مولاي ادريس الاكبر
سميت دولة الأدارسة نسبة إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
الدكتور/ حسين مؤنس فيرى أنها دولة سنية حيث يقول: "من الأخطاء الشائعة القول بأن دولة الأدارسة دولة شيعية؛ لأن مؤسسيها وأمراءها كانوا من آل البيت، والحقيقة أن الأدارسة رغم علويتهم لم يكونوا شيعيين، بل لم يكن أحد من رجال دولة الأدارسة أو أتباعهم شيعيًا فقد كانوا سنيين، لا يعرفون الآراء الشيعية التي شاعت على أيام الفاطميين، ولم يعرفوا في بلادهم غير الفقه السني المالكي، ومن البديهي أن آل البيت لا يمكن أن يكونوا شيعة لأحد، أما الشيعة فهم أنصارهم، والوصف الصحيح لهذه الدولة هو أنها كانت دولة علوية هاشمية، وهي أول تجربة نجح فيها أهل البيت في إقامة دولة لأنفسهم".
تُعَدّ دولة الأدارسة أول دولة علوية هاشمية تقوم في التاريخ الإسلامي. وتعود نسبتها إلى مؤسسها إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الذي هرب مع مولاه راشد إلى مصر ثم إلى المغرب الأقصى بعيدًا عن أيدي العباسيين؛ وذلك بعدما تمكّن العباسيون من القضاء على ثورة الحسين بن علي بن الحسن في معركة فخ.
وبعد أن استقر إدريس في وَلِيلَى المغربية، اتصل بإسحاق بن محمد بن عبد الحميد زعيم قبيلة "أوربة" البربرية. وقد خلع إسحاق بن عبد الحميد طاعة بني العباس حيث كان من ولاتهم، وتنازل لإدريس عن الحكم، وذلك بعد تعرُّفه على نسب إدريس وقرابته من النبي صلى الله عليه وسلم وكرمه وأخلاقه وعلمه.
استقرت الأمور لإدريس بن عبد الله، ودانت له معظم قبائل البربر، وبدأ يطمح إلى مدِّ نفوذه وسلطانه إلى القبائل التي تعترف بحكمه، ونشر الإسلام بين القبائل التي لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية، فدخل كثيرٌ من أهل هذه البلاد الإسلام.
وبعد وفاة إدريس بن عبد الله مسمومًا، تولى الحكم مولاه راشد وصيًّا على ابنه إدريس الثاني الذي كان جنينًا في بطن أمه، فلما قُتِلَ راشد كفل إدريسَ أبو خالد يزيد بن إلياس العبدي -أحد شيوخ البربر- حتى كَبُر إدريس، واستقل بالحكم بنفسه
بنى إدريس بن إدريس عاصمة جديدة لدولته سميت (فاس)، وتوسع في فتوحاته، وضم المغرب الأوسط (الجزائر)، وسعى للقضاء على نفوذ الخوارج، ووصلتالدولة إلى قمتها في عهده. وحكم بعده ثمانية من الأدارسة، كان أعظمهم قوة وأعلاهم قدرًايحيى الرابع بنإدريس بن عمر، الذي امتد ملكه إلى جميع بلاد المغربالأقصى.
أخذ الضعف يتسرب إلى هذه الدولة في عهد خلفاء إدريس الثاني؛ وذلك بسبب تشرذم الدولة وتقسيمها بين الأبناء من ناحية، وبسبب القتال بين أبناء إدريس والخوارج من ناحية أخرى. ومن ثَمَّ عاشت دولة الأدارسة في فوضى واضطراب، وساءت الحالة الاقتصادية والاجتماعية للدولة؛ مما أدى إلى استعادة الخوارج لنفوذهم، وعملوا على تقويض الدولة.
وأخيرًا جاءت الضربة القاضية على يد الدولة العبيدية (الفاطمية) والدولة الأموية الأندلسية، لتغلق الستار على دولة الأدارسة التي استمرت نحو قرنين من الزمان.
