الجزائر - A la une

مشيئة الله لا تستند على شيء



مشيئة الله لا تستند على شيء
يقول ابن عطاء الله السكندري: ”إلى المشيئة يستند كل شيء، ولا تستند هي على شيء”.من أسماء الله تعالى:الصمد.ومعناه:الذي لا يحتاج إلى شيء، ويحتاج إليه كل شيء، ومن مستلزمات اسمه الصمد ثبوت صفة الارادة التامة له، أي الإرادة التي لا يشوبها نقص، ولا يتسرب إليها معنى من معاني القسر.وهي من أجلّ وأبرز حقائق العقيدة الإسلامية، الثابتة بكل من دليلي العقل والنقل.أما دليل العقل، فهو أن الله لو لم يكن مريداً إرادة تامة لا يشوبها قسر ولا إكراه من أي جهة خارجية، للزم في حقه نقيضها، وهو تسرب الإكراه الخارجي إليه، وهو يستلزم مكرِهاً، وذلك ينافي وحدانية الله عز وجل، وأنه دون غيره واجب الوجود.وأما دليل النقل من كتاب الله تعالى فآيات كثيرة، منها قوله عز وجل:”إنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُريدُ”(المائدة) ومنها قوله تعالى:”وإن يرِدْكَ بِخيرٍ فلا رادَّ لفضلِهِ”(يونس)..فهذه الآيات تثبت لله عز وجل صفة الإرادة، وتثبت له كمالها، أي أن إرادة الله تعالى لا يضيق منها حكم خارجي، أو عائق طبيعي، ولا تقف في وجهها إرادة أخرى مناقضة، ولا يعوزها احتياج إلى وساطة سبب أو علة.فإذا تبينت هذه الحقيقة الاعتقادية الكبرى، فإن هذا الذي يقول ابن عطاء الله، تلخيص لها وتكثيف لمعانيها في أقل ما يمكن من كلمات.بل هو تحليل وبيان بليغ لمعنى قول الله عن ذاته العلية: الصمد.والشيء في اللغة هو الموجود أياً كان.فإذا قلنا:إلى مشيئة الله يستند كل شيء، فمعنى ذلك أن كل ما هو موجود، لم يكن ليوجد لولا تعلق إرادة الله بإيجاده، والمشيئة هنا بمعنى الإرادة.وهذا التعبير ينفي عن أفعال الله تعالى التوسط بها إلى أغراض أو أفعال أخرى، كما هو شأن الإنسان في أفعاله التي يمارسها، يبغي سلسلة أعمال يبتغي بها كلها الوصول إلى غاية واحدة له، ولو تحققت له تلك الغاية ابتداء، لما كلّف نفسه أعباء الجهود الفعلية الموصلة إليها.فالله سبحانه وتعالى لا يستخدم أعمالاً لأخرى، ولو فعل ذلك لكان ذلك منه على وجه الاضطرار، كما هو شأننا نحن، ولو ثبت ذلك لما صح هذا التعميم في قول ابن عطاء الله: ”إلى مشيئته يستند كل شيء”.أما التعبير بلام التعليل أو ببائه في كثير من آي القرآن الكريم، فقد ذكرت لك في شرح حكمة سابقة أن أداة التعليل في تلك الآيات تعبير عن العلة الجعلية لا الحقيقة، أي تعبير عن أمور قرنها الله ببعض ما خلقه فظهر هذا الاقتران في مظهر سببية السابق منها للاحق..واعلم ان ابن عطاء الله يريد أن يجعل من هذه الحكمة دليلا يؤكد ما تضمنته الحكمة السابقة والتي قبلها، من أن عناية الله بك هي السبب في توجهك إليه بالطاعات والقربات، وليس بالعكس.إذ كيف تتصور أن تكون طاعة العبد لربه هي العامل في مشيئة الله العناية به؟إذن لكانت مشيئته سبحانه متوقفة على شيء ما، وهو هنا طاعة العبد وقرباته، وقد علمت ان الله منزه عن ذلك. بل كيف تتصور أن يكون دعاء العبد ربه هو المستند لمشيئة الله الاستجابة له؟إذن لناقض ذلك قولنا”ولا تستند هي-أي مشيئته-إلى شيء”.وكنت قد ذكرت لك الإشكالات التي قد ترد على هذا الكلام، وأوضحت لك الجواب عنها مفصلاً، وما أظن أننا بحاجة إلى استعادة شيء مما ذكرناه.المرحوم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)