بعد استقلال الجزائر عام 1962، أصّر محمّد الشّريف، والد أحلام مستغانمي، وأحد وجوه النضال الجزائريّ ضدّ الاستعمار الفرنسيّ، على إرسال ابنته البكر إلى أوّل مدرسة عربيّة للبنات في الجزائر، ثمّ إلى "ثانوية عائشة أمّ المؤمنين" أوّل ثانويّة معرّبة للبنات، كي تدرس العربيّة التي حُرِم رجال جيله من تعلّمها. مما جعل أحلام واحدة من أوائل جيلها لتلقّي التعليم باللغة العربيّة. فتخرّجت من كليّة الآداب مع أوّل دُفعة مُعرّبة في الجزائر في بداية السبعينات. وهكذا عاشت أحلام مسكونة بعشقها للّغة العربيّة، وبهاجس القضايا القوميّة التي تربّت عليها بحكم التاريخ النضاليّ لوالدها، والوهج الثوريّ الذي رافق صباها على زمن الرئيس الراحل هواري بومدين و الزعيم جمال عبد الناصر.
لقد تركت هذه المرحلة بصماتها الأبديّة في وجدان الكاتبة، وبالتّالي على أعمالها الأدبيّة، التي مُذ نصوصها الأولى وحتى آخر إصداراتها، تناوبت عليها قضايا الأمّة بأحداثها ومآسيها، حتى غدت أحلام ابنة كلّ الأوطان العربيّة.
بعد إصدارها في السبعينات عملَين شعريّيَن شكّلا حدثًا أدبيًّا في الساحة الأدبيّة الجزائريّة، هما "على مرفأ الأيّام" و"الكتابة في لحظة عُريّ" عن دار الآداب، انتقلت أحلام مستغانمي في الثمانينات للعيش في باريس. فتزوّجت هناك من صُحفيّ لبنانيّ وكرّست بعدها حياتها لأسرتها، ولمتابعة دراستها في جامعة السوربون. ومنها نالت عام 1985 شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع، بإشراف شيخ المستشرقين البروفسور جاك بيرك.
عام 1993، أحدثت أحلام مستغانمي هزّة في العالم الأدبيّ عُقب إصدار روايتها الأولى "ذاكرة الجسد"، التي بيع منها أكثر من مليون نسخة، وبلغت مجمل طبعاتها الأربع والثلاثون طبعة (دون احتساب الطبعات المقرصنة التي تتجاوز هذا العدد).
إن رواية "ذاكرة الجسد" شلاّل من الأحاسيس العاطفيّة والوطنيّة، كُتبت بلغة شاعريّة عالية وبوجع الخيبات الكبرى، أهدتها الكاتبة إلى والدها وإلى الروائيّ والشاعر الجزائريّ الفرنكوفونيّ الراحل مالك حدّاد (1927-1978)، الذي يقاسم والدها مأساة حرمانه من تعلّم اللغة العربيّة، مما جعله يعلن غداة الاستقلال أن الفرنسية منفاه، وأنه سيتوقّف عن الكتابة لرفضه التوجّه لشعبه بلغة ليست لغته. فظلّ مالك حدّاد على عهده إلى أن مات" شهيد اللغة العربيّة" بحسب تعبير الكاتبة، التي أسسّت عام 2000 جائزة بإسمه هي أهم جائزة أدبيّة في الجزائر، تهدف الى دعم كتاّب اللغة العربيّة الشباب. ولقد ساهمت الجائزة التي أشرفت عليها الكاتبة حتى عام 2008 في إطلاق أسماء جزائريّة في المشرق العربيّ، وفي نشر أعمالهم في كبرى دور النشر المشرقيّة.
تُعتبر أحلام مستغانمي من أوائل النساء الجزائريّات اللواتي كتبن باللغة العربيّة، وأوّل كاتبة عربيّة معاصرة مهيمنة على قائمة المبيعات للكتب منذ عدّة سنوات في كافّة الدول العربيّة.
