الجزائر

مسجد ''الكوثر'' بالبليدةمنارة دينية وعلمية




صدرت مؤخرا عن اتحاد الكتاب العرب دراسة هامة بعنوان ''صورة الشرق الأقصى والعالم في حكايات ألف ليلة وليلة البحرية''، للمؤلف شمس الدين الكيلاني. ويرى المؤلف في المقدمة، أن قصص ألف ليلة وليلة التي سحرت مخيلة القراء تنتمي في نهاية المطاف إلى الأدب العربي الشعبي، على الرغم من أن بعض مؤرخي العرب القدماء والمحدثين أشاروا إلى أصولها الهندية، بينما ذهب آخرون إلى أنها عربية ـ إسلامية ونظروا إليها باستخفاف. وتزخر هذه الليالي بحكايا عن الشرق البعيد اختلط فيها الواقع بالخيال بحكايا التجار والبّحارة، وإذا كانت المواعظ والحكم تغلب على بعض هذه القصص، فذلك لأن هذا مقتبس من الصورة الشائعة عن الهند في ذهن العرب والمسلمين في العصر الوسيط.
في المحور الأول الذي يحمل عنوان ''حكايا في البحر'' في ''ألف ليلة وليلة''، يرى المؤلف أن ''الأدب القصصي'' ظل من اختصاص كاتب الأدب الشعبي ولم يرتفع إلى مصاف ''الأدب الرسمي'' ولم يتم الاعتراف به من قبل النخب المثقفة أو الحاكمة على أنه جنس من الأدب، ورغم ذلك حظي دائماً باهتمام العامة العلني، وباهتمام الخاصة بطرق سرية، فتناقلته العامة على مر القرون عن طريق القصاص أو الحكواتي أو الراوي الشعبي، مثلما جرى مع الليالي وسيرة الزير سالم والتغريبة الهلالية وسيرة سيف بن ذي يزن وسيرة عنترة بن شداد، وقد ظهر له رواة شعبيون وأساليب مبتكرة لنقل هذا الأدب للناس، وامتزج به الشعر بالنثر متخذاً صورة الأدب المسرحي القائم على راو واحد، امتلك مقدرات هائلة على الأداء الصوتي والحركي لخلق الإيحاء المؤثر.
نعثر في الليالي على العديد من الحكايات التي يدخل البحر كعنصر من عناصرها، أو تجري بعض حوادثها في جزر البحر أو شطآنه أو في داخله إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى قصص البحر النموذجية.
يضرب المؤلف أمثلة عديدة من حكايات البحر مثل قصة بنت الملك السمندل وحكاية بلوقيا، وكذلك يذكر المؤلف حكايتين طويلتين، هما حكاية قمر الزمان بن الملك شهرماني وتبدأ من الليلة 173 وتنتهي بالليلة ,249 وحكاية سيف الملوك وبديعة الزمان والتي تستغرق روايتها ثماني وستين ليلة من شهرزاد. إلى جانب تلك القصص التي لا يلعب البحر دوراً مركزياً في حوادثها وفي مصير أشخاصها، هناك في ''ألف ليلة وليلة'' العديد الآخر من الحكايات يصنفها المؤلف بين ''قصص البحر''، إذ يحتل البحر موقعاً مؤثراً في حوادثها وفي مصير الشخصيات، وفي مقدمتها قصة الصعلوك الثالث ''الملك العجيب'' وحكاية عبد الله البري، وأيضاً حكاية حسن البصري وحكاية جانشاه، وأخيراً، حكاية السندباد البحري الشهيرة حيث يمتطي الراوي صهوة العجائبي والخارق القائم على مرجعيات عقائدية عديدة.
يبين المؤلف أن حكاية عبد الله البري وعبد الله البحري لا ترتفع إلى المستوى الفني العالمي فحسب؛ بل إلى ما يجعل منها قصة من أقدم القصص الرمزية في آداب العالم، وذلك حين تكشف لنا في ثناياها عن فلسفة دينية عميقة تنمّ عن إيمان عميق بالتوافق بين نشاط الإنسان وعمله والمقادير التي يسوقها الخالق لمصيره.