وبالجملة فدولة الأدارسة ساعدت في تعريب المغرب، وقامت بنشر الإسلام في غرب إفريقيا، وتثبيت البربر على الإسلام، وحاربت الخوارج وأفكارهم.
دولة الادارسة في عيون المؤرخين
أثار دولة الأدارسةيقول ابن خلدون عن يحيى الرابع بن إدريس بن عمر صاحب الريف:" وكان أعلى بني إدريس ملكًًا وأعظمهم سلطانًا، وكان فقيهًا عارفًا بالحديث ولم يبلغ أحد من الأدارسة مبلغه في السلطان والدولة".
ويقول صاحب جذوة الاقتباس عن دولة الأدارسة: "كانت مدة ملك الأدارسة من يوم بويع إدريس بن عبد الله بمدينة وليلى سنة 172هـ= 788م إلى أن قتل الحسن هذا - يعني الحسن بن القاسم كنون الإدريسي - مائتين وسنتين وخمسة أشهر، وكان عملهم بالمغرب من السوس الأقصى إلى مدينة وهران، وقاعدة ملكهم مدينة فاس ثم البصرة، وكان سلطانهم إذا قوي امتد إلى وهران وتلمسان، وإذا ضعف لا يجاوز البصرة وأصيلا وحجر قلعة النسر، وكان في أيامهم الرخاء بالمغرب متواليًا".
ويقول السلاوي عن يحيى الرابع: " ... واسطة عقد البيت الإدريسي أعلاهم قدرًا وأبعدهم ذكرًا، وأكثرهم عدلاً وأغزرهم فضلاً وأوسعهم ملكًا وكان فقيهًا حافظًا للحديث ذا فصاحة وبيان بطلاً شجاعًا حازمًا ذا صلاح ودين وورع".
ويقول الدكتور= إبراهيم أيوب:" أسهم الأدارسة في خدمة المسلمين عن طريق تثبيت البربر على الإسلام، فكان ظهور دولة الأدارسة مقدمة لظهور دولة المرابطين الذين كملوا ما بدأه الأدارسة في تثبيت إسلام البربر، ونشر الإسلام في غرب أفريقيا في عهدهم".
ويقول الزركلي عن إدريس بن إدريس بن عبد الله ثاني ملوك الأدارسة بالمغرب الأقصى: " وكان جوادًا فصيحًا حازمًا، أحبته رعيته، واستمال أهل تونس وطرابلس الغرب والأندلس إليه (وكانت في يد العباسيين بالمشرق يحكمها ولاتهم) وغصت مدينة وليلي بالوفود والسكان فاختط مدينة فاس سنة 192 هـ= 808م وانتقل إليها".
ويقول الدكتور حسن إبراهيم حسن: "وقد امتد حكم الأدارسة من السوس الأقصى إلى مدينة وهران، وكانت حاضرة ملكهم مدينة فاس ثم البصرة ببلاد المغرب الأقصى، وقد زال ملكهم بعد أن حكموا قرنين وثلاث سنين (172 - 375هـ= 788م – 985م) لم تتمتع فيها البلاد بشيء من الاستقرار الذي يمكن القائمين بالحكم فيها من توجيه جهودهم إلى نشر العلوم والفنون والأخذ بأسباب الحضارة.
