الجزائر

مَذهبُ ومعول أمير النفط وانهيار الدولة وطمس القضيةّ! رأي حر



مَذهبُ ومعول أمير النفط وانهيار الدولة وطمس القضيةّ!                                    رأي حر
ترتجع الريح التي تعصف في بلاد الشام منذ ثمانية عشر شهرا ونيّف، أمام المراقب فصلا جديدا من تاريخ هذه المنطقة يكاد أن يكون ترجمة لمعطى طبع هذا التاريخ. يقول المؤرخ كمال صليبي في كتابه بلاد الشام في العصور الإسلامية الأولى أن تاريخها تضمن ”خطين متميزين لكنهما مترابطان.. هناك تاريخ حوليات الدول الإسلامية التي تتحدث عن الفتوحات المتتالية وعن القوى المزاحمة القريبة والبعيدة التي تتنافس على السيطرة وتتحارب على ميادين القتال في بلاد الشام..وهناك تاريخ البلاد نفسها وهي مجموعة محيّرة من الأحداث الإقليمية التي تروي ما يبدو كسَيرِ وقائع غير مترابطة لقيام إمارات وسقوطها ونمو مدن وانهيارها، واندلاع ثورات مدنية وريفية، وغزوات قبائل أو عصيانها، وسخط شعبي ينفجر في انشقاقات دينية، وتحالفات ونزاعات إقليمية سرعان ما تتغيّر، كما تدخل في تاريخ البلاد الصدامات بين المجتمعات والخلافات الحزبية الملحّة التي لا تكاد تختفي في شكل إلا وتظهر بآخر... يزيد من تعقيد قصة بلاد الشام تداخل قوى خارجية وعوامل من جهات مختلفة تُلقي بوطأتها في أوقات حرجة معيّنة، بشكل سافر أو مستتر، لتقرر مسار الأحداث”.
لأنتقل بعد هذه التوطئة إلى مقاربة ”الفوضى” المستشرية في الراهن في جل الأقطار السورية، بموازاة ”فوضى” سبقتها وعمّت هذه الأقطار غداة الهزيمة العسكرية في 5 حزيران 1967 وامتحاق نُظمِ الحكم التي كانت حتى ذلك التاريخ تُمثل كينونة عربية جمعية قيد التأسيس. أكتفي بهذا الاستطراد لأقتضب بالقول أن الانهيار كاد أن يقع ف في حزيران 1967 لولا المصداقية التي بقي الرئيس المصري جمال عبد الناصر يتمتع بها ليس في مصر وحسب أنما في البلاد العربية الأخرى أيضا. الأمر الذي أتاح له الحصول على دعم سياسيي ومادي عربي مكنّه من ترميم سلطته والمبادرة سريعا إلى إعادة بناء جيشه من جهة وإلى الاستعداد والتخطيط لمواجهة المستعمرين الإسرائيليين من جهة ثانية. يلزم التذكير في هذا السياق بأن الاتحاد السوفياتي آنذاك، كان شريكا فاعلا في سيرورة التهيّؤ للحرب على الجبهتين المصرية والسورية. من المحتمل في هذا السياق أن الموقف الإيجابي الذي أظهرته نُظم الحكم الخائبة تجاه المقاومة المسلحة ضد المعتدين وعدم اعتراض انطلاقتها على الأقل في مرحلة الابتداء، حدّ من انتشار الفوضى أو بالأحرى فُسّر على أنه اعتراف من نظم الحكم بالخطأ (الكارثي) والفشل، وموافقة منها على اختيار نهج حرب العصابات ضد المحتلين. لا سيما أن هذه النظم شكلت فصائل من ”الفدائيين”. فكان لمصر وسورية والعراق والأردن أيضا ”فصائل مسلحة”، إلى جانب حركات كمثل فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. لم تكن هذه الحركات تقتصر في ذلك الوقت على الفلسطينيين دون غيرهم. نجم عن هذا كله نوع من التعايش بين نظم الحكم من جهة وبين الأحزاب والمنظمات الوطنية العربية من جهة ثانية التي أرفدت المقاومة ولم تبخل عليها.
