ممّا يلفت الانتباه حين تتبّع علوم الشّريعة أنّ كلمة الكلّية والجزئية والكلّي والجزئي ممّا هو مستعمل في غير علم من علومها. وإنّ هذه الألفاظ استُثمرت كألفاظ بمعانيها وكمعان بألفاظ قريبة منها(1) في الأصول و المقاصد، في التفسير والحديث، في الكلام والفقه... لتدلّ على حال يكون الباحث فيها أقرب إلى التّوفيق والسّداد، ويكون الفقيه فيها أقدر على إعطاء الواقع حقه من أحكام الله تعالى، من غير أن يجعل الحكم سببا في افتنان الناس به لمخالفته للواقع. وكذلك الشأن بالنسبة للسياسيّ و الحاكم و المعلم والعالم في أي ميدان. لأنّ حكمة الله تعالى اقتضت أن تجري أمور الناس على انتظام، ومن مقتضى ذلك أن يكون الكلّيّ والجزئيّ، والكلّية والجزئية وما يتعلق بها من القواعد. قال ابن القيم رحمه الله: "فكل خطر على المفتي فهو خطر على القاضي، وعليه من زيادة الخطر ما يختّص به. ولكن خطر المفتي أعظم من جهة أخرى فإنّ فتواه شريعة عامة تتعلق بالمستفتي وغيره - ومن هنا كانت كلية-. وأما الحاكم فحكمه جزئيّ خاص لا يتعدّى إلى غير المحكوم عليه وله. فالمفتي يفتي حكما عامّا كليا أنّ من فعل كذا ترتب عليه كذا ومن قال كذا لزمه كذا."(2)
بل إنّ هذا الأمر مما استوعبه على الجملة خصوم الأمة الإسلامية والمتربصون بها، وَهُمْ يوظّفونه لإذلالها وتقييدها بقيود العولمة المحبوكة، المنتشرة بإحكام. فما أن يتحرّر بلد من أرض الإسلام من خيط من خيوطها حتى يعلق بخيط آخر. واتُّخذ لذلك المنظمات الدولية والجمعيات غير الحكومية، والشركات المتعددة الجنسية، وقوانين التّعامل الدّولي.... ليجرّ هذا المجموع الرهيب ذلك البلد الإسلامي من عنقه فيكبه في أوحال الفوضى ومستنقعات الفرقة، وغيابات التخلّف. وأعظم ما يقصد إليه الحيلولةَ بين الإسلام وأهله وبين العربية وربوعها، وبين المسلمين وأمجادهم وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿ولا يزالون يقاتلونكم حتّى يردّوكم عن دينكم إن استطاعوا﴾ [البقرة-217]. وإذا كان الأمر بهذه الخطورة، فما هو الكلّي والجزئي، وما هي الكلّية والجزئية؟ وإلى أيّ مدى تمتدّ الحاجة إلى هذا الفقه؟
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/03/2023
مضاف من طرف : einstein
صاحب المقال : - عبد الحق جبار
المصدر : مجلة الحضارة الإسلامية Volume 17, Numéro 29, Pages 251-272 2016-06-01