أما أكبر الحكايات البحرية في الأدب العربي، فهي حكاية السندباد البحري؛ لا بل يمكن اعتبارها من أهم قصص البحر في آداب العالم بأسره وتشترك مع قصتي عبد الله البري وحسن البصري في كونها قصة بحرية مكتملة، أو أنموذجاً متكاملاً للحكاية البحرية، بيد أن البحر في حكاية عبد الله البري والبصري كان وسيلة إلى بسط اعتقاد فلسفي أو ديني، أما البحر في حكاية السندباد فهو الغاية التي تنتهي إليها القصة، ويأخذ البحر مكان بطل قبالة بطل آخر هو السندباد، أو يدخل في حوار معه؛ حوار يتسم بالقسوة والعنف والتحدي أحياناً أو بالاطمئنان والرضى ونداء الكلمات أحياناً أخرى. وقد استثارت هذه الحكاية ومعها حكاية علاء الدين وعلي بابا مخيلة الرجال والنساء الأوروبيين في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وتجاوبت مع ميولهم الدنيوية في الإنجاز والمغامرة.
يعرض الراوي هذه الحكاية بكياسة في الأسلوب وبتنويعات الأحاسيس والخيال ودمج الواقعي بالعجيب والمنطقي باللامتوقع، وتنبسط الحكايا سردياً بطريقة تناسب أسلوب الإلقاء التي يعتمدها الراوي و''الحاكي'' الشعبي باتباعه طريقة الاسترسال والتشويق والانتقال من حال إلى حال.
في المحور الثاني، يتحدث المؤلف عن صورة الشرق الأقصى في ألف ليلة وليلة، فقد تعرف العرب إلى الشرق الأقصى مباشرة بواسطة التجارة والترحال إلى أصقاعه وعن طريق معارفهم الجغرافية وتأليفهم التاريخي والأدبي.
أما المفكرون العرب والمسلمون، فقد استندوا في معرفتهم للعالم على رحلاتهم وعلى الأخبار التي استقوها من الجغرافيين ـ الرحالة والأسرى والجواسيس والتجار، كما استفادوا من خبرات الشعوب الأخرى وعلومها المترجمة للعربية، غير أن سعة تلك المعلومات وشمولها اصطدمت بالإطار النظري الذي تصوروا به العالم أو الكرة الأرضية وهو إطار تشكل لديهم تحت تأثير ما اقتبسوه من علوم الهند وفارس أولاً ثم اليونان ثانياً، وأهم تلك النظريات التي تحولت إلى إطار معرفي ضبطوا فيه وأعاقوا انفتاح معرفتهم، هو تقسيم الأرض المعمورة إلى سبعة أقاليم متسلسلة من الشمال إلى الجنوب، فرسموا على هذا الأساس التخيلي خطوط طول وهمية تتقاطع مع خطوط عرض وهمية هي الأخرى، حددوا به الأقاليم السبعة وأجزاءها المفترضة. ويستطرد المؤلف في عرض المفاهيم الجغرافية والنظريات التي تداولها العرب في تلك الفترة من تاريخهم. وقد أضاف الرحالة وأصحاب العجائب معطيات معرفية وتخيلية أبعاداً جديدة وتجارب جديدة تعتمد على المشاهدة والتجربة المباشرتين لوقائع رحلاتهم في المحيط الهندي وجزره وسواحله ومزجوا فيما تركوه من مذكرات بين الوقائع والمتخيل.
