الجزائر

موسم الحج إلى غرداية !



المعروف أن المشاكل التي لا تجد لها حلا في وقتها ويتم تجازها بالإهمال تارة أو بالحلول السطحية تارة أخرى سيتكرر ظهورها كلما تجددت مسبّباتها، لاسيما المشكلات التي تتجاذبها توازنات اجتماعية وثقافية وسياسية مختلفة أو متضاربة أحيانا...لقد بقي ينظر إلى منطقة الجنوب على أنها بوابة الهدوء والرضا بالقليل وساكنتها بمنظار قلة الوعي وبالقابلية للتبعية، لذلك ظلت الحلول التي توصف لمشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ... تبعا لهذه النظرة تنبع من عقول غير عقول أهل المنطقة، فلم تكن تلك الحلول لتلق الترحيب أو التجاوب ولم تلعب إلا دور المسكنات التي تهدئ ولا تعالج... إن الجزائر في غنى عن ظهور بؤر توتر جديدة تكون سببا في ابتزازها من قبل قوى الداخل أو الخارج، لذلك فإن من صالح بلدنا ووحدته الترابية أن يكون أولياء أمورها على قدر كبير من الحكمة في التعامل مع المشاكل التي لا تتطلب تعاطيا ماديا معها بقدر ما تتطلب حلولا تراعي التوازنات وتحسن تقسيم الأدوار دون حيف أو محاولة للاستغلال.المعروف أن التوتر في المنطقة التي يتقاسم العيش فيها "بنو ميزاب" و "الشعانبة" ليس جديدا لكنه لم يكن يأخذ هذه الأبعاد لولا توفر الإعلام على إمكانية الوصول إلى مصدر المعلومة أو حتى وصولها إليه دون أن يطلبها، هذه الاحتكاكات لم تكن تأخذ طابعا عرقيا أو دينيا بقدر ما كانت تتمظهر في الانحياز الطبيعي الفطري للأفراد، ثم سرعان ما تنتهي الإشكالات بجلسات صلح تعيد اللحمة إلى بني المنطقة على اعتبار أن التعايش لا بد منه و أن الإلغاء مستحيل تفكيرا وفعلا، وجلسات الصلح كانت تعقد غالبا بين أعيان الفصيلين من أهل العقد والحل وليس للشباب إلا الانصياع لدواعي الحكمة والعقل.الجديد الذي لاحظناه هذه المرة هو محاولة عديد الأطراف حشر نفسها في صراع - تناوش- لا تدرك كُنهه، في محاولة لتصدير حلول تفتقت من عبقريتها الفذة وكأن عقول أهل المنطقة عاجزة عن تصور الحلول، وهو ما قد يؤدي إلى توسع الموضوع واستغلاله من طرف ذوي النوايا السيئة لجر أبناء المنطقة إلى أكل شوك غيرهم بأفواههم، حتى وإن كان حج بعض الأطراف إلى المنطقة يحمل الخلفية الحسنة إلا أن التصرف قد يزيد في تعقد الوضع أكثر مما قد يساهم في إفراز مخارج مفيدة... برلمانيين، جمعيات، شخصيات دينية، شخصيات سياسية، إعلاميين،... ما فائدة كل هذا الإنزال إذا علمنا أن جل هؤلاء عاجزون عن تقديم استشارات وحلول لمؤسساتهم التي أنشؤوها ويعلمون خباياها، فمن فقد المصداقية في محيطه لا نعتقد أنه يمكن أن يجدها في محيط آخر. و لذلك نعتقد أن من يحس حقيقة بالمشكلة هو صاحبها، و أن دور الآخرين لن يتعدى مساعدته على تطبيق تصوّره للحلول التي فكر فيها هو، لأنه وحده يعلم حجم وأبعاد وأشخاص المشكلة، وحتى السلطات لا تمسك بكل خيوط الحل بل جهدها قد يكون في توفير سبل اللقاء وتذليل ما من شأنه عرقلة سير الحوار، ومن بين هذه العوائق التي ينبغي كبح جماحها طوائف الحجيج هذه التي شدت الرحال وفي نيتها دنيا تصيبها، وليس رغبة في لم الشمل...و لعل التحرك على محور بناء عمق الإنسان الجزائري في مختلف الأبعاد التربوية و الثقافية و الدينية و السياسية من شأنه أن يحدث التغيير الحقيقي المطلوب في خط التعايش وقبول الآخر مهما كان الاختلاف معه، وهذا أسمى معاني الوطنية التي ننشدها.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)