على مدى ثلاثين عامًا، أصبحت أحلام مستغانمي صاحبة الروايات الأكثر مبيعًا في العالم العربيّ، من خلال ثُلاثيّتها "ذاكرة الجسد" (1993) و"فوضى الحواس" (1997) و"عابر سرير" (2003). وأكملت مسيرتها الأدبيّة بإصدار كتابَيها عام 2009 "نسيان com" و" قلوبهم معنا وقنابلهم علينا" الذي يتناول الاجتياح الأميريكي للعراق.
بعد انتظارٍ دام تسع سنوات، عادت الكاتبة عامّ (2012) إلى عالم الرواية عبر عملها الجديد "الأسودُ يليقُ بكِ" ، الذي حقق نجاحاً ساحقاً حال نزوله للمكتبات ، بتجاوز مبيعات هذه الرواية سقف المائة ألف نسخة خلال الشهرين الأولين لصدورها .
تشكّل أحلام مستغانمي ظاهرة في شبكات التواصل الاجتماعيّ، إذ تحمل اسمها 45 صفحة ، أسّسها معجبوها على صفحات الفايسبوك .
تجاوزت صفحتها الرسميّة 9 ملايين منتسب. و تضمّ الصفحات الأخرى ما يزيد عن المليون معجب. وتتناقل الصفحات مقولاتها ومقالاتها حال صدورها. بينما تحمل صفحات أخرى أسماء كُتُبِها، ويتجاوز المنتسبون لبعض تلك الصفحات الثلاثمائة ألف معجب. مما يجعل من الكاتبة، الأكثر حضورًا وانتشارًا بين الكتّاب العرب في فضاء الإنترنيت وفي محرّك البحث لدى غوغل.
الجوائز والتكريمات
2016
منحت" درع السلام " واختيرت شخصية السلام لسنة 2015 من قبل "مؤسسة أطفال السلام " في اليمن
2014
جائزة مهرجانات بيروت الدولية للإبداع
(BIAF) Beirut International Awards Festival
2009
تمّ تكريم الكاتبة في أول نوفمبر بمناسبة عيد الثورة الجزائريّة وذكرى رحيل والدها المناضل محمد الشريف مستغانمي المصادف لفاتح نوفمبر، في احتفالية خاصة من قِبل وزير قدماء المجاهدين ووزيرة الثقافة، التي أطلقت على الكاتبة لقب "صاحبة الجلالة"، تقديراً لما قدمته للأدب الجزائري
2009
تسلّمت"درع بيروت" من محافظ بيروت في احتفالية خاصّة أُقيمت في قصر اليونسكو
2007
Arabian business اختارتها ضمن الشخصيّات المائة الأكثر نفوذًا وتأثيراً
في العالم العربيّ (ومازالت منذ ذلك التاريخ ضمن القائمة).
2007
تسلّمت من هدى عبد الناصر "درع مؤسسة الجمّار" للإبداع العربيّ في طرابلس، ليبيا.
2007 اختيرت شخصيّة العام الثقافيّة الجزائريّة من قِبل نادي الصحافة الجزائريّة.
2006 اختارتها مجلة "Forbes "واحدة من العشر نساء الأكثر تأثيراً في العالم العربي، والأولى في مجال الأدب والكاتبة العربيّة التي حقّقت كتبها أعلى نسبة مبيعات في العالم العربيّ.
2006 كرّمها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة خلال حضورها إلى قسنطينة بمناسبة يوم العلم.
2006 اختيرت "المرأة العربيّة الأكثر تميّزًا" من قِبل مركز دراسات المرأة العربيّة في باريس/ دبي.
2006 حازت وسام التقدير من مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس في قسنطينة، الجزائر.
2004 تلقّت وسامًا عن مجمل أعمالها من لجنة روّاد من لبنان.
1999حازت جائزة جورج طربيه للثقافة والإبداع في لبنان.
