الجزائر

مسيرة من صلب الدستور



 مسيرة السبت غير ملغاة. وستنظم تحت شعار التغيير. والسلطة على ما يبدو لا تريد التغيير ولا تؤمن به.
فرض الطوارئ ، هو  حالة أضيفت إلى مجموعة قيود كانت سائدة حتى قبل دستور فيفري .89 آنذاك، لم تكن الجزائر تسبح في نعيم الحريات. وقبل الطوارئ ، لم تكن الجزائر تحكم بنظام خاضع لقوانين الدولة، وإنما الدولة بمؤسساتها وشعبها هي التي تخضع للنظام، وللسلطة التي تديره.
وفي تبريرهم لمخاطر رفع الطوارئ، ينطلق أعضاء في الحكومة من فكرة أن الأمر الواقع السائد هو الأفضل. وفي الواقع، يصعب تقبل فكرة أن هؤلاء المعارضين لرفع حالة الطوارئ، وضد فتح قنوات التعبير، سيكلفون بملف تغيير النصوص . ويصعب تصديق نجاح تجربة التغيير بنفس العدة والتعداد. لأن المسألة تتجاوز مجرد تغيير الوجوه وتحسين واجهة نظام، أمام واجب تلبية حاجيات تتميز بوتيرة سريعة وبجرأة أكبر.
وتتطلب المرحلة جيلا جديدا من الأفكار، ومن أساليب العمل.
فالمسيرات هي جزء من الحريات. والاعتراف بأحزاب جديدة وبمنظمات نقابية جديدة هو جزء من الحريات. والمطالبة بتنظيم أسعار السوق هي جزء من الحريات. والمطالبة بتحسين شروط الحياة هو جزء من الحريات. والمطالبة بفتح السمعي-البصري هو للتعبير من خلا لها عن هذه الحريات. أما الإصرار على الفصل بين المطالب الاجتماعية وبين السياسية، فيعد برهانا على أن القديم لا يصنع الجديد .
في حوار له مع يومية ليبرتي، وجه وزير الداخلية رسالة إلى المختصين في علم الاجتماع للوقوف على الدوافع التي تدفع الشباب إلى العنف المفرط. ولو أنه قرأ القليل منها فقط، لعثـر على أجوبة علمية. فهناك تحذيرات من هؤلاء الخبراء بأن التعبير عن الاحتقان من خلال المظاهرات، أو من خلال مظاهر احتجاج أخرى، هو فعلا في مرحلة متقدمة الخطر من حيث مستويات العنف. وليس لهذه  الدراسات علاقة بالانتماء السياسي أو الأيديولوجي. فهي إنذارات من أهل الاختصاص موجهة إلى مسيرين لعلهم ينتبهون إلى تغيير حصل حولهم، وهم لا يدركونه بعد.
إن رد فعل السلطة على الاحتقان الاجتماعي، كان بتقديم وعود أخرى. ومنذ الإعلان عنها، لم نلمس بأن القليل المعبر عنه سيحظى بالتجسيد. وكأنها كلمات ركبت في عجالة، وتمت إضافتها إلى نص مبتور.
ومن متابعة نشرات اليتمية يمكن تصور أن فتح الأحضان له أكثـر من معنى.. وفي الغالب، فإنه لا يسمح بقبول الرأي الآخر المسالم.
لقد أقسم رئيس الجمهورية ثلاث مرات على احترام الدستور. وتأتي مسيرة اليوم تذكيرا بذلك. وسيكون قمعها أو حصارها لخنقها، حجة على نوع ديمقراطية النظام. فالمسيرة ستنظم تحت راية المادة 87 من الدستور الذي أقسم على صيانته. وهي المادة التي تعطي الحق في تنظيم المسيرات والتجمع والتجمهر..
صوت المواطن يقول نريد طي ملف العنف . فسنوات الإرهاب خلفت ما يكفي من المآسي. ويقول نطالب بجو مناسب للعمل . فالسنوات العشر الأخيرة كانت سنوات الإضرابات والاضطرابات المتتالية. ولم تتوقف بعد. وشملت معظم القطاعات. فهل العيب في كل هؤلاء الغاضبين؟
تشير أحيانا، تعاليق من أعضاء الحكومة، بما يفهم على أن الجماعة رضيت بواقع الاضطراب وبالإضرابات، طالما لا يخرج إلى الشارع. وأصبحت مظاهر الاحتقان وكأنها في نظر المسئولين وسيلة تخدمهم في الأخير، بما أن العملية هي تنفيسا عن الغضب الذاتي. لكن ما يتم إغفاله أحيانا، هو أن التعبير المتواصل عن الغضب يحدث تراكما قد يدفع إلى الانفجار.
نريد التغيير ونطالب به سلميا. نريد الانتقال إلى نظام جمهوري مؤسس على القانون. فـ الدولة المدنية هي الحلم وهي الهدف وهي الوسيلة التي ستجعل الجزائريين مواطنين كاملي الحقوق.
وتجد السلطة نفسها اليوم متورطة في ميدان ممتلئ بالأوحال. لا تستطيع الخروج منه وهي ناصعة البياض. ولا يمكنها البقاء بداخله لوقت أطول (حسبما تخبئه خزنة مال النفط) وإلا تم اقتطاع أطراف أساسية من وظيفتها. فهي لا تقدر على فرض الشفافية على التجارة وعلى الاقتصاد عموما، لأنها  لا تسمح بالشفافية في غيرها من المجالات. وحتى تتقدم بسياستها، عليها بدعم شعبي يسندها في قراراتها. وكسب هذا الدعم الذي يأتي طواعية، يختلف عن أشكال الدعم الأخرى التي تأتيه عن طريق مسيرات عفوية ، أو عن طريق التزوير. فالعزلة تجعل الإجراءات المهمة ، مجرد أشياء توضع في ركن زاوية، يغطيها غبار اللامبالاة.
والحل؟ بداية الحل، عندما تتمكن الكفاءات من شق طريقها إلى التسيير. فهي تحت الحصار باسم التوازنات، وباسم استقرار نفتقده من سنوات.
لقد آن الأوان لتحول الإرث المطلبي  المتعلق بمتطلبات الكرامة إلى حقيقة وإلى سلوك يطبع حياتنا. وهي الطريق المؤدية إلى ثقافة الديمقراطية التي نحن عنها بعيدون.. فمطالب اليوم هي بمثابة ما يلقن في الطور الأول ابتدائي. وأمامنا الطريق طويلة لبناء دولة مدنية لا تزول بزوال الرجال وتقوم على قيمة الرجل المناسب في المكان المناسب .. تلك كانت شعارات نظام. ندفع ثمن إيماننا بها، ونطالبه بها إلى اليوم من خلال أشكال التعبير الممكنة، ومن خلال مسيرة سلمية خارجة من صلب دستور يسمو على قرار.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)