أما الدكتور حسين مؤنس فيقول: "ودولة الأدارسة من الدول الطويلة العمر فقد قامت في النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، ولكنها لم تنته تمامًا إلا في أواخر القرن الرابع الهجري (1010م) وقد عمرت فوق القرنين ونصف، أي ضعف ما عمرته دولتا الأغالبة والرستميين، وثبتت لمحنة الفاطمية وجيوشها، وخاضت طوال تاريخها حرب بقاء أو موت مع الدولة الأموية الأندلسية حينًا وإلى جانبها حينًا آخر، ولكنها مع ذلك العمر الطويل والحيوية المتجددة، كانت من صغار الدول سواء في سعة مملكتها أو قوة أئمتها، ولكنها كانت من أهمها من الناحية الحضارية، فقد كان لها في تاريخ المغرب أثر حاسم في صياغة مذهب السنة من ناحية، وتعريب البلاد من ناحية أخرى، وقد مرت بفترات احتضار طويلة وانتعشت مرات كثيرة
الإمام إدريس الأول من خلال سيرته وأهداف دعوته
عزز إدريس الأول دعوته بالعمل على تحقيقها، فجاهد ضد الديانات والنحل المنحرفة: في شالة وتامسنا والأطلس المتوسط والمغرب الشرقي حتى تلمسان وما إليها، وبتحقيق هذا المكسب الإسلامي التف حول الدولة المغربية الجديدة جماهير الأمازيغيين، فصار إدريس الأكبر يفكر في تحقيق مخطط دعوته، امتدادا نحو إفريقية الأغلبية ثم مصر، كبداية لتوحيد العالم الإسلامي تحت خلافة الأدارسة بديلا عن العباسيين الذين انحرفوا عن المبادئ الإسلامية، فعن منطقة الأغالبة يقول ابن أبي زرع: "... فاتصل بالرشيد أن إدريس قد استقام له أمر المغرب...وأخبر بحربه وحاله وكثرة جنوده وشدته في الحرب، وأنه قد عزم على غزو إفريقية".
وبعد وفاة إدريس الأكبر يصمم مولاه راشد على تحقيق هذه الخطة، فيذكر عنه الرقيق: "وكانت همته غزو إفريقية، لما هو فيه من القوة والكثرة". وهي فقرة تؤكد استمرار قوة الدولة الإدريسية في فترة وصاية راشد.
وبعد إفريقية الأغلبية تشير إلى رسالة إدريس الأول إلى أهل مصر: وهي –بدورها- تؤكد المخطط الإدريسي لتأسيس دولة إسلامية كبرى، تنسخ دولة العباسيين بعد ما تنكروا للقيم المثلى، فيمتد التصميم الإدريسي إلى مصر، حتى تكون منطلقا إلى ما وراءها.
ومن هنا يتبين أن إدريس الأول لم يكن همه اقتطاع جزء من أقاصي الدولة الإسلامية، وإنما كان المغرب- في تصميمه- قاعدة تبدأ منها ثورته ضد العباسيين المنحرفين، واستبدالهم بدولة إسلامية تلتزم المبادئ التي شرحها الميثاق الإدريسي في شكل خطاب الإمام إلى الأمازيغيين.
وضع اللبنات الأولى لتعريب المغرب، وهي ظاهرة تعززها نقوش النقود الإدريسية الأولى. وتعززها –مرة أخرى- لغة الكتابة على منبر المسجد الذي ابتناه إدريس الأول بتلمسان، حيث يسجل ابن خلدون أن هذه اللوحة استمرت حية حتى عصره، وكانت صيغتها هكذا: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمر ما أمر به إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهم، وذلك في شهر صفر، سنة أربع وسبعين ومائة" وسنتقيد من هنا واحدا من معماريات إدريس الأكبر، ويضاف له أكادير تلمسان، ومسجد مدينة وليلي.