في القسم الأخير من كتابه يعالج المؤلف صورة الشرق الأقصى في الليالي، وقد تميزت هذه الصورة بالنظرة الإيجابية عن الصين والهند سواء في المتخيل القصصي أو على صعيد العلاقات الواقعية. كما يتحدث عن ظواهر كونية ـ جغرافية كبرى ورد ذكرها في كتاب ألف ليلة وليلة وتردد من بعيد صدى ما تداولته المدونات الثقافية العربية مثل جبل قاف، جبل المغناطيس، كما يتحدث عن غرائب البحر التي وردت في القصص، وكذلك عن عوالم تخوم العالم المغمور الغامضة مثل النحاس والتخوم القصوى وجزائر واق الواق والتجارة الصامتة على تخوم العالم المغمور، ويختم بالقول: ''إن هذه الصورة الشاملة التي كونتها سردية الليالي عن الشرق الأقصى: براً وبحراً، إنما كانت تنضح من بحر الثقافة العربية المتلاطم والعميق ومن تصور هذه الثقافة للعالم في العصر الوسيط''.

لا يمكن لزائر مدينة الورود أن يمرّ مرور الكرام على مسجدٍ لا يزال حاضره يحتفي بماضيه من خلال تمسّك أهل مدينة البليدة بمعالمه الدّينية السّاحرة، إنّه مسجد ''الكوثر'' الذي استطاع بمساحته وتصميمه أن يستقطب آلاف المصلّين والباحثين عن العلم.
يعتبر مسجد ''الكوثر'' المتربّع بالقرب من ساحة التوت الشهيرة بوسط المدينة، من أهم المعالم الإسلامية التي تضرب بجذورها إلى القرن السادس عشر من عام 1533 ميلادي تاريخ تأسيسه على يد الشيخ سيدي أحمد الكبير، حيث بُني على تبرّعات أهل مدينة الورود، قبل أن تنتهاك حرمته ويتم تحويله سنة 1830 إبّان الاحتلال الفرنسي إلى كنيسة للفرنسيّين، وقد ظل على حالها إلى غاية عام 1974 عندما أعلنت السلطات الولائية بمعيّة مديرية الشؤون الدينية بالبليدة عن إعادة بناء المسجد وتوسيعه، وقد أطلق عليه تسمية ''الكوثر'' استنادا لما ورد في الأثر الإسلامي، ليُفتح رسميّا للمصلين سنة 1981 .
وأهمّ ما يميّز مسجد ''الكوثر'' مساحته التي تبلغ 12 ألف متر مربع، والتي مكّنته من استقطاب أكثر من 12 ألف مصلٍ في المناسبات الدينية، ويحوي الجامع الذي تعاقب عليه كبار الأئمة بالجزائر كالشيخ علي الشرفي ومحي الدين تشاتشان والشيخ الزبير، عدّة مرافق هامّة جعلته مقصد طالبي العلم والشريعة، فعلى غرار قاعة الصلاة الواقعة بالطابق العلوي التي تتربّع على نحو 4 آلاف متر مربع وتتّسع لـ 8 آلاف مصلٍ وترتكز على 25 عمودا منها الأعمدة المزدوجة، يضمّ الطابق السفلي للمسجد مدرسة قرآنية وقاعة للمحاضرات بقدرة استيعاب550 مقعدا، إلى جانب مكتبتين داخلية وخارجية والمركز الثقافي الإسلامي، فضلا عن بيوتٍ للوضوء.
''المساء'' زارت مسجد ''الكوثر'' ووقفت على أشغال التهيئة الكبرى به، كما رصدت أشغال توسعة قبة المسجد وتحدّثت مع إمام المسجد السيد بن يمينة، الذي أكّد أنّ قبة المسجد تعتبر من أكبر قباب المساجد عبر الوطن في أناقتها العمرانية. مضيفا أنّ  مآذنه الأربع اعتمد في بنائها على الشكل الثماني حيث يبلغ طول كل مئذنة 60 مترا.
ولعلّ أهمّ ما يشدّ زائر مسجد ''الكوثر'' بناؤه الحديث الذي امتزج بتصميم قديم وأصيل، حيث يوجد بداخله محراب منقوش عليه آيات قرآنية بالجبس ومنبر ثابت مبني بالرخام، ويرتكز التعبير الفني بالمسجد في كتابة المصحف الشريف على بلاطات تحيط به من الداخل والخارج-.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)