1997 حازت جائزة نجيب محفوظ عن روايتها "ذاكرة الجسد".
1996 حازت جائزة مؤسسة نور للإبداع النسائيّ في القاهرة.
أعمالها الأدبيّة في المناهج الدراسيّة
اعتُمدت روايات أحلام مستغانمي في المناهج الدراسيّة لجامعات ومدارس ثانويّة عدّة في العالم العربيّ، كما في كبرى الجامعات الأوروبيّة والأمريكيّة.
قُدّم عن أعمالها ما لا يُحصى من الرسائل الجامعيّة والأطروحات والدراسات النقديّة في الجامعات العربيّة والأجنبيّة على السّواء.
اعتمدت وزارة التربية الفرنسيّة رواية "ذاكرة الجسد" في امتحانات البكالوريا الفرنسيّة لعام 2003 التي تُجرىَ في خمسة عشر بلدًا يختار فيها الطلّاب اللغة العربيّة كلغة ثانية.
حاضرت أحلام مستغانمي وعملت كأستاذ زائر في العديد من الجامعات في لبنان (الجامعة الأميركية في بيروت عام 1995) والولايات المتّحدة (جامعة ميريلاند عام 1999، وجامعة يال عام 2005، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في بوسطن عام 2005، وجامعة ميشيغان 2005) وفرنسا (جامعة السوربون عام 2002، وجامعة مونبلييه عام 2002، وجامعة ليون عام 2003)
ترجمت رواياتها إلى لغات أجنبيّة عدّة، وصدرت عن دور نشر مرموقة.
بمبادرة من اليونسكو، طُبعت مُجمل أعمالها على طريقة برايل، لتكون في متناول المكفوفين من القراء.
أثارت رواياتها اهتمام كبار السينمائييّن العرب أمثال الراحلين يوسف شاهين ومصطفى العقّاد، الذي تمّنى أن تُنقل "ذاكرة الجسد" إلى السينما. وفي حين اشترى يوسف شاهين حقوق الرواية، تمّ إخراجها في مسلسل تلفزيونيّ رمضانيّ على يد نجدت أنزور، بثّته تسع فضائيّات في رمضان 2010 .
السيرة الذاتية لأحلام مستغانمي بقلم شقيقها مراد مستغانمي
أحلام مستغانمي كاتبة تخفي خلف روايتها أبًا لطالما طبع حياتها بشخصيته الفذّة وتاريخه
النضاليّ. لن نذهب إلى القول بأنّها أخذت عنه محاور رواياتها اقتباسًا. ولكن ما من شك في أنّ مسيرة حياته التي تحكي تاريخ الجزائر وجدت صدى واسعًا عبر مؤلِّفاتها.
كان والدها "محمد الشريف" من هواة الأدب الفرنسي. وقارئًا ذا ميول كلاسيكيّ لأمثال Victor Hugo, Voltaire, Jean Jaques Rousseau,
يستشف ذلك كلّ من يجالسه لأوّل مرّة. كما كانت له القدرة على سرد الكثير من القصص عن مدينته الأصليّة مسقط رأسه "قسنطينة" مع إدماج عنصر الوطنيّة وتاريخ الجزائر في كلّ حوار يخوضه. وذلك بفصاحة فرنسيّة وخطابة نادرة.
وبعد أن أطلق سراحه سنة 1947 كان قد فقد عمله بالبلديّة, ومع ذلك فإنّه يعتبر محظوظاً إذ لم يلق حتفه مع من مات آنذاك (45 ألف شهيد سقطوا خلال تلك المظاهرات) وأصبح ملاحقًا من قبل الشرطة الفرنسيّة, بسبب نشاطه السياسي بعد حلّ حزب الشعب الجزائري. الذي أدّى إلى ولادة ما هو أكثر أهميّة, ويحسب له المستعمر الفرنسي ألف حساب: حزب جبهة التحرير الوطني FLN.
