الجزائر

مصر.. إلى الخلف دُر!



ما زالت الأخبار الآتية من مصر مقلقة، بل مرعبة، ولا تبشر بتخلص هذا البلد من الأزمات التي عانى منها طوال السنوات الماضية. فإلى جانب الأزمتين الاقتصادية والاجتماعية التي يعانيهما المجتمع المصري، أتت الأزمة السياسية التي رمت بالبلاد إلى أحضان الإسلام السياسي الذي لا مشروع له إلا العمل على تفقير الشعب المصري وتشتيت نخبته، لإضعاف، بل القضاء على أية معارضة قد تواجه الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم بعد ركوبهم أمواج الثورة وتحويلها عن وجهتها.
أما الأزمة السياسية، فقد نجم عنها إضعاف الرئيس محمد مرسي الذي وجد نفسه رهن إشارة مرشد الإخوان، الحاكم الفعلي لمصر، وفريسة لضغط شارع ومعارضة شرسة، تريد بأي شكل منع الإخوان من السيطرة على مفاصل الدولة، ورهن مستقبل مصر بين يدي جماعة لا تتوفر على أي مشروع حضاري، وليست لديها حلول اقتصادية، غير توزيع الصدقات على الفقراء، وما أكثرهم في المجتمع المصري، وتوزيع فتاوى التحريم والتحليل واللعب على حبل الطائفية المقيتة.
أحداث بور سعيد لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة في مصر، وضحايا هذه المدينة المكافحة سيضافون إلى قائمة طويلة مفتوحة لضحايا الأزمة المصرية، التي لا تزال مفتوحة على المزيد من الصدامات والتفاعلات، ما دام حكم الإخوان لم يحقق التغيير الذي خرجت من أجله الجماهير في جانفي 2011. فالثورة لم تحقق بعد سنتين مطالب الجماهير الواسعة، التي ازدادت فقرا بانهيار الاقتصاد المصري منذ الثورة. وصفوف الغاضبين مرشحة للتوسع، وما زالت المزيد من الانتفاضات ستشتعل مستقبلا، ولن تردعها قوات الأمن ولا خطاب الرئيس مرسي المتشبث بشرعيته المعترف بها دوليا، فقد يفقد الشرعية مع الضبابية التي تلف مشروعه، ومع عدم قدرته على السيطرة على الأوضاع، فلا هو تمكن من تقديم حلول للمشاكل الاقتصادية التي تتخبط فيها مصر، فاقتصاد مصر يعتمد على مساعدات بلدان الخليج وصندوق النقد الدولي، أما أمريكا فقد اشترطت مساعدتها بموقف مرسي من إسرائيل، وطلبت منه أن يسحب ما قاله من كلام عنصري ضد اليهود، ولا هو قادر على استرجاع الدور الإقليمي المصري الذي سحبته منها دول الخليج، وقطر تحديدا، وحتى الدور الذي أسند إليه في وقف الحرب الأخيرة على غزة، تجاوزته الأحداث بتعاظم الغضب الداخلي، فقد سقط في ساحة الاحتجاجات قتلى أكثر من العدد الذي سقط في ثورة يناير. ومرسي عاجز عن وقف الطوفان، ولم يعد الرجل يذهب راجلا إلى المسجد لإمامة المصلين أيام الجمعة، فلم يعد هناك مجال للتظاهر، إنه وقت الجد، فإما الاستجابة لمطالب الجماهير العريضة، وإما الرحيل؟!
وأمريكا؟! أمريكا لن تحرك ساكنا، بل بدأت خارجيتها توجه انتقادات لمرسي بأن الحريات تراجعت، وأن أمريكا قد تكون أخطأت بالمراهنة على التيار الإسلامي الذي يتعارض والديمقراطية.. والحقيقة أنها هذه هي مصر التي تريدها أمريكا، دولة ضعيفة متعثرة في مشاكلها وفي حاجة إلى الدعم الأمريكي بعيدا عن التطلع إلى دور الزعامة الذي لعبته طوال تاريخها الماضي...


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)