مولاى إدريس الأكبر علمه وأخلاقه، فيقول عنه الإمام عبد الله بن حمزة في المرجع الشافي: "وكان في نهاية العلم والورع، تلو أخيه (يحيى) في الفضل والزهد والسخاء والشجاعة والكرم، وكان حليف القرآن، حسن القراءة شجيها"
وعن شجاعته يقول الرضا بن موسى الكاظم : "إدريس بن عبد الله من شجعان أهل البيت، والله ما ترك فينا مثله"، وهذا داود بن القاسم الجعفري يترك عنه الارتسامة التالية: "...وكنت معه بالمغرب، فما رأيت أشجع منه ولا أحسن وجها"
ثم كانت شهرته بالشجاعة من أسباب نجاح دعوته بالمغرب، فيذكر عنه في المرجع الشافي : "ولما دعا في المغرب عرفه رجال من أهل المغرب حجوا سنة قتل الفخي عليه السلام، فقالوا: نعم، هذا إدريس، رأيناه يقاتل وقد انصبغ قميصه دما، فقلنا من هذا؟ فقالوا إدريس بن عبد الله"
من هو مولاي إدريس الأول؟
يُنسب الأشراف الأدارسة إلى جدهم إدريس الأول بن عبدالله الكامل المحض بن الحسن المُثنّى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء رضي الله عنهما.
يذكر صاحب كتاب « ذِكر القَلم لمن سكن جبل العَلَم »: « ففي نهاية العصر الأموي اجتمع آل البيت النبوي برئاسة الإمام عبدالله الكامل المحض وقرروا مبايعة ابنه محمد النفس الزكية بيعة الخلافة.
وخرج محمد النفس الزكية بالمدينة عام 145 هـ، فأرسل إليه الحاكم العباسي الجيش الجرار الذي قضى على هذه الحركة العلوية وقتل فيها محمد النفس الزكية.
مولاي ادريس هو عم الحسين وأخو محمد النفس الزكية، أحد أبرز رجالات العلويين الذين ثاروا على العباسيين مرات عديدة منذ توليهم الخلافة سنة 132هـ/750م. ففي سنة 169 هـ/786 دخل العلويون بزعامة الحسين بن علي بن الحسن المثلث في حرب دارت رحاها بموقع فخ، سحقها الخليفة الهادي، وفر إدريس الأول في اتجاه الغرب باحثا عن مكان آمن وبعيد عن أعدائه ومواليهم من العباسيين، دخل المولى إدريس إلى المغرب رفقة مولاه راشد، فاستقر بمدينة طنجة، وبدأ يدعو القبائل المغربية لنصرة دعوته قبل أن يحل بمدينة وليلي سنة 172هـ/789م، وتبايعه قبيلة أوربة، إحدى أبرز القبائل البربرية بالمنطقة "على الإمارة والقيام بأمرهم وصلواتهم وغزوهم وأحكامهم".
عمل إدريس الأكبر على تكوين جيش من قبائل زناتة وأوربة وصنهاجة وهوارة، وبدأ في شن حملات كان الهدف منها توحيد البلاد ونشر الإسلام بين باقي القبائل. وبفضل التفاف المغاربة حوله، وشجاعته وعزيمته، استطاع إدريس أن يبني دولة امتدت أراضيها بين بلاد تامسنا على المحيط الأطلسي غربا إلى أراضي تلمسان بالمغرب الأوسط شرق
فتح تلمسان وبناء المسجد
اقام إدريس بن عبد الله شهرًا في وليلى، ثم عاود الفتح، واتجه ناحية الشرق هذه المرة، عازمًا على توسيع ملكه في المغرب الأوسط على حساب الدولة العباسية، فخرج في منتصف رجب 173هـ= نوفمبر 789م متجهًا نحو تلمسان، وفي أثناء زحفه استولى على مدينة "سبتة"، ولم يكد يصل إلى "تلمسان" حتى خرج إليه صاحبها "محمد بن خرز"، وأعلن خضوعه له دون قتال، وبايع إدريس بن عبد الله، وتبعته قبائل: مغراوة وبني يفرده.
ولما دخل الإمام إدريس تلمسان أقام بها مسجدًا جامعًا للمدينة، وصنع منبرًا جميلاً كان يحمل نقشًا يحدِّد تاريخ إنشائه، ونصه: بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، وذلك في شهر صفر 174هـ، وهذا يعني أن إدريس أقام في تلمسان حتى هذا التاريخ، ثم كرَّ راجعًا إلى عاصمة ملكه.