وأمّا عن الجدّة فاطمة الزهراء, فقد كانت أكثر ما تخشاه, هو فقدان آخر أبنائها بعد أن ثكلت كل إخوته, أثناء مظاهرات 1945 في مدينة قالمة.
هذه المأساة, لم تكن مصيراً لأسرة المستغانمي فقط. بل لكلّ الجزائر من خلال ملايين العائلات التي وجدت نفسها ممزّقة تحت وطأة الدمار الذي خلّفه الإستعمار.
بعد أشهر قليلة, يتوّجه محمد الشريف مع أمّه وزوجته وأحزانه إلى تونس كما لو أنّ روحه سحبت منه. فقد ودّع مدينة قسنطينة أرض آبائه وأجداده.
كانت تونس فيما مضى مقرًّا لبعض الرِفاق الأمير عبد القادر والمقراني بعد نفيهما. ويجد محمد الشريف نفسه محاطاً بجوٍّ ساخن لا يخلو من النضال, والجهاد في حزبي MTLD و PPA بطريقة تختلف عن نضاله السابق ولكن لا تقلّ أهميّة عن الذين يخوضون المعارك.
في هذه الظروف التي كانت تحمل مخاض الثورة, وإرهاصاتها الأولى تولد أحلام في تونس.
ولكي تعيش أسرته, يضطر الوالد للعمل كمدرّس للّغة الفرنسيّة. لأنّه لا يملك تأهيلاً غير تلك اللّغة, لذلك, سوف يبذل الأب كلّ ما بوسعه بعد ذلك, لتتعلَّم ابنته اللغة العربيّة التي مُنع هو من تعلمها. وبالإضافة إلى عمله, ناضل محمد الشريف في حزب الدستور التونسي (منزل تميم) محافظًا بذلك على نشاطه النضالي المغاربيّ ضد الإستعمار.
وعندما اندلعت الثورة الجزائريّة في أوّل نوفمبر 1954 شارك أبناء إخوته عزّ الدين وبديعة اللذان كانا يقيمان تحت كنفه منذ قتل والدهما, شاركا في مظاهرات طلاّبيّة تضامنًا مع المجاهدين قبل أن يلتحقا فيما بعد سنة 1955 بالأوراس الجزائريّة. وتصبح بديعة الحاصلة لتوّها على الباكالوريا, من أولى الفتيات الجزائريات اللاتي استبدلن بالجامعة الرشّاش, وانخرطن في الكفاح المسلَّح.
ما زلت لحدّ الآن, صور بديعة تظهر في الأفلام الوثائقية عن الثورة الجزائرية. حيث تبدو بالزي العسكري رفقة المجاهدين. وما زالت بعض آثار تلك الأحداث في ذاكرة أحلام الطفوليّة. حيث كان منزل أبيها مركزاً يلتقي فيه المجاهدون الذين سيلتحقون بالجبال, أو العائدين للمعالجة في تونس من الإصابات.
بعد الإستقلال, عاد جميع أفراد الأسرة إلى الوطن. واستقرّ الأب في العاصمة حيث كان يشغل منصب مستشار تقنيّ لدى رئاسة الجمهوريّة, ثم مديراً في وزارة الفلاحة, وأوّل مسؤول عن إدارة وتوزيع الأملاك الشاغرة, والمزارع والأراضي الفلاحيّة التي تركها المعمّرون الفرنسيون بعد مغادرتهم الجزائر. إضافة إلى نشاطه الدائم في اتحاد العمال الجزائريّين, الذي كان أحد ممثليه أثناء حرب التحرير.
غير أن حماسه لبناء الجزائر المستقلّة لتوّها, جعله يتطوّع في كل مشروع يساعد في الإسراع في إعمارها. وهكذا إضافة إلى المهمّات التي كان يقوم بها داخليًّا لتفقّد أوضاع الفلاّحين, تطوَّع لإعداد برنامج إذاعي (باللّغة الفرنسيّة) لشرح خطة التسيير الذاتي الفلاحي. ثمّ ساهم في حملة محو الأميّة التي دعا إليها الرئيس أحمد بن بلّة بإشرافه على إعداد كتب لهذه الغاية.
