الجزائر

مقتطف من رواية «أوجاع الرجال» لبلال لونيس



ركب عبد الله ورفاقه السيارة وانطلقوا نحو قرية القصور، التي تبعد قرابة الخمسين كيلومترا عن وسط مدينة البيبان، وفي طريقهم إلى هناك احتضنتهم قرية « توبو» بجمالها وسحرها الفاتن، أوقفوا السيارة هناك وراحوا ينظرون من علٍ إلى ما رسمته ريشة القدر من معالم ومناظر خلابة فيها؛ الأشجار والحشيش وقبب المساجد وأغلب المنازل تتوشح لونا أخضر.وما زادها حسنا ورونقا التصاق بيوتها بعضها ببعض، فنادرا ما تجد بيتا منفردا، وكأن سكانها يقولون من بنيانهم المرصوص، أنهم يد واحدة وروح واحدة، تجمعهم الأخوة والمحبة والأنفة والتعاون. سكون آسر يبسط ذراعاه حول هذه القرية المباركة، وراحة كبيرة يشعر بها المار منها، فهي تتحدث بصمت، وتصغي لمن يشكوها بثه وحزنه في صمت، ثم تدفن في أحشائها كل ما سمعته؛ بعض الأماكن تأسرك بسكونها لا بضجيجها، تجعلك ترتاح لها وتحكي لها أوجاعك دون شعور، عندما تلتقي بها، تحس أنك التقيت بذاك الشخص المفقود الذي بحثت عنه طويلا، فتسند رأسك على كتفه وتبوح له بكل أسرارك دون خوف من أن يفضحك يوما، ويضربك برصاص أهديته إياه بنفسك، فكل سر يعرف عنك الآخر هو رصاصة بإمكانه أن يقتلك بها أيما يشاء. طالما أنجبت قرية توبو من رحمها المثقفين والفقهاء؛ من أطباء وأساتذة وحفظة القرآن وغيرهم، وحتّى الأدباء والشعراء الذين تغنوا بها وغازلوها في قصائدهم، ومن بينهم عبد الكريم العيداني الذي زلزل سكونها بقصيدة «البنية»* التي يقول فيه ‘' البنية « :
‘' سَلِمْ عَلَى بَلَدِي فَالشَوْقُ
أَهْوَالُ
« توبو» أَيَا دُرَةً فِي
العقْدِ تَخْتَالُ
يَا قُبْلَةً في شِفَاه العِزِ
قد رقصتْ
يَا قِبْلَةً
زَانَهَا
أُسْدٌ وَأَشْبَالُ
فِي «عَيْنِ توبو» رَأَيْتُ
المَاءَ فِي جَذَلٍ
وَالنَاسُ مِنْ زمن ..
عمٌ وَأَخْوَالُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ دُرُوبُ
العِلمِ مَقْصَدُهُمْ
فَالعِلمُ رَايَتُهُمْ
والغَيْرُ عُذَّالُ
رَأَيْتُ حُسْنَكِ في الآفاقِ
مُنْتَشِيًا
المَاءُ عُنْوَانُهُ
وَالزَهْرُ
جَوَالُ
يَا زَائِرًا أَوَ تَدْرِي
أَنَهَا قَمَرٌ
شَمْسٌ يُبَارِكُهَا ‘' يُولْيُو ‘' وَ
‘' شَوَالُ ‘'
* - الاسم القديم لقرية توبو


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)