الضرائب بأنها ظاهرة سلبية، ومتعلقة بالعثمانيين لوحدهم .  وإضافة إلى ما قاله باباسي، أوضح عمراني: لقد اعترف فرحات عباس في كتابه ليل الاستعمار بأن العثمانيين أوجدوا نظاما إيجابيا في الجزائر .   بلقاسم باباسي يصف علاقة الجزائريين بالعثمانيين بالجيّدة القول بأن الأتراك استعمرونا  تصور كولونيالي  وصف بلقاسم باباسي علاقة العثمانيين بالجزائريين بالجيّدة، وقال: العلاقات كانت حسنة بصفة عامة، بدليل أن كثيرا من رياس البحر كانوا من أصول جزائرية، على غرار الرايس حميدو الذي بلغ أسمى الرتب في البحرية التركية . وأضاف باباسي: أريد فقط أن أوضح نقطة مهمة يستعملها كثير من مروّجي الصورة السلبية حول الأتراك، والتي تتعلق بنظام القرصنة المعتمد من قبل العثمانيين. يجب أن يعلم هؤلاء أن القرصنة كانت عبارة عن نظام مؤسس له قوانينه، بمعنى أن رياس البحر كانوا يتحركون وفق استراتيجية تضعها الدولة، وليس وفق أهواء شخصية . ومن الدلائل التاريخية التي قدمها بلقاسم باباسي بخصوص تعامل العثمانيين مع الجزائريين، مسألة احترام الأولياء الصالحين، حيث قال: أوجدت البحرية بعد دخول الأتراك إلى الجزائر تقليد إطلاق ثلاث طلقات مدفعية حينما تغادر السفن ميناء الجزائر، وذلك تبركا بسيدي عبد الرحمن، الولي الطاهر. وكانت أجزاء كبيرة من الضرائب والغنائم تدفع كنفقات للضريح . وأوضح ضيف ندوة الخبر : أعتقد أننا نبتعد كثيرا عن الحقيقة التاريخية لما نعتبر العثمانيين بمثابة استعمار، فهم من رسم لنا حدودنا الحالية، ووقفوا ضد محاولات الدولة المرينية في الغرب للاستيلاء على أجزاء من الجزائر إلى غاية تلمسان، كما وفقوا ضد حملات الدولة الحفصية في الشرق لبسط نفوذها على حساب الجزائر إلى غاية قسنطينة . وبخصوص هذه المسألة، قال عمراني: لقد شكل العثمانيون في الجزائر قوة عسكرية حمت الحدود، وأتأسف كثيرا اليوم لرواج الفكرة القائلة بأن وجودهم في الجزائر كان استعمارا، ومثل هذه المقولات تبرز فكرة خطيرة تسير في منحى كولونيالي، يعتبر أن الفرنسيين قدموا فعلا لتخليصنا من استعمار شرقي، وهذا غير صحيح . وتحدث عمراني عن بعض الكتابات التاريخية الجزائرية التي تناولت الحقبة العثمانية وفق تصور سلبي، وذكر كتاب مولود قايد الصادر بعنوان الجزائر تحت الحكم التركي ، معتبرا اختيار هذا العنوان بالذات، أي أن الجزائر كانت تحت الحكم التركي، بمثابة اعتراف بوجود سيطرة تركية على الجزائر، وهذا غير صحيح.   الدكتور بن حفري يتساءل من أي مصادر نقرأ التاريخ الوثائق والأرشيف تبرز وجود علاقات ودّ بين العثمانيين والجزائريين  أصرّ الدكتور شكيب بن حفري خلال ندوة الخبر ، على طرح السؤال التالي: من أي مصادر نقرأ الذاكرة التاريخية الجزائرية؟ . وقال إنه يوجد إلى حد الآن ثلاثة مصادر، وهي ما كتبه الإسبان، والفرنسيون، والرحالة الإنجليز. واعتبر أن هذه المصادر لا تخدم الذاكرة الجزائرية ولا النقاش الذي يدور حاليا بخصوص الحقبة العثمانية.  وأوضح ضيف ندوة الخبر أن الإدارة العثمانية تركت وثائق كثيرة حول طبيعة علاقة وجودهم، ويجب الاعتماد عليها لفهم طبيعة هذه الحقبة، وتجاوز الأطروحات الفرنسية والإسبانية والإنجليزية.  