وهكذا نشأت ابنته الكبرى في محيط عائلي يلعب الأب فيه دورًا أساسيًّا. وكانت مقرّبة كثيرًا من أبيها وخالها عزّ الدين الضابط في جيش التحرير الذي كان كأخيها الأكبر. عبر هاتين الشخصيتين, عاشت كلّ المؤثّرات التي تطرأ على الساحة السياسيّة. و التي كشفت لها عن بعد أعمق, للجرح الجزائري (التصحيح الثوري للعقيد هواري بومدين, ومحاولة الانقلاب للعقيد الطاهر زبيري), عاشت الأزمة الجزائرية يومًّا بيوم من خلال مشاركة أبيها في حياته العمليّة, وحواراته الدائمة معها.
لم تكن أحلام غريبة عن ماضي الجزائر, ولا عن الحاضر الذي يعيشه الوطن. مما جعل كلّ مؤلفاتها تحمل شيئًا عن والدها, وإن لم يأتِ ذكره صراحة. فقد ترك بصماته عليها إلى الأبد. بدءًا من اختياره العربيّة لغة لها. لتثأر له بها. فحال إستقلال الجزائر ستكون أحلام مع أوّل فوج للبنات يتابع تعليمه في مدرسة الثعالبيّة, أولى مدرسة معرّبة للبنات في العاصمة. وتنتقل منها إلى ثانوية عائشة أم المؤمنين. لتتخرّج سنة 1971 من كليّة الآداب في الجزائر ضمن أوّل دفعة معرّبة تتخرّج بعد الإستقلال من جامعات الجزائر.
لكن قبل ذلك, سنة 1967, وإثر إنقلاب بومدين واعتقال الرئيس أحمد بن بلّة. يقع الأب مريضًا نتيجة للخلافات "القبليّة" والانقلابات السياسيّة التي أصبح فيها رفاق الأمس ألدّ الأعداء.
هذه الأزمة النفسيّة, أو الانهيار العصبيّ الذي أصابه, جعله يفقد صوابه في بعض الأحيان. خاصة بعد تعرّضه لمحاولة اغتيال, مما أدّى إلى الإقامة من حين لآخر في مصحّ عقليّ تابع للجيش الوطني الشعبيّ.
كانت أحلام آنذاك في سن المراهقة, طالبة في ثانوية عائشة بالعاصمة. وبما أنّها كانت أكبر إخواتها الأربعة, كان عليها هي أن تزور والدها في المستشفى المذكور, والواقع في حيّ باب الواد, ثلاث مرّات على الأقلّ كلّ أسبوع. كان مرض أبيها مرض الجزائر. هكذا كانت تراه وتعيشه.
قبل أن تبلغ أحلام الثامنة عشرة عاماً. وأثناء إعدادها لشهادة الباكلوريا, كان عليها ان تعمل لتساهم في إعالة إخوتها وعائلة تركها الوالد دون مورد. ولذا خلال ثلاث سنوات كانت أحلام تعدّ وتقدّم برنامجًا يوميًا في الإذاعة الجزائريّة يبثّ في ساعة متأخرّة من المساء تحت عنوان "همسات". وقد لاقت تلك "الوشوشات" الشعريّة نجاحًا كبيرًا تجاوز الحدود الجزائرية الى دول المغرب العربي. وساهمت في ميلاد إسم أحلام مستغانمي الشعريّ, الذي وجد له سندًا في صوتها الأذاعيّ المميّز وفي مقالات وقصائد كانت تنشرها أحلام في الصحافة الجزائرية. وديوان أوّل أصدرته سنة 1971 في الجزائر تحت عنوان "على مرفأ الأيام".
