إنّ لحظة اتصال بالله، لحظة شهود لجلاله، لحظة انطلاق من حبسة هذه الأمشاج ومن ثقلة هذه الأرض وهمومها القريبة، لحظة تنبثق فيها في أعماق القلب البشرى شعاعة من ذلك النُّور الّذي لا تدركه الأبصار. لحظة إشراق تنير فيها حنايا الروح بقبس من روح الله.
إنّ لحظة واحدة من هذه اللّحظات الّتي تتّفِق للندرة القليلة من البشر في ومضة صفاء ليتضاءل إلى جوارها كلّ متاع وكلّ رجاء، فكيف برضوان من الله يغمر هذه الأرواح وتستشعره بدون انقطاع ''ذَلِك هُو الفَوْزُ العظيم''. فلابُدّ قبل كلّ شيء من الأمر بالمعروف الأكبر وهو الاعتراف بسُلطان الله ومنهجه للحياة والنّهي عن المنكر الأكبر وهو رفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة، وبعد إقامة الأساس يمكن أن يقام البنيان، فلتوفر الجهود المبعثرة إذن، ولتحشد كلّها في جبهة واحدة لإقامة الأساس الّذي عليه وحده يقام البنيان.
إنّ الإنسان ليرثى أحياناً ويعجب لأناس طيِّبين ينفقون جهدهم في ''الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر'' في الفروع، بينما الأصل الّذي تقوم عليه حياة المجتمع المسلم، ويقوم عليه الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر مقطوع. فما غناء أن تنهي النّاس عن أكل الحرام مثلاً في مجتمع يقوم اقتصاده كلّه على الربا، فيستحيل ماله كلّه حراماً، ولا يملك فرد فيه أن يأكل من حلال، لأن نظامه الاجتماعي والاقتصادي كلّه لا يقوم على شريعة الله، لأنّه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعة الله للحياة؟! وما غناء أن تنهي النّاس عن الفسق مثلاً في مجتمع لا يعتبر قانونه الزنا جريمة إلاّ في حالة الإكراه ولا يعاقب حتّى في حالة الإكراه بشريعة الله، لأنّه ابتداء يرفض ألوهية الله برفض شريعته للحياة؟!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 22/03/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الشيخ الطاهر بدوي
المصدر : www.elkhabar.com