السياسي و الدبلوماسي و المفكر في البرلمان
الجزائر، الخميس 31 أيار (مايو) 2012 (المحور اون لاين)-
ثلاث خصال اجتمعت في شخص رئيس المجلس الشعبي الوطني الحالي السيد محمد العربي ولد خليفة؛ الرئيس السابق للمجلس الأعلى للغة العربية تجعله يتولى و بسهولة منصب الرجل الثالث في الدولة الجزائرية.
إيدير دحماني
أولها انه رجل دولة. فهو غير غريب على دواليب السلطة و الحزب و كواليس الدبلوماسية. تولى مناصب وزارية عديدة منذ أزيد من 30 سنة منها منصب كاتب دولة مكلف بالثقافة و الفنون الشعبية (1980-1982) و كاتب دولة للتعليم الثانوي و التقني (من 1982 إلى 1984) في حكومة محمد بن أحمد عبد الغاني. و شغل ولد خليفة منصب عضو اللجنة التنفيذية لحزب جبهة التحرير الوطني في فترة 2005 و 2010. في 1985 ولج العمل الدبلوماسي عندما تمّ تعيينه سفيرا للجزائر في اليمن حتى العام 1988، لينتقل إلى طهران في منصب سفير للجزائر لدى إيران لمدة ثلاثة أعوام، وبعد سنوات من الغياب عاد إلى الواجهة من جديد بتكليفه من طرف الرئيس الأسبق اليامين زروال بمنصب أمين عام المجمع الجزائري للغة العربية، ثم عيّنه الرئيس بوتفليقة لاحقا منذ شهر جوان من العام 2001، على رأس إحدى أهم الهيئات الثقافية التابعة لمصالح رئاسة الجمهورية ويتعلق الأمر بالمجلس الأعلى للغة العربية. في هذا الظرف المضطرب على حدودنا و عند جيراننا و في العالم بصفة عامة تحتاج السلطة التشريعية في الجزائر لرجل مارس فعلا الدولة و الحزب و الدبلوماسية.
يمتلك الرجل خصلة ثانية ستجعلنا ننسى بلا ريب السنوات العجاف التي عرفها المجلس الشعبي الوطني وهي انه مثقف بالمعنى الحقيقي للكلمة. و لا نستطيع أن نشبهه في نفس المنصب إلا برجل واحد هو أول رئيس للمجلس الشعبي الوطني فرحات عباس.
يقول الوزير السابق عز الدين ميهوبي أن محمد العربي ولد خليفة يمثّل في حد ذاته خطّا فكريا مختلفا تماما عن الذين سبقوه، وحاولوا تفكيك أسئلة التاريخ والواقع، فكانوا أسرى العباءات الإيديولوجية التي لا يرون أنفسهم خارجها، مما جعل النتائج التي يقدمونها كمحصلة اجتهاد ليس أكثر من إعادة إنتاج فكرة جاهزة. فعلا فلم يكن فكر الرجل أسير تلك القوالب الجاهزة، فناقش قضايا العقل واللغة والدين والتاريخ والهوية والثورة والتراث والحرية والمستقبل. الكم الثقافي الذي يمتلكه ولد خليفة يعطيه كفاءة التحدث في قضايا ثقافية متشعبة و مختلفة إلى حد التناقض. و أهم ما في هذه الخصلة انه متمكن من التاريخ؛ يعرف حق المعرفة كيف كُتب تاريخ الجزائر و كيف يجب إعادة كتابته. قبل عامين “قذف” الدكتور ولد خليفة في وجه النخبة و السلطة كذلك بطرح هو نداء في نفس الآن إلى إعادة بناء البحث التاريخي عن ماضي الجزائر القريب والبعيد بهدف تصحيح المفاهيم والمغالطات. و كم هي كثيرة المغالطات و المفاهيم الخاطئة. يقول أن إعادة بناء البحث التاريخي عن ماضي الجزائر يجب أن يصاحبه تصحيح المفاهيم الملغمة و المغالطات التي أشاعتها المدرسة الكولونيالية الفرنسية و سربتها مثل العملة المغشوشة التي هدفها الفساد و الإفساد. يرى أنه من المستعجل إحياء مشروع التاريخ العام للجزائر لتعريف الأجيال بحقائق ماضيها. ثم و ربما هذا هو بيت القصيد كما يقال قديما، يعتبر الدكتور ولد خليفة التاريخ هو علم الوطنية بامتياز و الشريان الحيوي الذي تتغذى منه روح الأمة. و من يعرف الرجل يدرك انه لا يقول ذلك جزافا إنما يقول ذلك بعد أزيد من نصف قرن من البحث و الدراسة.