، أدى هذا النجاح إلى تخوف الخلافة العباسية من تزايد قوة إدريس وزحفه في اتجاه الشرق؛ فبعث هارون الرشيد بعميل ماكر ماهر، بمساعدة إبراهيم بن الأغلب الذي كان مرشحا آنذاك لولاية بلاد إفريقية (تونس)، قصد اغتيال إدريس ووضع حدا لتصاعد دعوته، استطاع المدعو الشماخ أو سليمان ابن جرير من التقرب من أمير الأدارسة، فتحين الفرصة ودس له سما، أدى إلى وفاته سنة 177 هـ/793م، ودفن بجبل زرهون حيث يتواجد ضريحه الذي سار قبلة سنوية للعديد من الأشراف الإدريسيين ، ونواة تطورت حولها مدينة زرهون.
للسلطان إدريس الأول ابن واحد وهو إدريس الثاني(التاج)وبنت واحدة اسمها فاطمة بنت إدريس تركها والدها بالمدينة المنورة وتزوجها ابن عمها:محمد(الأثيني)بن يحيى صاحب الديلم بن عبد الله الكامل (ذكرها النجفي في بحرالأنساب)، وله عدد من الأحفاد اتفق على اثني عشر منهم فقد توزعت بينهم إمارات المغرب في عهد أخيهم الخليفة محمد بإشارة من جدتهم كنزة بنت عبد المجيد الوربي وأنهى بعض المؤرخين المغاربة عددهم إلى عشرين فأكثر .
ومن الآثار التي خلفها المولى إدريس مدينة مولاي إدريس زرهون المتواجدة بنحو 20 كلم من مدينة مكناس والتي جعلها أول عاصمة للمغرب، ومن آثاره كذلك مسجد ومنبر تلمسان الذي كتب فيه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أمر به إدريس بن عبد الله بن حسن بن علي بن أبي طالب وذلك في شهر صفر عام 174هـ.
ومن آثاره أيضا ضرب السكة بتدغة عام 174 نقش في وسط وجهها "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وبدائرتها "بسم الله ضرب هذا الدرهم بتدغة عام 174هـ" ونقش في الوجه الآخر صورة هلال ثم "محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم" وتحت ذلك "علي" ثم وهذا ما أمر به إدريس بن عبد الله جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" ووزن هذه القطعة غراما ونصف من الفضة الخالصة وسميت هذه السكة بالدرهم الإدريسي الفضي وكانت تدل على عزم المولى إدريس الأول على تغيير حياة رعيته التي كانت تعيش أوضاعا متقلبة وغير مستقرة بسبب خضوعهم للإمبراطوريات العديدة كالرومان والفينيقيين والأمويين وغيرهم.
وهكذا كوّن المولى إدريس الأول أول كيان مستقل منظم يخرج إلى الوجود بأسس خاصة تحمل بصمات الإسلام وتكون مدرسة فكرية جديدة تحت لواء المذهب المالكي.
إن الظروف السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة في القسم الشمالي من المغرب الأقصى قبيل وصول إدريس كانت مهيأة لقيام إمامة سنية يكتب لها النجاح والتوفيق. فكانت الظروف ممهدة لزعامة سياسية في المغرب الأقصى؛ تمكن القبائل الصنهاجية المصمودية المتمسكة بالسنة من التخلص من سلطان البرغواطيين، حيث كان شيوخ أوربة مستعدين لتأييد قائد وزعيم يخلصهم من طغيان هؤلاء، وينشئ لهم دولة وكيانا سياسيا على أسس الإسلام القويم. لذلك لم تجد دعوة إدريس بن عبد الله هذه صعوبة كبيرة في الانتشار والتوسع في أوساط القبائل البريرية.