لم تدم الفوضى طويلا في الأردن. تصادم الفريقان، فصائل المقاومة من جهة والنظام الملكي من جهة ثانية سنة 1970، وحُسمت المواجهة كما هو معروف لصالح هذا الأخير. فاضطرت الفصائل جميعها لأن تلجأ إلى لبنان الذي صار الملاذ الوحيد والمنيع نسبيا لها، نظرا إلى ضعف السلطة فيه بسبب ارتكازها على دعائم طائفية لا وطنية. وبالتالي إذا استنسبت جماعة إلى طائفة من طوائف اللبنانيين، أحصنتها هذه وسهّلت إقامتها في بلاد الأرز قبل التبصر في الغايات التي تقصد إليها. هذا ينطبق على الصديق والعدو دون تمييز هذا من ذاك في أغلب الأحيان.
ولكن حرب 1973 قلبت المعادلة، وغيّرت ميزان القوى. إذ تمكنت نُظم الحكم التي خاضت غمارها من توظيف تضحيات الجنود الذين أبلوا فيها بلاء حسنا على الجبهتين الجنوبية والشمالية في آن، من أجل استرجاع هيبتها وجبروتها في الداخل. والحقيقة أن هذه الحرب حيّدت العوامل التي حالت دون سقوط الدولة العربية وقياداتها التي هزمت في حزيران 1967. لقد توفي جمال عبد الناصر في 28 أيلول 1970 هذا من ناحية اما ناحية ثانية فإن ”انتصارات” 1973 لم تمح ”آثار العدوان”، وكل ما نتج عنها هو ستْرُ هذه الآثار وإخفاؤها، كذِبا وخدْعا. يُستشف ذلك من إشكالية الخلافات التي طرأت أثناء الحرب، على الجبهة المصرية تحديدا، بين القيادة العسكرية من جهة والقيادة السياسية من جهة ثانية. إذ بدا بوضوح أن هذه الأخيرة مصممة على نهج سبيل التباحث والتعاون مع المستعمرين الإسرائيليين، بدل مقارعتهم وكفاحهم. بمعنى آخر أن هذه القيادة حوّلت القضية العربية بما هي قضية تحرر وطني ونضال ضد الاستعمار، إلى قضية تتطلب حلا في إطار السياسة الاستعمارية. من نافلة القول أن هذا الانعطاف ينطوي على تغليب خيار التبعية للمستعمرين وإدارة الظهر لحقوق الشعوب في تقرير المصير والحرية والاستقلال الوطني. علما أن إدخال هذه المتغيرات والتبدلات على سياسة نظم الحكم تم بتغطية من دول حلف الناتو ومن أمراء النفط.
لأعد من بعدُ إلى الفوضى التي تدبُّ في الحاضر، لأقول أن حرب 1973 مثلت في الواقع نقطة بدء تداعي الدولة العربية التي تعرضت لزلزال حزيران 1967. فلقد فقدت نظم الحكم ”المصداقية” بوفاة عبد الناصر. وسقطت شرعيتها نهائيا، عندما قررت التخلي عن الحرب كوسيلة لاسترجاع الحقوق والدفاع عن التراب والسيادة الوطنيين. أي بكلام أكثر صراحة نجم عن حرب 1973 قطيعة بين نظم الحكم وبين القضية الوطنية. راحت تتفاقم تدريجيا نتيجة تداخل عوامل خارجية وداخلية. واستنادا إليه فالرأي عندي أن ما نشهده الآن يندرج في إطار حروب التدمير والاستيلاء على البلاد العربية.
يأخذك العجب حيال وضع شديد الخطورة نظرا إلى الانهيارات المتتالية، عندما ترى الكثيرين من المثقفين والتقدميين سابقا، ينعتونها ”بالثورة” و”الطلالة الربيعية ”دون أن يحرجهم كون أمراء النفط هم الذين يقدمون معاول الهدم وأدوات القتل ويأجرون الغوغاء لاستخدامها باسم ”ثورة الأمير” هنا و”مذهب الأمير” هناك. فهل سيتمكن الأمراء من إسقاط الدولة السورية ؟ أم أن السوريين سيستفيقون من سكرتهم ويعودون عن ضلالهم، لبناء مصداقية كتلك التي سمحت لجمال عبد الناصر عام 1967، بأن يُجنّبَ الدولة والكينونة الانهيار والتلاشي وأن يمنع العبث بالقواسم المشتركة ؟ إذا تمكنوا من ذلك انتصروا على أمراء النفط وفضحوا زيف مذهبهم.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)