الجزائر

منطق مقلوب



 عندما يغيب دور النخب في مجتمع ما ينهار سلم القيم، وتتصدر الدهماء الواجهة وتترسخ سلوكيات نعيق النمو الطبيعي في شتى مجالات الحياة، وتبرز تناقضات بين التطور الذي تعرفه مختلف المرافق المادية والتجهيزات من جهة، وتعامل الفرد مع هذه الوسائل المادية من جهة أخرى.
تعرف بلادنا اليوم غيابا كبيرا، إن لم نقل كليا، للنخب التي لم يعد لها أي تأثير يذكر في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث أصبحت هذه النخب تكتفي بدور المتلقي دون رد فعل، باستثناء بعض الفرديات التي تحاول من حين لآخر، وفي ظروف خاصة، وضع الأمور في نصابها دون أن يكون لردات فعلها الصدى المطلوب في المجتمع.
من الغريب أن نلاحظ أن جامعة يؤمها عشرات الآلاف من الطلبة وتعد آلاف الأساتذة، لا تؤدي أية وظيفة خارج التكوين الأكاديمي، ولا تسهم بشيء في حياة المدينة التي تتواجد بها.
وأكثـر من ذلك، عندما نجول في أروقتها، لا نحس بأننا في صرح علمي يفترض أن يكون فضاء للآراء المتناقضة والنقاشات الساخنة مثلما كانت عليه الأجواء سنوات السبعينات. إننا نسير إلى الخلف.
ومن الغريب والمؤسف أن تتغير تصورات المثقفين ومواقفهم من النقيض إلى النقيض بمجرد تقلد منصب إداري، حيث يتحول الكثير منهم إلى شعراء بلاط لا يتوانون في ترديد عبارات المدح والتملق لولي نعمتهم، مع أنهم غير مطالبين وغير مجبرين على ذلك. والمطلوب هنا ليس رفض المنصب أو ممارسة المعارضة، لأن ذلك من مهام الأحزاب السياسية، بل المطلوب هو سلوك المثقف الذي يكون قدوة في ترسيخ المثل العليا في المجتمع.
وإذا كان المثقفون يتحملون جزءا من المسؤولية في وضعنا الراهن بتواطئهم أو صمتهم أو استقالتهم، فإن السلطة تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية بممارساتها التي كثيرا ما عملت على تحييد الأصوات التي لا تبدي موافقتها في كل الحالات ولا تطبل لها في كل المناسبات، وذلك بشراء الذمم بالمناصب والامتيازات أو بالعزل والتهميش.
إن السلطة تتعامل في أغلب الأحيان بمنطق ''إذا لم تكن معنا فأنت ضدنا''، وهو يعني أنها لا تستعين إلا ''بالكفاءات'' التي توافق دون نقاش، ولا تعترض على القرار الإداري أو السياسي، حتى وإن كانت على قناعة بأنه غير صائب. ونعرف جميعا أن الإداري يقرر ما يجب فعله في الطب وفي العمران وفي الثقافة وغيرها حتى وإن عارض أهل الاختصاص، بل ويقرر أحيانا دون استشارتهم. إنه منطق مقلوب يجب أن يتغير.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)