الجزائر

منفي بجاية



توزّعت حياة الرئيس البرتغالي مانييل تكسيرا غوميز Manuel - Teixeira Gomes بين بوهيمية تنشد اللذة والمتع الزائلة، وإبداع لم يكتمل له النضج، وطموح سياسي قاده إلى سلوك طريق المنفى الطوعي والاستقرار سنة1931 ببجاية، حيث توفي ودفن. وإذا كان سكان عاصمة الحماديين فخورين باحتضان مدينتهم لهذه الشخصية المرموقة، فإن أغلبهم يتساءل، حين يقف أمام تمثاله النصفي الذي أنجزته إيرين فيلار، عن سبب قدوم هذا الارستقراطي البرتغالي إلى بجاية، وآخرون يعتقدون أنه مدفون إلى اليوم بالمقبرة المسيحية بمدينتهم. وهذا خطأ لأن جثمانه نقل سنة 1950 إلى مسقط رأسه، في بورتيماو. ولم تحتفظ بجاية عن إقامته بها إلا بذكريات غامضة، والغرفة رقم 13 التي أقام بها طيلة عشر سنوات في فندق ليطوال. نشأ تكسيرا غوميز في أسرة بورجوازية راقية امتهنت التجارة أبا عن جد. في سنة 1911 عمل في مفوضية بلاده بلندن، ونجح في تحسين صورة بلاده لدى الإنجليز الذين كانوا يعتبرون نخبة بلاده جماعة من الماسونيين، ثم شغل بعد ذلك منصبا ديبلوماسيا في اسبانيا وعصبة الأمم.بين بوهميته وإبداعه وطموحه السياسي عزلة. والعزلة عنده اختيار. وهوالقائل ''قليلون من يستحق العزلة. أنا مقتنع أني واحد من هذه الأقلية المحظوظة''. فأما بوهيميته، فهي ليست مبتذلة، وإنما نابعة من نظرة فلسفية تجعل من المتع والملذات أساس الوجود الإنساني. وقد عاشها حين كان طالبا في الطب، وخلال أسفاره العديدة ومغامراته في وسط ينبذ الأعراف الاجتماعية والتزمت.وانعكس ذلك في نثره المفعم بحس شبقي رفيع وتمجيد للمتع الدنيوية.وأما إبداعه، فمجهول خارج فضاء اللغة البرتغالية لأنه لم يترجم، وهو عبارة عن قصص وانطباعات رحلة ومسرحية ورواية واحدة. وتشكل مناظر البحر الأبيض المتوسط محوره. وأخيرا حوار مطوّل أجراه معه الصحفي نربرتو لوبيز، نشر قبل موته بعنوان ''منفي بجاية''.وأما منفاه، فقد اختاره طواعية بعد أن خابت آماله في الوسط السياسي بمضاره وتعفنه ووشاياته. واستقال من منصبه قبل انتهاء عهدته الرئاسية، وقدم إلى بجاية في سبتمبر 1931، وأقام بها عشر سنوات في فندق ليطوال المطل على ساحة غيدون( أول نوفمبر حاليا). وعاش في عزلة تامة كان يفتخر بها منصرفا إلى القراءة والتأليف والتجوال والاستمتاع بمناظر بجاية الخلابة والاستماع إلى الموسيقي الأندلسية التي كانت تذكره بموسيقى الفادو البرتغالية. وأحب المسلمين. ويروى أنه قال ذات يوم ''لو قدّر لي، وأنا في خريف عمري، أن أغيّر جنسيتي لفعلت ذلك في الوسط الإسلامي''.وتحوّل منفاه الطوعي إلى منفى قسري بعد مجي ديكتاتورية سالازار. وأما ما قامت به السلطة في الجزائر، فهو مهزلة حقا.فبمناسبة زيارة الرئيس البرتغالي سامبارو إلى بجاية أعادت تسمية شارع باتريس لوممبا باسم تكسيرا غوميز، وكأنها تفاضل بين لوممبا الذي دافع عن القضية الجزائرية في المنابر الإفريقية وبين رئيس نزل ضيفا على الجزائر في العهد الاستعماري. 


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)