وهذا يدل على أن اختيار إدريس الأول ومولاه راشد لبلاد المغرب الأقصى لم يكن أمرا اتفاقيا، وإنما كان اختيارا استراتيجيا وسياسيا مدروسا.
بدايات تأسيس الكيان السياسي للدولة الإدريسية
إن اختيار إدريس الأول لمدينة وليلي كمنطلق لدعوته، يستند إلى أكثر من معطى واقعي، فمن جهة كانت وليلي وقتئذ مركزا وملتقى تجاريا لمختلف القبائل البربرية، كما كانت قبيلة أوربة تتزعم مجموعة كبيرة من القبائل يتسع نطاقها من الأطلس الأوسط إلى وادي سبو. هذه العوامل منحت المنطقة أن تكون أصلح ما تكون كمركز لدعوة سياسية..
وحين حل إدريس بالمغرب، اتخذ مدينة وليلي منطلقا لدعوته، فدعا عبد الحميد عشيرته أوربه – وهي أكبر عشائر البربر – لبيعته، فكانوا أول من بايعه يوم الجمعة 4 رمضان 172هـ، وتلقب بـ"أمير المؤمنين". وخطب الناس يوم بويع فقال بعد حمد الله والصلاة على نبيه "لا تمدن الأعناق إلى غيرنا فإن الذي تجدونه عندنا من الحق لا تجدونه عند غيرنا".
وتحدثنا المصادر التاريخية عن هذه البيعة التاريخية الأولى بالمغرب، التي بايع المغاربة بموجبها إدريس الأول سنة 172هـ ملكا لهم. وكيف أنها كانت بداية عهد جديد للإسلام والمسلمين في الغرب الإسلامي، ومن هؤلاء المؤرخين نذكر "ابن أبي زرع" في كتابه "روض القرطاس" إذ يقول عن هذه البيعة ما يلي: "بويع إدريس بن عبد الله بمدينة وليلي يوم الجمعة من شهر رمضان المعظم سنة 172هـ وكان أول من بايعه قبائل أوربة. بايعوه على الإمارة، والقيام بأمرهم وصلواتهم وغزواتهم وأحكامهم، ثم بعد ذلك أتته قبائل زناتة وأصناف البربر من أهل المغرب، ومنهم زواغة، وزواوة، ولماتة، وصدراتة، وغياتة، وتفزة، ومكناسة، وغمارة... إلى أن تتابعت الوفود من الأقاليم الصحراوية
بيان مولاي ادريس
«بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين الذي جعل النصر لمن أطاعه، وعاقبة
السوء لمن عانده، ولا إله إلا الله المتفرد بالوحدانية. وصلى الله على محمد عبده
ورسوله وخيرته من خلقه وآله الطيبين، أما بعد: فإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه
صلى الله عليه وآله، والى العدل في الرعية والقسم بالسوية ورفع المظالم والأخذ بيد
المظلوم وإحياء السنة وإماتة البدع وإنفاذ حكم الكتاب على القريب والبعيد.. اعلموا
يا معاشر البربر أني أتيتكم وأنا المظلوم الملهوف الطريد الشريد الخائف الموتور
الذي كثر واطره وقل ناصره وقتل إخوته وأبوه وجده وأهلوه، فأجيبوا داعي الله عز وجل
إذ يقول:( ومن لا يجيب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه من أولياء
أولئك في ضلال مبين). أعاذنا الله وإياكم من الضلال وهدانا إلى سبيل الرشاد، وأنا
إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عمّ رسول الله(صلى الله
عليه وآله)، هذه دعوتي العادلة غير الجائرة فمن أجابني فله مالي وعليه ما عليَّ،
ومن أبى فحظه أخطأ وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة، إني لم أسفك دماً ولا استحللت
محرماً ولا مالاً وأستشهدك يا أكبر الشاهدين وأستشهد جبريل وميكائيل إني أول من
أجاب وأناب، فلبيك اللهم لبيك مزجي الجبال سرابا بعد أن كانت صماً صلاباً، وأسألك
النصر لولد نبيك إنك على كل شيء قادر وصلى الله على محمد وآله وسلم..»