وقال بن حفري: ندرك من خلال هذه الوثائق الموجودة أن العلاقة بين الطرفين كانت علاقة ودّ وتعاون، من أجل تخليص الجزائر من خطر البينيون أو الحصن الذي بناه الإسبان على بعد مائتين متر من الجزائر العاصمة ، مضيفا: إن من يدرس السياسة الدينية العثمانية في الجزائر، يجد أن العثمانيين تعاملوا بإيجابية مع رجال الصوفية، من منطلق أن العثمانيين طرحوا فكرة الجهاد وكانت أساس التعامل بين الطرفين . وكشف بن حفري بالمناسبة أن شيوخ الصوفية هم من اتفق مع عروج على القضاء على ملك الجزائر سليم التومي ، بعد أن اكتشفوا تورطه واتصاله مع الغزاة الإسبان. وقال: بعد أن أدرك سليم التومي أن عروج عجز عن إبعاد خطر الإسبان عن مملكته، بدأ يراوده الشك، فغير رأيه، واتصل فعلا بالإسبان لطرد ما اعتبره الخطر التركي عليه، وهذا ما يفسر اغتياله .   بعد استمرار اعتداءات الصليبية على الجزائر  لولا العثمانيون لكنا نتكلم اللغة الإسبانية مثل أهل سبتة ومليلية  في سياق رفض الأطروحات التي تتحدث عن الاستعمار العثماني في الجزائر ، قال الدكتور بن حفري: لو كان الوجود العثماني في الجزائر استعمارا فعلا، فإن اللغة التي نتكلم بها اليوم هي اللغة العثمانية وليس العربية، فالأتراك لم يفرضوا لغتهم على الجزائريين مثلما فعل الفرنسيون، بل اعتمدوا على اللغة العربية كلغة للدولة الجزائرية، وكانت المعاهدات تكتب بالعربية وليس بالعثمانية ، مضيفا: لولا قوة بربروس، لكنا نتكلم اليوم اللغة الإسبانية وليس العربية. ثم إن الجزائر في عهد الأتراك كانت تمضي على المعاهدات مع الدول الكبرى بنفسها ودون تدخل الباب العالي في شؤونها، وكانت تلك المعاهدات تمضى باسم مملكة الجزائر أو جمهورية الجزائر .  وعقب الأستاذ بن حفري: وكنا مثل سبتة ومليلية. فبفضل الأتراك، بقينا على الديانة الإسلامية، فالإسبان كانوا يسعون لتنصير كل الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. فبعد أن استعادوا إسبانيا وأخرجوا العرب والمسلمين منها، أرادوا بسط نفوذهم والقضاء على المسلمين، ليس في بلادهم فقط بل في كل البحر المتوسط .  وبشأن التسميات التي أصبحت تتداول بعد بروز الأطماع الفرنسية على الجزائر، أوضح الدكتور بن حفري: رفض نابليون بونابرت استعمال تسمية مملكة الجزائر ، وأوجد تسمية جديدة لها نية سيئة وهي تسمية ْLa régence d'Alger التي تعني مناطق دون ملك، تنتظر من يستولي عليها .       باباسي ينفي أن تكون الجزائر قد عرفت مجازر في عهد العثمانيين  نفى بلقاسم باباسي أن تكون الجزائر قد شهدت أي مجازر إبادة في العهد العثماني، مثلما جرى مثلا خلال الحقبة الاستعمارية من 1830 إلى غاية .1962 وأوضح ضيف ندوة الخبر أن الجزائر العاصمة التي نعرفها اليوم كانت رقعتها الجغرافية تمتد من ثانوية الأمير عبد القادر إلى المسرح الوطني الجزائري، لكنها توسعت بفضل العثمانيين. وعليه، لم يكن الحكم استبداديا ولم تعرف تلك الحقبة أي مجازر، باستثناء اللجوء للعنف لوضع حد لتمرد فئة الكراغلة (وهم نتاج زواج بين العثمانيين والجزائريات) الذين حاولوا اقتسام السلطة والقضاء على نظام الحكم المنغلق. ويعتقد باباسي أن الأتراك لم يلجأوا للعنف لفرض نفوذهم على الجزائر، بدليل أنهم لم يدخلوا مدينة تيزي وزو مثلا إلا بعد مائة عام. ومن بين الحقائق التاريخية التي تفسر وجود علاقة حسنة بين العثمانيين والجزائريين، قال باباسي إن مختلف القبائل والعشائر الجزائرية التي تأتي للدفاع عن المحروسة حينما يهدّدها الخطر الإسباني، وذلك ضمن تحالف مقدس مع العثمانيين، وقال: كان يوجد تحالف مقدس يقوم على الاتحاد لرد الصليبيين .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)