فهو عكس الكثير ممن سبقوه في هذا المنصب له فكر ينطلق من شعور ذاتي بالحاجة إلى مناقشة التاريخ ليس كحلقات منفصلة، أو بنظرة تجزيئية، إنما من منطلق واع يتمثل في كون فهم الحاضر لا يتم في فراغ إنما من خلال تواصل في التاريخ، واستنطاق التجربة الإنسانية، والجزائر حالة متفردة في هذا التاريخ. بغض النظر عن المعارك السياسية و التطاحن الحزبي، الجزائر في حاجة إلى رجل في هذا المقام يقرأ و يكتب. و كما قيل عنه و منذ سنوات محمد العربي ولد خليفة له كتابات تتسم بلغة الباحث والمفكر والدارس المتمحص. وله نظرة متكاملة حول الحقبة الاستعمارية كفيلة أن تثير النقاش في الجامعات و قد إثارته فعلا. قد نختلف مع فكره و نظرته و قد نتفق لكن في كل الأحوال لا مندوحة لنا إلا أن نعترف انه يؤسس لأرضية تفكير عقلاني بالمعنى الأكاديمي للكلمة، يمكن أن تتأسس عليها رؤية جزائرية خالصة تضبط معالم علاقتنا بالآخر. السلطة التشريعية في الجزائر في أمس الحاجة إلى رجل يستهلك الفكر و يستطيع أن ينتج فكرا.
ثالث خصلة لدى رئيس المجلس الشعبي الوطني صاحب الدكتوراه في اختصاص علم النفس الاجتماعي من جامعة الجزائر انه رجل حوار و متفتح. فهو وضع و يضع دائما الحوار في أعلى سلم أولويات التعامل “مع الأخر”. السلطة التشريعية في الجزائر و في هذا الظرف بالذات في حاجة ماسة إلى رجل يعرف كيف و متى و لماذا يجب أن يكون الحوار أولوية الأولويات. كل المؤشرات تدل على أن غيوم المستقبل مخيفة و مكهربة و العاصفة آتية لهذا وحده الحوار قد يخفف وطأة الوابل على رؤوسنا. من هذا المنطلق يمكن الجزم أن ولد خليفة في مكانه المناسب.
لكن للرجل خصال يطول ذكرها. ثم ليس من غلو الحديث القول أن رئيس المجلس الشعبي الوطني يمثل في شخصه نوع من الإجماع أو التوازن بالمعنى السياسي للكلمة. العربي ولد خليفة؛ المدافع الشرس و الذكي على اللغة العربية أمازيغي أصيل من منطقة جرجرة العريقة. علاوة على لغة الأم الأمازيغية، يُتقن الرجل عدد من اللغات نطقا وكتابة منها العربية و الإنكليزية والفرنسية وحتى الفارسية. ولد قبيل الحرب العالمية الثانية سنة 1939، وهو سليل عائلة «أزرو قلال» و معناه “الحجر الصلب”. عندما اندلعت الثورة التحريرية كان عمره 15 سنة و لم يمنعه صغر سنه أن يكون من الرعيل الأوّل من المجاهدين. تطوّع في المنظمة السرّية لجبهة وجيش التحرير الوطني. مشاركته في الثورة لم تمنعه أن يواصل دراساته بامتياز و في تخصصات متعددة. بعد شهادة البكالوريا في العلوم تحصل على شهادة ليسانس في الفلسفة والعلوم الاجتماعية من مصر في 1963 ونال درجة دكتوراه في اختصاص علم النفس الاجتماعي من جامعة الجزائر في 1972. هذا الإرث الثوري و الجامعي جعلته يشغل الكثير من مناصب المسؤولية في الدولة، ويتمتع برصيد سياسي ودبلوماسي وضعه في الريادة.
هذه النبذة القصيرة تجعلنا نفهم لماذا لقي صعود الدكتور العربي ولد خليفة إلى مبنى زيغود يوسف ترحيبا واسعا لدى شرائح كثيرة من مختلف الأطياف السياسية والفعاليات الثقافية والفكرية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 31/05/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : إيدير دحماني
المصدر : www.elmihwar.com