في مونديال 1978 بالأرجنتين، استهجن كثـير من الناس خروج منتخب إيران إلى الملعب بعد أن مرّ اللاعبون واحدا تلو الآخر تحت مصحف، وقالوا ما دخل القرآن في الكرة؟ ولكن الأمر لم يتوقف عند هذا، بل صار، مع مرور الوقت، مظهر رؤية اللاعبين يقومون بطقوسهم الدينية أمام مرأى الملايين، فيرسلون بذلك رسائل فيها قليل من الدين وكثـير من السياسة.. ومن أبرز ما لفت انتباه الناس في دورة كأس إفريقيا للأمم بأنغولا 2010 ما قام به النجم الكاميروني صامويل إيتو بعد تسجيله هدف التعادل ضد تونس، فقد أسرع نحو الكاميرا وقام بعرض شارة القيادة، وقد كتب عليها بلغة فرنسية ''الله أكبر''، ولحق به أحد زملائه عارضا هو الآخر جملة كتبت بخط اليد ''يسوع (المسيح) أنت المنقذ''.. وتساءلت حينها إن كان يقصد النبي عيسى، عليه السلام، أم عيسى حياتو الذي حمّله التونسيون وزر ما تعرّضوا له من ظلم الحكم الإيفواري الذي لعب بأعصابهم، أم أن رسالة إيتو موجهة لأطراف أخرى لا يريد أن يفصح عنها صراحة..
ورغم أننا كنا نرى نجوم ملاعب العالم من المتدينين، يكتفون أحيانا بحركة التثـليث، أو قراءة الفاتحة، أو السجود، أو رفع اليدين شكرا لله، وهو مظهر يعكس الحاجة إلى الاستفادة من طاقة روحية في مواجهات تجاوزت بعدها الرياضي إلى كونها تعبيرا عن الهوية والتميز والتأثـير النفسي على الخصم، وبالتالي، جاءت ردود الفعل هذه من إيتو وغيره، وكأنها رسالة مشفرة معناها حتى نحن نفعل ذلك، ولا يمكن الاستئثـار بالدين.. إلا أن الملاحظ اليوم هو أن بلاتر الذي أبدى انزعاجه كثـيرا من عدم احترام الجماهير للأناشيد الوطنية ودعا إلى دراسة إمكانية حذفها من المراسم والإبقاء على العلم وحده، سيجد نفسه، من دون شك، أمام كرة ثـلج تكبر يوما بعد آخر، بسبب الجلد المنفوخ دينا وسياسة واقتصادا.. فهل سيعمد إلى منع المظاهر الدينية في الملاعب، كما تفعل أوروبا مع الصوامع والحجاب والبرقع؟ أم أنه يترك الأمر خارج التغطية، ويكتفي بالدعوة إلى عدم الزج بالرسائل السياسية في المباريات، لأنها تعكّر مزاج بعض القوى السياسية؟ أما إثـارة مسألة الدين، فربما تؤدي إلى فتح باب لا يمكن غلقه أبدا، لأن ذلك يعني إدخال الفيفا في نقاشات ما بعد 11 سبتمبر، ويتحوّل الجلد المنفوخ إلى جلد مسلوخ.
أقول هذا لأنني متأكد من أنه لا يوسف بلاتر، ولا عيسى حياتو، ولا محمد بن همام، ولا ميخائيل بلاتيني، ولا نيقولا ليوز، ولا محمد روراوة يجرؤون على اللعب في المعابد والمساجد، فكلهم يحملون أسماء أنبياء وملائكة وحواريين..
ولأننا في شهر الصيام، أذكر أن الاتحاد الدولي لكرة القدم أقرّ في خريف 2004 تنظيم ملتقى دولي حول ''الصوم وكرة القدم''، وهو خطوة جبّارة في فكر الشيخ بلاتر، الذي يبدو أن الحاج روراوة همس في أذنه وقال له إن هناك شيئا لا تعرفونه أنتم أبناء أوروبا، وهو أن اللاعب عندنا يكون أكثـر مردودية كلما كان صائما.. ولما كان الأمر كذلك، فإن بلاتر لم يمانع في تمويل ملتقى يعالج مسألة جديدة في رزنامته، ويتفتح قليلا على المسائل الروحية وتأثـيرها على صحة اللاعب وفعاليته في الميدان..
ولأن السؤال الذي يتكرّر كلما اقترب رمضان: هل يجوز إفطار اللاعبين أم لا؟ نتذكر الجدل الذي دار حول مورينيو الذي لم يعجبه صوم الغاني مونتاري قبل عامين وراح يعتذر لاحقا. ففي عصر الفتاوى الجاهزة، أستحضر الفتوى التي أصدرها في السبعينيات مفتي الديار الجزائرية الشيخ أحمد حماني، رحمه الله، حين استفتي في إمكانية إفطار اللاعبين في رمضان أثـناء التباري في منافسة عالمية، فأجاز ذلك وقال إنه يمثـل دفاعا عن الأمة ومصدر اعتزاز لها، وضرب مثـلا على ذلك بما يقوم به الملاكم محمد علي كلاي من منح المسلمين انتصارات أمام خصومهم.. واشترط أن يعيد المفطر صوم الأيام التي أفطر فيها متعمدا مع إجازة المفتي. وظهرت في الأشهر الماضية فتاوى أخرى في مصر تبيح الإفطار، بحجة أن اللاعب المحترف يقتات من الكرة (..)، وهو لا يختلف عن العامل في فرن بدرجة تفوق الستين.. والله أعلم. وربّما يكون أصحاب هذه الفتاوى الطالعة من بطون الأنترنت، صادرة عن علماء كرة، لا خبراء دين بامتياز .
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 06/08/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : بقلم عز الدين ميهوبي
المصدر : www.elkhabar.com