مذهب الدولة الادريسية
الدراسات التاريخية تعد الدولة الإدريسية دولة شيعية، على أساس أن مؤسسيها
وأئمتها كانوا من أهل البيت، فمن الثابت تاريخيا أن الأدارسة كانوا أهل سنة وجماعة.
حيث تروي الكتب التاريخية روايات عن الإمام إدريس الأكبر تصب في هذا الاتجاه، فيروى
عنه أنه قال مشيرا إلى مالك نحن أحق باتباع مذهبه وقراءة كتابه، يعني الموطأ، وأمر
بذلك في جميع معاقله . ولم يعرف الأدارسة في بلادهم غير المذهب المالكي، خصوصا إذا
أخذنا بعين الاعتبار مختلف الروايات التي تؤكد أن المذهب المالكي قد دخل المغرب في
هذا العهد، وقبله كان دخول كتاب الموطأ.
لذلك
نصرة مذهب السنة والجماعة كانت من الأسباب الحقيقية لقيام الإمامة الإدريسية ودوافع
وجودها، والبيان الإدريسي الذي سبق أن أشرنا إليه يؤكد ذلك. وإن كان الوضع السياسي
للدولة الناشئة لا يسمح لها بتعدد الاختيارات، وتقديم غير الأولويات، فقد كان همها
الأول هو إثبات مشروعية الدولة الناشئة باعتبارها ثاني انقسام يحدث في رقعة الدولة
الإسلامية المترامية الأطراف، وهو أمر لا بد له من مبرراته، ودواعي حدوثه حتى يكتسي
الصفة الشرعية
نجح الأدارسة في توحيد المغرب الأقصى، وذلك نتيجة خطوات منها: إقامة حكومة مركزية
في وليلى ثم في العاصمة الجديدة "فاس" تخضع لها مختلف القبائل. ثم إن الحملات
العسكرية المتكررة كانت مجالا لحشد القبائل خاصة البربرية تحت راية واحدة وصهرها في
مجتمع واحد متجانس. كما قاموا بحملات عسكرية كان الغرض منها القضاء على الوثنية
المنتشرة في المنطقة، وكذلك القضاء على المذاهب الخارجية التي استشرى خطرها في
البلاد، وترسيخ المذهب السني السلفي الصحيح
التمدن الحضاري أدى إلى اندماج حقيقي بين الأدارسة والقبائل
البربرية،، يرجع الفضل في نشر الدين الإسلامي
الأسس والركائز الدينية التي استندت ّعليها الدعوة الإدريسية، وخاصة مناداتها
للعودة إلى المنابع الإسلامية الصحيحة والتمسك بالسنة، ومحاربة البدع ومختلف
الانحرفات التي قد تظهر.
إن هذا المنطلق الديني بات مؤشرا على نجاح هذا المشروع
السياسي، فراح إدريس يضع اللبنات الأولى لكيان دولته الجديدة. ففي عهد إدريس الأول
انتظم للدولة جيش كثيف وقوي أخضع من حوله من بلاد المغرب الأقصى الكثير، ونشر
الإسلام بين القبائل التي كانت لا تزال على المجوسية أو اليهودية أو المسيحية
من هدا البيان نلاحظ ان الدعوة الادريسية كانت قائمة على المناهج الإسلامية الصحيحة والتمسك بالسنة، ومحاربة البدع ومختلف
الانحرفات التي قد تظهر.
وتمكن أمره واستقر حكمه وأرسى قواعد الدولة الفتية، ونجح في أن يقيم ملكاً وطيداً
دعامته العدل وإنصاف الناس و اصبحت القبائل البربرية حاميتهم وعماددولتهم
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/05/2011
مضاف من طرف : yasmine27