في هذا الوقت لم يكن أبوها حاضراً ليشهد ما حقّفته ابنته. بل كان يتواجد في المستشفى لفترات طويلة, بعد أن ساءت حالته.
هذا الوضع سبّب لأحلام معاناة كبيرة. فقد كانت كلّ نجاحاتها من أجل إسعاده هو, برغم علمها أنّه لن يتمكن يومًا من قراءتها لعدم إتقانه القراءة بالعربية.
وكانت فاجعة الأب الثانية, عندما انفصلت عنه أحلام وذهبت لتقيم في باريس حيث تزوّجت من صحفي لبناني ممن يكنّون ودًّا كبيرًا للجزائريين. وابتعدت عن الحياة الثقافية لبضع سنوات كي تكرِّس حياتها لأسرتها. قبل أن تعود في بداية الثمانينات لتتعاطى مع الأدب العربيّ من جديد. أوّلاً بتحضير شهادة دكتوراه في جامعة السوربون. ثمّ مشاركتها في الكتابة في مجلّة "الحوار" التي كان يصدرها زوجها من باريس, ومجلة "التضامن" التي كانت تصدر من لندن.
أثناء ذلك وجد الأب نفسه في مواجهة المرض والشيخوخة والوحدة. وراح يتواصل معها بالكتابة إليها في كلّ مناسبة وطنية عن ذاكرته النضاليّة وذلك الزمن الجميل الذي عاشه مع الرفاق في قسنطينة.
ثمّ ذات يوم توّقفت تلك الرسائل الطويلة المكتوبة دائمًا بخط أنيق وتعابير منتقاة. كان ذلك الأب الذي لا يفوّت مناسبة, مشغولاً بانتقاء تاريخ موته, كما لو كان يختار عنوانًا لقصائده.
في ليلة أوّل نوفمبر 1992, التاريخ المصادف لاندلاع الثورة الجزائريّة, كان محمد الشريف يوارى التراب في مقبرة العلياء, غير بعيد عن قبور رفاقه. كما لو كان يعود إلى الجزائر مع شهدائها. بتوقيت الرصاصة الأولى. فقد كان أحد ضحاياها وشهدائها الأحياء. وكان جثمانه يغادر مصادفة المستشفى العسكري على وقع النشيد الوطنيّ الذي كان يعزف لرفع العلم بمناسبة أوّل نوفمبر.
ومصادفة أيضًا, كانت السيارات العسكريّة تنقل نحو المستشفى الجثث المشوّهة لعدّة جنود قد تمّ التنكيل بهم على يد من لم يكن بعد معترفًا بوجودهم كجبهة إسلاميّة مسلّحة.
لقد أغمض عينيه قبل ذلك بقليل, متوجّسًا الفاجعة. ذلك الرجل الذي أدهش مرة إحدى الصحافيّات عندما سألته عن سيرته النضاليّة, فأجابها مستخفًّا بعمر قضاه بين المعتقلات والمصحّات والمنافي, قائلاً: "إن كنت جئت إلى العالم فقط لأنجب أحلام. فهذا يكفيني فخرًا. إنّها أهمّ إنجازاتي. أريد أن يقال إنني "أبو أحلام" أن أنسب إليها.. كما تنسب هي لي".
كان يدري وهو الشاعر, أنّ الكلمة هي الأبقى. وهي الأرفع. ولذا حمَّل ابنته إرثًا نضاليًا لا نجاة منه. بحكم الظروف التاريخيّة لميلاد قلمها, الذي جاء منغمسًا في القضايا الوطنيّة والقوميّة التي نذرت لها أحلام أدبها. وفاءًا لقارىء لن يقرأها يومًا.. ولم تكتب أحلام سواه. عساها بأدبها تردّ عنه بعض ما ألحق الوطن من أذى بأحلامه.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 10/10/2016
مضاف من طرف : nemours13
صاحب المقال : مراد مستغانمي
المصدر : ahlammosteghanemi.com