تعود ذكرى تأميم المحروقات هذه السنة في ظلّ تداعيات أزمة الصدمة النفطية لتسترجع الذاكرة مدى أهمية تلك القرارات التي أعلنها الرئيس الراحل هواري بومدين في 24 فبراير 1971، مجسدة إرادة وطنية صلبة في رفع التحدي لاستكمال المحتوى الاقتصادي للسيادة الوطنية. إنه نفس التحدي الذي تواجهه الشركة الوطني للمحروقات سوناطراك التي خاضت طيلة 47 عاما معركة تأمين الموارد المالية بالعملة الصعبة لتتمكّن الدولة الوطنية من إنجاز برامج تنموية غيّرت من أوضاع البلاد ورفعت من مستوى الجانب الاجتماعي للمواطنين، فكانت بحقّ القاطرة الصلبة التي تواصل بنفس الوتيرة شقّ الطريق إلى المستقبل حتى تعبر الأجيال إلى الرفاهية. لم تكن لهذه المؤسسة وظيفة تجارية بحتة وإنما أداة في خدمة المجموعة الوطنية أثبت عمالها بمختلف المراتب المهنية درجة عالية في الالتزام بخدمة الأهداف الوطنية ومضاعفة الجهود في كافة المراحل التي مرّ بها الاقتصاد الوطني، لتبقى نفس العزيمة التي عبر بها من كان لهم شرف المشاركة في انجاز التأميمات دون أن يتسلّل إليهم أدنى شكّ بتعثر محتمل أو فشل وارد كما كانت تعتقد يومها الشركات الأجنبية. وما أشبه اليوم بالبارحة من حيث ثقل المسؤولية التي يتحمّلها عمال وعاملات قطاع المحروقات في إنجاز التحوّل الشامل حتى تواصل سوناطراك في حمل رسالة الأمل للأجيال ليس كمصدر للريع النفطي وإنما كمجمع رائد للاستثمار المنتج وقاعدة إسناد صلبة للانتقال الاقتصادي من بوابة الطاقة، الأمر الذي يستلزم أن يكون الجميع على درجة من الوعي والإدراك لمدى ضرورة كسب هذه المعركة كما كسب أسلافهم معركة استرجاع ثروات الذهب الأسود ضمن أملاك الدولة. لم يكن مفاجئا أن تتعرّض سوناطراك لحملة ممنهجة قصد الإساءة إلى سمعتها التجارية في الأسواق العالمية، خاصة وأنها كانت ترتب ضمن أكبر عشر شركات عالمية وتمتعت ولا تزال بثقة زبائنها. لذلك كان من المهم أن يحرص القائمون عليها خاصة في هذا الظرف على إعادة ترتيب البيت من الداخل بإعطاء الفرصة للكفاءات الموجودة والدفع بالشباب المؤهل إلى الصفوف الأولى من جهة وأن ينكبّ كل واحد في أي موقع كان على معالجة سلسلة من ملفات النزاعات العالقة التي أرهقت التسيير وعطّلت عجلة التطوّر من جهة أخرى مع القيام بالموازاة بترميم صورة الشركة حتى تستعيد بريقها الصافي في مشهد عولمة الاقتصاد بكل ما يترتّب عنه من منافسة وضغوطات لا يمكن تجاوزها إلا بتجنيد كافة الشركاء حول المصلحة الوطنية التي تستلزم وضع كل العبارات جانبا والتوجّه نحو حشد الطاقات الوطنية الشاملة لتخطي المرحلة بسرعة. وإذا كانت الهوية التاريخية للشركة معروفة إلى درجة أنها ترتبط بعمر الاستقلال، فإن مستقبلها في المديين المتوسّط والبعيد هو الانشغال القائم اليوم، مما يضع القائمين على إدارة دواليب مجمع سوناطراك أمام امتحان صعب يمكن تجاوزه بالنظر لجملة من المعطيات الجوهرية، أبرزها كما كشف عنه الرئيس المدير العام عبد المؤمن ولد قدور في حوار حصري لجريدة «الشعب»، تصفية الملفات المتعلقة بمنازعات مع شركاء أجانب، إرساء نظام معلوماتي مندمج للتسيير يخضع للحوكمة، رصد أكثر من 50 مليار دولار لتمويل استثمارات جديدة، تحفيز الكفاءات والانفتاح على الطاقات البديلة وفقا لرؤية واضحة. ويندرج هذا التوجه على ما فيه من صعوبات ناجمة عن محيط اقتصادي عالمي سريع التغير، ضمن إستراتيجية ترتكز على الواقعية والاستشراف تسهر على تجسديها إطارات جزائرية تساهم في صياغة الخيارات مع الحرص على الانسجام دوما مع التوجهات التي ترسمها الدولة قناعة منها أن الشركة ملك للمجموعة الوطنية ويجب توظيف مواردها في خدمة التنمية المستدامة التي تحمي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للأجيال.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 17/02/2018
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سعيد بن عياد
المصدر : www.ech-chaab.net